×

  رؤا

الجبهة التركمانية خسائر يدفع الشعب التركماني ثمنها

30/04/2023

ذاهبون الى أنقرة، قادمون منها

صحيفة (الزمان) اللندنية    14/4/2008 :

أنقرة منشغلة هذه الأيام بأزماتها الداخلية التي وصلت الى عنق الزجاجة السلطوية حيث يواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم أحتمالات بأغلاقه على خلفية أحتدام الصراع بينه وبين المؤسسة الأتاتوركية العسكرية. ومع هذا، دائماً هناك مايكفي من الوقت لجر أذان المتناحرين من قادة الجبهة التركمانية على وليمة "القيادة الزائلة" بزوال الحاجة الى المتاجرين بالملف التركماني. الدولة التركية دخلت في مرحلة الأهتزاز الجديدة بعد تبني ملف المدعي العام حول محاكمة حزب السلطة وقادة الدولة، ومع ذلك دائما هناك فائض من الموظفين في الخارجية التركية ممن يمكن تكليفهم بنهر المتكالبين على القيادة الذين لايهمهم ترك التركمان في العراء ودون غطاء سياسي يتمكنون من خلاله تضمين المستحقات التركمانية في الترتيبات الأخيرة لوضع كركوك وسائر مناطق التواجد التركماني في كردستان العراق.

وهكذا فنحن نرى أن أنقرة مشغولة بأولوياتها في حل الأزمة السياسية الداخلية واحتوائها. ونرى قادة الجبهة التركمانية التي لطالما أدعت أنها (الممثل الشرعي والوحيد للشعب التركماني) وهم يصرفون الجهد السياسي في شغل منصب (قائد التركمان) وهي التسمية الخداعة لمنصب رئيس الجبهة التركمانية. ولكن من لتركمان كركوك غير الله والحق الذي لا يضيع لانه قائم على العدالة والاستحقاق القومي؟ من للتركمان الذين أضحوا يطالبون بحقوقهم الثقافية والادارية والاجتماعية وحقوق التوظيف والاعادة فيما من يدعي قيادته مشغولون بكراسي الحكم؟

هل يستحق منصب قيادي دنيوي زائل أن يتجشم "قياديو" الجبهة التركمانية عناء السفر الى أنقرة للحصول على مباركتها في وقت أصبح فيه التركمان أحوج ما يكونوا الى من يعمل بينهم أناء الليل والنهار من أجل لملمة الصف التركماني والبحث عن حلول مبتكرة وبناءة مع بقية الشركاء في كركوك وكردستان والعراق.

ما فائدة الحصول على مباركة أنقرة أذا لم يعمل هؤلاء على تجذر علاقاتهم بين ظهراني الشعب التركماني. ان العلاقات الخارجية وشبكة الدعم الاقليمي حتى ولو كانت متأتية من تركيا التي ترتبط مع التركمان برابط الاصل العرقي والجذور الثقافية المشتركة لن تكون مجدية ولا تأتي بالثمار الطيبة أذا لم يرافقه عمل داخلي جبار مع الشعب التركماني نفسه؟ فما نفع قيادات يهمها رضى أنقرة ولاتلقي بالا لرضى الشعب الذي تدعي تمثيله؟ بل وماالذي ستجنيه أنقرة من "قيادة" تترك شعبها في هذا الظرف المصيري طمعاً في غنيمة المنصب.

 

تغيرات دراماتيكية دورية

وكم غيرت تركيا في قيادات الجبهة التركمانية ومامن فائدة؟ من قياديي الجبهة الأوائل مروراً بصنعان آغا القصاب و د.فاروق عبدالله وانتهاءً بالدكتور سعدالدين أركيج. وماذا جنى الشعب التركماني من كل هذه التغيرات الدراماتيكية حتى أصبح التغير المفاجئ في قيادات الجبهة تكراراً سمجاً لتغيير الحكومات في بنغلاديش. ولو أجرينا جردة حساب لما حققته كل "كابينة" من كابينات الجبهة لوجب على الشعب التركماني أن يحاكم سياسياً كل قائد للجبهة على ما أقترفته يداه من تسويف للملف التركماني ومن توتير للعلاقات التركمانية مع الكرد ومع سائر المكونات الكركوكية.

