×

  حوارات

  ​الهياكل والكيانات الموازية خطيئة النظام التركي



كمال قليجدار أوغلو:

الهياكل والكيانات الموازية خطيئة النظام التركي

* (اندبندنت تركية) 8-12-2021

"لا أعتقد أن البنك المركزي مستقل في قراراته. هناك تدخل للقصر في شؤونه، وأفاد أردوغان بذلك مرات عدة. والواقع أن هذا بمثابة كارثة لتركيا، والارتفاع الفاحش في سعر الصرف في بلد يعتمد بشكل كلّي على الاستيراد سينعكس على أسعار جميع المواد من الإبرة إلى الخيط". بهذه الكلمات الصريحة التي لا مواربة فيها، استهل زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو حديثه إلى صحيفة "اندبندنت تركية"، التي التقته في أثناء جولته.

وأضاف، "ستعاني البلاد من سيل هذه الزيادات، وتتحملها، وقد بدا وميض الاضطرابات يوشك أن يستعر. لا شك في أن أولئك الذين يمتلكون الدولارات ويطرحون مقاولاتهم بالدولار سعداء بهذا الوضع. لكن سيؤدي هذا إلى تدهور خطير في توزيع الدخل، وسيزداد فقر الفقراء وثراء الأثرياء، ربما هذه هي السياسة الاقتصادية التي يريدها القصر".

وعن لقاءاته الكثيرة مع أحزاب تحالف الأمة، ومتى يخططون لإصدار بيان مشترك، أوضح، "بالطبع، أجرينا أولى دراساتنا حول النظام البرلماني المعزز، بادئ ذي بدء قام كل حزب بإعداد ذهني خاص به وأتمه، ثم اجتمع معاونو رؤساء الأحزاب، وعقدوا اجتماعهم الثالث على حد علمي، وسيصدر بيان مشترك اتفق عليه جميع الأحزاب في ديسمبر (كانون الأول)، وسيكون خطوة جيدة".

لقاءات حزب الشعب

وحول اللقاءات التي تجري مع قادة الرأي، وهل تمثل استراتيجية تواصل جديدة؟ قال كمال قليجدار أوغلو، "هؤلاء القادة كانوا من عداد الشرائح البعيدة من حزب الشعب الجمهوري، يحظون بمحبة واحترام المجتمع، لكن لديهم علامات استفهام حول حزب الشعب الجمهوري، نجالسهم ونتحدث إليهم، وربما تستغرق اجتماعاتنا معهم ساعتين أو أكثر، يطرحون علينا قضاياهم وما يعلق في أذهانهم، ونحن بدورنا نجيب عن تساؤلاتهم. إن ما نريد أن نحدثكم به الآن هو أن حزب الشعب الجمهوري كرّس نفسه لقضايا البلاد، حزب نقي ونزيه، نحن بحاجة إلى تسييد الأخلاق في السياسة وعدم الكذب على المواطنين" .

وتابع، "إن أولئك الذين غادروا الاجتماع بعد انتهائه كانوا بحالة روحية ومزاجية مختلفة عما كانت عليه من قبل. فعلى سبيل المثال، كان لي لقاء مع الدعاة في إسطنبول، وفي نهاية اللقاء قال لي أحدهم: ’تأخر هذا الاجتماع ثمانين عاماً، لكم تمنينا أن تأتوا إلينا من قبل، وتحدثنا حول مشكلاتنا‘، وذلك لمعلومات ملفقة حول حزب الشعب الجمهوري بأساطير تناقلتها الأجيال جيلاً عن جيل" .

لا داعي للقلق

انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح "المحافظون القلقون"، الذين يرون أنه إذا ما وصل حزب الشعب الجمهوري إلى السلطة فسيتدخل في أساليب حياتهم، هل لديكم ما يبدد مخاوفهم هذه؟ أجاب "أقلِقَ أو لا، لا أجد من الصواب لأي من أصدقائي المحافظين أن يخشى الحرمان من حقوقه المكتسبة أو حقوقه الحالية، إذ محتم عليّ أن أقدره وأقدر الطبيعة وجميع الكائنات، وسأقف في وجه من يسعى إلى سلب حقوقه هذه، وسأمنحه مزيداً من الحقوق والحرية، وإذا ما وصلت إلى سدة الحكم، سيكون قادراً على انتقادي بسهولة".

