×

  المرصد الايراني

  الأقليات العرقية في إيران.. القمع يضاعف خسائر طهران من حركة الاحتجاجات



 

"الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة في إيران، والتي تصاعدت عنفًا بشكل مطرد خلال الشهرين الماضيين، تخاطر بتصعيد التوترات الإقليمية مع الدول المجاورة"..

هكذا سلط المحلل السياسي "فؤاد شهبازوف" الضوء على خسائر طهران جراء استمرار حركة الاحتجاجات الشعبية منذ وفاة الشابة "مهسا أميني" في محتجز للشرطة بعد اعتقالها بدعوى مخالفتها قواعد اللباس الإسلامي الصارمة، مشيرا إلى أن قمع الأقليات العرقية في البلاد يضاعف من حجم هذه الخسائر.

وذكر "شهبازوف"، في تحليل نشره موقع "منتدى الخليج الدولي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن جميع المدن الإيرانية الكبرى شهدت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، إلا أن مستوى العنف الذي أظهرته قوات الأمن الإيرانية في محافظات بلوشستان وخوزستان وكردستان بدا أكثر أهمية منه في المدن الأخرى، التي لا توجد بها أقليات عرقية كبيرة.

وأضاف أن موقف النظام الإيراني المتشدد تجاه البلوش والأكراد والعرب والأذربيجانيين يأتي كجزء من صراع أوسع بين الحكومة الإيرانية والأقليات العرقية، التي تسعى إلى معاملة أفضل أو حكم ذاتي أكبر، مشيرا إلى أن طهران حاولت إخضاع إقليم كردستان المضطرب على وجه الخصوص، من خلال العمل العسكري المباشر ومهاجمة إقليم كردستان العراق المجاور.

ونوه التحليل إلى أن معاملة إيران القاسية للأقليات العرقية ليست ظاهرة جديدة، حيث أثارت الغارات العنيفة ضد الأذربيجانيين العرقيين في شمال غربي البلاد، خلال الاحتجاجات الحالية في البلاد، مشاعر معادية لإيران في أذربيجان.

ونتيجة لذلك، انتقد العديد من مسؤولي الدولة الأذربيجانية، بمن فيهم الرئيس "إلهام علييف"، طهران علنا، وتعهدوا ببذل قصارى جهدهم لحماية مواطنيهم الذين يعيشون خارج حدودهم.

وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أغلقت قوات الأمن الإيرانية المجهزة بدروع ثقيلة شوارع سنندج، العاصمة الإقليمية لإقليم كردستان الإيراني، وأطلقت النار على منازل السكان المذعورين، الذين كانوا يعيشون في ظل تعتيم شبه كامل للاتصالات.

ورغم صعوبة تحديد العدد الدقيق للقتلى من حملة القمع في كردستان، إلا أنه تم التأكد من وفاة أكثر من 450 إيرانيًا في جميع أنحاء البلاد حتى الآن، ومن المحتمل أن يكون هذا الرقم أقل من تقدير إجمالي عدد القتلى، حسبما أورد "شهبازوف"، الذي نوه إلى أن حملة إيران العنيفة ضد الأكراد العرقيين في إيران أثارت مشاعر عسكرية بين المجتمعات الكردية الأخرى، التي تعيش خارج إيران، وبالتحديد أكراد العراق.

وألقت طهران باللوم على جماعات المعارضة الكردية الإيرانية، التي تم تهجيرها في إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي، في إثارة الاضطرابات داخل إيران، وشنت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، هجومًا صاروخيًا أصاب المبنى الذي يستخدمه الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وهو حزب كردي إيراني مقره في مدينة كويي العراقية بالقرب من أربيل في إقليم كردستان العراق. 

وجاء الهجوم الصاروخي بعد أيام من زيارة قائد الحرس الثوري الإيراني "إسماعيل قاآني" للعراق لحضور اجتماعات رفيعة المستوى ودفع المسؤولين في بغداد إلى نزع سلاح الجماعات المسلحة الكردية. لكن الهجمات الأخيرة على أربيل توحي بأن المحادثات أسفرت عن نتائج سلبية.

وهنا يشير "شهبازوف" إلى أن جهود إيران لتحييد المعارضة الكردية، داخل البلاد وفي جوارها المباشر، لم تنجح إلا جزئيًا، مرجعا ذلك إلى اعتماد طهران على الحل العسكري ورفضها، الذي لا هوادة فيه، لمعالجة مخاوف الأقليات العرقية.

