×

  رؤا

خافيير سولانا:الديمقراطية ومهامها الحيوية

22/12/2021

خافيير سولانا:الديمقراطية ومهامها الحيوية

*بروجيكت سنديكيت

مدريد ــ لا تزال الديمقراطية الليبرالية على قيد الحياة، لكنها تُـظـهِـر بوادر ضعف واضحة. وفقا لمؤسسة فريدوم هاوس، شهد العالم خمس عشرة سنة متتالية من الارتداد عن الديمقراطية على مستوى العالم.

في محاولة للتصدي للـمَـد الاستبدادي المتصاعد، وجه الرئيس الأميركي جو بايدن الدعوة مؤخرا إلى أكثر من 100 من قادة العالم للمشاركة في قمة افتراضية تهدف إلى تعزيز الديمقراطية عالميا. من منظور رجل إسباني من جيلي، أستطيع أن أرى أسبابا قوية لتسليط الضوء على قيمة الديمقراطية.

 لقد عشت جزءا من حياتي في ظل دكتاتورية فرانشيسكو فرانكو، وأن أعرف ماذا يعني لأي بلد أن يختار الانفتاح والازدهار. كانت العملية السياسية الانتقالية في إسبانيا لتغيير النظام من الدكتاتورية إلى الديمقراطية الدستورية إنجازا تاريخيا استلزم إنشاء مؤسسات تمثيلية جديدة، وتنمية دولة الرفاهة، والاندماج في أوروبا.

لكن لا يجوز لنا في الدفاع عن الديمقراطية باعتبارها نظاما سياسيا أخلاقيا وعادلا وعمليا أن نُـعَـرِّف البيئة الدولية على أنها مجرد صدام بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية. ففي كل الأحوال، لا حرج في أن تلتقي البلدان التي تطبق أنظمة سياسية مختلفة لمعالجة مشاكل عالمية ملموسة. المهم في الأمر أن تساهم هذه التجمعات في حلها.

على الرغم من تعهدات المشاركين في مؤتمر القمة من أجل الديمقراطية في ما يتصل بقضايا بالغة الأهمية، مثل حماية حقوق الإنسان، فسوف يُـذكَـر الحدث لقيمته الرمزية أكثر من نتائجه. من الأدلة على هذا القرار الذي اتخذه بايدن بدعوة تايوان، والذي لن يكون مفيدا على الإطلاق في تهدئة التوترات مع الصين.

من ناحية أخرى، أصبحت الحاجة إلى إدارة عالمية فَـعّـالة أشد إلحاحا من أي وقت مضى في عالم اليوم الخطير الذي لا يمكن التنبؤ بأحداثه. بالإضافة إلى التهديد النووي الذي نشأ في القرن الماضي، يتعين علينا الآن مواجهة تحديات مثل الهجمات السيبرانية (الإلكترونية)، واستخدام الهجرة كسلاح، والاستثمار المتزايد في التكنولوجيات العسكرية، والاحتمالات الخبيثة الكامنة في الذكاء الاصطناعي.

وعلى هذا فإن تقسيم العالم إلى معسكرين متعارضين إيديولوجيا، كما فعلت قمة بايدن الأخيرة فيما يبدو، ينطوي عل مخاطر جيوسياسية جسيمة. فقد يمتد الانقسام بين الدول الحرة والأنظمة الاستبدادية إل المنظمات الدولية الأساسية التي تشكل ضرورة أساسية لحل أو إدارة المشاكل العالمية.

على سبيل المثال، نجد أن منظمة التجارة العالمية توقفت عن أداء وظيفتها منذ فترة طويلة، نتيجة لعجزها عن إنشاء قواعد تجارية دولية تستوعب أنظم اقتصادية مختلفة. ومن الواضح أن إضافة عنصر الفصل الإيديولوجي بين البلدان الديمقراطية وغير الديمقراطية إلى الانقسامات القائمة داخل منظمة التجارة العالمية لن تُـفـضـي إلا إلى زيادة صعوبة إيجاد الحلول.

من المؤكد أن تسوية هذه النزاعات تُـعَـد ضرورة بالغة الأهمية إذا كنا راغبين في تجنب العواقب الوخيمة المترتبة على الانفصال الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين. كان بناء النظام المتعدد الأطراف بعد الحرب العالمية الثانية إنجازا تاريخيا، لكن مؤسساته تفتقر إلى الأدوات اللازمة للتعامل مع عالَـم متزايد الترابط والتعقيد والديناميكية.

أبرزت أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) هذه الحقيقة بوضوح. لم تكن البشرية مستعدة لمكافحة الجائحة، وكان من الواضح أن منظمة الصحة العالمية تعاني من نقص التمويل. عندما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، على نحو لا يخلو من تهور، أنه يعتزم سحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، كانت مؤسسة بِـل وميليندا جيتس على وشك أن تصبح أكبر مساهم منفرد في المنظمة.

ولهذا، بدلا من التأكيد على خلافاتها الإيديولوجية مع بلدان أخرى، ينبغي للدول الديمقراطية أن تدرك بدلا من ذلك مسؤولياتها تجاه ذاتها والعالم. على وجه الخصوص، يتعين عليها أن تعالج مهمتين حاسمتين طال انتظارهما من أجل إحياء شرعيتها المحلية والدولية.

