×

  قضايا كردستانية

  من كتابات الباحث رجائي فايد



 

*المرصد/فريق الرصد

من صحيفة"الاتحاد"الصحيفة المركزية للاتحاد الوطني الى صحيفة "روناهي " ،كتب الباحث وصديق الشعب الكوردي العديد من المقالات من خلال اعندته الصحفية فيما ياتي مختارات من هذه الكتابات :

 

حكمة الرئيس جلال طالباني

تثبت الأحداث تباعاّ مدى الحكمة التي يتصف بها الرئيس جلال طالباني، ويتبعها في معالجته الهادئة، لكافة المشكلات التي تعصف بالعراق بين حين وآخر، وآخر ما ظهر من تلك الحكمة، هو أسلوب تعامله مع الأزمة التي اشتعلت، وكادت أن تشعل العراق والمتعلقة باتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بمساندة الإرهاب، فقد تم احتجاز الهاشمي في مطار بغداد، وهنا تجلت حنكة الرئيس السياسية في تدخله الشخصي كي يسافر إلى كوردستان العراق، وفي مدينة السليمانية، وهي جزء من دولة العراق معززاّ مكرماّ، كما ينبغي أن يكون، وكما هو معروف عن الملاذ الآمن للعراقيين.

بهذا التصرف الحكيم والمتوقع، إستطاع الرئيس أن يبعد النار عن البنزين، من أجل إنقاذ العراق، دون أن يكون له موقف رافض لسير العدالة، ومحاسبة كل مخطئ عما ارتكب، وبالشكل الذي يحدده القانون والسلطات القضائية وحدها وليس أي طرف آخر، ولو تصورنا ما كان يمكن أن يحدث لو لم يتدخل الرئيس في أزمة المطار تلك، وللدلالة على ذلك فإن الهاشمي نفسه قال في حوار مع وكالة أنباء رويترز (إن الإتهام الموجه له هو مؤامرة لتدمير خصوم رئيس الوزراء نوري المالكي وقد تشعل من جديد أعمال القتل الطائفية التي شهدها العراق في عامي 2006 و 2007، فالعراقيون يعيشون حالياّ في نفس أجواء التوتر الطائفي التي عاشوها في تلك السنوات)، وأضاف في نفس الحوار (إنه يطلب إحالة القضية المثارة ضده إلى محكمة في إقليم كوردستان، وسيقبل أي حكم تصدره، لأن هذه المحاكم لاتتبع المالكي ولاتتبعه ومن ثم ستكون حكماّ عادلاّ في هذه القضية).

وقد قرر القضاء العراقي مؤخرا إعادة التحقيق في القضية، وهذا معناه أنه لاتوجد أية إتهامات للهاشمي حتى اللحظة، وربما تثبت التحقيقات القضائية (وليس التنفيذية) أنه مدان، وربما تثبت العكس، وبالتالي فلا وجه لملاحقته من أي جهة كانت في الوقت الحالي.

إن حكمة الرئيس طالباني تمثلت في نزع فتيل الأزمة، والعمل على تبريد الأجواء، ثم بعدها تأخذ الإجراءات القضائية مجراها، في نفس الوقت فإنه لم يتوقف عن تصريحاته الهادئة المطمئنة، والتي تؤكد على أن العراقيين مهما اختلفوا فإنهم يتفقون في النهاية، ولم نسمع منه أبدا، كلمة واحدة ضد طرف سياسي، فالكل أصدقاء ورفاق نضال ضد دكتاتورية النظام السابق وبطشه وجبروته، لا يقول إلا الكلام الطيب المتفائل عن كافة الأطراف، والإستقبال الودي الحار لهم جميعا.

وفي نفس الوقت فإنه دائما يتحدث عن تقديسه للقضاء، وضرورة أن ينال المسيء جزاءه من خلال حكم قضائي عادل، وأن الهاشمي لو كان متهما حقيقة في ما نسب إليه، فلابد أن يحاكم أمام القضاء، وفي أي مكان في العراق، شريطة أن تكون هناك ضمانات لتحقيق العدالة.

لقد كان من حظ العراق أن يصبح الحكم بين السلطات في العراق شخص في حكمة وثقافة وحنكة الرئيس جلال طالباني، لقد وظف كل تاريخه السياسي وتجربته الكبيرة في خدمة الوطن العراقي، إن هذا الرجل الذي عاش طوال حياته يدافع عن مظلومية الشعب الكوردي، هاهو الآن يواصل عمله في إخراج العراق من مأزق تلو الآخر.

إن هذا المواطن الكوردستاني العراقي، أثبت بالأفعال أنه عراقي، ربما أكثر من آخرين، يتغنون بحب العراق ليل نهار، وبما يتناقض مع سلوكهم الفعلي، إنه هدية كوردستان إلى العراق وشعب العراق.

*القاهرة-28/12/2011

 

 

برقية مفتوحة إلى مام جلال

 

فخامة الرئيس جلال طالباني/ المحترم

رئيس جمهورية العراق

 إسمح لي يافخامة الرئيس أن أخاطبك وجدانياّ باللقب الأحب إليك وهو مام جلال

ألف ألف سلامة مام جلال، فالكل في لهفة من أجل عودتك سالما الى أرض الوطن، العراق وكوردستان العراق، فأنت لست مجرد مؤسس وزعيم حزب، ورئيس لجمهورية العراق فقط، إنك أكبر من ذلك بكثير، فتاريخك النضالي وسماتك الشخصية أضافت الى تلك المناصب الكثير من القيم، لقد كبرت بك تلك المناصب، ولست كغيرك ممن يكبرون بالمناصب.

لقد كان قدر العراق أن تتصدر مشهده السياسي في وقت كانت فيه الأمواج تتلاطم، نتيجة لتعرضه للأنواء القاسية التي تعصف به داخليا وخارجيا، وكان من الممكن أن تؤدي تلك الأنواء بدول لم يتوفر لها ماتوفر للعراق، ربان ماهر، يعرف جيدا كيف يمكن أن يبحر بسفينته تلك، ويعبر بها بسلام، منقذا إياها من خطر تلك الأمواج المتلاطمة، موجة تلو موجة.

ورغم أنك كوردي حتى النخاع، فقد أثبت أيضا أنك عراقي وبنفس الدرجة، وأثبت بالدليل العملي أنه لاتعارض إطلاقاّ بين الإنتماءين، القومي والوطني، طالما أن هناك حداثة متبادلة في التفكير والسلوك، وأن الوطن من الممكن أن يتسع للجميع في ظل المفهوم الصحيح للمواطنة، وهو ماحاولتَ (مام جلال) أن تغرسه بالسلوك العملي، في قلب كل عراقي.

كنت دائما تسعى كي تنقذ العراق من أن ينزلق ليصبح (عراك)، وتبذل أقصى مايتحمله بشر في سبيل جمع كافة الفرقاء على كلمة سواء، ولأن إرث النظام البائد ثقيل، والخيوط تبعا لذلك متشابكة، والأجندات متعارضة، والأطماع الخارجية في العراق متعددة، فإن الجهد الواجب بذله في ظل ذلك لابد أن يكون مضاعفا، وهذا ما كان منك (مام جلال).