فمثلاً هل أستثمر المحامي صنعان أغا القصاب ،رئيس الجبهة قبل سقوط البعث، علاقاته الأربيلية في تحسين موقع التركمان في الخارطة السياسية الكردستانية والعراقية أم زاد الطين بلة وأبعد السياسة التركمانية عن محيطه الكردستاني والعراقي؟ أين المكانة التي كان بأمكان التركمان أن يحتلوه في خارطة المعارضة العراقية قبل سقوط الدكتاتور في 9 نيسان 2003؟ وهي المعارضة نفسها التي حصلت على غنائم الحكم الجديد ومواقعه وكان بأمكان التركمان أن يكون لهم موقع معتبر في حكم بغداد وفي أدارة كركوك بالذات. الا أن (خير) ما أفتتحت به (جبهة صنعان أغا) العهد الجديد بعد سقوط الصنم هو تلفيق التهم لحزب الأتحاد الوطني الكردستاني وهو الحزب الذي كانت الجبهة قد وقعت معه أتفاقية تفاهم قبل سقوط صدام. وبدلاً من أن تستمر (جبهة صنعان أغا) في هذه العلاقة للحصول على مكاسب في كركوك وفي جعل الأتحاد الوطني الكردستاني بزعامة السيد جلال طالباني جسراً لتحسين العلاقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود بارزانى الذي يرتبط مع الأتحاد الوطني بأتفاقيات شراكة أستراتيجية. وبدلاَ من هذا فأن جبهة السيد صنعان أغا ذهبت في الأتجاه المعاكس: أتجاه أثارة الفتنة ونكث العهود مع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة في كركوك ليس فقط بين الكرد بل وبين التركمان والعرب والكلدو آشور أيضا. فأي سياسة غبية هذه التي تبدع في خلق الأعداء للشعب التركماني في بداية مسيرته الديمقراطية في العراق الجديد؟ ومن بقي من الأحزاب الكردية ممن يكمن أقامة علاقات طيبة معهه؟ فالعلاقات مع الحزب الديمقراطي كانت متوترة أصلاً وأراد السيد صنعان أن يكحلها فعماها وقضى على العلاقة مع حزب الأتحاد الوطني الذي سرعان ماتقدم مع شركاءه في العملية السياسية في العراق وأصبح سكرتيره العام رئيساً منتخباً للعراق الديمقراطي.

و ربط السيد صنعان وكابينته الجبهوية مشكلته مع الكرد بحجة عدم أعترافه بتسمية كردستان التي يسميها، حاله حال الشوفينيين الجدد بشمال العراق. الا أن ما لا يتذكره الجيل الجديد من شباب العرب والكرد والتركمان في كركوك هو أن الاغا كان عضوا في المجلس التشريعي لمنطقة كردستان للحكم الذاتي الذي "أقامه" صدام للكرد التابعين له. فأي أزدواجية سياسية هذه التي تدفع الاغا للاعتراف بكردستان صدام و التنكر لكردستان عباد الله

 

