×

  بحوث و دراسات

  حراكٌ لافتٌ في الشرق الأوسط.. حربٌ أم سلام؟



*محمد صالح صدقيان

 في خطوة غير مفاجئة، أقر البرلمان الأوروبي قراراً وضع بموجبه الحرس الثوري الإيراني في لائحة الإرهاب المصنفة أوروبياً.

 هذا القرار وإن كان لا يُلزم الحكومات الأوروبية إلا أن وضعه على طاولة هذه الحكومات، يُشكّل عنصر ضغط سياسي وإقتصادي وأمني على الحكومة الإيرانية.

 تطورات عدة حدثت في الأسابيع القليلة الماضية لم تكن طهران بعيدةً عنها، دشّنها رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومته اليمينية الدينية المتطرفة التي جعلت رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني، إستناداً إلى معلومات سياسية وأمنية يقول إن هناك ترتيبات لقصف أهداف إيرانية وأن المنطقة مقبلة على أزمة كبيرة وتصعيد عسكري قد يهز الأمن والاستقرار فيها وستكون له عواقب إقتصادية وسياسية وإجتماعية وخيمة.

 وكان نتنياهو قد ذكر أنه جهّز خُططاً لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية وأن حكومته جاهزة لتنفيذها، في الوقت الذي سرّبت مصادر الكيان أن نتنياهو ألمح إلى بعض أعضاء وزارته أنه قادم لتحقيق هدفين على صعيد السياسة الخارجية؛ أولهما يتعلق بوقف البرنامج النووي الإيراني بأي وسيلة أو ثمن؛ وثانيهما بتوسيع خطوات التطبيع مع الدول العربية وتعميقها.

في المقابل، أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان جولة إقليمية قادته إلى لبنان وسوريا وتركيا حيث التقى خلالها كبار المسؤولين في هذه الدول، إضافة إلى فعاليات ناشطة في محور المقاومة الذي ترعاه طهران.

في هذه الأجواء، نقل عضو في البرلمان الإيراني أن روسيا سترسل طائرات “سوخوي 35” ومنظومات صاروخية ونظماً عسكرية ومروحيات إلى طهران في النصف الأول من هذا العام.

 وفي سياق هذه التطورات، عُقِد إجتماع قمة في أبو ظبي ضم قادة الإمارات، الأردن، مصر، قطر، عُمان والبحرين.

زدْ على ذلك، تواجد مبعوث البيت الأبيض لمنطقة غرب آسيا بريت ماكغورك في بغداد، بالتزامن مع وجود قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال اسماعيل قاآني.

ترافق ذلك مع نفي البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة خبر لقاء رئيس البعثة سعيد ايرواني مع المبعوث الأمريكي روبرت مالي؛ وقالت إن ايرواني يلتقي العديد من السياسيين والأكاديميين لكنه لم يلتقِ المسؤولين الأمريكيين.

 هذه الأجواء تشي بمجملها بتطورات مهمة “قد” تحدث في المنطقة أو يُراد منها تسخين الملفات للتضييق على إيران واستكمال محاصرتها والتلويح لها بالعصا الغليظة من أجل تحقيق مصالح وأهداف غربية وإقليمية على حد سواء.

إلا أن طهران لن ترتعد خوفاً عندما يضع الأوروبيون حرسها الثوري على القائمة الإرهابية؛ ولن ترتبك أو ترتجف عندما تسمع تهديدات نتنياهو.

 فالوزير الإيراني عبد اللهيان قال بعد إنتهاء جولته الإقليمية إن فلسطين اليوم من البحر إلى النهر ومن الضفة إلى القطاع “أقوى من أي وقت مضى”، وأن العامل المشترك في كل الحروب العسكرية والإقتصادية التي شنّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني كان النصر للفلسطينيين والهزيمة للعدو الذي بات يُدرك أبعاد المعادلات الجديدة التي تتحرك في الميدان.

أما الموقف الأوروبي فلا يتمايز عن موقف أمريكا، أما الحديث عن حقوق الانسان، فهو “بمثابة ذر للرماد في العيون”، فلا المرحومة مهسا أميني “مهمة للأوروبيين ولا علي رضا أكبري (نائب وزير الدفاع الأسبق الذي أعدم مؤخراً بتهمة تجنيده لمصلحة المخابرات البريطانية)”.

المهم – كما يقول مسؤول إيراني رفيع المستوى – “كيف يمكن تغيير السلوك الإيراني في الإقليم؟ وكيف يمكن ضبط الايقاع النووي الإيراني؟ وما هو مصير كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة”؟ لا يمكن التقليل من أهمية وخطورة الحرب الغربية المُركبة التي تُشن ضد إيران خصوصاً ما يتعلق بحقوق الإنسان؛ لكن إذا كان صحيحاً أنها تحاول استكمال ملفات تستطيع استخدامها في وقت ما لادانة إيران واعطاء المشروعية الدولية لأي حرب ضد إيران؛ إلا أن الصحيح أيضاً أنها تعمل على تحطيم ما تبقى من ثقة متأرجحة للإيرانيين حيال السلوك الغربي، ما يجعلهم يبتعدون أكثر عن الوعود الغربية التي لا يرون فيها أي مصداقية؛ لمصلحة التشدد الذي ينعكس بشكل غير مباشر على الأمن والاستقرار في المنطقة، بما في ذلك وضع المصالح الأوروبية في اللائحة الارهابية المصنفة إيرانياً إذا وضع الإتحاد الأوروبي الحرس الثوري ـ الذي هو جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة الإيرانية ـ على لائحة الإرهاب.

 الدول الغربية – يضيف المسؤول الإيراني الرفيع المستوى – تدرك أن الأمن القومي الإيراني “خطٌ أحمرٌ”، وأن طهران تملك عديد الأوراق المحلية والإقليمية لتأمين هذا الأمن وأن سياسة العصا والجزرة التي يستخدمها الغرب يجب أن تُستبعد لصالح المصالح المشتركة وقاعدة “رابح رابح”؛ وما عدا ذلك فإنهم يلعبون بالنار ويُحرّكون الرمال غير المستقرة تحت أقدامهم في منطقة الشرق الأوسط.

ويسترسل المسؤول الإيراني أن إيران “لديها خططاً بديلة وجميعها على الطاولة. بعضُها مُفعّل والآخر ينتظر التطورات. بعضها مُعلن والآخر غير معلن. والأوروبيون هم أضعف حلقات المواجهة. وإذا كان الغربيون يتجولون الآن في عواصم المنطقة بسيارات مصفحة فعليهم التفكير بركوب ناقلات جند مصفحة في المستقبل”. قلت لصديقي المسؤول الإيراني “هل مسموح لي نقل ما تفضلت بقوله”؟ أجابني “اكتب كل ما سمعته ولا تخف من أحد!. انها المنازلة.. ونحن لها”.

* أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

*POST-180


25/01/2023