×

  بحوث و دراسات

  أوكرانيا.. فصل جديد من المواجهة



*مصطفى فحص

 

من التعزيزات العسكرية إلى الحديث عن دعوة لتعبئة ثانية إضافة إلى بعض التقدم الميداني على جبهة دونتسك، فإن الحالة الروسية بعد الهزائم التي تعرض لها الجيش الروسي على طول الجبهة الأوكرانية من شرقها إلى جنوبها، وانسحابه إلى شرق نهر دنيبرو لاتزال غامضة، ولكن تفسير الغموض الروسي لا يخرج عن احتمالين، متعمد لأنه يخفي مفاجأة ستؤدي إلى نقلة تكتيكية كبيرة في الميدان، أو غموض بمضمون فارغ كون كل ما يشاع عن استعدادات روسية لتغيير موازين القوة العسكرية في أوكرانيا، ليس إلا مجرد تكهنات لا يمكن رصدها على أرض الواقع.

فعليا، فإن حالة الغموض المرحلي تزيد الوضع الروسي قلقا، كونه يؤكد أن معسكر الحرب لا يزال مصرا على تحقيق أهدافه رغم مرور قرابة سنة على الغزو، إذ فشلت موسكو في تحقيق أي هدف استراتيجي إلى الآن، هذا الغموض المرتبط أيضا بجمود مؤقت في السياسية والميدان، حيث لا رهان على حل سياسي يمكن أن يرضي كييف، ويحافظ على ماء وجه موسكو، فلا إمكانية لدى روسيا على هزيمة أوكرانيا أو دفعها للاستسلام أو القبول بشروط موسكو للسلام.

هذا التقدير يبدو مقلقا أيضا للدول الغربية المضطرة إلى مزيد من الانخراط في المواجهة التي دخلت منذ الربيع الفائت مرحلة مختلفة، بعدما انتقل الوضع الأوكراني من الدفاع إلى الهجوم، أم الآن وأمام ما يشاع عن استعدادات روسية للعودة إلى الهجوم، فإن كييف تستعد للانتقال مجددا إلى وضعية الدفاع وسط تكهنات بأن موسكو تستعد للقيام بهجوم جديد أو توسيع نطاق عملياتها العسكرية في شرق أوكرانيا وغربها.

الواضح أن هناك تسارعا بالأحداث فقد تمكن الجيش الروسي من إحراز تقدم على عدة جبهات واستعاد بلدة سوليدار (شرق) الاستراتيجية وتتقدم في مدينة باخموت. وهناك معلومات عن تعزز الجبهة بالجنود النظاميين وبكتائب من مليشيات فاغنر إضافة إلى إرسال عتاد عسكري ثقيل يساعد القوات الروسية بالانتقال إلى الضفة الغربية لنهر دنيبرو في مقاطعة خيرسون (جنوب).  والتقدم مجددا في العمق الأوكراني وسط حالة استنزاف تتعرض لها المقاومة الأوكرانية، لذلك حذر الرئيس الأوكراني زيلينسكي منذ أيام من أن موسكو تهدف إلى تصعيد هجومها على أوكرانيا بعد نحو شهرين من الجمود الفعلي على الجبهة الممتدة في جنوب البلاد إلى شرقها وأكد في تصريح له من أيام "إن روسيا بدأت "انتقامها الكبير" من المقاومة الأوكرانية.

عمليا، فإن الاتفاق الأوروبي الأميركي بتزويد كييف بعدد من الدبابات بات أفضل رهانات كييف على صد أي تقدم روسي محتمل، كما أنه قد يساعدها على الصمود أو الهجوم مستقبلا للسيطرة على مناطق جديدة، ولكن الحاجة الملحة في هذه المرحلة أنها ستساعد كييف على وقف عملية الاستنزاف التي تتعرض لها قوتها  وستعطيها تفوقا في الميدان في مواجهة الدبابات الروسية القديمة من طراز "تي 64" المحدودة المناورة مقارنة بالدبابات الألمانية والأميركية والبريطانية، فهذا القرار وبالرغم من أن تنفيذه يحتاج إلى قرابة شهرين _أي موعد بدء التسليم_ فإنه يعتبر نقلة نوعية في المواجهة ما بين الغرب وروسيا، الأمر الذي دفع الكرملين إلى اعتبار القرارات التي صدرت عن واشنطن وعواصم أوروبية بالشأن تزويد كييف بالدبابات تشكل انخراطا مباشرا في الصراع.

على أبواب بداية السنة الثانية من الغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو أن الغرب برغم من بطء استجاباته في بعض الأحيان للمطالب الأوكرانية إلى أنه موحد أكثر من أي وقت مضى في مواجهة روسيا، بينما الانقسام داخل النخبة الروسية يتصاعد بالرغم من هيمنة معسكر الحرب على المشهد الرسمي، حيث لا قدرة لبوتين على التراجع فيما يبدو أن فصل الربيع سيفتح فصلا جديدا من المواجهة قد تكرر المشهد السابق في تقدم روسيا ثم تراجعات قاسية تحت وطأة تحولات كبيرة في الميزان العسكري.

*شبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).


01/02/2023