×

  تركيا و الملف الکردي

  كرد سوريا إذ يدفعون ضريبة سياسات تركيا الداخلية



*شورش درويش

ذهب رأي سعى إلى التهرّب من استحقاقات القضية الكردية في سوريا إلى اعتبارها “مشكلة تساقطت من تركيا على سوريا”، بالمثل رأت الحكومة التركية، وأطياف واسعة داخل الاتجاهات القومية المتطرّفة، أن المشكلات بدأت تتساقط على تركيا من سوريا، جراء التطلّعات الكردية فيها، وفي وقت أسبق كانت بغداد، وبالمثل طهران، ترجئ مشكلاتها مع الكرد بأنها مشكلات مستوردة من خارج الحدود، فكان هذا الهذر تبريراً لحملات العقاب الداخلي التي طاولت مجموع الحركات الكردية.

وبصرف النظر عن الحدود ونُظم مراقبتها الدقيقة وكثافة الأسلاك الشائكة، فإنه ثمة خيط واضح يربط مصائر الكرد ببعضهم ويجعل من أحوال الكرد متداخلة، حتى وإن نأى جزء كردستاني بنفسه عن مشكلات جزء آخر. ولئن كان خطاب خصوصية كل جزء كردستاني، على ما قالته معظم الأحزاب الكردستانية والكردية، دقيقاً وواقعياً، فإن الأنظمة الحاكمة كانت لها وجهة نظر مغايرة، من ذلك ما تراه تركيا في هذه الأثناء بأن حل جزءٍ من قضية كرد سوريا يتسبّب بمشاكل لتركيا، وأنها ترفض تكرار ما تحقق في كردستان العراق واعتباره خطأ تركيا التاريخي والكبير.

في الوقت الراهن يدفع كرد سوريا ثمن نسف عملية السلام بين الكرد والحكومة التركية (2009-2015)، إذ كان لتهدّم تلك العملية تأثيره في دفع حكومة العدالة والتنمية إلى تزكية الحلول العسكرية مجدداً، و”أمننة الحزب الحاكم” والذهاب إلى فكرة القصاص والتأديب، وقد ضاعف من ذلك وصول أردوغان إلى صيغة تتعامى عن وجود قضية كردية مزمنة وتصريحه أمام حشد من مناصريه عام 2018 أنه “لم تعد هناك قضية كردية، فقد تمّ حلّها” بعد أن أقرّ عام 2005 بوجودها. أما كيف ومتى تم حلّها فقد تُرك الجواب معلّقاً في الهواء رغم تصفيق من كان يستمع إلى كلمته تلك.

ومع انتهاء صلاحية عملية السلام، وبُعيد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، تحزّمت الحكومة بحالة الطوارئ التي استمرّت لعامين، الأمر الذي أطلق يديها لتصعيد عمليات القمع السياسي ومحاولة شلّ حزب الشعوب الديمقراطي عبر استهداف نوابه ورؤوساء بلدياته والمؤسسات الإعلامية والمنظمات المدنية المؤيدة لحقوق الكرد، وعليه اهتدت الحكومة لحكمة تقليدية متهافتة تفيد بإمكانية تطويع المجتمع الكردي باستخدام الحلول العسكرية والأمنية داخل تركيا، وفي كردستان العراق، وشمالي سوريا.

كانت حصّة سوريا من تلك السياسات الراديكالية قطع التمدّد الذي كانت تسعى إليه قسد شمالاً، إذ رأت أنقرة في السياسات الأمنية في الجوار وسيلة إضافية لتحطيم حزب الشعوب، وإعادة صياغة مفهوم الجمهورية القوية المدججة بالسلاح، بذا غدا كل المقاتلين الكرد “إرهابيين” وهي التسمية التي لم تكن تُستخدم في أدبيات الحزب الحاكم طيلة فترة عملية السلام، تحديداً منذ تشكيل كرد سوريا قوّاتهم الدفاعية، أي في الأعوام من 2012 وحتى مطلع 2015.

أدى المنهج الأمني إلى محاولة تفسير نتائج الانتخابات في تركيا على ضوء ما سيتحقّق عسكرياً في جوارها، ولأجل ذلك كانت الحرب على عفرين واحتلالها تضمر نية تأديب حزب الشعوب الديمقراطي أيضاً، والتحكّم بناخبيه من خلال سياسة مفادها أنه يمكن توجيه الضربات للتطلّعات الكردية في سوريا والتي تلقى تأييد الشعوب الديمقراطي، وهو الأمر الذي من شأنه جعل الناخب الكردي ينحاز لخيارات أخرى، غير أن ما قالته نتائج الانتخابات التشريعية بدّدت تلك المساعي، إذ تخطّى الحزب الموالي للكرد حاجز العشرة بالمئة المطلوب “العتبة البرلمانية” وحقق ما نسبته 11.7 بالمئة من مجموع الأصوات، لكن تحالف الحكومة استفاد من خطاب الحرب الذي نجح في استقطاب الأصوات القومية المتطرّفة ملئاً لفراغ تسببت به حركة الانشقاقات التي عصفت بالعدالة والتنمية وشريكه حزب الحركة القومية.

تُركز السياسة الكردية السورية على ضرورة ثني تركيا عن التصعيد، والتفكير ولو لمرة واحدة بالسلام، بدل أن تحتسب أنقرة كرد سوريا مجرّد رهائن لأجل تطويع كوردها، أو إدخالهم في الحسابات الإنتخابية، وقد تكون الدعوات الكردية السورية التي تطالب ببذل واشنطن مساعيها لإيجاد شكل من أشكال السلام مع الأتراك، أو حتى الدفع باتجاه إحياء عملية السلام الكردية التركية، جزءاً من نظرة كردية أشمل ترى في العداء التركي المفتوح استمراراً للسياسات العدمية المجربة سابقاً.

صحيح أن خطاب المعارضة التركية (طاولة الستة) يكاد يتقاطع مع خطاب الحكومة التركية لجهة مستقبل العلاقة مع كرد سوريا ومستقبل مناطقهم، إلّا أننا نعثر في خطاب زعيم المعارضة التركية، كمال كليجدار أوغلو، في يناير/كانون الثاني 2022، على تصريح يشبه ما كان يردّده أردوغان مطلع حكمه، بأن “الطريق إلى الديمقراطية يمرّ عبر ديار بكر”، وهذه المقولة على درجة مطابقتها للواقع تكاد تكفي لأن تكون برنامج عمل الحكومة الحالية أو اللاحقة، وأما انعكسات مثل هذا التصوّر، فيبدو شديد الاتصال بمصير كرد سوريا ومستقبلهم.

وعليه، فإذا كانت الديمقراطية تمر عبر ديار بكر، فإن السلام في سوريا، ومع سوريا، يمرّ عبر القامشلي، وهذه الكلمات، على صعوبة تجسيدها، تبدو الخيار الوحيد لوقف الحرب التركية في سوريا وما استتبعها من استدارات وانعطافات كانت قاسية على الأتراك أنفسهم.

*وكالة نورث بريس


18/01/2023