×

  الاعلام و التکنلوجیا

  الإعلام الخاص وضرورات دعمه



*ا.د. حسني محمد نصر

 

تمثل وسائل الإعلام التي يملكها أفراد أو شركات قطاعًا مهمًا لا غنى عنه من قطاعات الإعلام العربي منذ نشأة هذا الإعلام وحتى يومنا هذا، ورغم غلبة وسيطرة الوسائل الإعلامية التي تملكها الدول والحكومات على الساحة الإعلامية العربية، فإن الوسائل المملوكة ملكية خاصة تبقى الركن الأساسي الثاني من أركان الثروة الإعلامية الذي يجب الحفاظ عليه وضمان استمراره وازدهاره كونه يسهم جنبا إلى جنب مع الإعلام الحكومي في تقديم الخدمات الإعلامية التي يحتاجها المجتمع من جانب، ويؤدي وظائف الإعلام والتعليم والتثقيف والتسلية لأفراده من جانب آخر.

وتكشف التجربة العربية للإعلام الخاص أن هذا الإعلام كان له الريادة والقيادة الجماهيرية في بعض الدول وبعض الفترات التاريخية المهمة، وتفوق في بعض الأحيان على الإعلام الحكومي المدعوم من الدولة، ويشير تاريخ الصحافة في العالم العربي إلى أن الصحف الخاصة التي كانت تضم صحف الأفراد والعائلات والأحزاب السياسية كان لها دور مهم في الكفاح الوطني ضد الاستعمار الأجنبي، ولعبت دورًا مهمًا في تحقيق الاستقلال الوطني وإخراج المستعمرين. ومع ذلك فقد كانت هذه الصحف أول ضحايا الحكم الوطني بعد الاستقلال، إذ اتجه الحكام الجدد إلى إغلاق الصحف الحزبية بعد إلغاء الأحزاب السياسية، وتأميم الصحف الخاصة، ونقل ملكيتها إلى الدولة مقابل تعويضات هزيلة لأصحابها. ورغم أن الإعلام العربي بوجه عام نشأ في أحضان الحكومات، وبتمويل منها فإنها على اختلاف أنواعها واختلاف درجات إيمانها بحرية الصحافة سمحت بنشأة وسائل الإعلام الخاصة، ووضعت القوانين التي تنظم إصدار التراخيص الخاصة بها، وساوت بينها وبين الوسائل الحكومية في النصوص القانونية الخاصة بضوابط ومحظورات النشر والإذاعة. في المقابل قامت دول أخرى بالتمييز ضد هذه الوسائل الخاصة، وتفضيل الوسائل الإعلامية الحكومية سواء في الإمداد بالمعلومات أو الإعلانات أو الدعم الحكومي، وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع وسائل الإعلام الخاص في غالبية الدول العربية.

ومع الأزمة التي تعيشها وسائل الإعلام التقليدية في الوقت الحاضر والمنافسة غير العادلة التي تواجهها من الوسائل الإعلامية الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي تزايد تراجع الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية المملوكة ملكية خاصة، وبدأ بعضها في الخروج من السوق الإعلامي العربي، مما أفقد صناعة الإعلام العربي صحفا ووسائل إعلامية مهمة كانت يومًا ما ملء السمع والبصر.

ويشير استعراض الخريطة الإعلامية العربية إلى حقيقة أنه على خلاف الصحف والإذاعات الحكومية المدعومة كليا من ميزانيات الدول، يواجه قطاع مهم من قطاعات العمل الصحفي في الدول العربية، ونعني به قطاع الصحافة المستقلة عن الحكومة عقبات اقتصادية كثيرة هي نفسها تقريبا ما تعاني منه الصحافة بصفة عامة في العالم العربي وهي ضعف التمويل، والمصادر المالية المحدودة، وضعف القاعدة الإعلانية، وضعف قاعدة القراء.

ويمكن تقسيم الصعوبات التي تواجهها الصحف غير الحكومية في الدول العربية إلى نوعين أساسيين، يضم النوع الأول كافة الصعوبات الاقتصادية والتكنولوجية سواء بسبب تراجع القدرة المالية لهذه الصحف والوسائل أو تلك الناتجة عن تدخل حكومي لحرمان هذه الصحف من الإعلانات الحكومية التي تراجعت بسبب الأزمات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا، والأزمات الدولية الطارئة كالأزمة في أوكرانيا، والتضييق عليها في التوزيع، ووقف اشتراك الإدارات الحكومية فيها. وتشير بعض التقارير في هذا الصدد إلى اتباع الحكومات أساليب لإجبار الصحف غير الحكومية على التوقف عن الصدور، على رأسها قصر الإعلانات والاشتراكات الحكومية على الصحف الحكومية التي تتمتع بوضع احتكاري كامل في هذا المجال.