إن كل مواطن في العراق ينتظرك، كي تواصل جهدك المحمود من أجل أن تعبر بالعراق بسلام من أخطر أزمة سياسية تواجهه.

وأحباؤك في كوردستان العراق في انتظارك أيضا، كي تكتمل التعديلات السياسية، وتتشكل الحكومة الجديدة.

لقد أصاب جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي، كبد الحقيقة عندما قال في برقيته اليك (كم هو محظوظ الشعب العراقي والمنطقة بأسرها، بقيادتكم في هذا الوقت الحرج).

مام جلال ألف ألف سلامة..

 

رجائي فايد

القاهرة-22/1/2012

 

 

مام جلال.. عراقي أكثر من آخرين

 

لو كان أحد آخر مكانه، لالتمس الراحة لفترة نقاهة يحددها هو بنفسه، فقد عاد من ألمانيا بعد إجراء عملية جراحية، وفحوصاّ طبية ربما تحتاج وحدها الى راحة، ولكنه أبى، فوضع العراق المتأزم لايحتمل الراحة، هذا ما اعتاد عليه طوال تاريخه الطويل، حيث لم يركن الى الراحة يوماّ، حاملاّ على كتفيه آمال شعبه وطموحاته، ومودعاّ في قلبه أحزان هذا الشعب وكوارثه، إنه مام جلال الذي قال له نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن (كم هو محظوظ الشعب العراقي والمنطقة بأسرها، بقيادتكم في هذا الوقت الحرج)، وعندما اتفقت عليه كافة القوى السياسية العراقية، ليكون ربان السفينة العراقية، في هذا الوقت المتأزم الحرج، وضع العراق نصب تفكيره، وقدم للعراق خبرة سنوات طوال من النضال في أحلك الظروف، وفي نفس الوقت لم ينس قوميته، وخلق توازناّ مدهشاّ بين القومي الكوردي والوطني العراقي.

وكمثال على مانقول نعرض ما قام به في يوم واحد للعراق ولقوميته، في يوم (من المفترض أن يكون فيه في راحة)، في هذا اليوم أشرف في بغداد، على اجتماع المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني، لبحث أوضاع العراق والمساعي المبذولة لحلحلة الأزمة العراقية، والعراقيل التي تواجه هذه الأزمة وكيفية معالجتها (هم وطني عراقي)، وبحث الإجتماع أيضاّ قرار رئيس وزراء العراق نوري المالكي حول إلغاء عدد من قرارات لجنة شؤون الشمال البائدة والمتعلقة بقضية العقارات والأراضي في المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان معتبراّ ذلك القرار خطوة صحيحة نحو تنفيذ المادة 140 من الدستور (هم قومي كوردي)، وفي نفس اليوم استقبل الأمين العام المساعد للجامعة العربية أحمد بن حلي والوفد المرافق له، حيث أعرب عن امتنانه للجهود التي تبذل من أجل إنجاح القمة العربية التي من المقرر عقدها في بغداد في نهاية الشهر القادم.

ووفق القواعد المتبعة سيصبح مام جلال وهو الكوردي الأصيل، رئيساّ لهذه القمة، ليثبت للعالم، بأنه بالإمكان ألا يوجد أي تعارض بين الإنتماءين (القومي والوطني) في ظل أفق رحب وقبول بالآخر، وعدم ظلم طائفة لطائفة، وفي اللقاء يؤكد مام جلال على أن العراق بلد مؤسس للجامعة العربية وله دوره المهم في القضايا العربية، وكلما اقترب العراق من الأسرة العربية اقتربت منه، ثم يؤكد على أن العراق ينوي تعزيز علاقاته مع جميع الدول العربية الشقيقة، ولم ينس في هذا اللقاء أن يتطرق الى الوضع الداخلي العراقي فيقول (إنه سوف يواصل جهوده من أجل عقد المؤتمر الوطني العراقي والذي من شأنه وضع خارطة طريق لمستقبل العراق).

من جانبه شكر بن حلي مام جلال على الشرح الوافي الذي قدمه حول المشهد السياسي العراقي مثنياّعلى الدور المحوري لمام جلال على الساحتين العراقية والعربية، ثم ختم بن حلي كلامه مخاطباّ مام جلال (يأتي هذا بفعل تاريخكم النضالي وخبرتكم السياسية ونظرتكم السديدة وبفعل أنكم تضعون مصلحة العراق نصب العين).

وفي نفس اليوم أيضاّ استقبل مام جلال، رئيس مجلس النواب العراقي أسامه النجيفي، حيث بحث معه الخطوات التي يجب اتخاذها من أجل فك العقد التي تعترض طريق عقد المؤتمر الوطني العراقي، وتوفير السبل الكفيلة بنجاحه، وأهمية العمل المشترك والأخوي لحل كافة القضايا العالقة، وضرورة إيجاد المشتركات والتفاهمات الوطنية بين كافة الأطراف والكتل السياسية، وفي نفس اليوم استقبل رئيس ائتلاف العراقية الدكتور اياد علاوي، حيث جرى خلال اللقاء بحث الأوضاع السياسية الراهنة في العراق، وسبل حل القضايا العالقة حلا شاملاّ بروح أخوية مستندة الى مبدأ الشراكة الوطنية والإحتكام الى الدستور.

تلك عينة من نشاط رجل كان من المفترض أن يخلد لفترة الى الراحة ليعيش فترة نقاهة (وهذ من حقه)، ولكنه أبى فقوميته ووطنه العراق يحتاج الى كل دقيقة من وقته، ولم يبخل لا على هذا ولا على ذاك، ليثبت أنه بالفعل عراقي أكثر بكثير من بعض أطراف العملية السياسية الذين تعلو انتماءاتهم الضيقة على الإنتماء لوطن العراق، وكما قلت فقد استطاع بحنكته أن يخلق توازنا مدهشا بين الإنتماء الوطني العراقي والقومي الكوردي، بل مابين الإنتماء للمحيط العربي والمحيط الكوردي، وتلك مقدرة لايستطيع القيام بها إلا من هو على شاكلة مام جلال فكرا وتاريخا ونضالا، وأذكر في هذا الصدد أنني كنت في أربيل يوم أعلن عن تنصيب مام جلال لمنصب رئيس الجمهورية لأول مرة، ونظمت إحتفالات بهذه المناسبة ووقفت في الشارع لأشاهد المواكب الإحتفالية، واستوقفني أحد المشاهد، كان لعربة مزينة على ظهرها رجلان متشابكا الأيدي في حب، أحدهما بالدشداشة والعباءة العربية، والآخر بالسروال الكوردي، وحملت هذا المشهد في ذهني الى القاهرة، لأجيب به على كل من كان حينئذ يستنكر أن يتولى كوردي هذا المنصب العراقي الرفيع، وكنت أقول لهم، إن تولي مام جلال لهذا المنصب هو تأكيد على عراقيته، وهاهي أحداث الأيام تثبت ذلك، بل تثبت أنه أكثر عراقية من آخرين

*القاهرة-8/2/2012

 

الحوار العربي الكوردي…معَ مَنْ نتحاور؟

على مدى بضعة أيام شاركتُ في ندوتين على مواقع التواصل الاجتماعي، واحدة منهما تتناول مسألة الحوار العربي – الكوردي بشكلٍ مباشر والأخرى تناولته بشكلٍ غير مباشر، وإن كان الحوار في معظمه يصب في صلب هذا الحوار، إذ كان موضوعه (دولة كوردستان نقمة أو نعمة على الشرق الأوسط الجديد)، وتواكب مع ذلك مشاركتي في حوار آخر على فضائية كورديّة تناولت نفس الموضوع، وذلك بمناسبة صدور كتاب الأستاذ (فتحي محمود) المتعلق بأهمية الحوار العربي – الكوردي.

