×

  رؤا

باقة من الرؤى والمواقف

15/06/2024

 

انتخابات كردستان بين تمسك الاتحاد وتهرب الديمقراطي

الأحد 28 أبريل 2024

على وقع الانتصار الكبير الذي حققه الاتحاد الوطني الكردستاني خلال انتخابات مجالس المحافظات العراقية الأخيرة، حيث حل أولاً على صعيد القوى الكردستانية في المناطق المستقطعة من إقليم كردستان، يمضي الحزب نحو الاستعداد لخوض الانتخابات العامة في الإقليم، والتحول رافعة لحماية النظام الديمقراطي والمؤسساتي لكردستان العراق.

ويبدو واضحاً لأي مراقب أنه الطرف الأكثر حماسة وتمسكاً بهذا الاستحقاق، وبما يحفظ لمؤسسات الإقليم الشرعية والمصداقية عبر الاحتكام لارادة الناخبين وأصواتهم.

في ظل سياسة التهرب والمماطلة التي يمارسها الحزب الديمقراطي الكردستاني، والتي تكللت بإعلانه مقاطعة الانتخابات تحت حجج واهية لا تخفي حقيقة قلقه وتذمره من أن الاتحاد قد نجح في إعادة الاعتبار إلى دوره كحزب محوري في كردستان والعراق، والذي كان قد تراجع بفعل غياب مام جلال، والدفع نحو إصلاح ما يعتري تجربة كردستان من أخطاء ومثالب، وصولاً إلى اعادة الاعتبار للسياسة والعملية الديمقراطية التنافسية وتداول السلطة.

النزوع المتمادي للديمقراطي الكردستاني نحو الأحادية والمركزية، وتنصيب نفسه حزباً حاكماً، يجعله ينقلب على العملية الديمقراطيَّة، طالما أنه يدرك أن حظوظه في تراجع في ظل ما نجح الاتحاد في تحقيقه من مكاسب لصالح تكريس الشفافية والنزاهة والتعددية والتوازن من خلال اعتماد نظام الدوائر الانتخابية الأربعة، وانتفاء كوتا المكونات التي كان يستغلها الديمقراطي لصالحه بفعل سياسة الأمر الواقع والسيطرة، الأمر الذي كان بمثابة مصادرة لتمثيل المكونات وتوظيفاً له لتحقيق غايات حزبية وفئوية ضيقة.

ولهذا، فالدافع الأول وراء خشية الديمقراطي من خوض غمار المعركة الانتخابية، هو إدراكه أنَّ الاتحاد هذه المرة، وفي ظل السياسات والمنهجيات الواضحة التي يعتمدها رئيسه بافل جلال طالباني، والتي أعادت الحزب لسكة زعيمه التاريخي مام جلال، كحزب مبادر وصانع للأحداث والتحولات الثورية والديمقراطية، سيكون اللاعب الأبرز والرقم الصعب في المرحلة القادمة معززاً بثقة الناخبين وبدعم كردستاني وعراقي ودولي.

 

 

المؤتمر الخامس للاتحاد الوطني الكردستاني.. تكريس محورية الدور كردستانيا وعراقيا

الأحد 20 أغسطس 2023

على وقع قرب حلول استحقاقين انتخابيين مهمين وهما، انتخابات مجالس المحافظات العراقية بعد غياب عقد كامل على آخر نسخة منها، والتي تشمل المناطق الكردستانية المشمولة بالمادة 140 من الدستور في كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى، في 18 ديسمبر القادم، والانتخابات العامة في إقليم كردستان العراق المقررة في 25 فبراير من العام المقبل، وذلك بعد تأخير نحو عامين عن موعدها الأصلي.

وحتى قبل مضي مدة 4 سنوات وهي الفاصلة بين مؤتمرين، يأتي قرار الاتحاد الوطني الكردستاني بعقد مؤتمره العام الخامس في 27 سبتمبر القادم، ليظهر أن الحزب الذي لطالما كان بيضة قبان التوازنات السياسية والمكوناتية، وطليعة القوى الديمقراطية في كردستان والعراق عامة، يستعد لخوض غمار المرحلة القادمة الحبلى بالتطورات والفرص والتحولات بقوة وثبات وتماسك وبالمزيد من المؤسساتية وضخ الدماء الجديدة، رغم كل ما شهده من أزمات داخلية خلال المرحلة الماضية، راهنت قوى منافسة له عبثا على أنها ستنعكس إضعافا له وتحجيما لدوره.

لكن الحزب تمكن من تجاوز كل ذلك، بالاعتماد على عمق انتشاره الجماهيري بين مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية، وعلى رسالته الفكرية والسياسية المستمدة من قيم ومبادىء العدالة الاجتماعية وتقرير المصير والاشتراكية الديمقراطية وصون الحريات، والتي كرستها الثورة الجديدة التي قادها من جبال كردستان في منتصف السبعينات، ويؤطرها الإرث الكبير الذي تركه مؤسسه وزعيمه التاريخي الرئيس الراحل مام جلال، والذي يكمل طريقه رئيس الحزب الحالي بافل الطالباني.

وهكذا مع قرب موعد ذينك الاستحقاقين الانتخابيين عراقيا وكردستانيا، فإن انعقاد هذا المؤتمر سيلعب دورا كبيرا في تهيئة الاتحاد الوطني الكردستاني للعب دوره التاريخي في هذا السياق، واعادة ترتيب أوراق قوته وفاعليته، والدفع نحو تكريس كفة الخيارات الوطنية والقومية والديمقراطية الصائبة والمتوافقة مع مصالح الشعب الكردي ومصالح العراقيين عامة، على اختلاف تلاوينهم القومية والمذهبية والدينية.

وبما يسهم كذلك في دعم محورية الدور والحضور الكرديين في المعادلات الداخلية والإقليمية والدولية، على صعيد مختلف أجزاء كردستان وليس فقط في كردستان العراق.

 

 

في مئويتها.. شعلة القضية الكردية تبدد "ظلام" لوزان

الأحد 23 يوليو 2023

مع مرور قرن كامل على عقد اتفاقية لوزان في 24 يوليو 1923، التي ألغيت بموجبها معاهدة سيفر (1920) التي كانت قد أقرت بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره، في أعقاب انتهاءالحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، بما في ذلك الحق في الاستقلال في دولة قومية خاصة، على غرار مختلف القوميات الكبرى في المنطقة .

فإن بقاء القضية الكردية حية ومتقدة كأحد أكبر القضايا العالقة دون حلول عادلة وجذرية لها في مختلف الدول التي تقتسم كردستان، يثبت بعد 100 عام بالتمام والكمال على لوزان أنه لا بد في نهاية المطاف ومهما أوغلت تلك الدول في سياسات الإبادة والقمع والإنكار والصهر القومي، وفي عقد الاتفاقات البينية ومع قوى دولية لتصفية هذه القضية، فإن السبيل الوحيد يبقى الاقرار بحقوق هذا الشعب القومية والديمقراطية وفق صيغ حل سلمية وعادلة تضمن مصالح كافة الأطراف.

فالخطاب السياسي الكردستاني عامة وعلى صعيد مختلف القوى السياسية وخاصة المؤثرة والكبرى منها، هو خطاب مطلبي وحقوقي مبدئي لكن واقعي وبراغماتي وعقلاني، ملم بقواعد اللعبة الدولية وتوازنات القوى وتشابك المصالح في المنطقة وحول العالم.

ولهذا فالكرد مع احتفاظهم بطموحهم المشروع في تأسيس كيانهم القومي الجامع لهم، يسعون لممارسة تقرير مصيرهم في إطار دول ديمقراطية تعددية تصون خصوصية وضعهم بشكل دستوري وقانوني، وبما يضمن لهم الشراكة والتكافؤ مع القوميات السائدة والحاكمة في الدول التي يتوزعون عليها، في سياق تعزيز مفاهيم ومبادىء اللا مركزية والديمقراطية التوافقية، وتوزيع السلطات والثروات بشكل عادل بين مختلف المكونات والشعوب التي تتشكل منها هذه الدول.

ففي كردستان العراق مثلا اختاروا الفيدرالية شكلا لحل قضيتهم في اطار العراق الديمقراطي الاتحادي، وكان الإتحاد الوطني الكردستاني أول من تبنى الحل الفيدرالي، في أول تجربة من نوعها رغم كل ما يشوبها من ملاحظات وأخطاء وسلبيات.

لكنها أثبتت إمكانية التوصل لحلول توافقية وعملية لفك عقدة الفوبيا الكردية في هذه الدول، ونجح العراق وكرده بذلك في تقديم نموذج حل سلمي ودستوري للقضية الكردية، رغم بقاء ملفات خلافية عديدة عالقة أبرزها ملف المادة 140 لكن مع ذلك فإن المهم هو أن الكرد هم جزء من ادارة الدولة العراقية ككل، وليسوا فقط متقوقعين في إقليمهم الفيدرالي، ويخوضون معركة إكمال نيل استحقاقاتهم الدستورية والوطنية من قلب العاصمة العراقية بغداد.

وهو ما يمكن بل وينبغي تعميمه في بقية الدول التي يتوزع الكرد بينها، ليس بالضرورة بمعنى قص ولصق نموذج كردستان العراق، وإنما وفق منهجية الإقرار بإن الكرد هم شريك وطني كبير ويشكلون مع مناطقهم الغنية بمختلف الموارد والثروات الطبيعية والبشرية، قوة لا يستهان بها وحقيقة لا يمكن اغفالها ولا طمسها، وبإن هذه القوة هي عامل إثراء وإغناء وتعزيز لاستقرار وديمقراطية هذه الدول وضمان لمستقبلها ووحداتها الطوعية القائمة على احترام التعدد والتنوع.

فلكل جزء من كردستان بطبيعة الحال خصوصياته وظروفه الموضوعية والذاتية التي تميزه، لكن مع هذا فإن اعتماد هكذا مقاربة عقلانية وديمقراطية بعيدة النظر في التعاطي مع القضية الكردية في كل بلد، سينعكس إيجابا في كسب عقول وقلوب عشرات ملايين الكرد في المنطقة ككل وليس في ذلك البلد المعني فقط، فنحن نتحدث عن أمة عريقة تشكل جزءا لا يتجزأ من النسيج الحضاري والتاريخي لهذه المنطقة الحيوية من العالم.

ليس بالبكاء على أطلال معاهدة سيفر ولعن اتفاقية لوزان، بل بإبقاء شعلة النضال القومي المشروع متقدة، وبآليات مدنية وديمقراطية وعصرية بالدرجة الأولى، يثبت الكرد أنهم في مئوية مؤامرة لوزان قد أفرغوها من محتواها، فهم باقون ليس كوجود بيولوجي فقط، بل كحلم وطموح وكقوة وإرادة شعبية مترجمة في حراكات ثورية بلا هوادة ومشروعات سياسية وتغييرية كبرى، ترنو نحو غد الحرية والديمقراطية للشعب الكردي وللشعوب الشريكة له في تلك البلدان .

 

 

آيا صوفيا: الفصل الجديد في مسرحية أردوغان "البطل"

الأحد 02 أغسطس 2020

يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ممارسة هوايته المفضلة في توظيف الدين واقحامه في خدمة مراميهو مشاريعه العدوانية والتوسعية في المنطقة من ليبيا إلى الخليج.

ففضلاً عن عربدته وغزواته العسكرية المباشرة لغير بلد في العالم العربي ونفخه الروح في العثمانية الجديدة وانكشارييها المرتزقة على ما هي حال فصائل الائتلاف السوري وجيشه "الوطني" أو " الحر" وياللنكتة لا يغيب عنه اللجوء لسياسات الاثارة ودغدغة المشاعر الدينية الإسلامية والمتاجرة بها والتلاعب بعواطف البسطاء لتمويه جموحه السلطوي العاري.

ولعل خير وأقرب مثال قراره الأخير بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد في عزف مكشوف على وتر التنابذات والحزازات الدينية سيما وأن الخلفية التاريخية تشير إلى كون رائعة آيا صوفيا كنيسة قبل الغزو العثماني وهكذا فالرجل يحاول استحضار الماضي الدموي العثماني وضخ الحياة فيه واسقاطه على الحاضر محاولاً تقمص دورالسلطان الفاتح الجديد الذي يقود الأمة ضد الكفار والصليبين وأعدائها والمتربصين بها في محاولة للتغطية على كنه سياساته القوموية التركية التوسعية الهادفة إلى بسط الهيمنة واسترقاق الأقوام الأخرى ونهب ثروات الدول المجاورة من النفط الليبي إلى العراقي وهلم جراً.

فأردوغان يتصرف بشعبوية فجة وعارية تنم عن نزوعه الغوغائي والتوتيري حيث افتعال المشاكل والمعارك البيئة الخصبة لانتعاش الخطاب الأردوغاني العصابي الذي يتوهم تركيا امبراطورية عظمى تبسط سيطرتها وسطوتها علىبلدان المنطقة وشعوبها ونحن في القرن الحادي والعشرين وكأننا عدنا القهقري لنحو أربعة قرون خلت حيث السيد التركي والرعية من بقية الأقوام والأمم.

والمؤسف أن هذا الاجراء التعسفي والذي يعتبر جريمة في حق التراث الإنساني الثقافي والجمالي يمر مرور الكرام على الصعيد الدولي لا بل أن ثمة غض طرف كي لا نقول مباركة مواربة لسياسات أنقرة هذه وإلا فكيف نفسر صمت عواصم بحجم واشنطن حيال الايغال التركي في إنتهاك القوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان والتعدي على سيادات دول وكرامات شعوب لا بل وممارسة إبادات جماعية موصوفة وتطهير عرقي منظم على ما شاهدنا جلباً في عفرين ومن ثم فيسري كانييه ( رأس العين ) وكري سبي ( تل أبيض ) وغيرها من مناطق في كردستان سورية ومجمل الشمال السوري.

فما قد يبدو والحال هذه ولوهلة تحدياً أردوغانياً للغرب هو في الواقع تقاسم أدوار وتبادل مصالح ومواقع ومنافع فيسياق لعبة مضبوطة الايقاع ومسرحية هدفها اظهار أردوغان كبطل وكسلطان يلم شمل المسلمين والغاية بطبيعة الحال تسعير الصراعات والنفخ في قرب الحساسيات التاريخية والدينية والقومية والوقود دوماً شعوب هذه المنطقة المنكوبة بجنون السلطان القاتل هذه المرة ومن يوظفونه مداورة ومباشرة.

 

العراق وخطر المس بالحقوق الدستورية

18 نوفمبر 2019

لا ريب أن المظاهرات الشعبية العارمة المطالبة بالتغيير والإصلاح التي يشهدها العراق منذ أسابيع هي نتاج احتقان وغبن مديدين، ونتاج تراكم الأخطاء والخطايا في إدارة دفة البلد وتسيير أموره، وتوزيع ثرواته، وحال الفساد المستشري.

والواضح، وبلا لبس من سحنات المتظاهرين وشعاراتهم، أنهم في جلهم عفويون وصادقون، دفعهم اليأس والقنوط وانسداد الآفاق للجوء إلى خيار التظاهر الجماعي والتضحية بالنفس، حتى في مواجهة العنف المفرط للسلطات، رفضاً للظلم والجور والفقر، لكن مع هذا لا يخفى أن ثمة توظيفاً ما وتحويراً بات يتصاعد لهذه المظاهرات بعيد انطلاقها من قبل عدة جهات داخلية وإقليمية، ولعل تحولها في بعض الأحيان إلى شكل من أشكال العنف والتخريب والسرقة والفوضى والاعتداء على المرافق والممتلكات العامة والخاصة للناس، خير مثال.

ولكي نتلمس حقيقة هكذا تدخلات بوضوح أكثر، حسبنا الإشارة إلى الدعوات لتعديل الدستور بل ونسفه من الأساس، على وقع المظاهرات التي تسعى بعض الجهات الشوفينية والعنصرية عبر إطلاقها الانقلاب على الدستور الناظم والمؤسس للعراق الجديد، وخاصة على مكاسب الكُرد وحقوقهم الدستورية في سياق خلط الأوراق وتسعير النعرات ضد الشعب الكُردي، في حين أن الواقع على الأرض يثبت أن محدد التظاهر الجماهيري وبوصلة السخط الشعبي العارمين الآن في العراق العربي إن صح التعبير بالدرجة الأولى، قضايا معيشية وخدمية وحياتية يومية تمس كل مواطن عراقي، ولا علاقة لها بفزاعة البعبع الكُردي هذه المرة، بعكس ما جرت العادة حين كان يتم النفخ السلطوي في ذاك البعبع الوهمي للتغطية على استحقاقات الإصلاح والتحول الديمقراطي البنيوي، بذريعة التصدي للانفصالية الكُردية وغير ذلك من دعاوى متهافتة.

