×

  شؤون قانونية

  رئيس اقليم كردستان: تساؤلات حول واقع السلطة القضائية في الاقليم​



رئيس اقليم كردستان: تساؤلات حول واقع السلطة القضائية في الاقليم

المكتب الاعلامي لرئيس الاقليم 8-12-2021

ألقى نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان، الأربعاء (8 كانون الأول 2021) كلمة في مراسم أداء اليمين من جانب القاضي عبدالجبار عزيز حسن رئيساً لمحكمة التمييز ورئيساً لمجلس قضاء إقليم كردستان، والتي جرت في ديوان رئاسة إقليم كردستان.

وسلط نيجيرفان بارزاني، في كلمته، الضوء على أحوال السلطة القضائية ومشاكلها والتحديات التي تواجهها، مؤكداً على أهمية استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون، اللذين عدّهما الأساس لبناء نظام ديمقراطي ومجتمع متقدم.

وفي ما يأتي نص كلمة نيجيرفان بارزاني:

 

السادة رئيس وأعضاء مجلس قضاء إقليم كردستان،

السادة القضاة والحضور الكرام،

طاب نهاركم وأهلاً بكم..

أود بداية أن أهنئ السيد القاضي عبدالجبار عزيز حسن، على أدائه اليمين رئيساً لمحكمة التمييز ورئيساً لمجلس قضاء إقليم كردستان، آملاً له ولكم جميعاً النجاح، وبالتوفيق.

 

أيها السادة..

الأساس الرئيس لأي بلد ونظام ديمقراطي ومجتمع متقدم، يكون المواطن فيه مطمئناً على حاضرة ومستقبله، ويجدهما مضمونين، هو الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. فلكل واحدة منها مكانتها المستقلة ومسؤولياتها المختلفة.

هدفنا هو الفصل بين هذه السلطات وتنظيم العلاقة بينها في إقليم كردستان بشكل لا يكون لأي منها نفوذ على السلطتين الأخريين، ولا تتدخل أي منها في الشؤون الداخلية للأخرى. هذا عندنا هو الخطوة الأولى باتجاه مأسسة تجربة الحكم في إقليم كردستان، وبناء الديمقراطية ومجتمع مدني متقدم.

هناك بعدان لاستقلال السلطة القضائية:

الأول، استقلالية القضاة.

الثاني، استقلالية المؤسسة القضائية.

استقلالية القضاة: تعني أن يكون القاضي محايداً وحراً عند إصدار القرارات، ولتحقيق هذا يجب أن يتمتع بالاستقلال والأمن مالياً، وأن يكون محمياً من أي مصدر تأثير غير لائق، ويكون بعيداً عن كل أنواع العنف، التهديد، المضايقة المباشرة أو غير المباشرة، سواء أمن جانب الحكومة أو الشخصيات السياسية أو المتنفذة، وسواء أكانوا من الأهل والأقارب أو من أصحاب المصالح.

استقلالية المؤسسة القضائية: تعني أن يكون مجلس القضاء مستقلاً كمؤسسة، وغير خاضع لنفوذ أي من مؤسسات الحكومة أو البرلمان. أن لا يكون بأي شكل من الأشكال خاضعاً لتأثير السلطة السياسية، ولا يتحول إلى أداة في يد السياسة. أن تكون له علاقة مؤسساتية مع السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.

من واجب مجلس القضاء أن يحمي القضاة من مصادر التأثير غير اللائقة، وهذا يتحقق عندما يضمن كون قرارات القضاة حين صدورها محايدة وصائبة وقائمة على أساس القانون فقط. لكي يكون المواطن متأكداً، في حال محاكمته، من أنه يُعامل معاملة عادلة ويُسمع له بصورة جيدة، وتكون مطالبه مسموعة. يجب أن يكون المواطن واثقاً من أن القاضي بعيد عن كل ضغط خارجي، وأنه خاضع فقط لضميره والتزامه بالقانون. فالمواطن يلتزم بالقضاء والقانون عندما يكون واثقاً من كونهما حرين مستقلين.

 

لكن أيها السادة،

– هل هذه هي حال وواقع السلطة القضائية في إقليم كردستان؟

– هل هي مستقلة وليست خاضعة لنفوذ السلطة والسياسة ولا تأثير عليها؟

– هل المواطن واثق ومطمئن تماماً إلى السلطة القضائية؟

– هل تمارس السلطة القضائية ومجلس القضاء والقضاة الموقرون سلطاتهم القانونية كما يجب في الحفاظ على استقلاليتهم، في حين أن هذه الاستقلالية محمية بالقانون؟

لا شك أن الإجابة على هذه التساؤلات تحتمل الكثير من الكلام والآراء والتفسيرات المختلفة. بالتأكيد، وكما هي الحال في القطاعات والمجالات الأخرى، تم تحويل السلطة القضائية في أحيان كثيرة، ويتم تحويلها، إلى مادة للخلاف والدعاية والخصومة السياسية والإعلامية في إقليم كردستان. هناك محاولات للطعن في نزاهتها واستقلاليتها ومهنيتها بهدف إضعاف ثقة المواطن بالسلطة القضائية وبالمحاكم.