أما النوع الثاني من الصعوبات فيتمثل في الصعوبات الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية العامة المتردية في بعض البلدان العربية.

والواقع أن الصعوبات المالية التي تواجهها الصحف غير الحكومية في العالم العربي كانت العامل الرئيسي في توقف عدد كبير من هذه الصحف عن الصدور، ولا تزال تهدد القائمة منها حتى اليوم. فقد توقفت بعض الصحف الخاصة عن الصدور بعد صدور عدد واحد منها فقط. وتعاني صحف عربية عريقة كان لها السبق في الصدور والتوزيع والتأثير من تبعات الأزمة الاقتصادية بصورة لم يسبق لها مثيل، وخفض بعضها عدد صفحاته، وألغى البعض الآخر أبوابًا وخدمات صحفية مهمة، وقلل من التغطية الخبرية للأحداث المهمة نتيجة الاستغناء عن عدد كبير من الصحفيين.

 ويمكن تفسير هذا الأمر الذي تكرر مع أكثر من صحيفة وفي أكثر من دولة عربية بأن المناخ الجديد من الحرية الذي شهدته بعض الدول العربية قد أغرى بعض الصحفيين إلى المسارعة بإصدار صحف مستقلة عن الحكومة فور حدوث التغير السياسي في بلادهم دون التفكير في مسألة التمويل والموارد المالية اللازمة لاستمرار هذه الصحف، الأمر الذي أدى إلى الاختفاء السريع لبعض من هذه الصحف.

وتتدخل بعض الحكومات العربية للتحكم في السياسات التمويلية للصحف من خلال احتكار استيراد وتوزيع ورق الطباعة على الصحف وفقا لقربها أو بعدها عن الحكومة، بالإضافة إلى التشدد في قوانين النقد والاستيراد مما يؤثر سلبا في صناعة الصحافة، ويحرم الصحف غير الحكومية من استيراد الورق.

كما تتدخل الحكومة وتميز بين الصحف الحكومية والصحف غير الحكومية في تحصيل الضرائب المستحقة على كل منهما، إذ تميل إلى إعفاء الصحف الحكومية من الضرائب، وإلزام الصحف غير الحكومية بأداء هذه الضرائب. ويبلغ التمييز أقصى حدوده فيما يتعلق بتوزيع الإعلانات الحكومية -التي تمثل الجانب الأكبر في السوق الإعلاني- على الصحف وفقًا لمواقفها من الحكومة.

ويرى البعض أن السياسات الإعلانية التي تنتهجها الحكومات العربية تمثل نوعا من الرقابة غير المنظورة على الصحافة، إذ تقوم هذه السياسات على حرمان صحف المعارضة من الإعلانات الحكومية أو الشركات والمؤسسات التابعة للحكومة.

لقد حان الوقت لدعوة الحكومات العربية إلى العودة إلى سياسات دعم الإعلام الخاص وتقويته، باعتباره إعلاما وطنيا يؤدي وظائف قد لا يستطيع الإعلام الحكومي وحده القيام بها.

 ومن هنا فإن على القائمين على الشأن الإعلامي أن يمدوا يد العون للصحف والإذاعات الخاصة التي صدرت في ظل قوانين وضعتها الحكومات، طالما التزمت التزاما واضحا بما في هذه القوانين من ضوابط. إلى جانب ذلك أصبح من الضروري تشجيع المزيد من الأفراد والشركات الخاصة إلى الدخول في السوق الإعلامي دخولا شرعيا مقننا عبر تغيير النصوص الخاصة بشروط الإصدار والترخيص في قوانين المطبوعات والصحافة والإعلام والمنشآت الإذاعية الخاصة، وتيسير منح التراخيص للصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون الجديدة.

 إذ إن كل صحيفة وكل محطة إذاعية وتليفزيونه تظهر إنما هي إضافة للثروة الإعلامية للمجتمع التي يجب تعزيزها والحفاظ عليها وتنميتها.

 وفي هذا الإطار علينا أن ندرك أن تزايد استخدام التكنولوجيا في وسائل الإعلام العربية خاصة الصحافة ولدت مزيدا من الاعتماد على السلطة السياسية من جانب وعمقت عدم التوازن في توزيع المنتج الصحفي في المجتمع، ولذلك يجب أن تتدخل الحكومة لإعادة توزيع القوى الصحفية، وإعادة توزيع الثروة الصحفية في المجتمع، حتى وإن أبقت على العلاقة بين الدولة وبين الصحافة على ما هي عليه.

*صحيفة"عمان"العمانية


31/08/2022