×

  المرصد الايراني

  الولايات المتحدة وإيران في الطريق إلى وضع نووي جديد



*جيفري آرونسن

 

لم يكن الرئيس جو بايدن يفشي سرا حينما التقط تسجيل صوتي قوله أخيرا إن جهود إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة قد "ماتت".

لقد تغير كل شيء ـ إلى الأسوأ ـ منذ بدء الجهود الدبلوماسية لـ"احتواء" البرنامج النووي الإيراني في عام 2015. وبوسع طهران الآن، في أقل من أسبوع، أن تنتج من اليورانيوم البالغ مستوى التسليح قدرا يكفي لقنبلة.

والبحث جارٍ عن صيغة جديدة لنزع فتيل الأزمة القائمة. وقد أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نوفمبر الماضي إلى أنه من المحتمل أن يكون "إطار عمل جديد" مطلوبا.

ثمة سبب وجيه لعدم الاستسلام لليأس، أو الخوف من تحقيق إيران خرقا نوويا سافرا في غداة نهاية الاتفاقية النووية. فثمة بالفعل "إطار عمل جديد" في طور التكوين.

لقد قامت الاتفاقية النووية على افتراض بأن إيران سوف توافق على سلسلة من إجراءات التدخل، كثير منها غير مسبوق، ومن شأنها أن تقلل فترة "الخرق" النووي الإيراني إلى عام، من خلال خلق عقبات حقيقية أمام برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى المستوى اللازم لإنشاء سلاح نووي. وفي المقابل ترفع الولايات المتحدة رفضها للاستثمار الغربي في السوق الإيرانية.

طالما رأت إيران في ذلك صفقة قسرية غير متكافئة، تخفي جهودا مستمرة من واشنطن لتقويض ثورة 1979 الإيرانية. وقد أثبتت واشنطن من جانبها أنها عازمة ـ حتى في غداة اتفاقية عام 2015 ـ على الامتناع عن استعمال العقوبات دائمة التصاعد برغم أنها تمثل لب سياتها لفرض "الضغط الأقصى" على طهران.

ولكن تنكُّر إدارة ترامب للاتفاقية عجَّل بالانهيار التام لهذا المشروع، وفشلت إدارة بايدن في معالجة ذلك.

ولكن ثمة ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن فشل الاتفاقية النووية أوجد فرصة لبناء (تفاهم ما بعد الاتفاقية) بين واشنطن وطهران وقد يثبت بحق أنه يتفوق على الاتفاقية النووية المحتضرة وأنه أكثر منها دواما وفعالية في تبديد مخاواف واشنطن (إن لم تكن مخاوف إسرائيل).

وحجر الزاوية في هذه المرحلة الجديدة من الدبلوماسية النووية الأمريكية الإيرانية هو التبني المتبادل لمفهوم الغموض النووي.

يقوم هذا التطور الحذر في العلاقات الأمريكية الإيرانية على اهتمام إيراني أمريكي مشترك باحترام الشك المدروس في ما يتعلق بقدرة إيران من الأسلحة النووية والحفاظ عليه.

ويتعارض هذا الموقف تعارضا مباشرا مع الأهداف الأساسية التي كانت في صميم الاتفاقية النووية: أي استباق ومنع وفرض رقابة عنيفة على توسع قدرة التخصيب النووي الإيرانية.

ولعقيدة الغموض النووي مكان مركزي في الدبلوماسية النووية. تقوم العقيدة الأمريكية والروسية على قدرة نووية معلنة وسافرة، مدعومة بوعد التدمير النووي المتبادل وبالترسانات المقابلة. كما أعلنت كوريا الشمالية عن ترسانة نووية ونظام توصيل يرمي إلى ردع التدخل الأجنبي والحفاظ على بقاء النظام الحاكم في السلطة.

أما الغموض النووي، في المقابل، مثلما مارسته إسرائيل، وإيران حاليا بصورة متزايدة، فيتجاهل قضية تخصيب اليورانيوم التي كانت في صميم حقبة الاتفاقية النووية. ويركز بدلا من ذلك على قرار عمدي بعدم إعلان وجود قدرة أسلحة نووية، سواء أكانت رادعا أم سلاحا. وسياسة الشك العمدي تجاه قدرات الأسلحة النووية الإيرانية يساعد على منع أي ضغط غير مطلوب من المجتمع الدولي من أجل نزع السلاح. في المقابل، يمكن أن يكون دمج الأسلحة النووية علنا في عقيدتها العسكرية تحريضا على الصراع المسلح بدلا من ردعه.

