×

  المرصد الايراني

  عودة العلاقات السعودية – الإيرانية.. أبعاد الاتفاق والانعكاسات المحتملة



 

*مركز تريندز/إدارة البحوث والدراسات

يشكل الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني، بوساطة الصين، على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتي البلدين خلال شهرين، تطورًا بالغ الأهمية وإنجازًا سياسيًا كبيرًا، إقليميًا ودوليًا، وخطوة مهمة في طريق تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي سيكون لها ما بعدها. كما يحمل هذا الإعلان في طياته العديد من المؤشرات المهمة، سواء لجهة التأكيد على التوجه العام السائد حاليًا في منطقة الشرق الأوسط والمتمثل في سياسات “تصفير المشاكل” والذي بات المحرك الأساسي في طبيعة العلاقات بين الدول الإقليمية المركزية، أو لجهة دلالته بالنسبة للدور المتصاعد للصين في العلاقات الدولية بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة، وتخليها عن سياستها الحيادية إلى التدخل الإيجابي في حل النزاعات والخلافات الإقليمية والدولية، إضافة إلى ما يمثله هذا الاتفاق من دلالة، مهمة على طبيعة التحول والتغيير الحاصل في سياسات وتوجهات الحكومتين السعودية والإيرانية، وإداركهما أنه لا يمكن أن يستمرا في حالة تنافس وعداء، وأن التهدئة والحوار هما السبيل الأنفع لهما، ولكل كل دول المنطقة بلا استثناء.

وفي هذا الإطار، تناقش هذه الدراسة المختصرة خمس نقاط رئيسية، هي: أبعاد الاتفاق السعودي الإيراني ودوافعه والمسكوت عنه في بنوده، وأبعاد الدور الصيني في الاتفاق السعودي- الإيراني ودلالاته، ومدى تأثير الاتفاق على قضايا وأجندة الإقليم، وعوامل نجاح الاتفاق أو إخفاقه، وأخيرًا سيناريوهات مستقبل العلاقات السعودية- الإيرانية في ضوء هذا الاتفاق.

 

أولًا، بيان الاتفاق السعودي الإيراني: بين المُفْصَح به والمسكوت عنه:

 

نص البيان الثلاثي الذي أُعلن من خلاله الاتفاق السعودي الإيراني على أنه جاء استجابةً لمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ لتطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. كما نص على أنه، أي البيان، تم بناءً على الاتفاق بين شي جين بينغ وكل من قيادتي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بأن تقوم الصين باستضافة ورعاية المباحثات بين البلدين في الفترة من 6 – 10 مارس 2023 في بكين. وأوضح البيان كذلك أن تلك المباحثات كانت بناء على رغبة كلٍّ من المملكة (التي مثلها الدكتور مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني)، وإيران (التي مثلها الأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي) في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار ومبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية. وأوضح كذلك أن العراق وسلطنة عُمان كان لهما دور في الاتفاق، حيث استضافتا جولات من الحوار بين الجانبين بين عامي 2021 و2022.

 

وأعلن البيان أنه تم التوصل إلى اتفاق يتضمن:

**الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.

**تأكيدهما احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

**الاتفاق أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعًا لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.

**تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقّعة في 17 أبريل 2001 والاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 27 مايو 1998.

**كما أعرب البيان حرص كلّ من المملكة وإيران والصين على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

ومن خلال قراءة هذه البنود يمكن القول إن الاتفاق جاء ليضع حدًّا للصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي كان سمة مركزية في المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط منذ عام 1979، وتنامى بصورة واضحة في السنوات العشر الأخيرة؛ نتيجة السلوكيات والسياسات الإيرانية العدائية والتدخلية في شؤون دول المنطقة الأخرى، حيث أخذ الصراع تدريجيًا بعدًا طائفيًا جاذبًا إليه قوى محلية وجدت مصالح وقوة دفع في الصراع بين الدولتين.