لا ريب أن الخلل ليس في الدستور الذي يعتبر أقله وفق مقاييس منطقتنا دستوراً عصرياً متقدماً بما لا يقاس بل العكس صحيح، فعدم تطبيقه نصاً وروحاً وتفعيله أحد الأسباب البنيوية لحال الفشل الذي يعيشه العراق بعد نحو عقد ونصف من انهيار الديكتاتورية البعثية الصدامية، ويبقى المهم هنا ألا تنجر القوى العربية الرئيسية في العراق شيعية وسنية إلى الذهاب لحد الطعن في حقوق الكُرد الدستورية، أو محاولة قصقصتها وتحجيمها، ففي هذه الحال سنكون أمام تهديد جدي وحقيقي لوحدة العراق وسلمه الاجتماعي ونظامه الفيدرالي الديمقراطي، ولتوسيع دوائر العنف والاضطراب والحرب الأهلية. فالكُرد انتزعوا حقوقهم تلك بأنهار من الدم والدمع، ولم يتصدق بها عليهم أحد كمكون رئيسي وأساسي للعراق، وأي انتقاص تالياً من حقوقهم ومن كيانيتهم الإقليمية الفيدرالية سينعكس سلباً على العراق المأزوم أصلاً.

من هنا، فإن الموقف الكُردي المبدئي والمتوازن الداعي إلى احترام الدستور والالتزام به، وجعله المحك والمرجع للحل والتوافق وفي حال تعديله عدم المس بصلاحيات إقليم كردستان، وبالنظام الفيدرالي اللامركزي وبحقوق الشعب الكُردي المثبتة في الدستور، ينبغي أن يقابل بالتفهم والتأييد على المقلب الآخر.

فإن كان الهدف من التعديل الدستوري المزمع احتواء الأزمة الوجودية المتفجرة ومعالجة مسبباتها ومقدماتها، فمن البديهي والحال هذه عدم افتعال أزمات أشد وأثقل وطأة كمحاولة نسف مقاربة الحل الديمقراطية الحضارية للقضية الكُردية في بلاد الرافدين، والمؤطرة دستورياً، التي لطالما كانت مضرباً مثل التعاطي الإيجابي والعقلاني البناء مع هذه القضية، بعكس بقية الدول المقتسمة لكُردستان، التي ما زالت تجتر حلول التطهير العرقي على ما هي مثلاً حال إردوغان، الذي لا يكتفي بمحاربة الكُرد في الداخل ورفض حقوقهم المشروعة في كُردستان تركيا، بل حتى في الخارج... وما سياساته وحروبه العدوانية التوسعية ضد كرد سوريا وعموم الشمال السوري من «غصن الزيتون» الدموي في عفرين، إلى نبع الدواعش المسمى تمويهاً ودجلاً «نبع السلام» في سري كانييه - رأس العين وأخواتها، سوى خير برهان.

- كاتب كردي

 

 

 

إردوغان ومشروع الجيب الإخواني شمال سوريا

27 أكتوبر 2019

لا نكشف مستوراً عند الإشارة إلى أن تركيا، ومنذ سنوات، باتت مرتع الحركات الإخوانية والداعشية على امتداد العالم الإسلامي، من شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى، وهي ما فتئت تعمل على رعاية تلك الحركات وتمويلها وتوظيفها، في سياق تحقيق طموحاتها لتكريس نزعاتها العثمانية الجديدة كواقع على الأرض، وفرض الأخونة على العالمين العربي والإسلامي، وبوصف الرئيس التركي رجب إردوغان عراب هذه التيارات وسلطانها.

من هنا، فإن أحد أهم أهداف العدوان التركي على كرد سوريا، وشمال شرقي سوريا ككل، هو إقامة جيب إرهابي، يكون ممراً ومستقراً للحركات المتطرفة، وأشبه بدويلة تمثل بؤرة للعنف، وقاعدة لتنظيم وتوحيد المجهود الانقلابي التكفيري ضد مختلف دول المنطقة، من المغرب إلى الخليج.

والحال أن هذا المشروع الخطير لم يعد طي الكتمان والتقية، بل إن أنقرة لا تتورع عن الإفصاح عن حقيقة سياساتها التوسعية والعدوانية الهادفة إلى احتلال واقتطاع الشمال السوري، في خرق فاضح لمبادئ القانون الدولي وسيادة الدول، ومن ثم توطين وإسكان مئات آلاف، بل وملايين، الحركيين الإخوان، وأشباههم وبني عمومتهم الإرهابيين من قاعديين ودواعش.

والواقع أن إردوغان يعلن صراحة، في هذا السياق - صباح مساء - عزمه على إحداث تتريك وتغيير ديموغرافي واسع في المناطق الشمالية من سوريا التي يغزوها الآن، ويرتكب جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي فيها، على جاري عادته، وليس سراً أن ثمة عشرات آلاف الإخوانيي الهوى وقاعدييه، من مصر وليبيا إلى العراق... المقيمين في تركيا، والمنظمين في سياق التخطيط لتشييد هذه الدويلة المسخ التي ستتحول إلى وبال على رأس دول المنطقة وشعوبها، وبما يهدد الأمن والسلم الدوليين.

فالغزو الإردوغاني المسمى زوراً وبهتاناً «نبع السلام» يهدف، والحال هذه، لإبادة الكرد في سوريا، وإخراجهم من أرضهم، ليحل محلهم رعية السلطان ومريديه من المتطرفين القادمين من كل حدب وصوب، وهلم جراً.

وهكذا، فنحن حيال خطر وجودي داهم لا يستهدف الكرد فقط، ولا وحدة الأراضي السورية فحسب، بل هو خطر يستهدفنا جميعاً، عرباً وكرداً، ومن مختلف الشعوب والمكونات من المحيط إلى الخليج، كون الفاشية الإردوغانية قائمة تعريفاً على الأحادية والكراهية والاستعلاء، وما محاولات احتلال وقضم شمال سوريا سوى البداية لاحتلالات تركية متناسلة.

 

 

«قوات سوريا الديمقراطية»... مجهود عسكري بلا مردود سياسي

3 أكتوبر 2019

من تضييع عفرين، إلى الرضوخ لما تسمى المنطقة الآمنة، والاتفاق الأميركي - التركي حولها، وصولاً إلى الاستبعاد من اللجنة الدستورية المعلن عنها مؤخراً، تتواصل معالم ومحطات الفشل السياسي المدوي والشديد الأكلاف للإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا. والأنكى وسط ذلك كله مضي هذه الإدارة في اجترار الأسطوانة المعروفة عن المؤامرات واتفاق الكل ضدنا وتكالبهم علينا وقوة أعدائنا وضعف حيلتنا وإمكاناتنا، ومحاولة تبرير تلك الإخفاقات الوجودية وتسويغها تحت ستار ممارسة السياسة وتكتيكاتها.

فإدارة الصراع والأزمة بنجاح كما هو معلوم لا تمكن، في ظل تحول الطرف المعني إلى مجرد بيدق في لعبة كبار إقليميين ودوليين، ووضع البيض كله في سلة طرف محدد، ألا وهو واشنطن، في هذه الحال، ما أثبت عبثيته وكارثيته، ولعل تجربة عفرين المريرة خير مثال.

وهكذا يوماً تلو آخر يتكشف حجم التوظيف الأميركي المصلحي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» وواجهتها السياسية «مجلس سوريا الديمقراطية»، وتالياً الإدارة الذاتية في جزئية الحرب على تنظيم «داعش» واقتصار العلاقة على الجانب العسكري شبه البحت، دونما أبعاد وجوانب سياسية، ودونما تبلور ملامح خطة متكاملة لدعم ما هو قائم في كردستان سوريا ومختلف المناطق الخاضعة للإدارة في شمال سوريا وشرقها.

فعند احتلال عفرين لم تحرك واشنطن ساكناً، وها هي تشرع في تكريس الاحتلال التركي وتوسيعه بطريقة مموهة ومواربة لمختلف مناطق كردستان سوريا وعموم الشمال السوري، تحت يافطة المنطقة الآمنة، وأخيراً وليس آخراً وكما دوماً تحت الضغط التركي، تم إقصاء الكرد من اللجنة الدستورية التي أعلنت الأمم المتحدة إنجاز تشكيلها بعد طول انتظار، اللهم إلا إذا اعتبرنا وجود عضوين من «المجلس الوطني الكردي» ضمن حصة «الائتلاف الوطني السوري» في اللجنة ممثلين عن الكرد يشكل نكتة سوداء.

قد يقول قائل إن ثمة شبه إجماع دولي وإقليمي على إقصاء الكرد وتغييبهم وتحجيم دورهم في سوريا، لكن لا ريب أن ثمة عوامل ذاتية كردية أيضاً ساهمت في تمرير مثل هذه السياسات وإنجاحها، وآخر حلقاتها كما سلفت الإشارة إقصاء المكون الكردي السوري، والمقدر بنحو 4 ملايين نسمة عن جهود كتابة دستور جديد لسوريا. فهذا الانغماس المجاني، من قبل الإدارة الذاتية في علاقة مبهمة وغير مؤطرة سياسياً مع التحالف الدولي ضد الإرهاب وبلا أجندة وبرنامج عمل مشترك وأهداف مرسومة وواضحة، حصاده الصفري ما نراه الآن من توظيف للكرد في الجبهات والخنادق، وعندما تحين ساعة التسوية السياسية ووضع دستور ناظم لها كما هو مفترض يتم إهمالهم وشطبهم وكأنهم ليسوا سوريين غير معنيين بالأمر ولا تحق لهم المشاركة في تحديد معالم سوريا الجديدة وملامحها، فالتقييم الموضوعي لهذا الحصاد البائس يقتضي بداهة وضع اليد على الجرح الذاتي وعدم الاكتفاء بتحميل الآخرين المسؤولية فقط.

 

 

إردوغان ومشروع الجيب الإخواني شمال سوريا

27 أكتوبر 2019

لا نكشف مستوراً عند الإشارة إلى أن تركيا، ومنذ سنوات، باتت مرتع الحركات الإخوانية والداعشية على امتداد العالم الإسلامي، من شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى، وهي ما فتئت تعمل على رعاية تلك الحركات وتمويلها وتوظيفها، في سياق تحقيق طموحاتها لتكريس نزعاتها العثمانية الجديدة كواقع على الأرض، وفرض الأخونة على العالمين العربي والإسلامي، وبوصف الرئيس التركي رجب إردوغان عراب هذه التيارات وسلطانها.

من هنا، فإن أحد أهم أهداف العدوان التركي على كرد سوريا، وشمال شرقي سوريا ككل، هو إقامة جيب إرهابي، يكون ممراً ومستقراً للحركات المتطرفة، وأشبه بدويلة تمثل بؤرة للعنف، وقاعدة لتنظيم وتوحيد المجهود الانقلابي التكفيري ضد مختلف دول المنطقة، من المغرب إلى الخليج.

والحال أن هذا المشروع الخطير لم يعد طي الكتمان والتقية، بل إن أنقرة لا تتورع عن الإفصاح عن حقيقة سياساتها التوسعية والعدوانية الهادفة إلى احتلال واقتطاع الشمال السوري، في خرق فاضح لمبادئ القانون الدولي وسيادة الدول، ومن ثم توطين وإسكان مئات آلاف، بل وملايين، الحركيين الإخوان، وأشباههم وبني عمومتهم الإرهابيين من قاعديين ودواعش.

والواقع أن إردوغان يعلن صراحة، في هذا السياق - صباح مساء - عزمه على إحداث تتريك وتغيير ديموغرافي واسع في المناطق الشمالية من سوريا التي يغزوها الآن، ويرتكب جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي فيها، على جاري عادته، وليس سراً أن ثمة عشرات آلاف الإخوانيي الهوى وقاعدييه، من مصر وليبيا إلى العراق... المقيمين في تركيا، والمنظمين في سياق التخطيط لتشييد هذه الدويلة المسخ التي ستتحول إلى وبال على رأس دول المنطقة وشعوبها، وبما يهدد الأمن والسلم الدوليين.

فالغزو الإردوغاني المسمى زوراً وبهتاناً «نبع السلام» يهدف، والحال هذه، لإبادة الكرد في سوريا، وإخراجهم من أرضهم، ليحل محلهم رعية السلطان ومريديه من المتطرفين القادمين من كل حدب وصوب، وهلم جراً.

وهكذا، فنحن حيال خطر وجودي داهم لا يستهدف الكرد فقط، ولا وحدة الأراضي السورية فحسب، بل هو خطر يستهدفنا جميعاً، عرباً وكرداً، ومن مختلف الشعوب والمكونات من المحيط إلى الخليج، كون الفاشية الإردوغانية قائمة تعريفاً على الأحادية والكراهية والاستعلاء، وما محاولات احتلال وقضم شمال سوريا سوى البداية لاحتلالات تركية متناسلة.

 

«قوات سوريا الديمقراطية»... مجهود عسكري بلا مردود سياسي

3 أكتوبر 2019

من تضييع عفرين، إلى الرضوخ لما تسمى المنطقة الآمنة، والاتفاق الأميركي - التركي حولها، وصولاً إلى الاستبعاد من اللجنة الدستورية المعلن عنها مؤخراً، تتواصل معالم ومحطات الفشل السياسي المدوي والشديد الأكلاف للإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا. والأنكى وسط ذلك كله مضي هذه الإدارة في اجترار الأسطوانة المعروفة عن المؤامرات واتفاق الكل ضدنا وتكالبهم علينا وقوة أعدائنا وضعف حيلتنا وإمكاناتنا، ومحاولة تبرير تلك الإخفاقات الوجودية وتسويغها تحت ستار ممارسة السياسة وتكتيكاتها.

فإدارة الصراع والأزمة بنجاح كما هو معلوم لا تمكن، في ظل تحول الطرف المعني إلى مجرد بيدق في لعبة كبار إقليميين ودوليين، ووضع البيض كله في سلة طرف محدد، ألا وهو واشنطن، في هذه الحال، ما أثبت عبثيته وكارثيته، ولعل تجربة عفرين المريرة خير مثال.

وهكذا يوماً تلو آخر يتكشف حجم التوظيف الأميركي المصلحي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» وواجهتها السياسية «مجلس سوريا الديمقراطية»، وتالياً الإدارة الذاتية في جزئية الحرب على تنظيم «داعش» واقتصار العلاقة على الجانب العسكري شبه البحت، دونما أبعاد وجوانب سياسية، ودونما تبلور ملامح خطة متكاملة لدعم ما هو قائم في كردستان سوريا ومختلف المناطق الخاضعة للإدارة في شمال سوريا وشرقها.

فعند احتلال عفرين لم تحرك واشنطن ساكناً، وها هي تشرع في تكريس الاحتلال التركي وتوسيعه بطريقة مموهة ومواربة لمختلف مناطق كردستان سوريا وعموم الشمال السوري، تحت يافطة المنطقة الآمنة، وأخيراً وليس آخراً وكما دوماً تحت الضغط التركي، تم إقصاء الكرد من اللجنة الدستورية التي أعلنت الأمم المتحدة إنجاز تشكيلها بعد طول انتظار، اللهم إلا إذا اعتبرنا وجود عضوين من «المجلس الوطني الكردي» ضمن حصة «الائتلاف الوطني السوري» في اللجنة ممثلين عن الكرد يشكل نكتة سوداء.