وقد ظهرت أولى معالم هذه الاتفاقية الكبيرة الجديدة بين طهران وواشنطن في الصيف الماضي.

وليس بغريب أن عناصرها الأساسية قد أعلنت في سياق التزامات أمريكية تجاه إسرائيل.

فإعلان القدس المشترك للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الذي تم إعلانه في 14 يوليو 2022، يعيد التأكيد على "الالتزام الأمريكي الثابت بأمن إسرائيل، وبخاصة الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي".

فما دامت واشنطن تحافظ على تفوق إسرائيل التقليدي على إيران وجيرانها، سوف تحتفظ إسرائيل بترسانتها النووية "في القبو" ـ أي في حالة غموض، وعدم إعلان، وعدم انتشار.

ولا جديد في هذا.

لكن الإعلان، الذي يشير إلى سياسة جديدة تجاه إيران في مرحلة ما بعد الاتفاقية، يكشف عن التزام أمريكي علني سافر، وربما غير مسبوق، "باستعمال عناصر قوتها النووية" لضمان أن "لا تحصل إيران على سلاح نووي".

من المفيد هنا أن نلتفت عن كثب للغة الاستثنائية التي تستعملها إدارة بايدن الآن في وصف هذه السياسة الأمريكية. فالاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية ـ التي كررها لاحقا مسؤولو الإدارة في مجالات مختلفة ـ لا تحذر إيران من تخصيب اليورانيوم وإنما تنصحها بخطر معين غير مسبوق (باستعمال "جميع عناصر القوة الوطنية [الأمريكية]" في حال اختيارها أن تمتلك قنبلة نووية. والفارق دال، وهو يدعو إيران إلى تبنِّي سياسة غموض نووي لا تستعمل الامتلاك والنشر سبيلا لاجتناب هجمة (نووية) أمريكية وقائية أو استباقية.

ويبدو أن إيران استوعبت الخط الجديد المعلن من واشنطن.

في غداة الإعلان الأمريكي، اعترف كمال خرازي رئيس المجلس الإيراني الاستراتيجي للعلاقات الخارجية وكبير مساعدي المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بأن إيران تمتلك فعليا القدرة على إنتاج سلاح نووي، لكنها لا تريد أن تفعل ذلك ـ وهذه الصيغة من صميم سياسة الغموض النووي. قال خرازي لقناة الجزيرة العربية إنه "في غضون أيام كنا قادرين على تخصيب اليورانيوم وصولا إلى 60% ويمكننا بسهولة أن ننتج يورانيوم مخصبا ب90% ... إيران لديها الوسائل التقنية لإنتاج قنبلة نووية ولكن لم يصدر قرار إيراني بإنشائها".

وفقا لبيان من وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، فإن "فرصة التوصل إلى اتفاقية من جانب جمهورية إيران الإسلامية لن تبقى سانحة على الدوام". وواصل قائلا "لو أن الغربيين يريدون الاستمرار في سلوكهم النفاقي التدخلي، سنتحرك في اتجاه خطة أخرى".

تلك الخطة الأخرى ـ "إطار العمل الجديد" الذي أشار إليه ماكرون ـ قد تكون قائمة على غموض نووي.

إن الحقبة النووية الجديدة الناشئة الآن في واشنطن وطهران (إن لم يكن بالضرورة في إسرائيل) تنكر مفهومين يمثلان صميم الاتفاقية النووية المحتضرة. الغموض بدلا من الوضوح، والنوايا بدلا من القدرات، هما في صميم حقبة الاستقرار الاستراتيجي المعروض مبدئيا في الوقت الراهن من واشنطن وطهران. لكن خلافا لعلاقات واشنطن المزدهرة مع إسرائيل في أعقاب تفاهمهما النووي في أواخر ستينيات القرن الماضي، من المقرر أن تظل العلاقات بين إيران وواشنطن في أعقاب هذا التقارب النووي الناشئ في حالة جمود عميق.

• جيفري آرونسن باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

** عن ناشونال إنتريست


09/01/2023