وأضاف: "إن لاهوت الحكومة الإيرانية، الذي صاغه مؤسس الجمهورية الإسلامية "روح الله الخميني" عام 1979 ، يرفض الاعتبارات العرقية باعتبارها لعنة على الهوية الدينية للبلاد".

ولهذا السبب، لطالما نظرت الحكومة المركزية الإيرانية إلى الانفصالية الكردية على أنها "تهديد وجودي" ورفضت النظر في الحكم الذاتي للمناطق ذات الغالبية الكردية.

ومع تدهور أوضاعها الداخلية، حاولت إيران الحصول على تنازلات من الدول المجاورة بطريق الإكراه. ورغم إدانة الحكومة العراقية الجديدة للهجمات الإيرانية على أراضيها السيادية، فمن المحتمل أن تضغط الحكومة، التي تميل لإيران في بغداد، لنزع سلاح الجماعات الكردية المحلية؛ لتجنب المزيد من التصعيد.

لكن القوات الإيرانية لم تنتظر نتائج هكذا عملية محتملة، وشنت هجومًا صاروخيًا آخر على إقليم كردستان العراق في 21 تشرين الثاني/نوفمبر، مستهدفًا بلدتي كويا وبركة.

وفي الوقت نفسه، نشر الحرس الثوري الإيراني مروحيات وصفوف من الآليات العسكرية والمدافع الرشاشة في مدن بوكان ومهاباد وجوانرود الكردية الإيرانية لقمع الاحتجاجات.

وكما الحالات السابقة، زعمت إيران أن الهجمات الصاروخية، التي يقودها الحرس الثوري الإيراني، استهدفت تدمير "مراكز الاستخبارات الإسرائيلية" الموجودة في المنطقة، رغم أن العديد من المراقبين الدوليين رفضوا هذه المزاعم باعتبارها غير قابلة للتصديق.

وانتقدت السلطات الإيرانية بشدة دولًا أخرى بدعوى إثارتها للاحتجاج الداخلية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث زعم الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" أن نظيره الأمريكي "جو بايدن" "حرض على الفوضى والإرهاب" داخل بلاده، في حين اتهم مسؤولون إيرانيون آخرون بريطانيا وفرنسا والنرويج والسعودية وإسرائيل.

وبالإضافة إلى أزمتها الأمنية المتنامية، تواجه إيران تحديات اقتصادية غير مسبوقة، حيث ارتفع التضخم في البلاد، مع استمرار الاحتجاجات، بنسبة 1.1% في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، ليصل إلى معدل سنوي قدره 44% ، ما فرض قيودًا كبيرة على القوة الشرائية للإيرانيين.

ويهدد تزايد السخط في الداخل الإيراني بنشر موجة جديدة من التوترات الإقليمية بين إيران والأحزاب في البرلمان العراقي، والتي يمكن أن تضعف نفوذ إيران داخل العراق، وهو تطور من شأنه أن يزيد من إجهاد موارد طهران المحدودة.

ولذلك، وفي أعقاب ضغط دولي، أجرى المسؤولون الإيرانيون جولة أخرى من المحادثات الدبلوماسية مع العراق لإقناع بغداد بإبعاد "الجماعات الإرهابية عن الحدود الإيرانية".

وذهب وزير الخارجية الإيراني، "حسين أمير عبد اللهيان"، إلى أبعد من ذلك، زاعمًا أن الدبلوماسيين الإيرانيين لديهم وثائق تثبت وجود "مؤامرة" لتفكيك إيران من خلال سيناريو "الحرب الأهلية والنشاط الإرهابي".

وإزاء ذلك، يتوقع "شهبازوف" أن يكون لاستمرار احتجاجت إيران عواقب أوسع على المنطقة، مستبعدا أن تسعى السلطات المحلية إلى التوصل إلى توافق مع المحتجين، لا سيما في المقاطعات التي تقطنها أقليات عرقية.

واختتم "شهبازوف" تحليله بالقول: "من المرجح أن تستمر إيران في إثارة التنافس الإقليمي مع الدول غير المستقرة اقتصاديًا وسياسيًا، مثل العراق، على أمل أن يؤدي ذلك بالإيرانيين في الداخل إلى دعم الحكومة. ورغم استخدام هذا التكتيك من قبل ضد الأكراد، إلا أنه أدى إلى إثارة عداوة المحتجين بدلاً من المساعدة في تهدئتهم".

*المصدر | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد


12/12/2022