قد يقول قائل إن ثمة شبه إجماع دولي وإقليمي على إقصاء الكرد وتغييبهم وتحجيم دورهم في سوريا، لكن لا ريب أن ثمة عوامل ذاتية كردية أيضاً ساهمت في تمرير مثل هذه السياسات وإنجاحها، وآخر حلقاتها كما سلفت الإشارة إقصاء المكون الكردي السوري، والمقدر بنحو 4 ملايين نسمة عن جهود كتابة دستور جديد لسوريا. فهذا الانغماس المجاني، من قبل الإدارة الذاتية في علاقة مبهمة وغير مؤطرة سياسياً مع التحالف الدولي ضد الإرهاب وبلا أجندة وبرنامج عمل مشترك وأهداف مرسومة وواضحة، حصاده الصفري ما نراه الآن من توظيف للكرد في الجبهات والخنادق، وعندما تحين ساعة التسوية السياسية ووضع دستور ناظم لها كما هو مفترض يتم إهمالهم وشطبهم وكأنهم ليسوا سوريين غير معنيين بالأمر ولا تحق لهم المشاركة في تحديد معالم سوريا الجديدة وملامحها، فالتقييم الموضوعي لهذا الحصاد البائس يقتضي بداهة وضع اليد على الجرح الذاتي وعدم الاكتفاء بتحميل الآخرين المسؤولية فقط.

 

نحو تحالف تركي ـ كردي ضد إردوغان

18 سبتمبر 2019

«لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية ولا سيادة للقانون في مكان لا يغادر فيه المسؤولون المنتخبون مناصبهم عبر صناديق الاقتراع»... هذا الكلام البليغ الوصف لحال تركيا اليوم في ظل حكم رجب طيب إدوغان هو لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو خلال زيارته التضامنية إلى مدينة آمد - ديار بكر. والتي هي بمثابة العاصمة التاريخية لكردستان تركيا على خلفية عزل مجموعة من رؤساء البلديات الكردية المنتخبين وتعيين وفرض ممثلين عن السلطة بدلاً عنهم ما يشكل مؤشراً إضافياً ومهماً إلى تبلور معالم تحالف واسع ضد السلطة والذي تمخض عن إرهاصاته الأولية الهزيمة الكبيرة لحزب «العدالة والتنمية» وحليفه حزب «الحركة القومية» في انتخابات بلدية إسطنبول الأخيرة وبهذا وبعيداً عن نظريات تعميمية لها ما يبررها وإن جزئياً بمعنى ما وتكاد تكون شبه راسخة تاريخياً في الوعي الجمعي الكردي حيال الأتراك وقواهم السياسية من طينة: «كلهم عنصريون سواسية في عدائهم للكرد»، فإن هذه الزيارة فرصة تاريخية للبناء عليها وتكريس تحالف عريض ضد الفاشية الحاكمة سيما أن القاصي والداني يعرف أن النصر الإسطنبولي المدوي الذي أحرزه حزب «الشعب الجمهوري» تم بسواعد كردية بالدرجة الأولى، الأمر الجدير بمراكمته واستثماره وصولاً إلى بلورة برنامج عمل جبهوي وقواسم مشتركة عظمى، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن المعارضة، وخاصة حزبها الرئيسي، تحولت إلى ملاك ديمقراطي يسعى لإحقاق الحق الكردي، لكن الفرصة مواتية تماماً لانتزاع مواقف وإقرارات منه بشرعية النضال الحقوقي الديمقراطي للكرد في إطار سعيهم لتركيا جديدة تعددية يتم فيها مراعاة التنوع القومي واعتماد مقاربات سلمية وعادلة لحل القضية الكردية المزمنة، سيما أن الكرد يتميزون بخطابهم المطلبي الواقعي المتسم بالوسطية والاعتدال والبعد عن الغلو والشطط القوميين في طرح مشاريع الحل للقضية الكردية.

وهكذا يحاول رئيس كبرى بلديات تركيا ولا ريب ومن خلفه حزبه رد التحية الكردية بتحية مماثلة، سيما أن لعاب «الشعب الجمهوري» يسيل ومن الآن لتكرار النصر لكن هذه المرة في الانتخابات العامة، لكن يبقى المهم الشروع في ترجمة هذه التحايا وهذا التقارب إلى عمل مشترك ممأسس وطويل الأمد وليس تكتيكياً مرتبطاً باعتبارات وعوامل الانتخابات وجذب الأصوات فقط، بل أن يتحول إلى توافق فكري ونظري يبلور برامج ومقاربات حل علمية وعملية للأزمات والمشاكل الكبرى العاصفة بتركيا داخلياً وخارجياً على يد السلطة الإردوغانية التي ما فتئت تنقلب على الديمقراطية وتؤسس لنظام فردي فاشي، الأمر الذي لن يردعه سوى تبلور تحالف سياسي ومجتمعي عريض تركي - كردي، وهذا ما تبشر به زيارة رئيس بلدية إسطنبول إلى كردستان تركيا وإعلانه التضامن الكامل مع رؤساء البلديات المقالين عنوة بقرار تعسفي من السلطات، الأمر الذي خبره أكرم إمام أوغلو جيداً من خلال محاولتها الانقلاب على نصره الانتخابي عبر إعادة انتخابات بلديات إسطنبول تحت ذرائع التزوير الكاذبة ولينقلب السحر على الساحر وينتصر الرجل مجدداً وبفارق مئات الآلاف من الأصوات في المرة الثانية.. فهل تكون الثالثة ثابتة في الانتخابات العامة القادمة؟

- كاتب كردي

 

كركوك الكردستانية

29 سبتمبر 2019

رغم كونه الحزب الأول في كركوك بدلالة حصده مرة بعد مرة الأغلبية الإنتخابية وتصدره المشهد كما شاهدنا مؤخراً في الانتخابات العراقية العامة نيسان ( آبريل ) العام المنصرم من خلال حصده ٦ مقاعد من أصل ١٢ مقعداً لكن مبادرة الإتحاد الوطني الكردستاني الأخيرة الهادفة لتوحيد الصف الكردستاني وليس الكردي فقط والتي تمخض عنها تشكيل قائمة كركوك الكردستانية لخوض انتخابات مجلس المحافظة المزمع إجراؤها ربيع العام المقبل تنم عن سعة نظر وتغليب للمصلحة الكردية العليا على حساب الحسابات الحزبية الضيقة التي وفقها يشكل النزول بقائمة حزبية مناسبة أخرى لتوكيد استحواذ الإتحاد على حصة الأسد في المعادلات الانتخابية الكركوكية على أمل أن تنسحب هذه التجربة على مختلف المناطق الكردستانية المعنية والمشمولة بالمادة ١٤٠ من الدستور العراقي والتي ستشهد بطبيعة الحال معركة انتخابية ساخنة في انتخابات مجالس المحافظات العراقية المرتقبة.

وبالفعل فإن ملفاً شائكاً ومعقداً كملف كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها من شنكال إلى مخمور وخانقين... جراء عمليات التعريب والتبعيث المديدة يحتاج إلى مقاربات شاملة وخلاقة تسمو على الحزازات والاعتبارات المصلحية الصغيرة لصالح تغليب الخيارات والأهداف الاستراتيجية الكبرى.

فمبادرة الإتحاد الوطني الكردستاني هذه تشكل ولا ريب مضرب مثل جدير ببقية القوى الكردية حذو حذوها والتفاعل الإيجابي معها ولئن كانت المنافسة مشروعة بل ومطلوبة وصحية في انتخابات إقليم كردستان وعلى صعيد كسب صوت الناخب هناك واستقطابه لكن تشتت الصوت الكردي وتفرقه في كركوك وأخواتها من مناطق كردستانية معربة ومستقطعة لطالما شكل عاملاً جوهرياً لاضعاف الموقف الكردي في تلك المناطق المغدورة وتبديد الجهود لإعادتها إلى حاضنتها الكردستانية الأصلية والطبيعية بل وحتى تهديد عموم المكتسبات والمنجزات القومية والديموقراطية المتحققة في إطار التجربة الممتدة منذ نحو ثلاثة عقود في كردستان العراق.

هي مبادرة وحدوية نبيلة تليق بحزب مام جلال الذي لطالما كان للوسطية والتوافق عنواناً.

 

نحو تحالف تركي ـ كردي ضد إردوغان

18 سبتمبر 2019

«لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية ولا سيادة للقانون في مكان لا يغادر فيه المسؤولون المنتخبون مناصبهم عبر صناديق الاقتراع»... هذا الكلام البليغ الوصف لحال تركيا اليوم في ظل حكم رجب طيب إدوغان هو لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو خلال زيارته التضامنية إلى مدينة آمد - ديار بكر. والتي هي بمثابة العاصمة التاريخية لكردستان تركيا على خلفية عزل مجموعة من رؤساء البلديات الكردية المنتخبين وتعيين وفرض ممثلين عن السلطة بدلاً عنهم ما يشكل مؤشراً إضافياً ومهماً إلى تبلور معالم تحالف واسع ضد السلطة والذي تمخض عن إرهاصاته الأولية الهزيمة الكبيرة لحزب «العدالة والتنمية» وحليفه حزب «الحركة القومية» في انتخابات بلدية إسطنبول الأخيرة وبهذا وبعيداً عن نظريات تعميمية لها ما يبررها وإن جزئياً بمعنى ما وتكاد تكون شبه راسخة تاريخياً في الوعي الجمعي الكردي حيال الأتراك وقواهم السياسية من طينة: «كلهم عنصريون سواسية في عدائهم للكرد»، فإن هذه الزيارة فرصة تاريخية للبناء عليها وتكريس تحالف عريض ضد الفاشية الحاكمة سيما أن القاصي والداني يعرف أن النصر الإسطنبولي المدوي الذي أحرزه حزب «الشعب الجمهوري» تم بسواعد كردية بالدرجة الأولى، الأمر الجدير بمراكمته واستثماره وصولاً إلى بلورة برنامج عمل جبهوي وقواسم مشتركة عظمى، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن المعارضة، وخاصة حزبها الرئيسي، تحولت إلى ملاك ديمقراطي يسعى لإحقاق الحق الكردي، لكن الفرصة مواتية تماماً لانتزاع مواقف وإقرارات منه بشرعية النضال الحقوقي الديمقراطي للكرد في إطار سعيهم لتركيا جديدة تعددية يتم فيها مراعاة التنوع القومي واعتماد مقاربات سلمية وعادلة لحل القضية الكردية المزمنة، سيما أن الكرد يتميزون بخطابهم المطلبي الواقعي المتسم بالوسطية والاعتدال والبعد عن الغلو والشطط القوميين في طرح مشاريع الحل للقضية الكردية.

وهكذا يحاول رئيس كبرى بلديات تركيا ولا ريب ومن خلفه حزبه رد التحية الكردية بتحية مماثلة، سيما أن لعاب «الشعب الجمهوري» يسيل ومن الآن لتكرار النصر لكن هذه المرة في الانتخابات العامة، لكن يبقى المهم الشروع في ترجمة هذه التحايا وهذا التقارب إلى عمل مشترك ممأسس وطويل الأمد وليس تكتيكياً مرتبطاً باعتبارات وعوامل الانتخابات وجذب الأصوات فقط، بل أن يتحول إلى توافق فكري ونظري يبلور برامج ومقاربات حل علمية وعملية للأزمات والمشاكل الكبرى العاصفة بتركيا داخلياً وخارجياً على يد السلطة الإردوغانية التي ما فتئت تنقلب على الديمقراطية وتؤسس لنظام فردي فاشي، الأمر الذي لن يردعه سوى تبلور تحالف سياسي ومجتمعي عريض تركي - كردي، وهذا ما تبشر به زيارة رئيس بلدية إسطنبول إلى كردستان تركيا وإعلانه التضامن الكامل مع رؤساء البلديات المقالين عنوة بقرار تعسفي من السلطات، الأمر الذي خبره أكرم إمام أوغلو جيداً من خلال محاولتها الانقلاب على نصره الانتخابي عبر إعادة انتخابات بلديات إسطنبول تحت ذرائع التزوير الكاذبة ولينقلب السحر على الساحر وينتصر الرجل مجدداً وبفارق مئات الآلاف من الأصوات في المرة الثانية.. فهل تكون الثالثة ثابتة في الانتخابات العامة القادمة؟

- كاتب كردي

 

 

كردستان العراق ومؤتمر الإتحاد الوطني

05 سبتمبر 2019

الحديث الساخن هذه الأيام والشغل الشاغل للوسطين السياسي والإعلامي في إقليم كردستان العراق هو قرب انعقاد المؤتمر الرابع للإتحاد الوطني الكردستاني والذي تأخر  نحو ستة أعوام عن موعده المقرر  بعد مؤتمره الأخير  الثالث المنعقد في يونيو ( حزيران ) ٢٠١٠ نتيجة لجملة عوامل وظروف أهمها مرض سكرتيره العام الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني أواخر العام ٢٠١٢ ومن ثم رحيله المؤسف قبل نحو عامين فضلاً عن تفاقم الأزمة الإقتصادية والمعاشية في الإقليم وتصاعد خلافاته مع بغداد خاصة على خلفية الشروع في بيع النفط الكردي عبر تركيا وقطع حصة الإقليم من الميزانية الإتحادية أضف إلى ذلك الحرب على داعش والإرهاب .

ورغم أن التأجيل والتأخير لم يكونا فقط نتاج الظروف الموضوعية المذكورة أعلاه فقط إذ ثمة ولا ريب عوامل ذاتية ساهمت في ذلك فرغم أن الإتحاد تاريخياً كان حزباً شبه جبهوي ويتمتع بهامش واسع من تعدد الرؤى ومن الديموقراطية الداخلية لكن تكرس المطامح والمصالح الشخصية والفئوية شكل أيضاً أحد أسباب محاولة إبقاء الوضع من قبل بعض مراكز القوى في الحزب على ما هو عليه وعرقلة عقد المؤتمر  .

وعموماً أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي  فبعد قرار المكتب السياسي للإتحاد الوطني الكردستاني مؤخراً بعقد المؤتمر خلال هذه السنة من المتوقع تحديد يوم انعقاده قريباً والذي سيتمخض عنه بطبيعة الحال قيادة جديدة واعادة هيكلة تنظيمية حزبية وبرامجية سياسية ويفترض به ضخ دماء شابة في الحزب الذي يعد أحد أعمدة الحياة السياسية في كردستان فنحن نتحدث عن حزب يتمتع بثقل وازن كردياً وعراقياً وعلى صعيد الأجزاء الأخرى من كردستان فضلاً عن علاقاته الإقليمية والدولية الواسعة ولعل تصريح السيد سعدي بيره عضو المكتب السياسي ومسؤول مكتب العلاقات العامة في الإتحاد  عن تحول انعقاد المؤتمر  إلى مادة أساسية على رأس أجندة لقاءاتهم مع الوفود الدولية وممثلي القنصليات والبعثات في إقليم كردستان من الأميركان إلى الفرنسيين والبريطانيين الذين ما آنفكوا يسألون عن توقيت عقده  ... يعبر عن مدى الاهتمام الدولي بعودة الزخم للإتحاد كقوة أساسية ومؤسسة للتجربة الديموقراطية في كردستان العراق وللعراق الجديد ما بعد البعث وحسبنا الإشارة هنا إلى أن مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي مام جلال كان الرئيس المنتخب الأول في تاريخ الدولة العراقية .

فمع القضاء العسكري شبه الناجز على تنظيم داعش في العراق ودور قوات البيشمركة الكردية المحوري في ذلك وانقشاع الأزمة المالية في الإقليم هذا العام وتشكيل حكومته الجديدة المؤلفة من القوتين الرئيسيتين : الإتحاد الوطني والحزب الديموقراطي الكردستاني فضلاً عن حركة التغيير وتوالي الانفراجات بين بغداد وأربيل فإن انعقاد مؤتمر الإتحاد المزمع يشكل والحال هذه ضرورة ملحة لتكريس مناخات الاستقرار والدمقرطة والسلام والتنمية في إقليم كردستان والعراق عامة .

 

تُركيا وسياسة الهروب للخارج

17 أغسطس 2019

يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرع طبول الحرب والعدوان والتهديد بإعادة سيناريو  إحتلال عفرين في مناطق شرق الفرات السورية وذلك بدلاً من البحث والتمحيص في أسباب هزيمته الثقيلة والصرخة الإنتخابية المُدوية التي أطلقتها عموم المُكونات والشعوب في تُركيا ضد نزوع الرئيس التُركي الإستبدادي المُضطرد وفي عُقر  مدينة إسطنبول لدرجة أن فارق الأصوات في جولة إعادة إنتخابات بلديتها إرتفع  من نحو  ثلاثة عشر  ألف إلى قرابة ثلاثة أرباع المليون صوت لصالح مُرشح  المُعارضة على حساب  مُرشح الحزب الحاكم فالرجل يأبى وكما هو جاري عادة أشباهه من الحُكام المهووسين بالعظمة والفرادة والتعامي عن حقائق الواقع والقفز  فوقها يأبى إلا مواصلة تصدير  أزماته الداخلية عبر  الإيغال في سياسات حافة الهاوية الخارجية وإستعداء مُختلف القوى الإقليمية والدولية وتوزيع الإتهامات وكيلها خبط عشواء يمنة ويسرة.