 ولأن هذا الموضوع هو شغلي الشاغل منذ أوائل العقد الأخير من القرن الماضي، فقد عادت بي الذاكرة إلى عام 1998 عندما شاركت في التحضير لأول مؤتمر عُقِد بالقاهرة عن هذا الحوار والذي نظمته اللجنة المصرية للتضامن، وقد شارك فيه من الجانب الكوردي كورد العراق فقط، ومن الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي الكوردستاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني)، وتم تجاهل باقي الأحزاب سواء الكوردية في العراق أو دول الجوار.

وقد ورد لأمانة المؤتمر قبل انعقاده رسالة من الزعيم الكوردي (عبد الله أوجلان) قُبيل اعتقاله يتمنى فيها لهذا المؤتمر التوفيق ومتمنياً مشاركة حزبه في مؤتمرات لاحقة، موضحاً أهمية تلك المشاركة، وقد أوفد حزبه وفداً إعلاميّاً لمتابعة فعاليات المؤتمر، كان الجانب الكوردي العراقي حينئذ منقسماً على نفسه لأن المنطقة الكوردية العراقية كانت منقسمة إلى إقليمين منفصلين ودار بينهما قتال دموي، إقليم أربيل (مسعود البارزاني) وإقليم السليمانية (جلال الطلباني).

لكن بالرغم من ذلك فقد سارت جلسات المؤتمر بسلاسة ولم يلاحظ على الوفدين المشاركين أي توتر فيما بينهما كان وفد الحزب الديمقراطي برئاسة سامي عبد الرحمن وحزب الاتحاد برئاسة جلال الطلباني بل قام كل وفد بدعوة الوفد الآخر على الغداء،  وتبادلوا الكلمات الودية تخللها دعابات (الطلباني) التي أضفت جواً مبهجاً على المجتمعين لدرجة أن الأستاذ أحمد حمروش رئيس اللجنة المصرية للتضامن والمشرف على المؤتمر قال تعليقاً على هذا الود المتبادل (إن هذا المؤتمر قد ساهم في ترطيب العلاقة بين الحزبين) وقد وافقته وسجلت ذلك بنفسي.

وعلى الرغم من ذلك كان التوتر حاضراً بسبب الضغوط الخارجية وبالذات من الحكومة العراقية لمنع انعقاد المؤتمر كما وردت لأمانة المؤتمر احتجاجات من بعض الأحزاب المصرية والعربية ذات التوجهات القومية ولذلك تم منع تصوير وقائع المؤتمر وصادر الأمن المصري كافة أجهزة التصوير.

 أما على الجانب الكوردي فكانوا جميعا يتحدثون بصوت واحد لشرح قضيتهم مع ترحيبهم بهذا الحوار، وتمنى الجميع أن يكون بداية لحوارات عربية كوردية قادمة، وقد شارك في هذا المؤتمر بدراسة (المسألة الكوردية والأمن القومي العربي) وبعد انتهاء المؤتمر وفي اليوم التالي عقد المؤتمر السنوي لمركز ابن خلدون للأقليات والملل في الوطن العربي وشارك الوفدين في هذا المؤتمر الذي افتتح بكلمة من قبل (جلال الطلباني)، وشاركت في إحدى محاوره بندوة مشتركة مع الدكتور (فؤاد معصوم)، كما جرت حوارات أخرى مع أحزاب مصرية وعربية.

وبعد مغادرة الوفدين الكورديين فُتحت آفاق جديدة في طريق الحوار، فظهر على الساحة الجانب الكوردي في تركيا بقوة، ثم بعد ذلك الجانب الكوردي السوري، ولأن الحوار تزداد أهميته وضرورته يوماً بعد يوم، ومع التباينات فيما بين تلك الأحزاب والكيانات، والتي يجب أن يجمعهم هدف أسمى واحد، لذلك كانت حيرتنا مع من نتحاور…؟

طالباني اجتمع بعبد الناصر وشرح له مطالب كورد العراق

كان أول حوار عابر مع الكورد تم في استقبال عبد الناصر للملا مصطفى البارزاني ورفاقه عام 1958، عند مروره بالقاهرة وهو في طريقه إلى بغداد عائداً من منفاه الطويل في الاتحاد السوفياتي، وعقب ثورة عبد الكريم قاسم على الملكية الهاشمية وكان الحوار الثاني عام 1963 خلال مفاوضات الاتحاد الثلاثي (مصر والعراق وسوريا) وكان يشارك في تلك المفاوضات عن الجانب الكوردي العراقي جلال الطالباني والذي اجتمع بعبد الناصر وشرح له مطالب كورد العراق ضمن هذا الاتحاد المزمع.

 بعد ذلك شهد هذا الحوار إهمالاً واضحاً من الطرفين كما لو أن الطرفين ليسا بحاجة إلى مثل تلك الحوارات، في الوقت الذي كانت فيه قضايا عربية أكثر إلحاحاً من المسألة الكوردية (حرب اليمن على سبيل المثال وهزيمة 1967)، وفى عام 1997 اكتشف مدى حاجة الطرفين إلى ذلك فزار مصر جلال الطالباني للتنسيق مع الحكومة المصرية لفتح مكتب لحزبه (الاتحاد الوطني الكوردستاني) في القاهرة.

وكان الشعب الكوردي العراقي قد انقسم على نفسه جغرافياً وسياسياً إلى إقليمين (أربيل والسليمانية)، ولكل منهما ارتباطاته الإقليمية والدولية، أما إقليم أربيل (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) فقد اكتفى بأن يكون التواصل مع القاهرة من خلال مكتب الحزب في دمشق حيث كان مسؤوله يقوم بزيارات خاطفة لمصر من حين لآخر، وتم خلال تلك المرحلة الحوار العربي الكوردي عام 1998.

 بعدها ظهر حزب العمال الكوردستاني بقوة على الساحتين الدولية والإقليمية وبعد ذلك ملاحقة القائد الكوردي عبد الله أوجلان من قبل أجهزة استخبارات دولية والتي انتهت في نيروبي بأسره، وكانت تلك الأحداث سبباً مباشراً في قفز القضية الكوردية في كافة أجزائها إلى صدارة القضايا العالمية، وأصبح هناك شغف متزايد للتعرف على أبعادها، وتمثل ذلك في أخذ تلك القضية مساحات واضحة في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وكذلك اهتمام المراكز البحثية في مصر والعالم العربي والعالمي بتلك القضية.