تتمثل المهمة الأول في الحد من أوجه التفاوت الاقتصادية المحلية. لقد أثبتت الديمقراطية ذاتها بعد الحرب العالمية الثانية من خلال إنشاء دولة الرفاهة الاجتماعية التي ساعدت في ضمان النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي. لكن هذا التماسك عانى من نكسات كبرى في العقود الأخيرة، وتمكن منه الضعف بشدة بفعل أزمة عام 2008 المالية العالمية وجائحة كوفيد-19.

تشكل أوجه التفاوت الاجتماعية الاقتصادية التي تتسم بها مجتمعاتنا تهديدا للديمقراطية، لأن ممارسة أشكال منفصلة على نحو متزايد من الحياة يجعل المشاركة السياسية الجمعية أكثر صعوبة. وفي النهاية، تتسبب أوجه التفاوت في تآكل قدرتنا على التصرف كمواطنين. يرجع الارتداد عن الديمقراطية في العديد من البلدان جزئيا إلى استياء المواطنين الذين فقدوا الثقة في قدرة النظام السياسي على عكس اتجاه التدهور الطويل الذي عانوا منه في الأمن الاقتصادي ومستويات المعيشة. وكانت خيبة الأمل السياسية الناتجة عن ذلك مصدرا رئيسيا لدعم القومية الشعبوية.

تتلخص المهمة الثانية التي يتعين على الديمقراطيات الاضطلاع بها في أخذ زمام المبادرة بوضوح في خلق الظروف الاجتماعية الاقتصادية اللازمة لمواصلة تنمية الجنوب العالمي. وقد يُـفضي هذا أيضا إلى تسهيل الالتزام بالقيم الديمقراطية في البلدان النامية.

كما أظهر الانتشار السريع للمتحور الجديد أوميكرون، فإننا ملزمون أخلاقيا وعمليا بضمان التوزيع العالمي العادل للقاحات كوفيد-19. الواقع أن معدلات التطعيم في أفريقيا منخفضة إلى حد يبعث على الإحباط. ففي حين يستطيع العديد من المواطنين في الديمقراطيات الغنية الآن تلقي جرعة ثالثة من لقاح كوفيد-19، لم يحصل على التطعيم بشكل كامل سوى 8% من الأفارقة.

علاوة على ذلك، من غير الممكن أن نتصور دعاية عالمية للديمقراطية أكثر فعالية من تمكين الناس في البلدان الأكثر عُـرضة للخطر من الحصول على التطعيم السريع. ولأن تطعيم 70% من سكان العالم لن يكلف أكثر من 0.13% من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة السبع، فإن الديمقراطيات الأكثر ثراء لديها فرصة ذهبية لتعزيز شرعيتها الدولية.

الحق أن الديمقراطيات من الممكن أن تساعد قضيتها بشكل أكبر من خلال حشد الإرادة السياسية للوفاء بتعهدها بمساعدة الجنوب العالمي في تمويل تحوله إلى الاقتصاد الأخضر. في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في عام 2009 الذي استضافته مدينة كوبنهاجن، وعدت أكثر بلدان العالم ثراء بتقديم 100 مليار دولار سنويا للبلدان النامية لمساعدتها على تحمل تكاليف التخفيف والتكيف. لكن الاقتصادات المتقدمة لم تف بوعدها.

من خلال الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه في حملته الانتخابية الرئاسية عام 2020 بعقد قمة من أجل الديمقراطية، أثبت بايدن أنه ليس ترمب. لكن هذا قد يكون غير كاف. إن التعاون مع شخص مماثل لك في الـفِـكر والإيديولوجية أمر معقد بالقدر الكافي. ومن الواضح أن التعاون مع شخص يحمل وجهة نظر مختلفة للعالم، وربما حتى تتعارض مع وجهة نظرك، أمر أشد صعوبة.

بينما نحتاج بوضوح إلى تعزيز الديمقراطية، لا ينبغي لقيمنا الأساسية أن تمنعنا من العمل مع بلدان أخرى لحل التحديات العالمية الأكثر إلحاحا. وأنا أعتقد صادقا أن هذا هو ما تستلزمه الديمقراطية.

*ترجمة: إبراهيم محمد علي

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  إلى أي شيء يحتاج اليسار الجديد
←  أمريكا والصين على مسار تصادمي
←  إدراك أزمة المياه العالمية
←  إعادة تصور النظام الليبرالي
←  براهما تشيلاني:حدود صحوة اليابان العسكرية
←  لماذا لا يُـقر الشعبويون بهزائمهم؟
←  يوشكا فيشر:نهـــــــــــاية الاســــــــتقرار
←  النظام العالمي يستلزم إعادة النظر
←  كيف غير آبي اليابان
←  خافير سولانا:الأمن الأوروبي بعد قمة الناتو في مدريد
←  يوشكا فيشر:مستقبل روسيا المسلوب
←  صــــراع الثقافــــات
←  خافيير سولانا:الديمقراطية ومهامها الحيوية
←  كيف نتجنب الأسوأ في أوكرانيا وتايوان
←  الحرب العالمية المختلطة في الصين
←  جوزيف ناي: الديموقراطية الأميركية والقوة الناعمة
←  كارل بيلت: التنافس والتعايش