فنحن هنا حيال مشهد كارثي وسياسة عُصابية مُكفهرة مؤطرة بخطاب نرجسي ونوستاليجي ديدنه الفجاجة والإنتفاخ الفارغ للتغطية على هزائم الداخل من خلال تصعيد الخلافات والتوترات مع الخارج بُغية صُنع إنتصارات وهمية على ما نشهد من محاولات تركية لإحتلال كامل كردستان سورية تحت شعار "المنطقة الآمنة" ومُمارسة الوعظ والإرشاد والتوجيه بحق أمُم ودول بأكملها في مُحاولة للتحشيد القوموي - الإسلاموي والتعمية على الواقع المُتأزم الخانق الذي تعيشه تُركيا وعلاقاتها المتوترة وخلافاتها مع مُختلف دول الإقليم والعالم على وقع السياسات الكارثية التوسُعية والعدوانية الداعمة للإرهاب من قبل أنقرة .

وبطبيعة الحال فهذا تقليد إستبدادي عريق قوامه اللعب على العواطف القومية وإفتعال المعارك والحروب مع الجوار والمُحيط خاصة وتأجيجها سعياً لطمس قضايا الديموقراطية والحُرية والتنمية والإستقرار  المُلحة داخلياً بذرائع مواجهة الخطر الخارجي وخوض المعارك المصيرية والمهمات الخالدة والتصدي للمؤامرات وغير ذلك من شعارات لطالما برعت أنظمة الإستبداد الشرقية في رفعها وتوظيفها في سياق تكريسها لسُلطاتها المُطلقة ومُصادرتها الحُريات والتعددية وتحشيد الناس والمُجتمعات عُنوة خلفها في معاركها الدونكيشوتية السرمدية .

وهكذا يُسهم أردوغان في تعميق تراجع حزبه وإنقسامه على نفسه وتعجيل سقوطه خاصة وأن المؤشرات تُفيد أن  "العدالة والتنمية" سيخسر  الإنتخابات العامة القادمة على ضوء نتائج معركة إسطنبول التي مثلت زلزالاً وتحولاً سياسيين صدعا الهيمنة الأردوغانية وخلخلا إمساكها بتلابيب السياسة التُركية على مدى نحو ربع قرن .

 

قسد وتجنيد الأطفال : نُقطة الضعف الفارقة

15 أغسطس 2019

غصت وعلى مدى أيام وسائط التواصل الإجتماعي والمواقع والوسائل الإعلامية التابعة لما تُسمى الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية ومُختلف تشكيلاتها السياسية والعسكرية بصور وتعليقات مُفتخرة بتوقيع إتفاق أُبرم مؤخراً بين الأمم المتحدة وقوات سورية الديموقراطية  ( قسد ) في مقر الأولى بجنيف يقضي بإلتزام الأخيرة عدم تجنيد الأطفال.

ورغم ضرورة الإتفاق من حيث المبدأ لجهة تسوية هذه القضية التي أثارت لغطاً وإنتقادات حقوقية واسعة لقسد وتشكل نُقطة ضعفها الفارقة إلا  أن هذا التطبيل للإتفاق في أوساط قسد والإدارة الذاتية بحد ذاته ينطوي على تناقُض وإزدواجية وإدانة للذات إذ ليس جديراً بالإحتفاء كون هذه القوات محشورة في هكذا زاوية وهي تُهمة واقعية على أية حال وتستند إلى ما يُبررها وإن كان هُناك تهويل وتضخيم لحجمها ومداها من قبل أطراف مُرتبطة خصوصاً بأنقرة سيما في أوساط "الإئتلاف السوري" و"المجلس الوطني الكردي" ما يُفسر  إدانة الحكومة التُركية للإتفاق وكأن المطلوب المُضي في تجنيد الأطفال كي تبقى ورقة  توظفها البروباغاندا التركية العدائية ضد كرد سورية .

وواقع الأمر  أن تجنيد القُصر  والأطفال ظاهرة ملحوظة في كردستان سورية من قبل تشكيلات الإدارة الذاتية العسكرية وفي مُقدمها قوات قسد فيما يكاد يُشبه سياسة مُعلنة ذاك أنه تقليد معمول به منذ سنوات طوال من قبل "حزب العمال الكُردستاني" الذي يدير  من خلف الستار  إدارة  شمال شرق سورية الذاتية كما هو  معلوم وحسبنا هُنا إلقاء نظرة سريعة على الواقع الميداني لنلحظ وبشكل لافت وجود أطفال بين صفوف هذه التشكيلات في خرق واضح لمبادىء حقوق الإنسان والطفل والمواثيق الدولية الناظمة لها .

أن تأتي مُتأخراً خير من أن لا تأتي أبداً والتوقيع في المُحصلة خطوة مُهمة لكن العبرة في التطبيق وبلا ريب فإن مُجرد الإستضافة والتوقيع ينطويان على إرهاصات إنفتاح أمُمي على التجرُبة في كردستان سورية وإن أتى من بوابة التصويب وقطع دابر الظواهر والمُمارسات المُنافية والمُنتهكة لشرعة حقوق الإنسان مما يتم التغطية عليه تحت حجج الثورة وطزاجة التجرُبة ومُكافحة الاٍرهاب وغير ذلك من ذرائع لا تُبرر  سلوكيات من طينة تجنيد الأطفال في عُمر الزهور  والزج بهم في الأتون العسكري .

ففي النهاية ما إستوجب الإتفاق خرق حقوق الطفولة ما ينم عن خلل فاضح وعن مُمارسة شاذة ومُشينة تصاعدت لدرجة باتت على الأجندة الأمُمية ما يجعل الإحتفاء به ضرباً من التهليل الغوغائي لحدث هو في الحقيقة ليس بإنجاز  طالما أنه أتى في ظل الضغوط الدولية والحقوقية ... هو في أفضل توصيف تراجُع إيجابي وبناء عن خطيئة لطالما عُرف بإرتكابها مُختلف النُظم والمُنظمات العقائدية والمُتطرفة على إختلاف خلفياتها الأيديولوجية وتبريراتها الدينية أو الدنيوية ... جيوشاً نظامية أومجموعات مُسلحة .

وكم كان مدعاة للفخر  والإحتفاء لو  أن قوات سورية الديموقراطية لم تتلطخ سُمعتها من الأساس بالتورط في تجنيد الأطفال وخطفهم في إنتهاك صارخ  يرتكز  إلى تسويغات مُتهافتة تُراهن على إستغلال الأطفال والمُراهقين ممن يسهُل إستمالتهم وقولبتُهم والتأثير فيهم وحشو عُقولهم بأفكار ورؤى حزبية مُتخشبة وساذجة في ظاهرة ربما شكل إتفاق جنيف الأخير  الذي نحن بصدده بداية مُعالجتها أو أقله الحد من إستفحالها والتي ترقى إلى مصاف لطخة سوداء في نصاعة عدالة القضية الكُردية  .

 

 

تغييب قضية عفرين مقابل الحفاظ على سلطة شرق الفرات

 

08 مايو 2019

بات لافتاً تجاهل تصريحات وبيانات الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية لقضية عفرين المحتلة وكأنها لا تعني تلك الإدارة وليست ضمن نطاق إختصاصها في حين أنها هي من كانت تدير المنطقة وتحكمها قبل إحتلالها على يد الجيش التركي والفصائل الإرهابية الجهادية التابعة له ضمن صفوف الإئتلاف "السوري" ما يرتب مسؤولية أخلاقية عليها أقله عبر الإلتزام ولو النظري بهذه القضية وعدم إخضاعها للمساومات والمقايضات .

فمثلاً خلال حفل الإعلان عن النصر  الجزئي على داعش في شرق الفرات في الباغوز  مؤخراً لم يتطرق القائد العام لقوات سورية الديمقراطية ولو لماماً ولو من باب رفع العتب إلى ذكر عفرين لا من قريب ولا من بعيد ما طرح علامات استفهام حول سبب تغييب عفرين بهذا الشكل الفج والمريب ... هذا التغييب الذي يسهم بداهة في تكريس أمر واقع الإحتلال فأضعف الإيمان طرح قضية عفرين والمعاناة الوجودية التي يعيشها العفرينيون في كل محفل ومناسبة خاصة وأننا نتحدث عن مناسبة إعلان النصر على داعش التي ليس سراً أن أخواتها وحتى بقاياها وتحت مسميات تمويهية مختلفة تسرح وتمرح في عفرين مرتكبة شتى صنوف جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي بحق الكرد هناك تنفيذاً لأجنداتها العنصرية والتكفيرية الظلامية وأجندات من يرعاها ويُسيرها .

وهكذا يتوالى تغييب هذه القضية الوجودية بالنسبة للكرد والسوريين ككل وبشكل بات فاضحاً وبما يُشبه سياسة رسمية لإدارة شمال شرق سورية التي واضح تماماً أن جُل إهتمامها محصور بمناطق سلطتها شرق الفرات فمثلاً  إقتصر البيان الصادر عن وفد هذه الإدارة الزائر باريس مؤخراً على موضوع داعش وتنمية ودعم المناطق المُحررة من التنظيم الإرهابي شرقي الفرات وكأن عفرين ليست محتلة ومستهدفة من الاٍرهاب ذاته بحيث باتت مرتع مختلف المجموعات الإرهابية داعشية وغير داعشية .

فهذا التجاهل لعفرين والمُرفق بعبارات التودد المُبطن لحكومة العدالة والتنمية الأردوغانية البادية في البيان إياه والذي تحولت تركيا بموجبه من دولة محتلة إلى جارة بحسب توصيف بيان الإدارة مؤشر واضح إلى أن هذه الإدارة بعد فشلها في حماية عفرين ومنع إحتلالها تحاول الآن المُساومة عليها عبر طمس قضيتها والسكوت على إحتلالها مقابل ربما ضمان بقاء سلطتها في شرق الفرات بمأمن من التهديدات والإستهدافات التركية فبئسها من سياسة مُنافقة ولا أخلاقية تنأى بنفسها عن الدفاع اللفظي حتى عن عفرين ناهيك عن تحريرها وجعلها الشغل الشاغل والبوصلة .

 

 

في تفكيك صناعة عبادة الفرد

15 أبريل 2019

الإحتفاء بذكرى رحيل قادة وزعماء تاريخيين تقليد محمود ومعمول به في مشارق الأمم ومغاربها لكن المذموم واللامعقول هو الإحتفال الرسمي بميلاد هذا الزعيم أو ذاك وبحسب تواريخ ميلاد كاذبة في الغالب الأعم  على ما هو رائج فقط في جمهوريات الخوف والجوع كما في عراق صدام حسين وكوريا الشمالية وفي الحركات والأحزاب الستالينية والفاشستية ووفق طقوس طوطمية متخلفة ترقى إلى عبادة الفرد وتصنيمه وتحويله  إلى خير  مطلق في ظاهرة إستبدادية تقتصر على التجارب السياسية الأحادية المتخلفة الأمر الذي بات ملحوظاً في بعض المجتمع السياسي الكردستاني أيضاً مع بالغ الأسف.

فإختزال الشعب والوطن والقضية والبشر والحجر في شخص الزعيم الملهم وتحويله إلى ما يشبه مبعوث العناية الإلهية للإرتقاء بهذا الشعب أو ذاك وتصويره بمثابة أحد الرسل والأنبياء يمثل إيغالا في التقهقر وإعادة انتاج الميثولوجيات والخرافات البدائية في إطار  آخر  لا يقل رثاثة وتخلفاً واثارة للضحك حتى .

وعلى جاري عادة إقتداء الضحية بجلادها نشهد سنوياً في كل من كردستان العراق وكردستان سورية وياللمفارقة تفاقم هذه الظاهرة ففي الأولى ثمة عطلة حكومية رسمية بمناسبة مولد أحد الزعماء الكرد وقس على ذلك وفي الثانية نشهد وعلى مدى أيام من كل عام في مثل هذا الشهر  ما يشبه الإستنفار العام للإحتفال باليوم التاريخي والإستثنائي لميلاد زعيم كردي آخر والذي لولاه لما بزغت شمس الحرية على الكرد ولبقوا أسرى واقعهم البائس على ما تتحفنا سرديات وخطابات المولد الميمون الذي يتحول إلى مولد شعب وأمة ... إلخ ما هنالك من هرطقات تمجيدية وتزلفية قوامها التقديس والتأليه وإسباغ صفات خارقة وقيم فضيلة كاملة على الزعيم الذي يتحول والحال هذه إلى قيمة عليا غير محسوسة وسامية عن الواقع المُدرك وتتحول نظرياته وفلسفته كما يحلو لمريديه القول إلى إكسير الحياة والفانوس السحري والناموس المؤطر والناظم لفهم التاريخ وقراءة الواقع وإستشراف المستقبل فهو معنى الوجود ومبناه حتى أن لا حياة بدون القائد حسب الشعار الشهير والأثير الذي تُعرف به حركة كردستانية تُعتبر رائدة في صناعة عبادة الفرد وتقديسه وطوطمته والذي يختزل عمق مبلغ الكارثة .

والطامة الكبرى ليست هنا فقط فبعد أيام قليلة من أسبوع الإحتفالات وإحتلال الفضاء العام وإخراج الناس للساحات للتهليل والتراقص مع زيادة جرعة وعجقة صور الزعيم في مداخل المدن ومخارجها وأزقتها وحواريها والمطبوعة حتى على قوالب الحلوى ( الكيك ) وكأننا حيال أعياد ميلاد تُنظمها هذه الأسرة أو تلك لأحد أفرادها فكأن المراد هنا الترميز إلى العائلة الكبيرة والأم أي الشعب بل الشعوب التي تحتفي بميلاد علة وجودها ونافخ الروح فيها كما لا تفتىء البروباغاندا الحزبية التأليهية الترديد بشكل مثير للغثيان.

فالزعيم ما عادت فلسفته العظيمة وفتوحاته الفكرية وقدراته الهائلة مُتناسبة مع حجم شعب واحد أو قضية بعينها بل هو قائد الشعوب والبشرية جمعاء وهكذا فبعد الإحتفالات الصاخبة والمسيرات المسبحة بحمد الزعيم والمتغنية به تبدأ بعد أيام معدودات طقوس الحزن والكمد لكن هذه المرة على والدة الزعيم التي في ذكرى وفاتها تُعقد الندوات والمراسيم للبحث في مناقبها وفي إستثنائيتها كونها أم الزعيم وتاليا أم الشعب فشر البلية ما يضحك إذ مع كل الإحترام لها ولكل أمهات العالم وللأمومة كمنظومة قيمية سامية ومتكاملة لكن هذه الطقوس النفاقية والعبودية تُسيء بالدرجة الأولى إلى عدالة ونصاعة القضية الكردية وإلى من يتم تقديسهم ورفعهم فوق سوية الناس وإلا فما المنطق والعقل في الإحتفاء بذكرى الرحيل هذه ؟.

ثمة إيغال في السوريالية والتفاهة والرثاثة والإبتذال فالزعيم الجنوب الإفريقي الكبير نيلسون مانديلا ترك كرسي الرئاسة بعد دورة واحدة لكن في ربوعنا علينا الإحتفاء حتى بعيد ميلاد الزعيم وبالمناسبات الخاصة بأقاربه في سابقة ننفرد بها إذ حتى في أعتى تجارب عبادة الفرد لم يسمع أقله كاتب هذه السطور بهكذا شيء باعث على الضحك الأسود.