 وجواباً على الأسئلة الملحة حول تلك القضية بل وقضايا الكورد في الشرق الأوسط أصدرت كتاب (أوجلان الزعيم والقضية) بمشاركة الصديق والسياسي المصري المعروف أحمد بهاء الدين شعبان، وصار هناك نهم مصري وعربي في التعرف على المزيد عن تلك القضية، ومن خلال ذلك تم اكتشاف مدى التباين في المواقف الكوردية وهو تباين قد يصل أحياناً إلى الصراع المسلح بين بعض الكورد وكم من الدماء التي سالت نتيجة لذلك. مع اتهامات متبادلة بأن هذا الطرف أو ذاك متهم بالخيانة وعلى المستوى الشخصي كنت عندما أتحاور مع أحد الأطراف أشعر بعتاب من طرف آخر لماذا تتحاور مع هذا أو ذاك؟، وللحقيقة فإن أغلب الثورات التحررية يحدث بين فصائلها تباينات وربما اقتتال بسبب الدعم الخارجي لتلك الثورات، وتضارب المصالح بين الأطراف الداعمة لتلك الفصائل (فصائل الثورة الفلسطينية على سبيل المثال)، ولكن لأن حديثي متعلق بالمسألة الكوردية وأهمية الحوار العربي – الكوردي، فإن التباين بين القوى الكوردية كان يخلق التوتر مع الآخرين وإذا كان الطرف الآخر، الطرف العربي أيضاً مشاكل في هذا الجانب ولكنها دول في الأمم المتحدة  ولها علم ونشيد وحكومة ولكن الأمر يختلف مع الحالة الكوردية إذ يبقى السؤال عن الحوار العربي – الكوردي مع من نتحاور؟.

 

فكرة أن ينحصر الحوار العربي – الكوردي الآن على الجانب الثقافي

ظهرت إلى العلن مؤخراً فكرة أن ينحصر الحوار العربي – الكوردي الآن على الجانب الثقافي، مبتعداً عن السياسة بتعقيداتها وقوبلت الفكرة عربياً وكوردياً بالتأييد، فالعلاقات الثقافية التاريخية والمعاصرة حافلة بالإيجابيات وأذكر أن الرئيس العراقي السابق (الكوردي) الدكتور (فؤاد معصوم)، عندما زار القاهرة منذ سنوات حرص على زيارة مشيخة الأزهر والتقى بالإمام الأكبر وأهداه مستنسخاّ لرسالة الدكتوراه، التي قدمها في ستينات القرن الماضي في الفلسفة الإسلامية (رسائل إخوان الصفا).

 وفى هذا اللقاء استعاد الرئيس العراقي ذكرياته عن (رواق الكورد) في الأزهر الشريف حيث كان يدرس كما استعاد ذكرياته كمذيع في القسم الكوردي بالإذاعة المصرية، والتي تحسب لمصر كأول بث كما سبق لمصر احتضان وصدور أول صحيفة كوردية، وتطرق الحوار في هذه الزيارة على الفكر الوسطى للأزهر ومكانته كأهم قوة ناعمة مصرية، من واجبها المشاركة في أي حوار ثقافي عربي كوردي.

ولكن فكرة الحوار مع الكورد بعيداً عن تعقيدات السياسة صعب لأن السياسة أمر غالب على التفكير الكوردي، فالسياسة خبز الكورد اليومي وكثيراً ما يتحول إلى معناه الضيق عندما ينحصر في الانتماء الحزبي، لذلك فمن الضرورة أن نبحث عن مشاركين متحررين من التحزب وهناك إمكانية لوجود هؤلاء، ففي إحدى زياراتي لمدينة السليمانية بكوردستان العراق التقيت بالشاعر الكوردي الكبير شيركو بيكس قبل أن يرحل عن عالمنا.

فى حواري مع شيركو تطرق الحديث إلى مكانة الشعر في الأدب الكوردي وفى الحياة الكوردية وعندما تطرق الحديث إلى السياسة فوجئت به ينتقد بعض الأوضاع في السياسة الحزبية الكوردية وبشدة، وانتقد من يفترض أنه منتمياً إلى حزبه وخرجت من هذا اللقاء بأنه يوجد هذا المثقف الكوردي المتحرر من أسر الحزبية، والذي من الممكن أن يكون طرفاً في هذا الحوار كما أذكر أن العائلة التيمورية (أحمد ومحمد ومحمود وعائشة)، وهم من رواد الثقافة المصرية تعود أصولهم إلى القومية الكوردية، وكانت إحدى منتسبات هذه العائلة (رشيدة تيمور) تنظم  مسابقة سنوية في التأليف المسرحي باسم جدها (محمد تيمور) تحت إشراف وزارة الثقافة المصرية، ومن المصادفات أن الفائز في إحدى السنوات كان أديب كوردي من مدينة دهوك وقد سلمته الجائزة بنفسي عند زيارتي لمدينة دهوك عام 1999 لصعوبة وصوله للقاهرة حينئذ.

إن مجالات الحوارات الثقافية متعددة ونحن نمتلك (العرب والكورد) قاعدة عريضة لذلك، ونستطيع أن نبني عليها كما أن العقول في كلا الطرفين مهيأة للترحيب بمثل هذا الحوار، فمن الممكن من خلال التبادل الفني (فرق مسرحية واستعراضية المشاركة في مهرجانات)، وإذا كان الفيلم المصري حاضراً في كل بيت كوردي لدرجة أن الممثل المصري يتابع أخباره الكورد وبدرجةٍ قد لا تتوفر لدى كثير من المصريين (ومنهم أنا!).

 ولأن هناك إرهاصات لنهوض كوردي سينمائي، يتمثل في المشاركة بالمهرجانات العالمية، لذلك من الواجب أن يكون هناك مشاركة كوردية في مهرجان القاهرة السينمائي، كما أن صالات عرض الفنون التشكيلية المصرية (والعربية) ترحب أيضاً بالفن الكوردي وما يعقبها من حوارات، إذا المجالات متعددة للحوار العربي – الكوردي الثقافي، وعندما نبدأ فلن نعجز حينئذ عن الإجابة عن هذا السؤال مع من نتحاور؟.

*روناهي-5-26 اغسطس 2021

 

أنا والمسألة الكورديّة.. التجليات والانكسارات 

اعترضت وما زلت أعترض على مقولة إني قدّمت الكثير للمسألة الكوردية، بل على العكس هي التي قدمت لي الكثير، وما جرى على مدى عمري الطويل يستحق أن يروى، منذُ صباي كنتُ أعشق القراءة وكل ما يمتُ لها بصلة، من قراءة وكتابة وحضور الندوات والصالونات الأدبية، وأفتخر بأني كنت أصغر من جلس إلى العقاد في صالونه الأسبوعي، وبعد ذلك كنت أشارك في الجلسة الأسبوعية مع نجيب محفوظ في مقهى ريش. ثم تنوعت جلساتي في كافة الملتقيات الفكرية التي يحمل أصحابها أهم الرموز في الساحة الثقافية، وبدأت كتاباتي الأدبية تأخذ طريقها للنشر، وصدرت لي مجموعة قصصية بعنوان (أم الدنيا)، لكني تعرضت لمأساة خطيرة هددت مستقبلي، وكان عليَ أن أرحل بعيداً عن الوطن درءً للخطر المحدق بي، وكانت وجهتي مدينة أربيل (مركز الحكم الذاتي حينئذ)، وعشت فيها مع أسرتي الصغيرة لتسع سنوات كاملة، عشت فيها بندرة أفراحها وكثرة أحزانها، (قد أتطرق إلى ذلك مستقبلاً)، وعدت نهائياً إلى الوطن، بعد انقشاع ذلك الخطر، وسجلت انطباعاتي عن تلك الفترة قبل أن تضيع من الذاكرة، ووجدت من كان يحبو مثلي في الكتابة الأدبية، أصبح ملء السمع والبصر، وحاولت أن ألحق بهم وفشلت.