 ووجدت فيها إيران أذرعًا طرفية لها تحقق من خلالها مصالحها ومآرِبها. لذا، فان الحوار والتقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران أمر ضروري لحل المشكلات الرئيسية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها من مناطق التماس؛ ما يسمح لنا أن نتساءل: هل من الممكن أن يكون هذا الاتفاق بداية سلسلة من الاتفاقات في المنطقة تلعب الدور نفسه الذي لعبه صلح “وستفاليا” عام 1648، ذلك الصلح الذي أنهى مرحلة الصراع الديني والطائفي والمذهبي في أوروبا وفسح المجال أمام الحرية الدينية والتسامح الديني؟

 فهل يمكن أن نطلق على هذا الاتفاق “وستفاليا شرق أوسطية” يتم من خلاله إرساء احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والنأي بالدّين عن الصراعات السياسية بين الدول؟

إن تأكيد الاتفاق على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية يمثل نقطة مفصلية ومحورية في تحقيق الاستقرار الإقليمي؛ لأن جوهر الصراع السعودي- الإيراني يعود إلى السياسات التدخلية التي انتهجتها طهران في السنوات الماضية في شؤون الدول الخليجية المجاورة، بدءًا من محاولات تصدير الثورة، مرورًا بدعم الأقليات الشيعية في الدول الأخرى واستغلالها كورقة ضغط تستخدمها لتهديد الأمن والاستقرار في دولها وفرض إرادتها على شعوبها، كما حصل في العراق ولبنان واليمن وحتى بعض الدول الخليجية الأخرى، وصولًا إلى حد دعم الأعمال الإرهابية وأعمال العنف داخل دول المنطقة، وبالتالي فإن ضمان احترام إيران سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شؤونها سيكون له تأثيره الإيجابي على حالة الأمن والاستقرار التي تشهدها المنطقة برمتها.

من جانب آخَر، يبين لنا الاتفاق أنه بعد سنوات عديدة من تصريحات بكين بأنها تستهدف فقط بناء علاقات قائمة بالأساس على الاقتصاد في الشرق الأوسط، وأنها لا تسعى إلى أي نفوذ سياسي – بعد تلك السنوات حدثت نقلة نوعية في سياسية الصين الدولية، وهو أمر قد يقلق قوى دولية أخرى لها مصالحها ودورها التقليدي في معادلة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

والجدير بالقول أن الاتفاق لم يتطرق بشكل صريح لوقف إيران دعم الميليشيات وخضوع برنامجها النووي والصاروخي لمراقبة المجتمع الدولي، إلا أننا يمكن أن نفهم من البنود الواردة في بيان الاتفاق أنها ستلبي تلك المطالبات في الاتفاق الختامي.

 

ثانيًا- الدور الصيني في الاتفاق السعودي – الإيراني.. الدوافع والدلالات:

يسلط اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، الذي تم برعاية ووساطة صينية، المزيد من الضوء على الدور المتنامي لبكين في منطقة الشرق الأوسط، حيث استضافت بكين مفاوضات مكثفة بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ونظيره السعودي، مساعد بن محمد العيبان، بين يومي 6 و10 مارس، تمخضت عن الإعلان عن اتفاق بين البلدين باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد قطيعة دامت 7 سنوات على أثر إعلان السعودية قطع العلاقات مع إيران في يناير عام 2016، بعد الاعتداء على سفارتها وقنصليتها في إيران .

وقد تزامن الإعلان عن الاتفاق مع إعادة انتخاب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بالإجماع لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات رئيسًا لجمهورية الصين الشعبية ورئيسًا للجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين الشعبية؛ ما يجعل الاتفاق كأنه إعلان عن الدور الجديد التي ستلعبه الصين كفاعل رئيسي في رسم شكل النظام العالمي الجديد.

 وقبل الإعلان عن الاتفاق بثلاثة أيام فقط قال تشين قانغ، وزير الخارجية الصيني، “إن الصين ستعمل على بناء شراكات واسعة النطاق والدفع بنوع جديد من العلاقات الدولية”.

وتسعى الصين لتلك اللحظة منذ وصول شي جين بينغ لسدة السلطة في الصين عام 2013. فبينما كان يشرح رؤية الصين للعلاقات الدولية، في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، دعا الرئيس الصيني إلى بناء مجتمع دولي ذي مستقبل مشترك للبشرية، يهتم فيه الجميع بأمور بعضهم البعض.

