×

  رؤا

النظام العالمي يستلزم إعادة النظر

19/07/2022

تركي بن فيصل ال سعود:

باكوـ في الوقت الذي بدأ فيه العالم يتعافى من إحدى أكبر الأزمات التي شهدتها العقود الأخيرة، اندلعت أزمة أخرى في أوروبا. وتمامًا كما أبرزت جائحة كوفيد-19 إنسانيتنا المشتركة، ذكّرتنا حرب روسيا على أوكرانيا بمدى هشاشة عالمنا وترابطه، ومدى الاعتماد المتبادل بين أقطاره. وكما يقول الصينيون، "الكل واحد في العالم بأكمله."

إن اشتداد المواجهات بين القوى العظمى وتفكيك العولمة يهددان السلام والأمن العالميين. ويبدو أن الأزمات الجديدة كامنة في كل ركن، بيد أن الحلول المناسبة لمعالجتها ليست كذلك- لا في الشرق الأقصى، ولا في جنوب آسيا، ولا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا في أفريقيا جنوب الصحراء، ولا في أوروبا الشرقية، ولا في أمريكا اللاتينية. فالمزاج الشعبي أصبح سيئا وأعاد تنشيط الشعبوية، والقومية، وكراهية الإسلام، وغيرها من الاتجاهات التي تهدد ما حققته البشرية من إنجازات تقدمية منذ الحرب العالمية الثانية.

إن الأزمة الأوكرانية نفسها هي أحد مؤشرات وجود مشاكل هيكلية أكثر عمقا في النظام الدولي.فقد فشل هذا النظام الذي يقوده الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، في الالتزام بمبادئ الحكم الرشيد المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

وغالبا ما تَنتج الأنظمة العالمية الجديدة عن الحروب الكبرى. وفي سياق الحرب العالمية الثانية، أنشأ المنتصرون هياكل مصمَّمَة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. ولكن، رغم أن عالمنا الذي يزداد تكاملاً قد تغير إلى حد كبير منذ تأسيس الأمم المتحدة، إلا أن مبادئنا التنظيمية لا تزال تعكس عقلية حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. وضمن الإطار الحالي، يعتبر الفشل في التصدي للتحديات العالمية فشلا للمجتمع الدولي بأسره.

 

هل يمكن إصلاح النظام؟

 إن الدعوات التي تطالب، منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، بإعادة هيكلة نظام الأمم المتحدة، وهي الهيئة التي تمثل النظام الدولي الأوسع نطاقا، عادة ما تلقى آذانا صماء. والأسوأ من ذلك أن روسيا والصين تستخدمان الآن منصبهما القيادي في النظام الدولي للدفع باتجاه نظام متعدد الأقطاب. وبدلاً من العمل على إصلاح الإطار الحالي، فإنهما يطعنان في صلاحيته.

إن الإنجازات الجماعية التي حققتها البشرية على مدى العقود السبعة الماضية دلالة على سبب وجوب العمل المشترك لجعل نظام الأمم المتحدة أكثر عدلاً وشمولاً ومراعاةً لاحتياجات الناس وتطلعاتهم. والواقع أن تلك كانت هي مهمة الفريق الرفيع المستوى للأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، المعني بالتهديدات والتحديات والتغيير في عام 2003.

وحلل الفريق الذي يتكون من 16 شخصية بارزة من مختلف أنحاء العالم، والذي يترأسه رئيس الوزراء التايلاندي السابق، أناند بانياراتشون، الأخطار المعاصرة التي تهدد السلم والأمن الدوليين؛ كما قدم تقييما لمدى نجاح السياسات والمؤسسات القائمة في التصدي لتلك التهديدات؛ وقدم توصيات تهدف إلى تعزيز الأمم المتحدة وتمكينها من توفير الأمن الجماعي في القرن الحادي والعشرين.

وأوضح التقرير النهائي للفريق أن جميع الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة تحتاج إلى إصلاح، بما في ذلك مجلس الأمن، الذي صرح الفريق بضرورة توسيعه. ومما يؤسف له أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) تجاهلوا توصيات الفريق، مما مهد الطريق للشلل والاختلال الوظيفي الذي تعاني منه الأنظمة الحالية.

ويحتاج الشرق الأوسط بصورة خاصة إلى منظومة تابعة للأمم المتحدة تؤدي وظيفتها جيدا، وتمثله تمثيلا صادقا. إذ لا توجد منطقة عانت أكثر من غيرها مما خلفه الماضي من ديناميكيات ثنائية وأحادية القطب غير عادلة. إننا نضحي بمبادئ النظام الدولي. فالمبادئ التي أدت إلى إنشاء دولة إسرائيل هي نفسها التي أدت إلى حرمان الفلسطينيين من وطنهم ومن حقوقهم الأساسية في تقرير المصير وإقامة دولة.

ولأن الشرق الأوسط يعيش حربا تلو أخرى، وكارثة تلو الأخرى، وتُخضعه الأمم المتحدة لقرار تلو الآخر، فعادة ما يستعصي عليه تحقيق العدالة. إذ في كل مرة تظهر فيها قضية عربية أو إسلامية أو شرق أوسطية، يصبح نفاق القوى العظمى التي تقود النظام الدولي واضحًا تماما.

وينبغي لقادة تلك القوى العودة إلى رشدهم. إذ يتطلب إصلاح النظام الحالي أن تعتمد جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، طريقة جديدة في التفكير. فلا يمكن للنظام الدولي أن يحافظ على السلم والأمن إلا بمقدار إنصافه وقدرته على مواجهة التحديات التي تواجهها البشرية. ودون تحقيق ذلك، ستستمر الاضطرابات الجيوسياسية في تهديد السلم والأمن العالميين.

 

*بروجيكت سنديكيت

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  إلى أي شيء يحتاج اليسار الجديد
←  أمريكا والصين على مسار تصادمي
←  إدراك أزمة المياه العالمية
←  إعادة تصور النظام الليبرالي
←  براهما تشيلاني:حدود صحوة اليابان العسكرية
←  لماذا لا يُـقر الشعبويون بهزائمهم؟
←  يوشكا فيشر:نهـــــــــــاية الاســــــــتقرار
←  النظام العالمي يستلزم إعادة النظر
←  كيف غير آبي اليابان
←  خافير سولانا:الأمن الأوروبي بعد قمة الناتو في مدريد
←  يوشكا فيشر:مستقبل روسيا المسلوب
←  صــــراع الثقافــــات
←  خافيير سولانا:الديمقراطية ومهامها الحيوية
←  كيف نتجنب الأسوأ في أوكرانيا وتايوان
←  الحرب العالمية المختلطة في الصين
←  جوزيف ناي: الديموقراطية الأميركية والقوة الناعمة
←  كارل بيلت: التنافس والتعايش