في ذلك الحين كان المتوفر عن الكورد من معلومات في مصر شحيحة ومشوشة، وكان هناك من يود معرفة أي شيء عن هؤلاء الذين يشاركوننا جغرافياً وتاريخياً في الوطن، ودُعيتُ لإلقاء محاضرة عن الكورد، وكان رد الفعل طيباً، ونصحني البعض في ترك الاهتمامات الأدبية، وحصر كل اهتمامي في تلك المسألة، لأنه كما قال في تعليق له أحد المثقفين (هذه المنطقة مجهولة لنا، ولن نجد مصريّاً تعايش مع أهلها كل هذه الفترة وبعيون المثقف)، وبالفعل نفذت تلك النصيحة، فظهرت كتاباتي بالصحف، وأصبحت ضيفاً على الفضائيات، وشاركت بقوة في أول حوار عربي كوردي من خلال اللجنة المصرية للتضامن كعضو في لجنته التحضيرية ومشاركاً في فعالياته. وعند حدوث الأزمة بين سوريا وتركيا، والتي انتهت بوساطة مصرية، وأغلقت مقرات حزب العمال الكوردستاني في سوريا، لتبدأ المؤامرة السيئة الصيت لزعيمه عبد الله أوجلان، إلى أن تم الإيقاع به في نيروبي بكينيا، وكان لا بد أن أقدم للقارئ شيئاً عن تلك المسألة، فكان كتابي (أوجلان الزعيم والقضية)، وشاركني فيه الصديق أحمد بهاء الدين شعبان، وتعددت مؤلفاتي في هذه المسألة، بل وأصبحت مُشرفاً على أطروحات حصل أصحابها على درجتي الماجستير والدكتوراه.

 من خلال تلك المسألة تقدمت على الصعيدين المحلي والإقليمي وربما الدولي أيضاً، ترى ألست محقاً في اعتراضي على تلك المقولة التي بدأت بها كلماتي؟ إذ من الواجب أن يُنسب الفضل لأصحاب الفضل.

 

أوراق رجائي فايد الكوردية

كانت ليلة من أسعد الليالي التي مرّت عليَّ، كانت مناسبة ذلك هو الاحتفال بتوقيع الكتاب الذي سطّرته الكاتبة الصحفية (ولاء أبوستيت)، وحمل عنوان (أوراق رجائي فايد الكوردية)، وحضر الحفل نخبة متميزة من مثقفي مصر والعرب والكورد.

كانت أشبه بتظاهرة حب لشخصي الضعيف، (هل أنا أستحق كل هذا الإطراء؟) هكذا تساءلت، وأضرب مثالاً على ذلك من كلمة سفير مصر الأسبق في العراق (السفير شريف شاهين)، حيث قال: «كانت معرفتي بصاحب الاحتفال منذ فترة قريبة، وأعتقد أنني لو كنت قد عرفته وقت تقلدي سفارة مصر في العراق لتغيرت أمور كثيرة».

(فهل مثلي يستحق بالفعل ذلك؟)، إنني أعتقد بأني لم أفعل شيئاً أستحق عليه تلك الكلمات، فمن خلالها كان متحدثوها يتطرقون إلى ما قمت به بشأن المسألة الكوردية، والذين كانت بدايتهم معها من خلالي، سواءً كانوا كادراً جامعياً أم باحثاً أم كاتباً أم صحفياً، وأعتز بكل هذه الكلمات.

وشكلت تاجاً على جبيني، أتمنى أن أستحقه وبحثت فيما مر بحياتي حول تلك المسألة، حيث كانت المصادفة وتصاريف القدر هي التي حوّلت حياتي من مجال الإبداع الأدبي إلى مجال الولوج في التحليل السياسي وبالذات في تلك المسألة وكما قالت (أبوستيت)عن حالة توحدي مع تلك المسألة في مقدمتها للكتاب: «إن المسألة الكوردية وجدته كما وجدها، وأعطته بقدر ما أعطاها ليكون التحول في حياته، والذي كان حلمه، أن يغدو أديباً لا يقل شأنه عن رموز الأدب والإبداع العربي».

وفي هذه الكلمات، فأنا أتحفّظ على بعض ما فيها، فأنا على عكس بعض ممن يتحدثون حالياً عن المسألة الكوردية، (في زمن المغانم الكوردية الحالي، بعد أن كانت في الماضي أكثرها مغارم)، فأنا أقرُّ وأعترف بأني مدين لتلك المسألة حيث أعطتني أكثر مما قدمت لها، فقد عوضتني عن أفولي في مجال الإبداع الأدبي، بسبب بُعدي عن مصر لتسع سنوات كاملة  في أربيل (هولير) التي كانت في ظل حكم البعث مركزاً للحكم الذاتي، وأصبحت الآن عاصمة لإقليم كوردستان العراق الفيدرالي، وسفري للعراق ولهولير بالذات، كان أيضاً مصادفة لقد أجبرتني ظروف ما حدث لي في القاهرة في أواخر سبعينات القرن الماضي على تركها، ولسان حالي يقول ما قاله سيدنا رسول الله عندما بدأ هجرته من مكة إلى المدينة التي كانت أحب الأماكن إليه، وأن هاجر منها مرغماً، بسبب ما حدث له، لقد كنت أخطو خطوات سريعة في مجال الإبداع الأدبي، وخططت لنفسي من أن مستقبلي لن يكون إلا في القاهرة، فقد بدأ اسمي في الظهور من خلال ما يُنشر لي من قصص قصيرة في الصحف، كما حصلت على جوائز أدبية، ويعرف بدون شك من عاش أيام السبعينات أن شباب ذلك الجيل كانوا محرومين من السفر خارج مصر، بسبب ظروف الحرب والتجنيد الإجباري لكني لأسباب صحيّة كنت خارج هذا القيد، ومع هذا كنت مُصراً على البقاء في القاهرة، بأضوائها المبهرة وبتوقع تدعيم مكانتي الأدبية لكن القدر كان له توقعاً آخر، فبسبب ظروف مأساوية تعرضتُ لها، أُجبِرت على ترك القاهرة إلى مدينة هولير، لأجد نفسي وسط عالم فسيفسائي، كل جماعة فيه تتشرنق على نفسها واقعياً، أما ظاهرياً، فهي تلتزم بخط حزب البعث العربي الاشتراكي (العراق خيمة واحدة)، والتي كانت تخالف الواقع، ولأول مرة في هذا البحر المتلاطم الشوفيني من القوميات والمِلل والنحل، اكتشفت معنى أن أكون عربياً، ولذلك كان تصميمي على التمسك بعروبتي، بل والإصرار على عدم تعلم اللغة الكوردية.