د.فاروق عبدالله.. التعمق في الاتجاه الخاطئ

وبدلاً من السعي للحصول على عيدية الرئاسة من مام جلال بتشويقه الاحزاب الكردية نحو صياغة أخرى للعلاقة بينها وبين الجبهة وتمكين التركمان لدور أكثر فاعلية تتجاوز الرفض والتعنت للحلول الوسط أمعن السيد د.فاروق عبدالله الرئيس المعين للجبهة في عهد مابعد صدام في السير في الاتجاه الخاطئ. فأبعد الجبهة عن كل محاولة لاصلاح ذات البين مع الأحزاب الكردية ومع المجتمع المحلي المتنوع في كركوك. وبين فترة رئاسة صنعان أغا وسلفه د.فاروق خسرت الجبهة كرسي التركمان في مجلس الحكم وخسرت منصب نائب المحافظ في أدارة كركوك. أذن ماهو الأنجاز الذي حققته الجبهة للتركمان في العراق؟ كليبات فلكلورية في فضائية تركمان أيلي؟ أن الشعب التركماني الغني بثقافته وفنه شعب ذواق مثل عرب العراق وكرده، ولكن أنجاز الكلبيات والأغاني الفلكلورية لايحتاج الى نضال قومي ولا الى جبهات وتكتلات سياسية بل تحتاج الى فنانين مهرة ومخرجين مبدعين.. و"أبوك الله يرحمه" و انتهى القرار بالسيد فاروق الى تاسيس حزب القرار التركماني بعيدا عن الجبهة وأوجاع الرأس.

 

د.سعدالدين أركيج.. زعيم الحقبة المظلمة

ثم جاء د.سعدالدين أركيج الذي تصور أن جلوسه على المقعد النيابي الوثير في البرلمان العراقي هو منتهى آمال الشعب التركماني. ولم أكن مخطئأ حين قلت في مقالة سابقة بأن قائد التركمان الجديد يشبه "قائد الكرد" السابق عبدالله أوجلان، فزعل من زعل من المتطرفين في جبهة الكرد وجبهة التركمان.

فجل "نضال" حزب أوجلان كان منصباً على تأمين حياة أوجلان في سجن إميرالي وجل "نضال" أحزاب الجبهة التركمانية أصبح منصباً على مقعد لرئيس الجبهة في البرلمان العراقي. مع أن مثل هذا المعقد حصل عليه تركمان أخرين من قائمة التحالف الكردستاني وقائمة الائتلاف العراقي الموحد . واستمر قائد التركمان في مسلك المنلوج الداخلي وهو مسلك يحقق الحوار الذاتي ويدعم الكبرياء الشخصية ولكنه ممعن في التقوقع ومنفر من الحوار مع المجاورين السياسيين.

ولم يحاول السيد أركيج ان يصنع للجبهة شبكة علاقات ومصالح سياسية سواء مع الحراك السياسي داخل كركوك أو في العملية السياسية العراقية. واكتفى بأطلاق التصريحات الرنانة وإجراء المقابلات مع مواقع الكترونية مجهولة الهوية ومعدومة التأثير . فجاء الدستور وذهب ولم نرى بصمة للجبهة. وجاء مشروع الدستور الكردستاني ولم نرى محاورة قانونية لكوادر الجبهة مع بنود المشروع بما يعزز حقوق التركمان في هذا الدستور الذي سيلقي بظلاله على كركوك كما على تركمان إقليم كردستان، بل رأينا صداً فجا وغروراً لا تعززه موقع الجبهة في المعادلة السياسية على الارض.

أعطوني في العالم كله جبهة سياسية تتفنن في خلق العداوة مع محيطها السياسي كما فعلت جبهة السيد أركيج. فمن هو ياترى المسؤل العبقري لمكتب العلاقات العامة في الجبهة التركمانية الذي حقق كل هذه الأنجازات "العظيمة" في صنع الكراهية والنبذ ؟ فهو لعمري يستحق مئة جلدة تركمانية تفيقه من غفوته الأبدية.

وتستمر "الجبهة" بالسير في الأتجاه الخاطيء، فتارة تغازل الأرهاب الذي لفظه ألناس في موطنه بصحوات وطنية وتارة أخرى تغازل الجامعة العربية التي لم تقدم شيئاً مفيداً للعراق كله فكيف تقدمه لاحد المكونات العراقية؟

ورحلة الى أنقرة وأخرى لأسطنبول بينما أصل المشكلة في العراق والشعب التركماني يعيش مع كرد وعرب وكلدو آشوري العراق وليس مع أتراك تركيا وألبان كوسوفو. فلو كانت تركيا تملك الحل السحري لقضايا القوميات لحلت مشكلة كرد دياربكر قبل حل مشكلة تركمان كركوك.

