ثقافة السب والشتيمة
ستران عبدالله:
ثقافة السب والشتيمة
*المرصد 13 نوفمبر 2021
يسمونها شتيمة، وكذلك مسبّة، كنا في السابق في محلة الشورجة بكركوك نسميها بالكوردية "جمين" (شتيمة)، واغلب الظن انها تسمى كذلك في كثير من الاحياء والمناطق كما الحال في شورجتنا.
لو كانت الشتيمة تعبيراعن لحظة عابرة فلا بأس، انها تقال في لحظة غضب وتلفظ بها جمعينا ولا مفر منها. ولكن ان تقع من اللسان الى الزقاق او تدون على الورق وتسجل في صفحات التأريخ، فانها عار وخزي كبيران. لانه مثلما يميز اللسان والعقل الادميان عن بقية الاحياء، فان الكتابة بدورها هي من تمييز الانسان المعاصر والمتحضر عن بشر ماقبل التاريخ.
ان الانسان والامم والقوميات يصبحون على الورق احياء وتاريخا وسجلا، ولذلك فانه من المهم ان تعلم ما الذي تحطه على الورق والمنابر والمدونات؟ ان الشتيمة تخرج من الفم وتتناثر في السماء وتطير في الهواء، ولكن ان تحل على السجلات فلا رجاء ولا فكاك منها وتجلب لصاحبها البؤس والشقاء.
الشتيمة على المنابر الرسمية والمدونات المطبوعة تخرج من كونها لحظة غضب عابرة وتصبح شاهدا ودليلا كبيرا على ثقافة واخلاق وسلوكيات الشاتم ويصعب عليه بعد ذلك التملص من البهتان والنميمة وقلة الادب، وهناك من الشتامين من لا هوية ولا محل له، غير مكترث، واضح انه فتح على عجالة حسابا في فيسبوك كي يدون الشتائم، من دون ان يعلم ان هويته مكشوفة من متابعة اصدقائه، ويتجلى من الاخير اي من الرجال الموقورين يدعمه ويوجهه ويستخدمه.
هناك من يوقع باسمه مدعيا انه غير آبه كعنترة، على اساس ان شاربه وعمامته يجعلان منه صاحب سلطة وشأن، ويسمح لنفسه بان يدعي على اهلك بامور ما انزل الله بها من سلطان، ومع هذا تراه واضعا وناشرا في اسفل صفحته آية من الذكر الحكيم او شعرا قوميا ووطنيا ويدعي النضال القومي والطبقي. ما يعني ان صاحبنا يرى في خصومه ضحاكا وصداما وفرعونا.
وهناك من يصفط لك شتائم الشرف والبهتان ويضع اسفل صفحته صورة عائلته وبناته من دون ان يعلم ان باستطاعة الجميع ان يشتم ولا اسهل من ذلك، معلوم انه حين لا يتم ردّعه فهذا يعني ان المشتوم لا وقت لديه لهذه المهزلة او انه على الاغلب يؤمن بالديمقراطية، او انه متسامح الى حد غض الطرف عن عضب وترهات الشاتمين. او انه يرى ان مكانته لا تسمح له بالرد وما شابه.طبعا، اود من خلال هذا المنبر ان اتحدث عن الامر كظاهرة مشينة، والا فمهما كانت الشتيمة قادحة وخداشة فهي لا تستطيع ان تثنيني عن الكتابة والتعبير ، مادام العمر عمرا واحدا وطالما ان الدنيا ليست حكاية واحدة ورواية واحدة.
لقد اخبرني احد الاصدقاء مؤخرا كيف انه ردّ على شتائم احد اقربائه وهو زوج اخته بالقول: كتبت له إن ما تفعله حرب غير عادلة، لانني عاجز عن الرد عليك حين تتحدث بسوء عن شرفي، فأنا خال اطفالك وزوجتك هي اختي.في الحقيقة لقد صدمتني هذه القصة، ليس من طبعي ان ابوح بأمور اجتماعية، ولكني سأقتبس من رد هذا الصديق واقول لشاتمي (السوشيال ميديا) واصحاب السعادة والشيوخ: اتركوا النبش في حياة الاخرين وتخلوا عن نسج الافتراء والبهتان، لان هذا حرب غير شرعية وغير عادلة في الوقت نفسه، فان اخواتكم وامهاتكم وزوجاتكم اخوات عزيزات علي وانا ككردي شريف وابن المحلة واخي خيته لن اتعرض الى شرفهن وسمعتهن بل اذود عنهن و احافظ عليهن كما احافظ على اهلي.
تالله ان مستوانا الاجتماعي المتدني هو ما يدفعنا الى ما تقوله ألسنتنا وما تسطره أناملنا، وهي التي تجعلكم ان تتخذوا من السباب والشتيمة ردا على خصومكم في الفكر و السياسة.
والان فان اكبر الشاتمين لـيخجل ان ينقل شتائمه الخادشة من اللسان الى الورق.
وما دمتم مستمرين على عاركم بل وعارنا، فأدعو الله أن يهديكم.
|