 

كرتونية المؤسسات الرسمية المجلسين التشريعي والتنفيذي

أسرتي التي التحقت بي بعد عام، ودرسوا في مدرسة خديجة الكبرى فى هولير، تمكنوا فى فترة بسيطة من إتقان اللغة الكوردية بلهجة أهل هولير، في الوقت الذى كنت أعاند في تعلم تلك اللغة للأسباب التي ذكرتها، كما تمكنت من إلحاق زوجتي بالعمل في الثقافة الجماهيرية بهولير، وتم ذلك بسهولة، في الوقت الذى كان فيه العراق قد دخل حرب الثمان سنوات مع إيران، وبالتالى كان من المفترض أن يكون هناك صعوبة في ذلك، لكن لأنى أخذت وضعاّ مميزاّ حسدني عليه أبناء البلد، إذ كنت وأنا في القاهرة أراسل بعض الصحف والمجلات العراقية، وتم نشر كل ما أرسلته، ولذلك عندما التحقت بالعمل في المنشأة العامة للدواجن الشمالية، كانت سيرتى قد سبقتني، فهناك موظف مصري جديد يختلف عن الآخرين، ولأن هولير كانت حينئذ مدينة صغيرة، لذلك كانت تنتشر فيها الأخبار بسرعة، وترتب على ذلك أننني كنت موضع اهتمام المسؤولين، فأي مسؤول كان يتقلد عدة مناصب، مابين وظيفية وأمنية ،وبسبب تلك المسؤوليات كان يطلب منهم تقريراّ(فى كل موقع يتقلده) يمتدح فيه تصريحات الرئيس (وان مان شو كمعظم زعماؤنا الملهمين الذين لا يأتيهم الباطل من بين يديه ولا من خلفه!!) ،وفى ظل هذا المناخ، أصبحت مطلوباً لديهم لمعاونتهم في كتابة تلك التقارير، والتي لم يكن لها نهاية، والحالة الرسمية في هولير تتوزع شكلياً في مؤسسات الحكم الذاتي بين المجلس التشريعي (البرلمان) والمجلس التنفيذي وتتبعه الأمانات (الوزرات) العامة، لكن في حقيقة الأمر، كان للأمن والاستخبارات الكلمة الفصل في كل شيء، ومن خلال علاقاتي تمكنت من إنشاء ناد للسينما في الثقافة الجماهيرية في هولير، وقد ضم نخبة من مثقفي المدينة، وعن الحالتين السياسية والاجتماعية، نجد أن هناك تعقيدات كبيرة تحتاج جهداً كبيراً لمن يفهمها، فعلى المستوى الطائفي (كورد وعرب وتركمان وكلدان وآشور وإيزيديين، وشبك وكاكائية الخ) وكل منهم له معتقد، وفى الأغلب لغة خاصة به، وعلى المستوى السياسي، هناك الجيش الشعبي التابع للنظام (كان قائده طه يس رمضان)، ويعتبر رديفاّ للجيش العراقي، ويضم في جنباته منتسبين (من حزب البعث) من كافة الطوائف السابقة، وهناك ميليشيات عشائرية كوردية تابعة أيضاً للنظام ، وتطلق عليها الحكومة (الجحافل الخفيفة)، لكنهم وفق تسميتهم بالثقافة الكوردية الدارجة (الجحوش)، لأنهم وفق العقل الجمعي الكوردي هم خونة الوطن، يرتدون الملابس الكوردية التقليدية ويتسلحون بالأسلحة الخفيفة، وهم أتباع الزعيم العشائري (الأغا)، الذى لا يخالفون له أمراّ، وفضلاً عن ذلك هناك قوات (البيشمركة) التي تعادى النظام، وتقوم بعملياتها ضد مؤسسات الحكومة، واغتيال المتعاونين معها ليلاً، وكان يجب على كل إنسان أن يغلق عليه بابه عند مغرب كل يوم، ذلك بإيجاز شديد هو المجتمع الذى قررت أن أعيشه لسنوات، فطريقى إلى مصر كان حينئذ تحيط بها عواقب عدة لأسباب لامجال لذكرها.

للتدليل على مدى كرتونية هذه المؤسسات الرسمية (المجلسين التشريعي والتنفيذي)، أذكر هذه الحكاية، كان تعامل النظام العراقي مع مؤسسات الحكم الذاتي تعاملاً جيداً منذ الإعلان عن بيان الحكم الذاتي إلى أن تم توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975، والتي ترتب عليها تنفيذ المطالب الحدودية لشاه إيران، في مقابل التوقف عن دعم الحركة المنطقة الكوردية، وبالتالي انهارت تلك الحركة (مثال آخر على وهم الاستقواء بالآخر)، ووجد النظام أن مسألة الحكم الذاتي للمنطقة الكوردية لم يبق لها أي أهمية، إلا أنه وجد من الأفضل الإبقاء عليها كشكل هيكلي وإعلامي، وقد أتاحت لي الظروف بعد ذلك الاطلاع على بعض مضابط المجلس التشريعي (البرلمان) للحكم الذاتي، واطلعت على مداولات الأعضاء، ووجدت أن أحد أعضاء المجلس في وجود(طه يس رمضان) يطالب ببعض الصلاحيات للمجلس بعد اتفاقية الجزائر، هنا خبط (رمضان) بيده على المنضدة معترضاً ومعنفاً ذلك العضو الذى تمت إسقاط عضويته في نفس الجلسة، ولا نعلم ماذا جرى له بعد ذلك، وإلى الكلمات القادمة.

 