وليس الحزن على جبهة تترنح يميناً وشمالاً بل الحزن على الشعب التركماني الذي يدفع ثمن تخبطات الجبهة. الحزن على كرد كركوك الذين يبحثون عن حليف تركماني يتوصلون معه الى صيغة تفاهمات مشتركة لحلحلة الأزمة. والحزن على الأحزاب التركمانية خارج الجبهة ممن يتمنون عودة الجبهة الى جادة الصواب ليشكلان معاً قوة ضغط إيجابية في تفاوضات الحل النهائي حول كركوك.

وماذا بعد؟ ستحل أنقرة أزمة القيادة في "الجبهة التركمانية" بجرة قلم و "ومضة" مزاج موظف في الخارجية التركية. ولكن بلوة التركمان وبلوة كركوك مع جبهتها ستبقى بدون حل: عنواناً للتوتر مع المكونات الأخرى وخسارة لجهود التركمان السياسية.

 

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  المرصد.. ملتزمون محتفلون
←  سبع سنوات عجاف في كركوك
←  العملية السياسية في الإقليم تحتاج إلي إعادة بناء من جديد
←  درءا لعين الحسود
←  الرائد لايكذب قومه
←  سياج البيت وسور الوطن.. في كركوك
←  خطاب عنصري بامتياز
←  ذريعة مسبقة
←  خلط الاوراق لن يفيد الشوفينية
←  يوم الشهيد.. الايثار في مسيرة الاتحاد و ثورته المتجددة
←  اعادة ترتيب الاولويات في كركوك
←  و عادوا الى سيرتهم الاولى
←  ســـــــقط ســـــــهواً
←  حلقة مفرغة من التشرذم الكردستاني
←  تحية لذكرى كاكه نةوة.. رفيق سلاح مام جلال
←  رسالة الناخب العراقي
←  العربة قبل الحصان والاصلاح الحزبي قبل الاصلاح العام
←  في ذكرى القائد الشهم جبار فرمان
←  العودة الى المسار الحزبي من أجل استنهاض الجهد الجماعي للأفراد
←  ولكن ماذا كان رأي المرتد كاوتسكي؟
←  ويفضل أن يكون خليجيا
←  الحياة الحزبية أساس العملية الديمقراطية
←  آزاد هورامي... بطل من ذاك الزمان
←  جلــد الـــذات و تلمــــيع صــــورة الدكـــتاتـــوريـــة
←  قراصنة أمريكا الجنوبية.. من ماركيز إلى مارادونا
←  أوان الكرد
←  استذكار للاستاذ حميد درويش سيظل ذكراك خالدًا
←  استفتاء كردستاني في ذمة التاريخ واستفتاءات عراقية يومية
←  جواسيس العصر والأوان ومرتزقة الفترات الانتقالية
←  معركة التجديد السياسي لا تنفصل عن المعركة الوطنية
←  أصدقاء مضرون بالصحة
←  يتبغدد علينا واحنا من بغداد
←  الكمياوية أعلى مراحل البعثية
←  على هامش تهدئة النقاشات حول مئوية سايكس بيكو
←  لا تصدقيهم يا نادية !
←  الفيدرالية من مدريد إلى الرمادي
←  الجبهة التركمانية خسائر يدفع الشعب التركماني ثمنها
←  أيام الرئاسة.. الأيام الذهبية للكوردايتي والديمقراطية
←  تجربة تستحق التوقير.. كتاب يستحق القراءة
←  بضاعة أتلفها الهوى
←  فراغات أمنية وفراغات أخرى
←  ثقافة السب والشتيمة