وفي عام 2022، طرح شي جين بينغ “مبادرة الأمن العالمي”، التي تدعو إلى إيجاد طريق جديد للأمن يكرّس الحوار والشراكة والكسب المشترك بدلًا من المواجهة والتحالف واللعبة الصفرية. وفي السابع من مارس من هذا العام صرح وزير الخارجية الصيني تشين قانغ بأن الصين ستعمل على تعزيز وجود ديمقراطية أكبر في العلاقات الدولية، وجعل الحوكمة العالمية أكثر عدلًا وإنصافًا.

وأضاف أن الصين ستقدم رؤى وحلولًا صينية أكثر وأفضل للمساعدة في مواجهة التحديات المشتركة للبشرية. وفي اليوم نفسه أصدرت وزارة الخارجية الصينية “ورقة مفاهيم بشأن مبادرة الأمن العالمي” تشرح فيها المفاهيم والمبادئ الجوهرية لمبادرتها للأمن العالمي، والتي تقوم بالأساس على تفعيل دور الأمم المتحدة، وتسهيل التسويات السلمية للقضايا الساخنة من خلال الحوار وتعزيز حوكمة الأمن العالمي.

كما تصرح الصين من حين لآخر بأنه لا يمكن الوصول إلى الأمن العالمي دون تحقيق الأمن في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق طرحت الصين مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط:

 

 1. الدعوة إلى الاحترام المتبادل.

 2. الالتزام بالإنصاف والعدالة.

 3. تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية.

 4. العمل سويًّا على تحقيق الأمن الجماعي.

 5. تسريع وتيرة التنمية والتعاون.

 كما تعلن الصين بأنها تدعم الزخم الإيجابي والجهود التي تبذلها دول الشرق الأوسط لتعزيز الحوار وتحسين العلاقات، وتدعو إلى استيعاب الشواغل الأمنية المعقولة لجميع الأطراف، وتعزيز القوى المحلية لحماية الأمن الإقليمي، وتدعم دور جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى البنَّاء في هذا الصدد.

 كما أن الصين أعلنت في أكثر من مناسبة أنها تلتزم بتطوير علاقاتها مع الدول العربية بناء على المبادئ التالية: الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، واحترام خيار شعوب الدول العربية، ودعم جھود الدول العربية في استكشاف الطرق التنموية التي تتناسب مع خصوصياتها الوطنية بإرادتها المستقلة.

 

خلاصة الأمر

ان علاقات الصين الدولية كانت تُفهَم في الأدبيات ذات الصلة بناء على المنطلقات التالية: غلبة النزعة البراغماتية على حساب النزعة الأيديولوجية؛ وغلبة نزعة الحوار على نزعة المواجهة؛ وإعطاء أولوية للجانب الاقتصادي؛ والتأني في إدارة العلاقات الدولية وعدم التسرع في السعي لتحقيق موقع متقدم في النظام الدولي.

ولكن بعد أن أصدرت الصين وثيقة “الموقف الصيني من حل الأزمة الأوكرانية سياسيًا” والإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني يبدو أن الصين قررت أن تنخرط في إدارة العلاقات الدولية من موقع متقدم في إدارة النظام الدولي. كما يبدو أن دولًا وأقاليم معينة آخذة في الصعود على سلم الأولويات الصينية، بعد أن كان تركيز سياساتها الخارجية منصبًّا على الدائرة التقليدية.

وعليه، فربما يمثل الاتفاق السعودي الإيراني لحظة فارقة تُتوَّج من خلالها الصين الفاعل الدولي الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، مستفيدة من الانسحاب الجيوسياسي الأمريكي من المنطقة، ومن الصورة التي رسمتها الصين لنفسها بأنها لا تسعى للهيمنة أو التوسع، وأنها تسعى لبناء مستقبل مشترك للبشرية مبنيّ بالأساس على التفاهم وبناء مؤسسات مشتركة، وهو ما يمثل “فرقًا جوهريًا للغاية” مع الرؤية الأمريكية المتمثلة في بناء مستقبل من خلال المنافسة والصراع.