 

 

 

كردستان في ذكرى الإنتفاضة التحررية

01 أبريل 2019

بينما كانت مدينة السليمانية وكردستان عامة تحتفي بالذكرى الثامنة والعشرين على إنطلاق شرارة الإنتفاضة الشعبية الشاملة على نظام البعث الفاشي من محافظة السليمانية وتحديداً من مهد الإنتفاضة وبوابتها مدينة رانيا كانت تتوزع الشاشات في كردستان بين نقل مراسيم إحياء ذكراها ونقل مجريات ملتقى السليمانية في دورته السادسة والذي كان يغص بعشرات كبار رجالات الدولة والسياسة والفكر  والإعلام حول العالم ممن إحتضنتهم عاصمة الثقافة الكردستانية والمدينة الكبرى الأولى التي تحررت من النظام ولتكر  سبحة الإنتفاضة بعدها وتتوالى إنتفاضات المدن والقرى والقصبات الكردستانية معلنة طرد النظام وكنس أجهزته القمعية والأمنية .

فليس خافياً أن التجربة الديمقراطية في كردستان على علاتها وعلى ما يعتريها من مثالب وملاحظات وما تستحقه من نقد جذري حتى لكنها تبقى في خطها العام وفي المحصلة منجزاً تحررياً قومياً وديمقراطياً للكرد في مختلف دول المنطقة وللقوى الديمقراطية في العراق والشرق الأوسط ككل .

وكم يبدو المشهد عابقاً بالمعاني والدلالات أن السليمانية بعد نحو  ثلاثة عقود في ذكرى إنتفاضتها وعندما كان النظام طيلة عقود يحظى بمظلات عربية وإقليمية ودولية تغض الطرف بل وتسانده جهاراً نهاراً في حربه الإبادية المجنونة على كردستان وشعبها ها هي تحتضن ساسة ومفكرين وصناع قرار  ومن مختلف الدول العربية بالدرجة الأولى ومختلف بلدان الإقليم والعالم ما يشي بترسخ مكانة الإقليم وتجربته وتحوله إلى واقع كياني دستوري وقانوني وعامل سلام وإستقرار ودمقرطة في بلاد الرافدين والمحيط الإقليمي ككل لا يمكن تجاوزه وإعادة إنتاج المقاربات العنصرية والشوفينية بحقه والتي لطالما وسمت التعاطي مع القضية الكردية في هذه المنطقة .

فمع تجربة كردستان العراق ثبت أن الكرد شعب جدير  بالحياة والحرية وبحجز مكانه اللائق تحت الشمس وأن بإمكان الكرد إدارة أنفسهم بل وتقديم مخارج ونماذج الحل على الصعيد الوطني العراقي العام وهذا الإنفتاح العالمي والإقليمي فضلا عن الداخلي العراقي على الإقليم خير شاهد فكردستان غدت منصة لتجربة نادرة لشعب تمكن من الإتصار على نظام الأنفال والمقابر الجماعية والسلاح الكيماوي والإسهام في بناء عراق ما بعد البعث بل وتبوء صدارته على ما دللت تجربة ترؤس مام جلال للعراق الاتحادي كأول رئيس منتخب وكردي في تاريخ هذا البلد بل وفي تاريخ المنطقة .

 

 

خيانة" في كركوك لكن ماذا في مخمور وزمار وشنگال؟

27 مارس 2019

رغم أن ما حصل في كركوك في ١٦ أكتوبر ( تشرين الأول ) ٢٠١٧ من أحداث مؤسفة ومؤلمة كان بالدرجة الأولى من تداعيات قرار الإستفتاء غير الحكيم والإعتباطي بل والمزاجي الشخصي من قبل السيد مسعود بارزاني وحزبه ودونما أن يعني ذلك أي تبرير أو تسويغ للخطوات الأحادية ومحاولات إعادة إنتاج سياسات التعريب والإضطهاد القومي بحق الكرد في كركوك مما بات واضحاً إثر إعادة بسط بغداد سيطرتها الإدارية والعسكرية على المدينة الواقعة في صلب المادة ١٤٠  الخاصة بازالة آثار ومفاعيل الإجراءات التبعيثية والتعريبية لمناطق كردستانية واسعة والتي هي في صميم الدستور العراقي وعدم تطبيقها لا يعني البتة إنتفائها وسقوطها بالتقادم .

وبعيداً عن نظريات المؤامرة لكن وكما بات يفصح عنه تسلسل الأحداث فإن أبرز  ما كان يهدف إليه القيمون على الإستفتاء ومن يقف خلفهم هو خلخلة الإستقرار وواقع القوى والحجوم السياسية والديمغرافية في المناطق الكردستانية المستقطعة والمعربة وفي مقدمها كركوك وبالتالي تعريض تلك المناطق لخضات وقلاقل تقود إلى إعادة إنتاج منهجيات وممارسات التعريب والإيغال في فرض أمر واقع البتر  والإقتطاع  و/أو حرب أهلية عربية - كردية سيما وأن اليد الطولى جماهيرياً في كركوك هي للإتحاد الوطني الكردستاني الذي تاريخياً تعتبر كركوك وبلغة الأرقام الإنتخابية معقله وحصنه الحصين ما يفسر  إيغال الحزب المنافس للإتحاد أي الحزب الديمقراطي الكردستاني في سياسة حافة الهاوية ومحاولة الزج بكركوك في متاهات الحرب والتدمير وإشعال الفتن خاصة ونحن نتحدث عن مدينة تعد عراقاً مصغراً وتكتنف حساسيات تاريخية قومية ومذهبية متماسة مع ملفات وإعتبارات إقليمية عابرة لحدود العراق .

ورغم المقاومة التي أبدتها قوات البيشمرگة التابعة للإتحاد الوطني الكردستاني إبان هجوم القوات الحكومية على المدينة إلا أن القرار الحكيم بوقف القتال والإنسحاب عبر عن العقلانية والحس بالمسؤولية ما سحب البساط من تحت المراهنين على نشوب حرب مدمرة  لن تقف نيرانها عند تخوم كركوك وبعيداً عن الخطاب القوموي الغوغائي والمتهور الذي كان ينفخ فيه حزب بارزاني الذي في حين كان يتهم الإتحاد بالخيانة وتسليم كركوك كان يسلم هو نفسه لبغداد المناطق الخاضعة لنفوذه تباعاً من مخمور إلى زمار وشنگال ...

وبعد التداعيات الكارثية على كردستان وخاصة على كركوك ودوزخورماتو وغيرهما ومع سياسته المتوازنة الهادفة لإعادة تطبيع الوضع في المدينة عمل الإتحاد على إمتصاص التشنجات والتوترات ومعالجة المشاكل بالمنطق والإحتكام للدستور  وقوة الحق سيما الحق الإنتخابي إذ أتت نتائج الإنتخابات العراقية الأخيرة في محافظة كركوك بمثابة إستفتاء شعبي كركوكي عام أثبت مرة أخرى تربع الإتحاد على العرش الإنتخابي فيها حاصداً لوحده حصة الأسد ورغم حملات التخوين والإستهداف ومن المقلبين إن من مقلب الحزب الديمقراطي الكردستاني وجوقته الإعلامية الغوغائية أو من مقلب القوى الشوفينية والعنصرية المعادية للكرد ليس في العراق فقط بل وحتى على الصعيد الإقليمي ولعل المواقف التركية المحتجة على نصر  الكرد الإنتخابي العارم في محافظة كركوك عبر الإتحاد الوطني خير شاهد على حقيقة أن الإتحاد كان ولا زال الحزب الضامن كردستانية كركوك والسد المنيع أمام محاولات تكريس تعريبها وبترها عن كردستان .

وهكذا طيلة عام ونيف يواصل حزب بارزاني سياساته التوتيرية في كركوك من مقاطعته الإنتخابات فيها بحجة أنها "محتلة" وكأن المناطق الكردستانية في نينوى ( الموصل ) لا تخضع لذات الإحتلال وصولا ً إلى عرقلة إنتخاب محافظ كردي للمدينة  إلى الخطاب التخويني العدائي حيال الإتحاد وخاصة حيال عائلة طالباني وتحديداً السيدين بافل طالباني ولاهور طالباني وإعتماد توصيف خيانة ١٦ أكتوبر في وسائل إعلامه التي تحاول عبر ذلك التغطية على مغامرة الإستفتاء الفاشلة وتحميل وزر عواقبها الوخيمة للأطراف الأخرى الأمر الذي  دحضه مؤخراً السيد حيدر العبادي والذي كان إبان أحداث الإستفتاء وما تلاها رئيس الحكومة العراقية والقائد العام للقوات المسلحة العراقية حيث نفى قبل أيام نفياً قاطعاً وجود أي إتفاقات مع الإتحاد الوطني الكردستاني آنذاك للإنسحاب من كركوك على عكس ما يردد إعلام بارزاني وحزبه ليل نهار على قاعدة غوبلز الشهيرة : إكذب وبالثلاثة .

 

 

الإتحاد الوطني الكردستاني في الباغوز ... حلقة في سلسلة مواقف

الإثنين 18 مارس 2019

مع توالي المعركة الفاصلة في الباغوز  بريف دير الزور التي هي بمثابة الجيب الداعشي الأخير  في مناطق شرق الفرات تأتي مشاركة مجموعة من قوات مكافحة الاٍرهاب التابعة للإتحاد الوطني الكردستاني القادمة من مدينة السليمانية في كردستان العراق في المجهود الحربي ضد الدواعش هناك لتثبت مرة أخرى حقيقة أن القوات الكردستانية ( وحدات حماية الشعب والمرأة وإطارهما العام : قوات سورية الديمقراطية وقوات البيشمرگة والگريلا ) شكلت ولا زالت رأس حربة مقارعة الاٍرهاب مقدمة التضحيات الجسام في سبيل دحره وقطع دابر  خطره الكوني الداهم .

ولا ريب أن هذه الخطوة تعيد إلى الأذهان الموقف التاريخي للإتحاد الوطني الكردستاني في دعم وإحتضان ثورة روژ آڤا في كردستان سورية ومنذ إرهاصات تبلورها وإنطلاقها عبر مختلف أشكال الدعم سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً وكاتب هذه السطور كان مواكباً منذ البدء لهذه الصيرورة التصاعدية للإسناد بلا حدود حيث سخر الإتحاد كافة طاقاته وإمكانياته في سبيل تعضيد التجربة التحررية في روژ آڤا وصونها إذ ليس سراً أن داعش كان قاب قوسين من إحتلال كامل مدينة كوباني لولا التدخل الإسعافي العاجل للإتحاد الوطني وخاصة عبر جهاز الأمن والمعلومات ومكافحة الاٍرهاب لمد المقاومين الأسطوريين في المدينة بالعتاد والسلاح عبر الطائرات الأميركية بتنسيق مباشر من قبل ذاك الجهاز ومسؤوله السيد لاهور شيخ جنگي مع واشنطن الذي يعد مهندس علاقة العم سام مع كرد سورية ما شكل بداية وتوطئة لنشوء العلاقات بين وحدات حماية الشعب والقوات الأميركية وتطورها فيما بعد الأمر الذي ساهم لاحقاً في تشكيل التحالف الدولي ضد الاٍرهاب الذي كما هو واضح الآن في الباغوز  شكل الكرد رأس هرمه وقاعدته المتينة ميدانياً وسياسياً في حين أن مختلف القوى الإقليمية استثمرت في داعش وأخواته من جماعات إرهابية واستخدمتها بالدرجة الأولى ضد الكرد وضد تجربتيهما الديمقراطيتين إن في كردستان العراق أو في كردستان سورية .

فالإتحاد بذلك إنما يثبت مضيه في خطه الكردستاني رغم الضغوط الهائلة التي تعرض ويتعرض لها على خلفية مواقفه الداعمة لنضال الكرد وحقوقهم في الأجزاء الأخرى من كردستان سيما دعمه السباق واللامحدود لتجربة كردستان سورية وهو بمواقفه هذه شكل عقبة في وجه محاولات القوى الإقليمية والإرهابية للإستفراد بالكرد في سورية ومحاولة خنق تجربتهم وعزلهم عن محيطهم الكردستاني الكبير .

والحال أن الإتحاد الوطني الكردستاني  عبر مشاركته الحالية في معركة الباغوز  عبر مرة أخرى عن كنه الموقف الحقيقي  للكرد  في كردستان العراق حيال كردستان سورية وليبقى سواد الوجه وعار الإصطفاف في خندق أعداء الكرد والديمقراطية لمن إستقبلوا وفد محتلي عفرين من الإئتلاف "السوري" إستقبال الفاتحين وتحت قبة برلمان كردستان العراق ويا للعار .

 

 

داعش حي يرزق في عفرين فعن أي نهاية نتحدث؟

الأحد 10 مارس 2019

هل بالفعل ريف دير الزور هو المعقل النهائي والأخير لداعش وتحديدا الباغوز ؟ لا قطعا فإختزال داعش في التنظيم الإرهابي المكنى بهذا الإسم هو  تعبير عن قصر نظر فاضح وعن تبرئة لجماعات أخرى داعشية المعنى والمبنى ومرتبطة بالتنظيم عضوياً ليست جبهة النصرة سوى عنوانها الأبرز  ثم أنه ليس سراً  أن داعش شارك فعلياً في حملة إحتلال عفرين وإن مواربة وتحت مسميات تمويهية ضمن الفصائل والكتائب الإرهابية التابعة للإئتلاف "السوري" المتكنية بما يسمى الجيش السوري الحر.

وحسبنا هنا إلقاء نظرة سريعة على خطاب هذه الجماعات المسلحة المحتلة لعفرين وعلى ممارساتها وسياساتها وحتى على محيا عناصرها بلباسهم الجهادي الأفغاني ولحاهم ومجمل هندامهم القاعدي الذي بات صنو الكاركتر الإرهابي الجهادي حول العالم ولعلنا نتذكر جيداً صبيحة إحتلال عفرين قبل نحو عام من الآن كيف كان يقف أحد الإرهابيين منتشياً بهدم تمثال كاوا الحداد وسط المدينة وهو يرتدي الجلباب الأفغاني ما يعني أن الترويج لنهاية داعش وإطلاق العنان لنظريات قبر الاٍرهاب ودفنه في صحاري دير الزور تنم عن كم كبير من الإعتباط والتعجل وتجاهل وكره العفريني العلني.

ففي إحتفائنا وإحتفالنا ككرد خاصة بهزيمة داعش الجزئية في ريف دير الزور  ينبغي أن لا ننسى ولو للحظة أن داعش وأشباهه يحتلون عفرين وأن إغفال هذه الحقيقة إسهام في تجميل قبح محتلي عفرين من دواعش ظاهرين ومستترين وتبرئتهم من داعشيتهم المبرمة فالهزيمة النهائية والحقيقية لداعش تكون في عفرين وليس في دير الزُّور.

لا يختلف عاقلان على أن عفرين باتت مرتعاً ومقراً لبقايا الدواعش ومن شابههم من تنظيمات تكفيرية وإرهابية تمارس شتى صنوف إرهابها وساديتها بحق العفرينيين الذين أقله إحتراماً لدمهم وتضحياتهم ومعاناتهم الوجودية علينا التخفيف من نبرة النصر المبرم على داعش ففي هكذا نبرة وهكذا إعلان قفز على حقيقة أن داعش حي يرزق في عفرين فعن أي نهاية وهمية نتحدث؟ علاوة على أننا بهكذا موقف لا مسؤول نرفع جهاراً نهاراً التهمة الداعشية عن محتلي عفرين بدلالة إعلاننا أن الباغوز آخر معقل لداعش في حين أن معقلها الأكبر الآن هو عفرين ثم أن إختصاص التحالف الدولي وحملته ضد الاٍرهاب يفترض بداهة ألا يقتصر ا على داعش فقط فجبهة النصرة وهي فرع تنظيم القاعدة السوري مثلت جنباً إلى جنب داعش الهدفين الرئيسيين لهذا التحالف ولعل الرجوع لأدبيات التحالف الدولي التأسيسية ومواقفه وبياناته تثبت هذه الحقيقة وتاليا فالنصر الناجز على داعش وأخواته ومن يقف خلفهم ليس في الباغوز  وإنما في عفرين.

 

هل إنتهى داعش بالفعل ؟

الجمعة 08 مارس 2019

التهليل لنهاية داعش الرائج هذه الأيام ينطوي على قدر  عال من التبسيط والاعتباط والانتشاء فالهزيمة العسكرية ليست محك إجتثاث الفكر الإرهابي المعشعش في البنى التحتية المجتمعية والثقافية في العالمين العربي والإسلامي وليس خافيا أن القضاء المبرم على هذا الخطر مرتبط بصيرورات وديناميات التحول القيمي الديمقراطي بالمعنى العريض الضعيفة كي لا نقول أكثر  الأمر الذي قد يستغرق عقود وعقود كي لا نقول أكثر  فالواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي البائس في هذا الجزء من العالم العابق بالأحادية والتطرف والاستبداد والإرهاب والتخلف الحضاري المتمظهر في مختلف مناحي الحياة ومجالاتها  يبقى دوما أرضية خصبة لإفراز  أنماط وعي وحراك متطرفة وشاذة.