وأضاف، "ما أعتقده وأؤمن به، وما أريده لأصدقائي القلقين أن يدركوه، أنني بصفتي سياسياً لست بحاجة إلى تصفيق المصفقين قدر حاجتي إلى نقد بنّاء ومتزن أدرك به أخطائي وعيوبي لأسدد خطاي. والواقع أن أكثر المساهمين لي في مسيرتي، أولئك الذين ينتقدونني، أما المصفقون، فلا أجد لهم أي إسهام، قد يزيدون حماستي، لكن ينبغي للسياسي أن يعرف كيف يتعلم من الانتقاد، لذلك لا داعي للقلق أبداً، سأمنحهم حرية واسعة للغاية".

وتابع، "الدولة لا تُدار بالحقد والغضب وشعور بالانتقام، كيف لي أن ينتابني شعور بالانتقام إذا ما وصلت إلى السلطة، وقد قطعت مسافة 450 كم لأجل العدالة، وتحدثت عن العدالة، هذا غير صحيح. سنحكم بالعدل، لا شك في أنه إذا ما كان للمرء أي قصور وخلل سيعالج ذلك في إطار القانون، لكن إن حاولت أن تحكم الدولة بشعور من الانتقام، فلن تختلف عمن يحكمون الآن، الفرق الرئيس بيننا هو أننا نقف مع العدالة، أما هم فيقفون مع سياسة القمع".

مصالح تركيا العليا

وعن الانفتاح في السياسة الخارجية والسلام مع الجوار، انطلاقاً من مبدأ "السلام في الوطن، السلام في العالم"، قال "من أكبر أخطاء هذه الحكومة هو إنشاؤهم هياكل وكيانات موازية، ماذا تعني هذه الكيانات؟ هناك وزارة للخزانة والمالية ولها امتداد في القصر، وهناك وزير للخارجية ومثيل له في القصر، ورئيس لمجلس التعليم العالي، وآخر في القصر، المصرف المركزي مستقل لكنه مفتوح لتدخلات القصر. لذا أرى من الضروري إنهاء هذا الهيكل الموازي تماماً، فكما يحافظ المصرف المركزي على استقلاليته، فإن المؤسسة التي تنفذ السياسات الخارجية للبلاد هي وزارة الخارجية، فإن أنت عطلت هذه الوزارة، ولم يستطِع المتحدث الرسمي باسمها أن يدلي بأي تصريح في مواجهة أحداث معينة وينوب عنه القصر في الإدلاء بالتصريحات، تكون قد قوضت كيان الدولة".

وواصل، "نحن نعلم أن السياسة الخارجية هي سياسة وطنية، وأن معركة السلطة والمعارضة لن تكون في هذه المؤسسة، بل على العكس تماماً ينبغي أن تكون السياسة الخارجية مبنية على مصالح تركيا العليا، ويجب أن نعيش بسلام مع جميع جيراننا. وأركز على هذه النقطة بشكل خاص، لأنني أعتقد أن الذي قضى جل حياته في ميادين الحروب يقدر أهمية السلام ويقول ’سلام في الوطن، سلام في العالم‘، ولا شيء أغلى من السلام .ماذا نخسر إذا أجرينا حواراً جيداً مع الجوار، عندما ننظر إلى الجغرافيا العثمانية، نرى أن لدينا علاقات قربى معهم، نحن أصدقاء وأقارب وإخوة، ونتزاوج وما زلنا على هذا المنوال حتى اليوم. لذا حين تجعل السلام مهيمناً، يمكنك تحويل هذه الجغرافيا إلى مرتع للسلام، وهذا ما نرنو إليه".