زملائي فى العمل لايصدقون بأني لا أعرف اللغة الكوردية

ذكرنى بحديثه معي، بما كان يحدث لي فى شهوري الأولى في هولير (أربيل)،كان ذلك الحديث مع (الجنرال بابكر الزيباري) أول رئيس لأركان حرب الجيش العراقي الجديد بعد الإحتلال الأمريكي، والذي تأسس بمعرفة الأمريكي (بول بريمر)، بعد تسريح الجيش البعثي السابق، يقول: “كنت ضابطاّ صغيراّ فى القوات المسلحة العراقية فى ظل حكم البعث” واستطرد “حيث كان الحوار فى مسكنه بمدينة (دهوك)، شعرت أننى منبوذاّ وسط رفاقي، كانوا ينظرون إلىي كعدو يجب الحذر منه لأنى كوردىي فعندما كنت أدخل إحدى الغرف على رفاقي، كانوا يتوقفون عن حديثهم، لذلك قررت فى أول إجازة ألا أعود وألتحق بالمقاومة الكوردية “البيشمركه” ضد النظام، لأن ذلك يجب أن يكون طريقى الصحيح”، ذكرني ذلك بما كان يحدث معي، إذ كان زملائي فى العمل لايصدقون بأني لا أعرف اللغة الكوردية؛ بل أنني أجيدها وأتصنع الجهل بها، حتى أتمكن من التجسس عليهم، لذلك ماكنت أدخل إحدى الفرف حتى يصمتون عن الحديث، ويحولونه إلى أسئلة تافهةعن الفنانين المصريين والفن المصري، وعشت فى شك تلك الحالة، إلى أن تيقنوا بأننى بالفعل ،لا أعرف اللغة الكوردية، ولاأستطيع تكوين جملة واحدة، ولذلك تحول الشك إلى ثقة، التي تمكنت من خلالها أن أتعرف عما يجري فى هذا المجتمع، كانت قيادات المنشأة من البعثيين سواء كانوا عرباّ أو كورداّ أو تركماناّ أو كلدو آشور، وكان هناك تباين واضح بنظرتهم لي، فالعربي البعثي كان يصمم على أن تسبق عروبتي مصريتي، وعندما كنت أناقشهم في ذلك، كانوا يصرون على أن عروبتي موغلة فى القدم قبل أن يكون ما يسمى بمصر!!، وكان هناك حدوداّ لهذه المجادلة التى لا طائل من ورائها، بل ربما قد تتسبب فى مشاكل لي، أما زملائي الكورد، كانوا يصممون على أنني لست عربياّ بل قبطياّ، وفي ظل هذا الوضع استسلمت لرؤية الطرفين، طالماّ أن فيه راحة للطرفين، وراحة وأماناّ لي، وأذكر واقعة طريفة، ففي مجال التحضير لأحد الاحتفالات (وما أكثرها)، لاحظت من النافذة أن بعض رايات العلم العراقي، قد وضعت بالخطأ حيث كان اللون الأسود يعلوا اللونين الآخرين (الأبيض والأحمر)، وكانت لدى الشجاعة لأهاتف المدير العام وأبدى له تلك الملاحظة، وعلى الفور وجدت أعضاء لجنة الاحتفالات (لجنة فى منتهى الأهمية!) يقومون بتعديل وضع الرايات المختلفة لتوحيدها، وياللعجب لقد أصبح وضع كافة الرايات فى الوضع الخطأ، حيث يعلوا العلم العراقي اللون الأسود، واتصل بى جناب المدير العام وهو قيادة بعثية وسألني (هل تم تصحيح وضع تلك الأعلام) ولم يكن أمامي سوى أن أقول (نعم)، ولكن أثمرت تلك الواقعة عن ضمي لتلك اللجنة التى لها مكانتها المتميزة، رغم أن نشاطها كله (كلاوات) حسب التعبير العراقي، لكن يبقي في هذه الواقعة رغم طرافتها سؤال هام، إذا كان هذا القيادي البعثي لا يعرف قانون العلم العراقي، فماذا يمكن أن تنتظر منه من التنظيرالفلسفي الذى يتحذلق به عندما يجبرني على الاستسلام له بأن العروبة كانت موجودة قبل مصر، وأن مصر جزء طارىء على العروبة، وينطبق ذلك على كافة القوميات التى تعج بها المنطقة!!.

فى أغلب احتفالات المناسبات، يتم تنظيم مسيرة جماهيرية يشارك فيها كافة منتسبى الدوائرالحكومية ويقود كل دائرة قيادي بعثي من أبناء تلك الدائرة، يهتف بحماس ويردد المنتسبون من خلفه تلك الهتافات، والمواطنون على جنبات الطريق يشاهدون هذا المشهد بسخرية مستترة، في بداية مشاركتي فى تلك المسيرات، كنت أستحي من الاندماج مع زملائي، لأجد من ينبهني مطالباّ أياى بالتصفيق والهتاف، ومن مسيرة بعد أخرى، اندمجت مع الآخرين، ولا يكاد يمر أسبوعين حتى نجد مناسبة جديدة تعلق فيها الزينات وتنظم المسيرات، أما عن الواجب الأصلي الوظيفي للمنشأة (توفير الدجاج والبيض للمواطن) فهي آخر الاهتمامات، ودائماّ كان تجمع تلك المسيرات فى ساحة قيادة حزب البعث؛ حيث كان أمين سر القيادة يخطب فى الجماهير بحماس، دون أن يسمعه أحد!.

وفى مرة رفض طالب صغير العمر، لا يدري عاقبة فعلته، أن ينفذ الأمر برفع تلك الصورة، وألقاها إلى الأرض (وهي مقدسة)، وكان العقاب السريع على فعلته الشعناء، إذ انطلقت دفعة من بندقية أحد الأشاوس لترديه على الفور قتيلاً (حضرت هذه الواقعة بنفسي، وسؤالي هو هل تذكر قيادات اليوم هذا الشاب وأمثاله الذين قضوا حياتهم قرباناً لحلم الاستقلال؟، في زمن المغارم، حيث أن هؤلاء قادة اليوم ينعمون اليوم في مغانم زماننا الذي فقد هذا الشاب الغض حياته قرباناً لما ينعمون به، ولا حول ولا قوة إلا بالله).

ومن المشاهد العبثية التي كان يتفنن المنافقون في رسمها، أذكر أن التلفاز العراقي قطع إرساله، لنشاهد امرأة عراقية جميلة تركض في شوارع بغداد لاهثة، وبين يديها ضفائر شعرها التي قصتها إهداء منها إلى نسور (صقور) الجو لأنهم نجحوا في قصف جزيرة مجنون!، ويا له من مشهد عبثي، والأكثر عبثاً هو أن ترى في مشهد المسيرة رجلاً كوردياً ربما لا يجيد العربية، ويحمل لوحة كتب عليها (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة)، ويتصور القادة والمنظّرون أن العراق بذلك أصبح خيمة واحدة!

 

إصرار خلال اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار العربي الكوردي (القاهرة/ 1998)

أعترف بأنني وقفت بإصرار خلال اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار العربي الكوردي (القاهرة/ 1998)، بأن يقتصر ذلك المؤتمر على كورد العراق فقط “كورد باشور كوردستان”، رغم أن المناضل (عبد الله أوجلان، قد أرسل رسالة ودّية إلى تلك اللجنة، متمنياً أن حزبه كان يود المشاركة مع تمنياته للمؤتمر بالنجاح).

وقد أعطيت للرفيق (شيار زاخو) صورة من هذه الرسالة لأهميتها التاريخية، وقد وصلت لمكان انعقاد المؤتمر بعثة إعلامية من حزب العمال لكن تم منعها من الدخول إلى قاعة المؤتمر، وأعترف الآن بخطئي في ذلك، كما اتضح من الأحداث اللاحقة، بعد انتهاء جلسات المؤتمر بأسابيع كنت في زيارة لمقر حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني في مقره المؤقت، في حي المهندسين بالقاهرة والذي كان مسؤوله حينئذ الأستاذ (عدنان المفتي)، وبالمصادفة التقيت في مقر الحزب بالقيادي البارز الدكتور (فؤاد معصوم)، (رئيس جمهورية العراق السابق)، ووجدت في يده مجلة أنيقة اسمها (الأوج) والتي كانت تصدر من (أثينا).

وفوجئت بأن تلك المجلة ذكرت اسمي في سياق ذكرها لوقائع المؤتمر، والأهم من ذلك أن تلك المجلة كانت معنية بالدرجة الأولى بحزب العمال الكوردستاني وبقائده (أوجلان/ آبو)، لذلك تواصلت مع المجلة، وجاءني الرد كتابياً وسريعاً، مُرحّباً بي كأحد كتّاب المجلة، ووجدت أن من واجبي، أن أوسّع دائرة معرفتي بالقضية الكوردية، لأن تلك القضية لا تقتصر على كورد العراق فقط (كنت أدري بذلك لكن من باب العلم فقط) وإنما كان يجب أن يكون من واجبي دراسة تلك القضية بجغرافيتها، والتي تشمل تركيا وإيران والعراق وسوريا، طالما إنني كرّست نفسي للدفاع عن تلك القضية، ورحت أبحث عمن كتب عن كورد تركيا بالذات، لأن من المفترض أن مقالاتي في تلك المجلة تتفق مع سياستها.