ليس المقصود هنا بطبيعة الحال التقليل من شأن الانتصار العسكري الجزئي على الدواعش على يد قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي لكننا بصدد التحذير من الارتماء في أحضان نظريات توهم نهاية منظومة الوعي الداعشي الذي هو بدوره تفرخ من سلفه القاعدي وهكذا دواليك ولكي لا نتفاجأ بظهور داعش أكثر  بربرية وتوحشا بعد أعوام كي لا نقول أشهر  ينبغي وضع استراتيجيات طويلة الأمد لمقارعة مستدامة للإرهاب بمعناها الشامل وبما يضمن تجفيف المنابع الفكرية المفرخة لهذه الظواهر والحركات الإرهابية البالغة الخطورة التي تتسم ببعدها الدولي العابر للحدود والقارات وذلك عبر تحفيز  القيم والمبادىء الديمقراطية القائمة على الإعتراف بالآخر وتقبله والتعايش معه سيما ونحن نتحدث عن موزاييك من القوميات والديانات والمذاهب في هذه المنطقة وعلى إعتماد مبدأ الشراكات والتعاقدات الوطنية المؤطرة بديموقراطيات توافقية تعددية تفسح مجال الإستقرار واستتباب الأمن والسلم وتاليا التنمية بمعناها الشامل الذي يتناغم سياسيا وثقافيا وفي مختلف سياقات الاجتماع والانتاج الإنسانيين.

وهذا كله بحاجة بطبيعة الحال الى ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والحرية والتعددية السياسيتين وتمكين المرأة وتطوير مناخات الإبداع والتصنيع والبحوث العلمية والمعرفية والارتقاء بمختلف القطاعات الإنتاجية واقتصاد المعرفة واعتماد مناهج تربوية وعلمية حديثة وعصرية تغرس هذه المبادىء وتحقنها في شرايين المجتمع... هي ولا شك حزمة تكاد تكون شبه مستحيلة في ظل الواقع القاتم المتردي في ربوعنا بل وقد تبدو غارقة في التنظير الحالم لكنها الوصفة الوحيدة للخروج من عنق زجاجة الاستبداد والإرهاب ودوما لا بد من بداية ويبقى المهم الشروع فيها.

 

حين يبتذل المؤتمر الوطني الكردي

الخميس 21 فبراير 2019

ما زاد عن حده انقلب ضده وهذا ما ينطبق على الدعوات المكرورة والمبتذلة لطرف سياسي كردستاني ما فتيء يدعو بمناسبة وبدونها الى عقد المؤتمر الوطني الكردي وتصويره كالعصا السحرية وكحلال المشاكل الذي لا يقهر فحزب العمال الكردستاني وملاحقه في مختلف أجزاء كردستان لطالما عمل جاهدا على إظهار نفسه كعراب فكرة المؤتمر العتيد والقيم عليه كي لا نقول الوصي.

ورغم انه لا جدال في ضرورة وأهمية وجود وتأسيس هكذا مظلة كردستانية جامعة تلم شمل الكرد وتعمل على بلورة وتثبيت قواسم استراتيجية مشتركة بينهم سيما مع تصاعد التحديات المحيطة بالقضية الكردية المترافقة مع توافر الفرص الذهبية لاحقاق حقوق الكرد وإنصافهم في مختلف الدول المقتسمة لوطنهم على وقع تصاعد دورهم ووزنهم في المعادلات الإقليمية والدولية سيما لجهة الحرب على الاٍرهاب وريادتهم قوى التحول الديمقراطي في المنطقة.

لكن هذا الايغال في الدعوات اللفظية لهذا المؤتمر الموعود مع إغفال عدم توافر ونضوج الظروف والشروط الموضوعية والذاتية يندرج في سياق القفز في الهواء والمزايدات والمناقصات ومحاولة فرض الوصايات وفق عقلية بطريركية تنصب نفسها الحارس الأمين على مصالح الأمة والراعي لها والعارف الوحيد بمصالحها ما قد يعني تحول المؤتمر والحال هذه الى مجرد واجهة لبسط سيطرة هذا الحزب أو ذاك عليه ما ينسف الفكرة والهدف من أساسهما فالمؤتمر الوطني تعريفا هو  محفل عابر للأحزاب ولا يعقل بأي حال تحويله الى منصة حزبية وان مواربة على ما هي حال ما يسمى المؤتمر الوطني الكردي KNK  الذي يديره حزب العمال منذ سنوات طوال محاولا تسويقه كمؤتمر كردستاني جامع لكن دونما جدوى حيث هو مجرد مظلة حزبية وفئوية وان تدثرت بشعارات وخطابات قومية رنانة ... هو بالأحرى أشبه ما يكون بلجنة مختصة بالعلاقات الكردستانية أوشؤون الوحدة الوطنية الكردستانية ضمن هياكل ولجان حزب العمال لا أكثر.

فهذا الهوس المرضي بالمؤتمر الوطني الكردي والحال هذه يكاد يذكرنا بشعارات الوحدة العربية التي لطالما صدعت بها رؤوسنا على يد أنظمة ديكتاتورية مغرقة في الجهوية والمحلية والمصلحية التي لا يغطي على حقيقتها هذه التغني المؤدلج والمبتذل بوحدات ومؤتمرات قومية ووطنية هلامية.

 

في الذكرى الأولى لنكبتها : مسد مغازلا الائتلاف المحتل عفرين

السبت 16 فبراير 2019

لم يكد الرأي العام الكردستاني يصحو من صدمة الاستقبال في أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق كما الفاتحين والأبطال لقتلة الكرد ومبيديهم في عفرين عبر زيارة وفد من الائتلاف "السوري" القابع في إسطنبول لها حتى خرج  مجلس سورية الديمقراطية ( مسد ) وهو أحد تشكيلات ما تسمى إدارة شمال شرق سورية الذاتية ببيان يحدد أولوياته وخطوط سياساته العريضة للمرحلة المقبلة والتي لم تتضمن إشارة حتى الى قضية عفرين ناهيك عن تحريرها فالأولويات العشر العرمرمية أحتوت بدلا من ذلك بندا ينص على الانفتاح على معارضة الخارج حسب تعبير البيان وبلا شك ليس ضربا من العبقرية اكتشاف أن هذا البند هو محض غزل فاضح ومبتذل مع الائتلاف ومحاولة لتبييض صفحته وتبرئته من كم الجرائم الكبرى التي ارتكبها بحق الكرد وعموم السوريين على مدى السنوات الماضية ولحد صياغة بيان مسد المخزي وخاصة في عفرين والا فكيف يمكن تفسير هذا البند الذي يبدو كما ولو أنه محاولة لتبرئة ذمة الائتلاف من دم العفرينيين بل وتقديمه كقوة معارضة وطنية وديمقراطية والتغطية على حقيقة كونه قوة مأجورة ومرتهنة لأنقرة.

والمفارقة أنه في مثل هذه الأيام قبل عام بالتمام والكمال وحبر بيان مسد المخجل هذا يسطر كان إرهابيو وتكفيريو الائتلاف يعبثون بجثة المقاتلة بارين كوباني ويمثلون بها فبعد عام وبدلا من تفكر  مسد في سبل تحرير عفرين بوصفه البوصلة والأولوية وبلسمة جراحها ومعالجة التداعيات الكارثية لاحتلالها يبادر الى ممارسة التودد والتوسل كي لا نقول التسول على أبواب الائتلاف القابع في الباب العالي ما يشي بمدى عمق المأزق الذي باتت تتخبط فيه السلطة الحاكمة في روژ آڤا أو شمال شرق سورية حسب رطانة الأمة الديمقراطية العتيدة التي يحلو لهذه السلطة تصويرها كما ولو أنها فتح فلسفي وفكري عظيم لا يشق له غبار  المأزق الذي لن تغطي عليه تبريرات سياسوية مهلهلة ومتهافتة فالتكتيك والبراغماتية لا يعنيان مطلقا ضرب المبادئ عرض الحائط والتزلف للائتلاف الذي يعلن جهارا نهارا تبعيته لأنقرة وبما هو مجرد مخلب قط بيدها ضد الكرد في سورية ما تجلى واضحا في دوره كرأس حربة حملة احتلال عفرين.

صحيح أن تركيا احتلت عفرين لكن بمعية ومشاركة فصائل الائتلاف الإرهابية ذاك الائتلاف الذي يبسط سيطرته ولو الشكلية وكالة عن الغازي التركي على المدينة المحتلة وريفها فكيف يستقيم والحال هذه تودد مسد وتزلفه لهذا الائتلاف مع الشعارات اللفظية الطنانة لسلطة روژ آڤا حول ضرورة تحرير عفرين ومقاومة الاحتلال؟

 

محتلو عفرين في أربيل!

الإثنين 11 فبراير 2019

لا غرابة بتاتا في زيارة وفد من الائتلاف "السوري" برئاسة نصر الحريري الذي يحتل منطقة عفرين الكردية السورية ويمارس فيها شتى صنوف التطهير العرقي لأربيل للقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود بارزاني الذي لطالما كان مندرجا في المجهود الحربي التركي المتعدد المستويات ضد الكرد في روژ آڤا ( كردستان سورية ) وضد تجربتهم بغية فرض سطوته وسيطرته على هذا الجزء من كردستان.

فمنذ البدء أختار حزب بارزاني الانسياق في المحور التركي في الصراع في سورية وعليها  محاولا جر الكرد في ذاك البلد الى الحاضنة التركية وتوريطهم تاليا في لعبة الموت السورية والحرب الأهلية والطائفية والعمل على تغليب الانتماء السني الإسلامي بين الكرد على حساب انتمائهم القومي الديمقراطي الطاغي دوما على أية اعتبارات جانبية وثانوية على صعيد الوعي الحقوقي والهوياتي لدى الفرد والشعب الكرديين الأمر الذي لطالما وسم الخطاب والنضال الكردستانيين المعاصرين  بالسمو عن الخطوط المذهبية والدينية لصالح محورية الكنه القومي التحرري في الحراك الديمقراطي للكرد.

فلما الاستغراب والحال هذه في الأوساط الكردية من استقبال بارزاني لوفد يضم بين صفوفه أمراء حرب من طينة عبد الجبار العكيدي ملطخة أياديهم بدم الكرد في عفرين وتل عران وتل حاصل و... اذ ليست المرة الأولى التي يفتح فيها حزب بارزاني أحضانه لهذه القوى المتورطة  في ارتكاب جرائم حرب وابادة ضد الكرد خاصة والسوريين عامة لكن ربما كان لطزاجة جرح عفرين النازف وقعه لجهة ارتفاع وتيرة الاستهجان الذي ساد الأوساط الإعلامية والشعبية الكردية حيال استقبال وفد غارق حتى النخاع في الدم الكردي العفريني.

والحال أن الزيارة هي حلقة في سلسلة التنسيق المتواصل بين الطرفين ( حزب بارزاني والائتلاف ) المرعيين تركيا وهي تندرج في سياق الترويج لفكرة المنطقة "الآمنة" التي يسعى لها رجب أردوغان في محاولة لإعادة تكرار سيناريو عفرين في بقية مناطق روژ آفا عبر  إعطاء دور أكثر وضوحا مما كان في عفرين  لما تسمى بيشمركة روژ بغية التمويه على حقيقة المشروع الاحتلالي الاستيطاني التتريكي - التعريبي لروژ آڤا على ما نلاحظ جليا في عفرين.

فالزيارة باختصار تهدف لاكساء غطاء "كردستاني" خادع وكاذب على مشروع احتلال روژ آڤا تحت مسمى المنطقة الآمنة التركية التي تهدف لتوطين ملايين الأتراك والعرب السوريين اللاجئين في تركيا في تلك المنطقة بغية تغيير واقعها الديمغرافي الكردي الغالب وضرب المكاسب  التي حققها الشعب الكردي وبالتشارك مع مختلف شعوب ومكونات المنطقة وتهجير وابادة الكرد في سورية بغية اضعاف وتهميش دورهم وتأثيرهم في المعادلة السورية والإقليمية تاليا.

 

 

حين تغيب ثقافة الاعتذار وتحمل النتائج

 

الأربعاء 02 يناير 2019

بعيد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سورية بادر  وزير دفاعه جيمس  ماتيس الى الاستقالة وليتبعه بريت ماكغورك المبعوث الأميركي الخاص للحرب ضد داعش احتجاجا على قرار الانسحاب وما شكله من طعنة في ظهر شركاء واشنطن في الحرب على الاٍرهاب والمتمثلين بالدرجة الأولى في قوات سورية الديمقراطية وعمودها الفقري : وحدات حماية الشعب وهذا بطبيعة الحال شكل دلالة على الانقسام في الادارة الأميركية حيال هذا القرار الملتبس الذي بات واضحا أنه لم يحظى باجماع أركان الادارة نفسها لكنه في النهاية مرر واعتمد وبات أمراً مفعولا.

وبلا ريب فان استقالة الرجلين مؤشر الى مدى عمق احترامهما لنفسهما ولمهامهما والأهم لشركائهما ومن يفترض أنهم حلفاء واشنطن في مقارعة الاٍرهاب فرغم أنهما ليسا صانعي القرار ولا المسؤولين عنه لكنهما رغم ذلك ولكونهما جزء من الادارة وعلى تماس مباشر مع الموضوع بحكم منصبهما بادرا الى الاستقالة وتسجيل موقف مبدئي.

الأمر  الذي نفتقده في ربوعنا ويكاد يكون غائبا تماما في التقاليد والأعراف السياسية من حولنا فحس المسؤولية وثقافة الاعتذار وتحمل النتائج هي عناوين مفقودة بالمرة في ثقافاتنا الإدارية والسياسية وثمة دوما مشاجب نعلق عليها إخفاقاتنا وهزائمنا وأخطائنا بل خطايانا.

فمثلا في روج آفا ( كردستان سورية ) احتلت عفرين وسط صمت أميركا المطبق بل وعقدت الاتفاقات المريبة حول منبج من قبل واشنطن مع أنقرة وها هي الأولى تشرع في الانسحاب وبات أردوغان  على الأبواب متخذا من احتلال عفرين تمرينا على احتلال كامل روج آفا ولا زالت قوات سورية الديمقراطية ويا للمفارقة تتوغل في صحاري دير الزور  في فقدان مبرم للبوصلة ولا زالت التكتلات والوجوه الحاكمة في روج آفا الظاهرة منها والمستترة أو كما يحلو لها التسمية "شمال شرق سورية" هي هي وكأن شيئا لم يكن في حين أنه في البلدان والتجارب السياسية المتحضرة المحكومة بمؤسسات وآليات قانونية وفي ظل أنظمة الحكم الديمقراطية والمنتخبة عندما ينهار جسر  مثلا أو يقع تقصير حكومي محدود حيال كارثة طبيعية ما أو عندما ينتاب الأداء الحكومي العام أدنى خلل ولو بسيط تبادر حكومات ووزارات بأكملها الى الاعتذار وممارسة النقد الذاتي وصولا حتى الى الاستقالة أقله تعبيرا عن الإحساس بالمسؤولية والنزول من علياء السلطة المعصومة والمحصنة من الفشل والإخفاق وتكريس ثقافة المحاسبة والمسائلة والشفافية وتاليا التقويم والتجديد والتطور.

 

في كارثية الانسحاب الأميركي من سورية

الإثنين 24 ديسمبر 2018

كنا حذرنا الأسبوع الماضي وعلى هذه الصفحة من مخاطر  عدم وجود سياسة أميركية واضحة في سورية عامة وفي روج آفا ( كردستان سورية ) خاصة والى أن رخاوة وضبابية مواقف واشنطن السورية والكردية ترفد الايغال الأردوغاني في سياسات الاحتلال وارهاب الدولة ضد الكرد وضد عموم السوريين في الشمال السوري وأتى الإعلان الأميركي عن الانسحاب وما أثاره من صدمة ودهشة ولغط في واشنطن وحول العالم ولا سيما في روج آفا ومختلف أجزاء كردستان ليثبت صحة ذاك التقييم.

