×

  كركوك والمادة ١٤٠

  الإحصاء السكاني في العراق مستبعَد... ومخاوف كردية من "تثبيت التعريب"



*رستم محمود

 

لتجنب صِدام سريع مع إقليم كردستان، لا تبدو الحكومة العراقية الجديدة متحمسة لإجراء الإحصاء السكاني العام في البلاد خلال العام المقبل، كما كانت تعد الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي التي قالت إنها جهّزت مختلف المستلزمات المالية واللوجستية له، إلى جانب تأمين التوافق السياسي بشأنه.

 مصادر سياسية وإدارية من إقليم كردستان ذكرت أن السبب الرئيسي يكمن في عدم قدرة الحكومة المركزية وعدم رغبتها في تلبية مطالب إقليم كردستان، بالذات لجهة آلية تطبيق هذا الإحصاء في المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد.

 كانت مختلف الحكومات العراقية منذ عام 2003 قد فشلت في إجراء إحصاء عمومي في العراق، خشية الانعكاسات الأمنية والسياسية لذلك، بالذات من حيث ما قد يكشفه من النسب السكانية بين المواطنين العرب والكورد ضمن المناطق المتنازع عليها، وتالياً تحديد تابعية تلك المناطق للحكومة المركزية أو لإقليم كردستان، بالذات ضمن محافظة كركوك، حسبما تحدد المادة 140 من الدستور العراقي، إلى جانب تبيان نسبة سكان إقليم كردستان إلى مجموع سكان العراق، وتالياً تغيير حصة الإقليم من الموازنة العامة، وتثبيتها دستورياً خارج التجاذبات السياسية.

 

"تثبيت التعريب"؟

مصدر سياسي في إقليم كردستان العراق، شرح في حديث مع "النهار العربي" تراكم ما سمّاه "تثبيت التعريب من خلال الإحصاء"، أي تحويل الوقائع والإجراءات السياسية التي فرضتها السلطات السياسية المتراكمة، بغرض تغيير الهوية الكردية لمحافظة كركوك وغيرها من المناطق، وذلك من خلال تحويل إجراءات الإحصاء ونتائجه إلى مرجعية ورقية وبيروقراطية على أرض الواقع.

 المصدر استذكر السياسات التي اتبعها النظام السياسي السابق قبل 2003، حينما هجر مئات الآلاف من المواطنين الكورد طوال عقدي السبعينات والثمانينات، واستقدم مواطنين عرباً من الجنوب والوسط، وملكهم عقارات وأراضي زراعية في محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين، ثم أجرى إحصاءً عاجلاً عام 1997، لتثبيت هؤلاء السكان باعتبارهم سكان هذه المحافظات، الأمر الذي قد يتكرر راهناً من خلال تثبيت عشرات آلاف النازحين والمهجرين من سكان المحافظات الأخرى كمواطنين في المحافظات المتنازع عليها، بعدما فروا إليها طوال السنوات الماضية، نتيجة الحرب مع تنظيم "داعش" واكتساح التصحر للكثير من مناطق الجنوب والوسط.

 الباحثة شمران جاف شرحت في حديث مع "النهار العربي" جذر الخلاف بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، وأساس المخاوف التي تعتري الطرف الكردي، تقول: "ثمة توافق مبدئي على مضامين الاستمارة الإحصائية، بكل تفاصيلها، بما في ذلك الاتفاق على طريقة التنفيذ الإلكترونية وحفظ البيانات والمضامين وكيفية استخدام نتائج الإحصاء. لكن الطرف الكردي يعتقد أن الموظفين التنفيذيين في المناطق المتنازع عليها سيسعون إلى تثبيت السكان العيانيين باعتبارهم سكاناً أصليين، وبذا تثبيت ملكياتهم العقارية والزراعية التي هي محل تنازع وتشكيك من المواطنين الكورد. الأهم من ذلك، فإن تحولاً جذرياً سيطرأ على سجل مفوضية الانتخابات جراء ذلك، وبذا تتغير قاعدة بيانات الناخبين، الحاليين والمستقبليين، ما يعني انزواء الثقل الانتخابي الكردي، بما في ذلك ضمن مجالس البلديات والمحافظات".

 

حسابات الموازنة

تضيف جاف: "على العكس تماماً، فإن قرابة مليون نازح ومقيم من المحافظات الأخرى ضمن إقليم كردستان سيثبتون أنفسهم أثناء الإحصاء كسكان محافظات أخرى، ما سيُحدث فرقاً بين حصة إقليم كردستان من الموازنة العامة، التي ستكون بحسب عدد السكان الذين سيثبتون أنفسهم كسكان من الإقليم، وبين العدد الحقيقي لسكانه، الذين تقدم حكومته خدمات عامة لهم جميعاً".

 هيئة الإحصاء في إقليم كردستان أعلنت رسمياً مخاوفها مما قد ينتج من عملية الإحصاء، مذكرة بأن المادة 140 من الدستور العراقي، إلى جانب قرارات المحكمة الاتحادية العراقية، لا تضع ضمانات وافية بشأن إمكان استخدام تلك النتائج في إيجاد وقائع سياسية وديموغرافية جديدة.

 كانت آخر عملية إحصاء عام شهدها العراق حدثت في عام 1997، ولم تشمل محافظات إقليم كردستان، وقد كان تعداد سكان العراق وقتئذ قرابة 19 مليون نسمة، أي أقل من نصف التعداد المتوقع راهناً، والذي يقدره مراقبون بقرابة 41 مليون نسمة.

وكانت الإحصاءات العامة في العراق دوماً محل تجاذب سياسي وأيديولوجي بين القوى السياسية والجماعات الأهلية العراقية. فقد جرت أولى عمليات الإحصاء عام 1927، ثم جرت مرة أخرى في عام 1957 ورقياً فحسب، وتوقفت إلى عام 1997، وكان ذلك التوقف لمدة عقود كثيرة يعود إلى رفض القوى السياسية كشف الوقائع الديموغرافية في البلاد.

 وكانت الحكومة العراقية السابقة قد أعلنت استكمال مختلف الإجراءات، ليتم تنفيذ الإحصاء في الربع الأخير من العام المقبل 2023، بما في ذلك تخصيص مبلغ 120 مليار دينار عراقي (نحو 80 مليون دولار) كمخصصات من الموازنة الاستثمارية للعام المقبل، مخصصة للإجراءات اللوجستية لعملية الإحصاء. لكن مراقبين أشاروا إلى أن الحكومة السابقة لم تأخذ في الاعتبار الملاحظات التي وجهتها هيئة الإحصاء في إقليم كردستان، وهي العقبة التي ظهرت أخيراً، وصارت تهدد بتعطيل إجراء الإحصاء.

*موسوعة النهار العربي/ صحيفة"النهار"اللبنانية


14/12/2022