 

ثالثًا، انعكاسات الاتفاق على قضايا الإقليم… هل من تسويات منتظرة؟

لا شك في أن عودة العلاقات السعودية-الإيرانية سيكون لها العديد من الانعكاسات على قضايا المنطقة الرئيسية، ومنها ما يلي:

 

تعزيز سياسة “تصفير المشكلات”:

حيث تتجه الآن العديد من دول الإقليم في سياستها الخارجية إلى تصفير المشكلات القائمة والمحتملة، والبحث عن حلول ابتكارية لتسوية خلافاتها مع دول الجوار، وعن صيغ جماعية أكثر تعاونية يربح فيها الجميع، خاصة بعد التداعيات السلبية لأزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على دول الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة نموًا لافتًا في سياسة “تصفير المشكلات”، الأمر الذي أسفر عن تسوية الخلافات الخليجية – الخليجية، والحوار التركي-المصري، والتضامن الإنساني والسياسي الكبير مع تركيا وسوريا عقب الزلزال الأليم الذي ضربهما، والعمل على عودة سوريا إلى الحضن العربي.

وهنا نستطيع القول إن الاتفاق من شأنه تعزيز هذا التوجه نحو “تصفير المشكلات” الذي بات العنوان الأبرز في السياسات الخارجية لدول الإقليم، بهدف التركيز على قضايا البناء والتنمية والازدهار لشعوبها كافة.

 

زيادة فرص تسوية النزاعات المشتعلة في المنطقة:

 إن عودة العلاقات بين السعودية وإيران ستفتح بلا شك الباب على مصراعيه للحوار بين الدولتين لتسوية العديد من الأزمات المشتعلة في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة اليمنية، حيث تمتلك الدولتان أوراقًا كثيرة تستطيعان من خلالها أن تدفع طرفي الأزمة إلى الجلوس معًا من أجل الوصول إلى تفاهمات لإنهاء الصراع والحرب الأهلية اليمنية التي تدور رحاها منذ ما يزيد عن ثماني سنوات. يضاف إلى ذلك أن الحوار السعودي الإيراني قد يدفع إلى الوصول إلى تفاهمات حول تقليل أو إنهاء الوجود العسكري الإيراني في كل من العراق وسوريا، والذي اتخذته إسرائيل ذريعة للقيام بعمليات عسكرية متكررة في سوريا تحديدًا، بموافقة وتنسيق من بعض القوى الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا).

وتمثل الأزمة السياسية في لبنان إحدى أكثر الأزمات التي قد تشهد انفراجة على خلفية الاتفاق السعودي الإيراني، خاصة وأن البلد يشهد انقسامًا حادًا بين فريقين يرتبط كل واحد منهما بإحدى الدولتين (الرياض وطهران)، بحيث يمكن للسعودية وإيران أن تساعدا اللبنانيين على تشكيل الحكومة وترتيب الوضع الاقتصادي. كما أن الإعلان عن اتفاق سعودي إيراني قد يقوض آمال إسرائيل في تشكيل تحالف إقليمي ضد إيران وفق الرغبة الأمريكية، وهو ما من شأنه أن يقلل من خطر امتداد نطاق أيّ صراع محتمل بين طهران وتل أبيب لدول المنطقة الأخرى، كما أنه قد يسمح، على نحو مضاد، بتعاون أكبر بين الرياض وتل أبيب من أجل الوصول إلى تسوية للنزاع الفسلطيني الإسرائيلي.

كما ستدفع عودة العلاقات بين الدولتين أيضًا إلى تشجيع الدول الأخرى في الإقليم، تطبيقًا لنظرية الدومينو، إلى الجلوس معًا لحل النزاعات المشتعلة الأخرى مثل الوضع في ليبيا. وفي هذا الإطار، قد نجد الدول المتداخلة في الصراع الليبي تجلس معًا هي الأخرى من أجل وضع نهاية لهذا الصراع الذي تخطى عمره 12 عامًا.

ومن شأن كل هذا أن يفتح المجال أمام استعادة الأمن والاستقرار في هذه البلدان، ومن ثم التركيز على جهود إعادة الإعمار وإعادة تأهيل البنية الأساسية، وهو ليس بالأمر الهين، فعلى سبيل المثال، هناك دراسة أكدت أن سوريا وحدها بحاجة إلى حوالي 400 مليار دولار لإعادة الإعمار.