فالقرار الذي خلف انقسامات وتباين رؤى حاد داخل الادارة الاميركية نفسها لدرجة استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجا على القرار  وداخل عواصم التحالف الدولي ضد داعش اذ رفضت كل من باريس ولندن مثلا لا حصرا القرار  معتبرتين الحرب على الاٍرهاب لم تنته بعد والذي دخل حيز التطبيق وداعش لا زال  خطرا كونيا شاخصا وداهما يسهم أوتوماتيكيا في إنعاش القوى الإرهابية الداعشية على اختلاف مسمياتها ومدها بأسباب استعادة المبادرة والهجوم وإعادة تنظيم وتزخيم المجهود الإرهابي العالمي.

والواقع أن واشنطن لم تف بأبسط التزاماتها لجهة القضاء على الاٍرهاب فالهزيمة العسكرية بداهة ليست نهاية الاٍرهاب ولا خاتمته كوننا نتحدث عن جملة عوامل مركبة ومتداخلة تمد البنى التحتية المفرخة لأنماط الوعي والحراك الإرهابيين بالرسوخ وقابلية امتصاص الضربات والصدمات اذا ما اقتصرت على المعالجات العسكرية والأمنية المجردة والمعزولة عن الاندراج في سياق استراتيجية مكافحة ارهاب متكاملة تتوخى معالجة البواعث والمسببات المتصلة بحوامل وموروثات ثقافية واجتماعية ودينية ... الأمر  الذي يستلزم تسوية القضايا المتفجرة والعالقة في هذا الجزء من العالم لجهة الفشل خاصة في تشييد دول وطنية ديمقراطية جامعة وناظمة للتعدد والتنوع وهنا فالقضية الكردية هي أم تلك القضايا العالقة وهي محك التحول الديمقراطي وارساء السلام والاستقرار المستدامين في الشرق الأوسط. 

لكن القرار الأميركي مع الأسف يشجع القوى الإرهابية والإقليمية المعادية للكرد على المضي في حروب الإبادة والتصفية بحقهم واجترار المقاربات الدموية الفاشلة لقضيتهم خاصة وأنه جاء بعد أيام من تهديدات أنقرة باحتلال روج آفا ما شكل مباركة لهذه العربدة التركية وإفساح طريق لها.

وبغض النظر عن خلفيات القرار وموجباته وما ينطوي عليه من صفقات ومقايضات وحتى ما قد يعبر عنه من مزاجية شخص الرئيس الأميركي المعروف بتقلاباته ولا توازنه لكنه يصب في مطلق الأحوال في صالح تعزيز جبهات الاٍرهاب والظلام والاستبداد على حساب تحجيم كي لا نقول تبديد آمال السلام والحرية والتعايش في هذه المنطقة والعالم تالياً.

 

 

عن دور واشنطن في فرعنة أردوغان

الخميس 20 ديسمبر 2018

بينما تنهمك قوات سورية الديمقراطية في حربها ضد داعش وشروعها في تحرير المعقل الأخير للتنظيم الإرهابي بلدة الهجين في ريف دير الزور  أطلق رجب أردوغان تهديده باجتياح مناطق منبج وشرق الفرات أي كوباني والجزيرة وبما يشبه التوطئة لإعادة تكرار سيناريو احتلال عفرين.

فمن بداية العام الحالي ومع بدء غزو عفرين الى التهديد الأخير  التصريحات والتهديدات التركية هي هي والمواقف الأميركية أيضا هي هي الى حد كبير  رغم تواجد القوات الأميركية في هذه المناطق على عكس عفرين فردة فعل العم سام تتراوح بين الإعراب عن القلق الشديد وعدم القبول بالتحرك التركي لوجود جنود أميركان في المنطقة التي تهدد أنقرة بالهجوم عليها قد يتعرضون للأذى وأن الحرب على داعش لم تنتهي بعد كما ورد في مواقف البنتاغون والخارجية الأميركيين خلال الأيام القليلة الماضية.

وبغض النظر عن مدى جدية التهديد التركي من عدمه ثمة اشكالية كبيرة تطال الموقف الأميركي هنا تتصل بحصر  واشنطن الدافع في رفض الهجوم التركي والتحذير منه في جزئية عدم اكتمال الحرب على داعش وكأن الهجوم في حد ذاته لا مشكلة فيه أو أنه لا بأس من الشروع في تنفيذه حالما تضع الحرب على داعش أوزارها ما يشي بانعدام أية مقاربة سياسية أميركية للوضع والتجربة في روج آفا (كردستان سورية) واقتصار  العلاقة والتعاطي على الشق العسكري دونما سياسة مؤطرة ومتكاملة للحماية والدعم  والتبني.

والواقع أن هذه المواقف الهلامية والرمادية من التحالف الدولي وتحديدا من واشنطن وغير الصارمة والرادعة هي تماما ما يحرض أردوغان وملاحقه الإرهابية ويزيده تغولا وتغطرسا في سعيه لاحتلال كامل روج آفا والا فما معنى هذه اللغة الرخوة والمهادنة ازاء طرف معتدي وراع للإرهاب الدولي يقوم على حشد وإعادة تنظيم فلول الجماعات الإرهابية المدحورة كداعش والنصرة والجيش "الحر" للزج بها هذه المرة في مناطق ما يسمى شرق الفرات بعد أن عاثت في عفرين فسادا واغتصابا وقتلا ونهبا واستيطانا.

فكأننا هنا وفي ظل صمت واشنطن كي لا نقول غير ذلك حيال مخطط لتجميع نفايات "الثورة" السورية من قوى تكفيرية إسلاموية وقومجية عروبية وكبها في روج آفا التي يراد لها والحال هذه التحول الى جائزة ترضية وأرض مستباحة لسلطان الاٍرهاب وجماعاته الإرهابية نظير  استسلامها بعد هزيمتها أمام النظام السوري وشحنها في الباصات الخضراء من مختلف مناطق النزاع السورية صوب عفرين كما كان الحال بدايات العام الجاري حين بدأت عملية غصن الزيتون الدموي... العام الذي يحاول أردوغان اختتامه بعملية مشابهة ضد كوباني والجزيرة وبما يحقق أحلامه الدموية المريضة في القضاء على الكرد وابادتهم وقلعهم عن ارضهم ومنعهم من تبوء مكانهم اللائق تحت الشمس.

 

 

عفرين وفضيحة الخريطة

السبت 01 ديسمبر 2018

ليس سرا أن مدينة عفرين الكردية السورية باتت في مهب التتريك الممنهج وآخر حلقاته شروع سلطات الاحتلال في تتريك أسماء القرى والبلدات في عفرين وهي بالمئات لكن المؤسف في المقلب الآخر هو تبلور ملامح إقصاء وشطب كاملين لها من قبل ما تسمى إدارة شمال شرق سورية التي نشرت في فضيحة أخلاقية ووطنية مدوية خارطة لما يفترض أنها مناطق الشمال الشرقي السورية لا تتضمن عفرين .

ومع الاستهجان والاستنكار الشعبيين الكرديين الواسعين لهذه الخارطة العار  أضطرت تلك الادارة الى نشر بيان توضيحي ركيك معنى ومبنى يعج بالأخطاء الإملائية والنحوية ويسرد رواية تبريرية هي أقبح من الذنب عبر الاعتذار عن الخطأ بحسب البيان الذي هو في واقع الحال خطيئة ترقى لسوية الخيانة فان تصدر خريطة تسلخ عفرين وتبترها عن روج آفا (  كردستان سورية ) هو عزف موضوعي مباشر على وتر الاحتلال التركي للمدينة وصب للماء في طاحونة مشاريعه وخططه الاستيطانية الرامية الى تغيير الواقع القومي الديمغرافي للمدينة على ما نشاهد يوميا وبوتيرة متصاعدة .

لكن الابتذال لا يقف عند هذا الدرك والطامة الكبرى تكمن في التبرير المخجل لهذه السقطة الشنيعة عبر. القول أن الخريطة أخذت من شبكة معلومات الإنترنت عبر محرك البحث غوغل فيا له من تبرير متهافت أن تعتمد إدارة تصور نفسها كحكومة على خرائط انترنيتية منشورة كيفما اتفق ودونما أية معايير وضوابط ومراجعات وتدقيقات علمية وقانونية ما يكشف عمق هزال وتدني مستوى المؤسسات الإدارية القائمة في روج آفا ولا نقول شمال شرق سورية فهي سابقة في تاريخ أنظمة الحكم والإدارة أن تعتمد حكومة ما في صوغ واعتماد أدبياتها وخرائطها على الشبكة العنكبوتية ما يكشف عجزها عن مجرد تصميم خريطة وعموما فهذه الادارة أساسا ليست نتاج عملية انتخاب شعبي ديمقراطي ما يفسر  تعاظم سقطاتها المتراكمة وايغالها في التسلط والاعتباط والأحادية لغياب آليات مراقبة ومحاسبة وهياكل منتخبة تصدر قوانين وتشريعات ونظم نابعة عن الإرادة الشعبية ومعبرة عن التعدد المجتمعي .

هذا اذا صدقنا صحة رواية أن الخريطة نشرت وفق عملية قص ولصق على الإنترنت وان لم يكن وراء الأكمة ما ورائها لجهة تغييب قضية عفرين وإدخالها طي النسيان التدريجي وهذه الخريطة ربما كانت مع الأسف خطوة تمهيدية في هذا الطريق الانحطاطي .

 

 

نحن لا نبيع ثوارنا

الأربعاء 14 نوفمبر 2018

كعادتها تبقى مدينة السليمانية سباقة في مواقفها الكردستانية فمع القرار الأميركي برصد جوائز  مادية طائلة لمن يدلي بمعلومات عن أماكن تواجد ثلاثة من أبرز قادة منظومة المجتمع الكردستاني وحزب العمال الكردستاني وهم : مراد قره يلان وجميل بايك ودوران كالكان انتشرت صور لوحة ضوئية على واجهة أحد المطاعم المشهورة في المدينة تتضمن صور القادة الثلاث المذكورين أعلاه ومكتوب تحت صورهم : نحن لا نبيع ثوارنا في جملة تعبر عن لسان حال ملايين الكرد ليس فقط في السليمانية وباشور  ( كردستان العراق ) وإنما على امتداد أجزاء كردستان الأربعة .

وبغض النظر عن حيثيات القرار الأميركي المحابي لارهاب الدولة التركي ومدى جديته كونه قد يكون مجرد قرار  شكلي بلا آليات ملموسة في سياق الغزل المبتذل للعم سام مع سلطان التطرف رجب أردوغان لكنه ومن حيث المبدأ قرار مدان وهو استهداف لعدالة القضية الكردية ككل على حساب التودد لدولة فاشية غدت مهد الاٍرهاب العالمي وممره ومستقره على ما شاهدنا ونشاهد مثلا في سورية حيث أنقرة ممثلة المجموعات المتطرفة وعرابها الرئيس .

لكن ما نحن بصدده هنا رمزية الصورة والجملة المعبرتين عن الوعي الجمعي الكردستاني والمنطلقتين من عاصمة كردستان الثقافية ومهد الفكر القومي الديمقراطي الكردي مدينة السليمانية التي لا زال مطارها منذ أشهر وأشهر عرضة الحصار والمقاطعة التركيين عقابا لها على موقعها الريادي دوما في دعم واحتضان مختلف أجزاء كردستان ونضالها في سبيل حقوقها القومية والديمقراطية المشروعة فهذه المدينة الحيوية والضاجة سياسيا ومدنيا وثقافيا لطالما كانت على الموعد في مختلف المنعطفات والمواقف والمراحل التاريخية والمصيرية العاصفة بالكرد وبلا ريب فان الإنصاف يقتضي الإشارة هنا الى دور الاتحاد الوطني الكردستاني ومدرسة مام جلال الفكرية والنضالية ككل أيضا في تبوء السليمانية هذا الموقع .

فهي والحال هذه ليست مجرد لوحة ضوئية مكتوب عليها جملة احتجاجية وحسب فالعبارة تلك المنقوشة على لسان وفي قلب وعقل كل كردي بل وكل حر مدافع عن قيم العدالة والديمقراطية حول العالم هي الرد والموقف الكردستانيان على القرار  المشين لواشنطن التي تستعدي عبره عشرات ملايين الكرد الذين تشهر لوحة السليمانية وتعلن ردهم وموقفهم القاطعين : نحن لا نبيع ثوارنا .

 

 

بارزاني مشرعناٌ احتلال عفرين

 

السبت 03 نوفمبر 2018

بعد سويعات من احتلال عفرين بادرت الحكومة التركية الى تأسيس ما سمي المجلس المدني لإنقاذ عفرين جمعت خلاله مجموعة من العناصر "الكردية" المرتبطة بأجهزة الاستخبارات التركية من المنضوين والدائرين في فلك المجلس الوطني الكردي ( الأنكسي ) المتورط حتى النخاع في المجهود الاحتلالي لعفرين فعملية الاحتلال صحيح أن الجيش التركي قادها لكن بمعية وإسناد الفصائل الاسلامية المتطرفة التابعة للائتلاف الذي يشكل الأنكسي عضوا أساسيا فيه وجزء لا يتجزأ منه وإلا فأضعف الإيمان كان يقتضي من المجلس الانسحاب من الائتلاف احتجاجا ورفضا لمشاركته في احتلال عفرين وقتل وتشريد وابادة أهلها.

والحال أن الأنكسي أعترف صراحة باشتراك ستة فصائل مسلحة تابعة له في احتلال المدينة الآمنة فضلا عن زيارات ممثليه في الائتلاف لعفرين تحت حراب المحتل التركي وتشجيعه تشكيل المجالس المحلية والإدارية اللاشرعية المتواطئة مع سياسة الاحتلال.

وليس خافيا أن المجلس المدني لإنقاذ عفرين المذكور أعلاه هو أحد التشكيلات الرديفة للاحتلال حيث عقد الاجتماع التأسيسي له في مدينة غازي عنتاب وبرعاية وحماية الدولة التركية في سياق محاولة تشكيل هياكل كردية اسما عبر استقطاب بعض الشخوص بالإغراءات المادية والإدارية وللتغطية على جرائم الحرب وسياسات الإبادة والتغيير الديمغرافي بحق كرد عفرين عبر الادعاء أن ثمة جهات كردية عفرينية ترحب بالاحتلال وتنسق معه وتعمل تحت سلطته كما هي حال مجلس الأنكسي ومن لف لفه.

مناسبة الإشارة الى هذا المجلس المرتبط بالمخابرات التركية هو استقباله قبل أيام من قبل السيد مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في محاولة لإنعاش هذه الجهات التابعة للمحتل التركي والعمل على تسويقها كردستانيا وبطبيعة الحال ليس في الأمر غرابة فحزب بارزاني عراب الأنكسي يعتبر مباركا ومؤيدا احتلال عفرين من قبل تركيا وان مواربة لكن هذا التصريح المباشر بحقيقة موقفه الداعم والمحتضن لقوى مرتبطة بالاحتلال يعتبر إيغالا في سياسات هذا الحزب المندرجة في سياق الأجندة التوسعية الأردوغانية.

لكن لقائل القول أن من لا يرى حرجا في تمدد الجيش التركي واحتلاله مناطق واسعة من باشور ( كردستان العراق ) واقعة تحت سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني من البديهي أن لا يتحرج من اعلان مباركة احتلال تركيا لمناطق في أجزاء كردستان الأخرى كما الحال مع عفرين التي ذرفت عليها دموع التماسيح مدرارا خلال لقاء بارزاني مع وفد ذاك المجلس.

 

عفرين ونفاق العالم

 

الأحد 28 أكتوبر 2018

نصف عام وأكثر على احتلال عفرين من قبل تركيا والجماعات الإرهابية والتكفيرية التابعة لها ولا بوادر في الأفق نحو انتهاء الاحتلال وعودة عفرين لأهلها بل تتواصل الحال على ما هي عليه من ايغال في قمع العفرينيين وابادتهم والعمل المنظم على تغيير الحقائق الديمغرافية والقومية للمدينة وريفها الواسع دون وجود أية ارهاصات حتى لوضع ملف عفرين على الطاولة الدولية اذ ثمة تواطىء على احتلالها وسكوت مبرم من قبل مختلف القوى المعنية سيما روسيا ومن خلفها النظام السوري وإيران أو التحالف الدولي وفي مقدمه الولايات المتحدة الأميركية الذي بات يوغل في سياسة بتر  روج آفا كردستان ( كردستان سورية ) الى شطرين فشرق الفرات شيء وحمايته واجبة وغربه بما فيه عفرين شيء آخر  ولا يعني التحالف المذكور بشيء في تراجيديا مضحكة تذكرنا بثنائية شرقستان وغربستان في فيلم "الحدود" السوري الشهير.