لكن إجابتنا هي القضاء الصائب وحماية القانون واستقلالية المحاكم. مهما كانت الآراء والملاحظات، فإن السلطة القضائية هي واحدة من الأسس الرصينة والرئيسة لكيان إقليم كردستان. لها حضور ودور ومكانة كبيرة وتقدم خدمات كثيرة. مارست وتمارس دوراً كبيراً في إنشاء الأسس القانونية لإقليم كردستان.

 

لكن أيها السادة،

مع ذلك، وكما هي حال المجالات الأخرى، فإننا لا نقول إن السلطة القضائية في إقليم كردستان كاملة لا مشاكل لها! هناك حقائق يجب أن نقر بها وبكل جرأة. السلطة القضائية تواجه مشاكل وتحديات جدية يجب إيجاد حلول لها! هناك محاولات، قليلة كانت أو كثيرة، للتدخل وفرض النفوذ والتأثير السياسيين على بعض جوانب السلطة القضائية ويجب الحد منها!

السؤال هو: كيف سنواجه التحديات؟ كيف نحل المشاكل ونوقف كل أنواع التدخل والنفوذ والتأثير على السلطة القضائية؟

حسب ما أعتقد، يجب وقبل كل شيء أن تدافع السلطة القضائية عن سلطاتها التي يضمنها القانون! يجب أن تكون عندها الإرادة الجادة لمواجهة التحديات. أن تكون هي الحامية لسلطاتها وتدافع بدون خوف وبجرأة عن سلطاتها الممنوحة لها بالقانون. أن لا تسمح، ولا تقبل بأي شكل تدخل أي سلطة وأي شخص وأي قوة وأي طرف، وبأي ذريعة كانت، في شؤونها! أن لا ترضخ لأي تهديد أو ضغط أو تأثير أو مطلب غير قانوني، من أي مكانة وموقع وشخص!

وبالتأكيد، هناك إلى جانب ذلك، حاجة لأن تحترم السلطتان التنفيذية والتشريعية وكل سلطة أخرى سياسية، حزبية، عسكرية، إدارية، وحتى مالية، السلطة القضائية ولا تتدخل في شؤون القضاء بأي شكل من الأشكال.

تقع على السلطة القضائية مسؤوليات جسيمة. يجب أن يكون مجلس القضاء والقضاة الموقرون في مستوى تلك المسؤوليات. أن يعمدوا إلى حمل هذا العبء الثقيل ويريحوا ضمائرهم تجاه أنفسهم وتجاه ربهم وتجاه شعب كردستان.

القاضي، إن لم يكن مستعداً ذاتياً لحماية استقلاليته وسلطاته والدفاع عنها، وإن لم يكن يرفض النفوذ والتأثير والضغط والتهديد ولا يواجهها بدون اكتراث، سيتحمل المسؤولية أمام الشعب وأمام الله.

القضاء، هو الحجر الأساس لثقة وقناعة وطمأنينة المواطنين. والقضاء الرصين الصلد، هو الحامي الأول للمجتمع وسلامة النظام السياسي والحكم والإدارة والاقتصاد في أي بلد من بلدان العالم. هناك علاقة مباشرة بين التقدم الاقتصادي وحماية الثروة وبين سيادة القانون في البلاد.

غياب سيادة القانون يضعف الاستثمار، وهذا بدوره يضعف الاقتصاد. لكن سيادة القانون تشجع الاستثمار وهذا يؤثر تأثيراً مباشراً على التقدم الاقتصادي في أي بلد. هذا صحيح بصورة خاصة لبلد مثل إقليم كردستان، الذي ينتقل باتجاه التقدم الاقتصادي والديمقراطي. لهذا فإن سيادة القانون ضرورية لإقليم كردستان مرتين، مرة لكي تساعدنا في التقدم الاقتصادي لإقليم كردستان، ومرة لتساعدنا في إرساء أسس الديمقراطية والمجتمع المتقدم.

 

ايها السادة،

هدفنا هو بناء نظام ديمقراطي يتعامل مع المواطنين بطريقة مرنة، بيد أن نظاماً ديمقراطياً يمكن إيجاده فقط عندما تكون السيادة للقانون. وسيادة القانون يمكن تٲمينها فقط عندما يتم الفصل التام بين السلطات الثلاث التشريعية، التنفيذية والقضائية. أي أنه وبدون تعريف واستقلالية وتقوية السلطة القضائية من المستحيل بناء نظام ديمقراطي في أي بلد كان!

والثقافة تعمل كأساس لسيادة القانون. وقدر تعلق الأمر بالثقافة، هناك التربية التي لها دور كبير جداً في تنمية وترسيخ سيادة القانون. فعن طريق التربية والتعليم يمكن تحويل الثقافة إلى سند قوي ومكون من مكونات سيادة القانون.