 وفي عام 2022، أكد البنك الدولي أن تكلفة إعادة الإعمار في اليمن لما خلفته الحرب تقدّر بـ 25 مليار دولار.

 

زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري بما يحقق التنمية والازدهار لشعوب المنطقة ككل:

 إن تسوية النزاعات والخلافات في المنطقة عمومًا، والسعودية الإيرانية تحديدًا، من شأنه أن يساعد على تحقيق التنمية المستدامة من خلال ما قد يتيحه من تنشيط حركة التجارة والاستثمارات المشتركة، خاصة في ظل ما يمتلكه البلدان من إمكانات اقتصادية وموارد نفطية كبيرة.

 

مواجهة الإرهاب:

 إن تسوية الخلافات السعودية الإيرانية، وغيرها من الخلافات في المنطقة، سوف تساعد بلا شك دول الإقليم على تجفيف بؤر الإرهاب، ومحاصرة تمويل الجماعات الإرهابية، والميليشيات وجماعات العنف، ولاسيما تلك التي تدعمها إيران أو تستخدمها في تهديد استقرار دول المنطقة الأخرى، الأمر الذي سوف يؤدي إلى الاستقرار والأمن في المنطقة.

 

 رابعًا، عوامل نجاح الاتفاق السعودي الإيراني:

 

توجد الكثير من العوامل التي قد تؤثر، إيجابيًّا أو سلبيًّا، على هذا الاتفاق وعودة العلاقات الطبيعية بين السعودية وإيران، منها ما يلي:

 

الالتزام المتبادل:

 إن التزام الدولتين، ولاسيما إيران، بتنفيذ بنود الاتفاق سيكون العامل الأهم في نجاح الاتفاق. وربما يؤدي ذلك ليس فقط إلى عودة الهدوء وتسوية وتصفير المشكلات في الإقليم، ولكن إلى الدخول في شراكات متنوعة بين إيران ودول مجلس التعاون، وعودة العلاقات الإيرانية المصرية.

 

موقف القوى الكبري:

 نظرت الكثير من الآراء، ولاسيما الغربية منها، إلى الإعلان عن عودة العلاقات السعودية الإيرانية، على أنه يمثل تحديًا جيوسياسيًا للولايات المتحدة وانتصارًا للصين، التي توسطت في المحادثات بين البلدين، وتم التركيز بصورة كبيرة على نفوذ الصين السياسي والاقتصادي المتزايد في المنطقة، حيث لعبت دورًا مهمًا في تحقيق هذا الاختراق، معتبرين أنه يعكس رغبة بكين وقدرتها على لعب دور دبلوماسي أكبر على المسرح العالمي ، وبل اعتبره البعض “بداية للعهد الصيني في الشرق الأوسط وربما العالم”.

 وبرغم ترحيب الولايات المتحدة بالاتفاق وتأكيد البعض أنه يتوافق مع ما أوضحه الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال زيارته للسعودية وإسرائيل، بأن خفض التصعيد والدبلوماسية والردع من أهم أركان سياسته تجاه إيران – برغم ذلك فإن هناك قلقًا أمريكيًا واضحًا من أن يتم توقيع هذا الاتفاق برعاية الصين تحديدًا، وقد يزيد الأمر من حدة الصراع والاستقطاب بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة.

وهنا، يمكن القول، إن الموقف الحقيقي للولايات المتحدة والدول الأوروبية، تحديدًا، سيكون عاملًا مؤثرًا في مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية.

 

موقف دول المنطقة:

رحب عدد من الدول العربية بالاتفاق السعودي الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية، معتبرةً إياه خطوة باتجاه الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

لكن على الجانب الآخر أعربت العديد من المصادر الإسرائيلية عن قلقها من الاتفاق. ومن المؤكد أن تسويات الخلافات السعودية الإيرانية ليس في مصلحة إسرائيل التي تسعي للتطبيع مع المملكة العربية السعودية تحت شعار مواجهة “العدو الإيراني”.

 كما أن تسوية السعودية لخلافاتها مع إيران سيجعلها في موقف أقوى في مواجهة الضغوط الإسرائيلية الأمريكية التي تمارس عليها لتحقيق تطبيع “على بياض” مع إسرائيل.