وفوجئت بمسؤولي المجلة يرسلون لي عدة مطبوعات بشأن نضال هذا الحزب وتاريخه، وبعض الحوارات التي جرت مع زعيمه (آبو)، وكان من أهم تلك المطبوعات هو كتاب يتضمن تقريراً كتبه الرفيق (أوجلان)، وقدمه لمؤتمر الحزب، واطلعت باهتمام على كل ما وصلني، وبذلك كنت مُهيئاً لتزويد المجلة بمقالات تتفق مع سياستها، وفي نفس الوقت شعرت أنني أستكمل بعض ما كان ناقصاً في معرفتي بتلك القضية، التي تتمثل في أن كورد تركيا يشكلون النسبة الأكبر من كافة الكورد، كما أنهم يشكلون القومية الثانية في تركيا التي في حقيقتها تتكون من فسيفساء عرقية (ترك وكورد وعرب وأرمن وشركس ولاظ…إلخ) رغم أن الخطاب الإعلامي الشوفيني التركي ينفي ذلك (لا يوجد في تركيا إلا أتراك فقط ولا مكان بيننا لمن يزعم أنه من قوميات مختلفة).

تم نشر كافة مقالاتي في تلك المجلة، في الوقت نفسه بدأت في الظهور غيوم بين سوريا وتركيا، وكان ذلك مقدمة افتتاحية لأحداث جسيمة، التي حدثت بالفعل بعد ذلك، لمواجهة تلك الأحداث. تحرك سريعاً الرئيس المصري حسني مبارك لوأد هذا الحريق المحتمل من وجهة نظره، فكلف وزير خارجيته عمرو موسى بالتحرك في رحلات مكوكية بين دمشق وأنقرة إلى أن نُفّذَت طلبات أنقرة بالكامل، وأعتقد ذلك نجاحاً دون أن يدرك أن (شيلوك) المرابي التركي، والتي لا تقف مطامعه عند حد، بل يريد أن يبتلع الكعكة بأكملها، والتاريخ ووقائع الحاضر تثبت ذلك لكن… وخلف (لكن) الكثير.

ونستكمل رحلتنا مع حزب العمال الكوردستاني وبطولة نضالية، وما حدث في تراجيديا اعتقال المناضل الأممي (عبد الله أوجلان).

ما يستند عليه أردوغان لتبرير تدخّل قواته في سوريا

دائماً ما يستند (أردوغان) لتبرير تدخّل قواته في سوريا، على “اتفاق أضنة” المبرم بين أنقرة ودمشق عام 1998، وإذا كانت العلاقات بين النظام السوري وتركيا لم تكن أبداً على ما يرام إلا أنهما توحدا في اتفاق (أضنة) (ويا للعجب) فيما يتعلق بـ(حزب العمال الكوردستاني)، حيث يناصبانه سويّاً العداء بالرغم من أن النظام السوري إن كان صادقاً في توجهاته الاستراتيجية يجب أن يكون في موقف المساند لهذا الحزب على أساس أنه قوة مضافة إليه وليس خصماً من القوة السورية، فما هي بنود هذا الاتفاق التي بقيت سرّية منذ التوقيع عليها؟ (نعلم بتلك الاتفاقيات من إعلام الخصوم، وليس من إعلامنا، كما يجب أن تكون عليه العلاقة الصحيحة بين الحاكم والمحكوم)، وهذا الاتفاق يتضمن الالتزامات التالية:

1ـ اعتباراً من الآن، (عبد الله أوجلان) لن يكون في سوريا، وبالتأكيد لن يُسمح له بدخول سوريا.

2ـ لن يُسمح لعناصر حزب العمال الكوردستاني في الخارج بدخول سوريا.

3ـ اعتباراً من الآن، معسكرات حزب العمال الكوردستاني لن تعمل (على الأراضي السوريّة).

 4ـ العديد من أعضاء حزب العمال الكوردستاني جرى اعتقالهم وإحالتهم إلى المحكمة، وقد تم إعداد اللوائح المتعلقة بأسمائهم وقدمت سوريا هذه اللوائح إلى الجانب التركي.

أكد الجانب السوري النقاط المذكورة أعلاه، وعلاوةً على ذلك، اتفق الطرفان على النقاط التالية:

1ـ إن سوريا، وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، لن تسمح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا، كما ولن تسمح سوريا بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكوردستاني على أراضيها.

2ـ لقد صنفت سوريا حزب العمال الكوردستاني على أنه منظمة إرهابية، كما حظرت أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها، إلى جانب منظمات إرهابية أخرى.

3ـ لن تسمح سوريا لحزب العمال الكوردستاني بإنشاء مخيمات أو مرافق أخرى لغايات التدريب والمأوى أو ممارسة أنشطة تجارية على أراضيها.

4ـ لن تسمح سوريا لأعضاء حزب العمال الكوردستاني باستخدام أراضيها للعبور إلى دول ثالثة.

5 ـ ستتخذ سوريا الإجراءات اللازمة كافة لمنع قادة حزب العمال الكوردستاني من دخول الأراضي السورية، وستوجه سلطاتها على النقاط الحدودية بتنفيذ هذه الإجراءات.

وفي هذا السياق:

أـ سيتم إقامة وتشغيل خط اتصال هاتفي مباشر فوراً بين السلطات الأمنية العُليا لدى البلدين.

ب- سيقوم الطرفان بتعيين ممثلين خاصين (أمنيين) في بعثتيهما الدبلوماسيتين (في أنقرة ودمشق)، وسيتم تقديم هذين الممثلين إلى سلطات البلد المضيف من قبل رؤساء البعثتين.

ج ـ في سياق مكافحة الإرهاب، اقترح الجانب التركي على الجانب السوري إنشاء نظام من شأنه تمكين المراقبة الأمنية من تحسين إجراءاتها وفاعليتها، وذكر الجانب السوري بأنه سيقدم الاقتراح إلى سلطاته للحصول على موافقتها، وسيقوم بالرد في أقرب وقت ممكن.

د ـ اتفق الجانبان التركي والسوري، ويتوقف ذلك على الحصول على موافقة لبنان، على تولي قضية مكافحة حزب العمال الكوردستاني في إطار ثلاثي (آخذاً بعين الاعتبار أن الجيش السوري لم يزل في لبنان، وكان حزب العمال يقيم معسكرات له في منطقة البقاع اللبناني الخاضعة لنفوذ الجيش السوري).

هــ يلزم الجانب السوري نفسه باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ النقاط المذكورة في “محضر الاجتماع” هذا وتحقيق نتائج ملموسة.

وإذا كان هذا الاتفاق يسمح للقوات السورية بالتوغل داخل الأراضي التركية، فإن ذلك لم يحدث، بل لن يحدث، وبالتالي كان الاتفاق إذعاناً سوريّاً بل وعربياً للمطامع التركية والتي يبدو أن لا نهاية لها.

*روناهي/فبراير-يوليو 2020


28/01/2023