القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي:
الطبيعة القانونية لجرائم التهريب الكمركي
انها وسيلة من وسائل التخريب الاقتصادي وافشال الخطط التنموية
*موقع مجلس القضاء الاعلى
من أهم مظاهر سيادة الدولة هو حقها في إيقاع العقاب وان هذا الحق يمتد بامتداد حدود هذه السيادة ومن المسائل المهمة في القانون التهريب الكمركي، حيث عنى المشرع العراقي بالتهريب في قانون الكمارك.
وتعتبر جرائم التهريب من الجرائم الخطرة التي تنطوي على ارتكاب نشاط اقتصادي غير مشروع يؤدي الى نتائج وعواقب جمة تواجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جميع البلدان.
اذ شعرت معظم الدول بالحاجة الى فرض الرقابة على دخول البضائع وخروجها ولم يكن الدافع الاساسي لهذا الاجراء من اجل تحصيل الضرائب والرسوم فقط بل لأجل حماية الصناعة الوطنية ايضا ولعل هناك أسبابا لوقوع جريمة التهريب الكمركي منها زيادة الرسوم الكمركية وضعف الجهاز التسويقي وكثرة القيود على الاستيراد والتصدير وتباين الاسواق والضعف في الرقابة وقلة عدد الموظفين العاملين في مجال الكمارك والرغبة في جمع الثروة.
ولا جدال في ان ارتكاب جريمة التهريب فيه غش للدولة سواء أكان عن طريق التسلل بالبضائع عبر الحدود هربا من تأدية الضرائب والرسوم لدى الاستيراد أو خرقا لأنظمة المنع لدى التصدير او عن طريق بيان كاذب او قائمة غير حقيقة يمكن بواسطتها التخلص من جزء من الرسوم الواجبة الدفع.
ولقد ثار خلاف بين الفقهاء المختصين في القانون حول طبيعة التهريب، وهل يعتبر جريمة جنائية ام افعال مدنية فهناك من يذهب الى اعتبار الجريمة الكمركية بمثابة فعل مدني غير مشروع أي هو عمل تقصيري بينما يذهب البعض الاخر الى اعتبارها جريمة جنائية صرفة لا فرق بينها وبين الجرائم المنصوص عليها في القوانين العقابية. واعتبار التهريب جريمة جنائية يعني سريان قانون العقوبات وقانون الكمارك عليها وخاصة في ما يتعلق بتعدد الجرائم واثره في العقاب وكذلك الشروع في الجريمة والضرورة والعود وغيرها من الاحكام في حين لو تقرر اعتبارها فعلا مدنيا غير مشروع سيؤدي الى تطبيق القانون المدني عليها في ما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية فيقرر التعويض عن كل غير مشروع الى الحد الذي لا يوجد فيه شروع كما يتقرر التعويض بغض النظر عن وجود حالة الضرورة ام لا وبغض النظر عن اعتياد الفاعل على ارتكاب العمل غير المشروع ام لا.
ونجد ان المشرع العراقي كان حاسما في اعتبار التهريب جريمة جنائية حيث جاء بنصوص صريحة في قانون الكمارك النافذ يقضي بتطبيق أحكام المواد (141و 142و 143) من قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل فيما يخص حالات تعدد جرائم التهريب الكمركي وايضا اشترط وبنص صريح توفر القصد الجرمي لترتيب المسؤولية الجنائية عن جرائم التهريب الكمركي كما ان قانون الكمارك النافذ رقم 23 لسنة 1984 وتعديلاته تضمن قواعد جنائية عديدة مثل الشروع اذ نصت المادة (194 / اولا) على انه ( مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد تقضي بها القوانين النافذة يعاقب عن التهريب وما في حكمه وعلى الشروع في أي منهما ) كما نصت الفقرة ثانيا من المادة (194 ) على انه ( يجوز الحكم بضعف العقوبات المشار اليها في البندين ( أ وب ) من الفقرة اولا من هذه المادة عندما يكون المسؤولون عن التهريب من ذوي السوابق) كما تضمن القانون عقوبة الحبس البدلي وان كل ذلك يدلل على الطبيعة الجنائية لجريمة التهريب الكمركي. وان المشرع العراقي في قانون الكمارك النافذ يلقي بالمسؤولية على الفاعلين والشركاء بالتكافل والتضامن دون اعتبار لدرجة مساهمة كل منهم في الجريمة وان هذه المسؤولية لا تقتصر على الأشخاص المسؤولين جنائيا بل تتعداهم الى الاشخاص المسؤولين مدنيا.
وقد ساوى المشرع في العقوبة بين حالتي الجريمة التامة والشروع من حيث العقوبة وان خطورة هذه الجرائم والنتائج السلبية التي تتركها على الاقتصاد الوطني والتي تحول دون تنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى الدولة الى تحقيقها كما انها وسيلة من وسائل التخريب الاقتصادي وافشال الخطط التنموية والاضرار بالموارد الصناعية والزراعية والصحية والطبيعية للبلد وتمثل انتهاكا للملكية العامة حيث ان جريمة التهريب تمثل تجاوزا على النظام الكمركي والضريبي للدولة وهي تمس بالسياسة التجارية والنقدية فهي من الجرائم الاقتصادية لكونها تمس الرسوم والضرائب الكمركية وهي في محصلتها النهائية ملكية عامة تنصب في خدمة المجتمع ومما لا يخفى عليه الدور المالي والاقتصادي الذي تضطلع به الدوائر الكمركية فقد بات من الضروري على المعنيين العاملين في هذا المجال لإغناء خزينة الدولة بشكل قانوني من خلال مكافحة جريمة التهريب الكمركي خصوصا مع ازدياد الاستيراد والتصدير ما ادى الى كثرة حالات التهرب من دفع الرسوم والضرائب التي تفرض على البضائع والسلع وان جريمة التهريب الكمركي هي جريمة مالية كونها تنطوي على اعتداء على خزينة الدولة.