 وبتعبير آخر، فإن المملكة سوف تضع شروطها للوصول إلى التطبيع مع إسرائيل، ومنها تنفيذ المبادرة العربية والوصول إلى حل الدولتين.

 

خامسًا، سيناريوهات مستقبل الاتفاق السعودي الإيراني:

 

 بناء على المحددات السالفة الذكر هناك عدة سيناريوهات تواجه الاتفاق السعودي الإيراني، ومن بين هذه السيناريوهات ما يلي:

 

السيناريو الأول،

 عودة كاملة للعلاقات بين البلدين: وهو السيناريو الأكثر تفاؤلًا، والمرغوب فيه من قبل أغلب الدول الإقليمية. وفي ظل هذا السيناريو سوف نشهد سرعة في الحراك السياسي بين البلدين، وبين إيران وأغلب الدول العربية، والبدء في خلخلة الأزمات الملتهبة في المنطقة، اليمن وسوريا والعراق، وتحويل السلوك العدائي الإيراني إلى سلوك تعاوني، وحدوث تنسيق أمني وزيارات متبادلة بين أعلى القيادات السياسية، والبدء في التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، والحوار الثقافي والاجتماعي.

وفي ظل هذا السيناريو أيضًا سوف تظل الصين تعمل كقوة دفع للاتفاق لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وتُفشِل محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل لوقف قطار التطبيع العربي الإيراني.

 

السيناريو الثاني،

 عودة العلاقات الدبلوماسية دون التطبيع الكامل للعلاقات: وهو السيناريو الوسط، حيث يؤدي الاتفاق إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فقط من أجل التنسيق السياسي والأمني دون الوصول إلى عودة كاملة وطبيعية لكافة العلاقات بينهما. وهنا سوف تكتفي بعض الدول العربية بفتح باب الحوار مع طهران، والتعاون المحدودة في بعض القضايا الأمنية والاقتصادية. وفي ظل هذا السيناريو ستظل بعض النزاعات الإقليمية قائمة لفترة أطول في ظل وجود أنشطة مستمرة لأذرع إيران السياسية والعسكرية في دول الجوار.

وفي هذا السيناريو سوف تغذي إسرائيل والولايات المتحدة السياسات العدائية الإيرانية تجاه دول الجوار حتى يظل الحال كما هو عليه بين السعودية ودول الخليج وإيران.

 

السيناريو الثالث،

التمثيل الدبلوماسي المحدود: وهو سيناريو غير مرغوب فيه، حيث تكتفي المملكة وإيران بعودة التمثيل الدبلوماسي وإقامة حوار محدود النطاق دون الدخول في حل نهائي للقضايا العالقة بين الدولتين، أو حل القضايا الإقليمية الأخرى. كما ستظل العلاقات العربية الإيرانية كما هي عليه الآن، ولن نشهد تطبيعًا عربيًا كاملًا مع طهران.

وفي هذا السيناريو أيضًا سوف تنجح الولايات المتحدة وإسرائيل في تغذية إجراءات وسياسات عدائية بين السعودية والدول العربية وطهران. كما سوف تفشل الصين في اتخاذ الإجراءات المكملة لعودة دفء العلاقات السعودية الإيرانية، والمساعدة في حل الصراع في اليمن تحديدًا.

والجدير بالذكر، إن السيناريو الثاني “الوسط” هو الأقرب للواقع في المدى القصير، وفي ظل تحققه ربما نشهد الدخول في تسوية للصراع في اليمن، والدخول في علاقات وتنسيق بين البلدين.

وفي النهاية، يمكن القول إن عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وتصفير المشاكل في المنطقة، تصبُّ في صالح كل الفاعلين في الشرق الأوسط في ظل تصاعد التحديات والمخاطر الطبيعية من أمراض وزلازل وتغيرات مناخية وغيرها، فضلًا عن أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة تعيشها العديد من دول الشرق الأوسط، الأمر الذي يحث على الاستمرار في تصفير المشاكل والتعاون المشترك لمواجهة التحديات والتهديدات الخارجية.


14/03/2023