واعتقد أن ذلك يمكن من خلال طريقين:

الأول: تشجيع المواطنين بشكل يؤدي إلى أن يقدر المواطنون ويحترموا أسس سيادة القانون خلال ممارسة حياتهم اليومية.

الثاني: توعية المواطنين بالنتائج الايجابية لسيادة القانون وتعويدهم على الالتزام بالقوانين.

ما تتوقعونه من المواطنين هو أن يلتزموا بالقانون، سواء كان برضاهم أو كارهين! ضعوا في حساباتكم دائماً أن المواطن يمكن أن يحترم القانون فقط عندما يرى أن القانون فوق السياسة وبمقدوره أن يضع الحدود للسلطة. بإمكان القانون أن يكون موضع ثقة لدى المواطن فقط عندما يستطيع أن يحميه، لذلك ينتظر المواطنون منكم أن يطبق القانون على الجميع وعلى كافة الأطراف بنفس المستوى.

ارجو ان تكونوا في مستوى هذه اليمين. وآمل ان تكونوا في مستوى الطموح والتوقعات التي تؤدي الى تحقيق وضمان ثقة المواطنين، يجب أن تكون السلطة القضائية مستقلة في تقييم الأدلة وفي العمل بالقانون وفي إصدار القرارات حول نتائج القضايا والملفات، من دون الالتفات الى من سيفرح بها ومن يستاء منها!

يجب أن يطبق مهام سيادة القانون وأن ينفذ القانون ويحكم بالعدل ويقرر على القضايا والملفات بحيادية. في هذه الأثناء فقط يستطيع المواطن أن يثق بنزاهة العملية وصواب نتائجها. اذن فما هي توقعاتنا وشعب كردستان كافة من القضاة؟ نتوقع منهم أن يكونوا مستقلين.

 

أيها السادة..

على السلطة القضائية ان تعمل لتكون المحاكم والقضاة موضع المزيد من ثقة وقناعة المواطنين. إذا لم تكن هناك ثقة بالمحاكم، تزداد الجرائم، ويتم اللجوء الى الثأر والقصاص، ويتعرض السلم الاجتماعي برمته للمخاطر.‌ على المحاكم والقضاة أن يكونوا بعيدين عن التجاذبات السياسية ويكونوا حياديين.

لا يمكن أن يكون أحد فوق القانون، علينا جميعاً أن نكون سواسية أمام القانون. على القاضي ان ينفذ مهامه بمنتهى الاخلاص والحيادية والنزاهة. يجب أن يولى الاهتمام الكبير بالمحاكم التي تؤدي مهاما يومياً وباستمرار، وعلى تواصل دائم مع المواطنين لان اساس الحكم يبنى من هناك.

يجب مراعاة مبادئ حقوق الانسان والمعايير الدولية في القضاء، وأن يتمتع كل شخص بحق الدفاع عن النفس بحرية. يجب الاهتمام بإعداد قضاة ذوي خبرة ومقدرة واتاحة الفرصة للنسوة القضاة ويشرفني أن ارى عددا منهن قد تمت دعوتهن لحضور المراسم وحضرن، ارحب بهن ترحيبا خاصا. ان يتم تكثيف الجهود من اجل الاصلاح في السلطة القضائية. وسوف تصبح هذه الخطوة الاولى والضرورية للإصلاح في المجالات الاخرى.

يلاحظ القضاة مواطن الخلل والنواقص في القوانين اثناء تنفيذها، لذلك من الضروري ان يشاركوا في مراجعة السياسة الجزائية في إقليم كردستان، وفي عملية الاصلاح القضائي. أدعم بكافة الامكانيات استقلال وحماية حيادية القضاة من اجل تحقيق العدالة وسيادة القانون في بلدنا. وعلى كافة مؤسسات الحكومة وجميع الاطراف ان تقدم الدعم والمساندة لاستقلال المحاكم، وان يكونوا دعما لتنفيذ قرارات المحاكم.

على مجلس القضاء في اقليم كردستان ان يكون لديه تنسيق وتعاون قويين مع مجلس القضاء الاتحادي والمحكمة الاتحادية العراقية، وان يستفيدوا من آخر التطورات التكنولوجية في مجال القضاء. وان يولوا الاهتمام بالمعاهد والإشراف العدلي. كل ذلك يؤدي الى ان نخطو من هذه المرحلة صوب مرحلة اخرى أقوى في ٳقليم كردستان.

وفي الختام اكرر بان القضاء هو إحدى ركائزنا المهمة. فان كانت السلطة القضائية قوية سيكون البلد محمياً، وسيحمي المجتمع والفرد، والقناعة والثقة والانتماء للوطن أيضاً سيكون محمياً ومصونا. فرص وأبواب التقدم مفتوحة والمواطن يرنو الى المستقبل بامل.

أرجو لكم النجاح جميعا.

أهلا بكم.

وشكرا جزيلا.