تعددية الألوان والثقافة

وأوضح، "في الواقع، لدينا مشروع ذات مركزية تركية تشمل القوقاز والشرق الأوسط والبحر المتوسط، ونعمل على توسيع هذا المشروع، كما على إنشاء هيكلية يمكن أن تتطور فيها جميع دول المنطقة وليست تركيا فحسب. فبعد إقامة علاقات دبلوماسية صحية ومتزنة مع دول الجوار، ستنمو العلاقات التجارية والحياة الثقافية، ونعمل على إقامة دور مشتركة للسينما، وسيتوافد الكتّاب والمثقفون ونذهب إليهم ونجالسهم ونتحدث إليهم. يعني إن نحن استطعنا تحييد الدعايات والسياسات القائمة على المعتقدات أو الهويات أو نمط الحياة في المنطقة، يمكننا حينئذ أن نلتقي بصفاتنا الإنسانية".

تحدثتم في كلمتكم خلال جولتكم في ولاية قارص عن تعددية الألوان والثقافة، غير أن السلطة عملت على توتير هذا النسيج في المنطقة، كيف تنوون إصلاح ذلك؟ أجاب "في الواقع يعمل الحزب الحاكم على تقسيم واستقطاب المجتمع لتعزيز سلطته، وهذا يلحق أضراراً بتركيا وسياستها ونموها وتطورها وسمعتها الدولية. وكان الأولى قبول هذه الاختلافات والتباين ثراء، وأن لا يكون هذا الثراء سبباً للصراع، بل على العكس تماماً ينبغي أن يكون مصدر فخر لنا جميعاً".

وأضاف، "طبعاً، نحن نعيش بسلام وسنواصله، ولبناء أرضية لهذا العيش الآمن، نحتاج إلى ما هو أبعد من الخطاب، نحتاج إلى ترجمة هذه الأرضية إلى واقع ملموس. وكيف للسياسي أن يترجم ذلك إلى واقع؟ لا بد له من أن يجالس كل فريق ومجموعة، ويقيم حواراً معهم، ويحادثهم، ويصغي إلى مشكلاتهم، وهذا ما سنفعله".

قواعد الصداقة

وحول السياسة التي ينوي حزب الشعب الجمهوري انتهاجها حيال الشرق الأوسط، قال "لدينا فكرة تأسيس منظمة باسم ’منظمة السلام والتعاون في الشرق الأوسط‘، إذ نطمح إلى إرسائها بصورة تشمل تركيا والعراق وإيران وسوريا ضمن ديمقراطية قوية تمكّن شعوب هذه الدول من التعبير عن نفسها بسهولة، ومن شأن هذه الوحدة أن تجلب السلام وتحقق الأمن والاستقرار وتنهي الصراع وترفع معايير الديمقراطية. فإن نحن فعلنا ذلك، نكون قد قضينا على مشكلات المنطقة إلى حد كبير، وما أعنيه من الديمقراطية ليس لكشف شيء جديد، لكن لجلب المعايير الديمقراطية المجمع عليها في الاتحاد الأوروبي إلى بلادنا، إذ إن هناك مفهوماً متطوراً للديمقراطية، ليكن ذلك في بلادنا وفي سوريا وإيران والعراق. وعندما نعزز ذلك بالنمو الاقتصادي، ستنعم المنطقة بالسلام والاستقرار".

وتابع، "زار وفد من الحزب كردستان العراق، والتقى بارزاني، تحدثنا إليهم، وسنواصل الاجتماع على فترات معينة، نريدهم أن يأتوا أيضاً ويجروا لقاءات مماثلة في بلادنا، ذهبنا إلى التركمان والأيزيديين أيضاً وأجرينا لقاءات معهم. انظروا لا نميز بينهم لا من حيث المعتقد أو الهوية، نريد أن نرسي قواعد الصداقة، وأن نعيش معاً. فعلى سبيل المثال، أخبرونا بأن لفتاة أيزيدية مشكلة تعاني منها، نقوم الآن بمتابعتها، نريد أن نتغلب على مشكلتها".