وان كان منطق التحالف الدولي هو اشتراط وجود داعش للتحرك وحماية المناطق فان من يحتل عفرين بمعية جيش الاحتلال التركي وكما لا يخفى مجاميع من تكفيري داعش والنصرة وليس سرا حضور الدواعش الكثيف وبقاياهم وان بأسماء أخرى داخل الجماعات المحتلة لعفرين فمرجعية القتل والإرهاب التي تصدر عنها تلك الجماعات على اختلاف مسمياتها واحدة فهي في واقع الأمر داعشية المبنى والمعنى ولعلنا نتذكر هنا مشهد ذاك الإرهابي باللباس الأفغاني وهو يقف منتشيا على أنقاض حطام تمثال كاوا الحداد وسط عفرين غداة احتلالها.

والحال أن إلقاء نظرة سريعة على طبيعة ارتكابات محتلي عفرين وخطابهم العنصري والتكفيري وحتى هندامهم ومحياهم يكشف عمق ميلهم وتكوينهم الداعشيين ذاك أن الداعشية أوسع وأبعد من مجرد تنظيم واحد بل هي منظومة وعي ارهابي عصابي وقاتل فالتحالف الدولي والحال هذه يبدو في موقف متناقض مغرق في النفاق والتغابي والازدواجية وغياب السياسة المبدئية الواضحة التي تؤطرها استراتيجية متكاملة لمحاربة الاٍرهاب ودحره.

 

 

منصب رئاسة العراق وطائرة بارزاني

الخميس 11 أكتوبر 2018

يقول المثل الشعبي العربي : "ضربني وبكى سبقني واشتكى" وهذا ما ينطبق بحذافيره على الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد خسارته أمام الاتحاد الوطني الكردستاني في معركة انتخاب رئيس الجمهورية العراقية اثر فوز مرشح الاتحاد الدكتور برهم صالح حيث بادر الى التصرف وفق هذا المثل والعمل على تحريف الحقائق وخلط الأمور عبر مواقف وتصريحات متشنجة واستعلائية تنم عن التخبط والغطرسة ولتتوالى البيانات المنددة بعملية انتخاب رئيس الجمهورية بطريقة ديمقراطية الصادرة عن رئيس الحزب الى نائبه وهلم جرا ... لدرجة تمنعهم عن تهنئة الاتحاد وشخص مرشحه الفائز برئاسة العراق بل والتصريح بعدم التعاطي مع الرئيس العراقي الجديد في موقف أقل ما يقال عنه أنه بعيد عن الكياسة والروح الرياضية ومناقض لأبسط قواعد الديمقراطية والسياسة العقلانية والتعاطي الدبلوماسي الرصين في وقت تتوالى فيه برقيات التهنئة للرئيس الجديد شرقا وغربا .

وبغض النظر عن المعركة التي تخللها الوصول للمنصب فان بقاء موقع رأس الدولة بيد الكرد يبقى منجزا ومكسبا قوميا وديمقراطيا كرديا يستوجب الاحتفاء والافتخار .

بيد أن الديمقراطي الكردستاني لفشله في حصد المنصب صار يخبط عشواء عازفا على وتر أن آلية الانتخاب لا تتوافق وإرادة المكون الكردي في حين أن الحزب هو من أخرج الأمر من خيمة الاجماع الكردي ما عنى تلقائيا الركون الى التصويت الحر والديمقراطي من قبل البرلمان العراقي ثم أن مؤسسة الرئاسة تمثل مختلف العراقيين وان كانت من حصة الكرد ما يعني أن من حق البرلمان العراقي انتخاب الرئيس فليس في الأمر بدعة .

والمثير للسخرية أن الحزب الذي أنقلب على الاتفاق مع الاتحاد والقاضي بكون رئاسة الجمهورية من حصة الثاني مقابل رئاسة اقليم كردستان التي تكون من حصة الأول والذي أحدث الشرخ في الموقف الكردي ببغداد يدعي الآن أن الاتحاد هو  من شق الصف الكردي ما تدحضه نظرة بسيطة على حيثيات ما جرى طيلة أسابيع من معركة مفتوحة على المنصب أشعل شرارتها على حين غرة الحزب الديمقراطي لدرجة أن طائرة نائب رئيسه السيد نيجيرفان بارزاني سجلت رقما قياسيا في الذهاب الى بغداد والاياب منها سعيا وراء كرسي قصر السلام البغدادي .

 

 

في استثنائية الاحتلال التركي لعفرين

الخميس 04 أكتوبر 2018

تشهد عفرين تصاعدا في مقاومة الاحتلال التركي عبر عمليات شبه يومية لوحدات حماية الشعب العمود الفقري لقوات سورية الديمقراطية ما يمثل تطورا نوعيا وكميا مهما في التصدي للاحتلال ومرتزقته ممن ما فتئوا يوغلون في ارتكاب شتى صنوف الإبادة والقمع والتغيير الديمغرافي ومختلف أشكال الاضطهاد بحق عفرين بشرا وشجرا وحجرا .

لا شك أنه كان ثمة مقاومة خافتة طيلة الأشهر الماضية ربما بالدرجة الأولى بفعل اعتبارات عسكرية ترتبط بتعقيدات الوضع الميداني واشتراطاته لكن تذليل عقبات تطوير المقاومة العسكرية وتحويلها الى فعل يومي بات ضرورة وجودية تتعلق بانقاذ عفرين ومئات آلاف العفرينيين من خطر داهم يعصف بهم وبالهوية الحضارية والقومية والثقافية للمدينة التي لطالما عرفت بانفتاحها وتطورها الاجتماعيين وبارتفاع منسوب الوعي الحقوقي والديمقراطي لدى أهلها ما يشكل أحد أبرز عوامل استهدافها بهذا الشكل الوحشي من قبل أنقرة والمجاميع الإرهابية التابعة لها كفصائل الائتلاف والقاعدة على اختلاف تسمياتها .

بطبيعة الحال تتعدد أشكال المقاومة والتصدي وهي ليست فقط محصورة في المجال العسكري لكن حيال هكذا قوة محتلة وحيال هكذا جماعات ارهابية وتكفيرية نشاهد يوميا هول وفظاعة ارتكاباتها وجرائمها بحق المدنيين العزل ينبغي وضع المقاومة في شكلها العسكري في مقدمة العمل ضد الاحتلال التركي  - القاعدي وجعل الخيار العسكري على رأس الأجندة اذ لسنا حيال قوة احتلال نظامية مسؤولة وملتزمة بالعهود والقوانين الدولية الناظمة لحالات الاحتلال والتي تضع حدا لإطلاق يد القوة المحتلة كيفما كان الأمر الذي تنتهكه تركيا يوميا بمعيّة صنائعها التكفيرية .

تصعيد العمليات والحال هذه ينبغي أن يكون تراكميا بلا هوادة بما يضع المحتل في حال من الاستنفار والقلق الدائمين ما يسهم في عرقلة وكبح مشاريعه الاستيطانية والإرهابية التي تستهدف عفرين مبنى ومعنى بهدف تعريبها وتتريكها وتحويلها الى مكان مستباح لمجاميع مهزومة تُمارس فيه طقوس همجيتها وانحطاطها وتفريغ شحنات عقدها فكم يبدو مضحكا ان الائتلاف المهزوم القابع في اسطنبول الذي كان يمني النفس بحكم سورية وإسقاط النظام بات محاصرا في مربع عفرين على بعد نحو ألف كيلومتر عن القصر الجمهوري في دمشق كمجرد جيش من المرتزقة وعملاء للاحتلال الأجنبي الذي يستخدمهم لتنفيذ أجنداته وارتكاباته من ارهاب منظم وجرائم حرب ضد الانسانية .

 

تركيا: من قطة مام جلال الكردية الى مطار السليمانية

السبت 11 أغسطس 2018

خلال افتتاحه مشروع توسعة مطار السليمانية الدولي تحدث نائب رئيس حكومة اقليم كردستان العراق قوباد جلال طالباني عن الحصار المتواصل على المطار  منذ أشهر من قبل تركيا وأنه ليس من العدل معاقبة أهل السليمانية على خلفية موقف مبدئي من قبل طرف سياسي وهو الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يعتمد مقاربة ثابتة في دعم واسناد النضال الديمقراطي الحقوقي للكرد في باكور ( كردستان تركيا ) .

والحال أن تصريحات نائب رئيس الحكومة هذه تعد أقوى موقف من الإقليم حيال مضي انقرة في حصارها على السليمانية في خرق واضح للقوانين الدولية الناظمة لحركة الطيران وحرية الأجواء فلتمتنع أنقرة عن التعاطي مع السليمانية جويا لكن ليس من حقها فرض الحظر على الرحلات العابرة عبر أجوائها من والى السليمانية يقول طالباني لكن في المقلب الآخر وبعد مرور نحو ٤٨ ساعة فقط على هذا الكلام تحدث رئيس الحكومة نيجيرفان يارزاني في مؤتمر صحافي بلغة تبريرية منحازة بلا لَبْس للموقف التركي مدعيا أن حجج أنقرة مبنية على أساس ولم تأت من فراغ .

لا شك أن هذا التناقض الكبير بين كلام الرجلين مؤشر الى مدى ايغال الحزب الديمقراطي الكردستاني في الانغماس حتى النخاع في سياق السياسة والأجندة التركيين ومحاولة تحويل كردستان العراق الى حديقة خلفية تركية الأمر الذي يصطدم مع السياسة المتوازنة للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يدير ما تعرف بالمنطقة الخضراء والتي في ظل استعصائها على الهيمنة التركية تعتمد حكومة أردوغان حيالها سياسة الحصار وفرض العقاب الجماعي على مدينة بحجم السليمانية وبكل ما تحمله من رمزية وقيمة قومية وثقافية ونضالية ليس في كردستان العراق فقط بل في عموم أجزاء كردستان .

والحق أن خطاب طالباني الابن ودبلوماسيته المبدئية في دحض الدعاوى التركية يستدعي مباشرة الى الذاكرة منهجية ومواقف الرئيس مام جلال الذي ذاعت مقولته الحازمة عام ٢٠٠٧ ردا على مطالبات أنقرة تسليم قيادات حزب العمال الكردستاني في قنديل مطلقا جملته الشهيرة : لن نسلم قطة كردية حتى .

فالايغال التركي في استهداف الاتحاد الوطني ومعقله : السليمانية بما تمثله من قبلة كردستانية وعراقية حتى بات يستوجب مواقف رادعة صريحة بعكس  موقف رئيس حكومة الإقليم الذي هو في الواقع امتداد لمنهجية أسلافه في قيادة حزبه في التسبيح بحمد أنقرة والعزف على أوتارها والتنسيق معها ضد الكرد في باكور ( كردستان تركيا ) وفِي روج آفا ( كردستان سورية )  كما شاهدنا خلال السنوات الماضية فجدار العزل الأردوغاني على الحدود التركية - السورية كان يبنى على وقع حفر الخنادق مع كردستان سورية على الحدود العراقية - السورية من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني في سياق محاولات حصار التجربة الديمقراطية الكردية في سورية وخنقها اقتصاديا وقس على ذلك .

هي سابقة فريدة في العلاقات الدولية وفِي العرف الدبلوماسي أن يدعم رئيس حكومة الإقليم فرض الحصار على عاصمته الثقافية من قبل دولة أجنبية وأن يسوق المبررات والمسوغات مكررا  ما يردده المسؤولون الأتراك كأننا هنا حيال تصريحات للقنصل التركي في أربيل لا لرئيس حكومة اقليم كردستان .

 

 

في النقاش البيزنطي عن الدستور السوري

الأحد 05 أغسطس 2018

النقاش البيزنطي عن جنس الملائكة الذي غدا مضرب مثل يتكرر في سورية عن جنس الدستور ففي الوقت الذي تغرق فيه البلاد في الدم والارهاب والاستبداد والحرب الأهلية باستطالاتها الإقليمية والدولية وتدور المقايضات والمبايعات والصفقات بين اللاعبين الدوليين والإقليميين الرعاة الرسميين منهم والمستترين للنظام وللمعارضة يبدو تشكيل لجنة إعداد مسودة الدستور كوضع العربة أمام الحصان و كأن اجندة الحل والتوافق والإجماع الوطني وطي صفحة الحرب تبلورت ولَم يبقى الا إكسائها اللحم الدستوري.

ففي ظل عدم الحديث عن ضرورة البدء بعملية سلام ومصالحة ومعالجة ندوب الحرب وما خلفته من تصدعات في النسيج الوطني والمجتمعي وتسوية ملفاتها يبدو النقاش الدستوري موغلا في الشاعر.ية واللاواقعية والتذاكي والقفز في الهواء.

والحال أن الدستور بهذه الطريقة السوريالية التي يجري الحديث عن اعداده وبلورته لن يعدو كونه اعادة انتاج للاستبداد بمخرجات جديدة شكلا لا مضمونا فالكل يضحك على الكل ويناور  ويتكتك: المجتمع  الدولي وقواه الفاعلة والقوى الإقليمية والنظام ومعارضته بليغة الشبه بجنسه الاستبدادفي في انتظار حسم الأمور عسكريا على الأرض حيث درعا والقنيطرة والجنوب السوري ككل آخر حلقة في سلسلة اعادة بسط النظام سيطرته على البلاد وبتوافق دولي - إقليمي لا يخفى مع اقتسام مناطق نفوذ ومحميات وحصص بين مختلف اللاعبين وجوائز ترضية وأكباش فداء.

وفِي الأثناء يتم إطلاق يد أنقرة في مناطق روج آفا ( كردستان سورية ) وعموم الشمال السوري بغية كبح جماح التجربة الواعدة الوحيدة التي كان من الممكن البناء عليها والتي هي بدورها بعد احتلال عفرين واتفاق منبج وتوالي التنازلات من قبل الادارة الذاتية من التخلي عن الفيدرالية والانحدار الى سوية وصفة المواطنة المتساوية والحديث الهلامي عن سورية ديمقراطية لا مركزية في انشاء لغوي لا يحدد البوصلة والهدف فهي والحال هذه باتت وسط الضغوط والحصار في وضع عصيب ملؤه انسداد الآفاق ومرارة الخيارات

فمع تولي أنقرة مهمة اجهاض وتقليم أظافر التجربة الكردية في سياق لعبة توزيع الأدوار والمهام بين المعنيين الدوليين والإقليميين واستمرار النظام في اعادة تأهيل نفسه برعاية دولية وان مواربة يغدو حديث الدستور لغوا محضا وبمثابة ذَر للرماد في العيون ريثما تنقشع مترتبات ووقائع الصفقات على حساب السوريين وتغدو أمرا واقعا حينها سيتلاشى تلقائيا ترف نقاش الدستور الذي لن يكون مصيره بأفضل حال من مصير دستور مسرحية "غربة " السورية الشهيرة عندما نعاه ياسر العظمة ودريد لحام  بالقول : الدستور أكله الحمار.

 

 

عن عنصريتنا التي نخالها مقنعة

الثلاثاء 31 يوليو 2018

انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي العربية والكردية تعابير استهزاء وتهكم حول التنوع العرقي الطاغي في تشكيلات الفرق الرياضية المتنافسة في مونديال كأس العالم ٢٠١٨ لا سيما الأوروبية منها في ظاهرة جديرة بسبرها والتمعن في مضامينها فمختلف المنتخبات الأوروبية خاصة الإسكندينافية منها والغربية تميزت بتنوع خلفيات لاعبيها العرقية الشديد في علامة صحية تستحق بداهة الاشادة وليس الاستهزاء حيث اللاعبون : الأفريقي والجنوب شرق آسيوي والامازيغي والعربي ... جنبا الى جنب مواطنيهم وزملائهم في الفرق الأوروبية يسطرون ملاحم كروية ابداعية ويستحوذون على المربع الذهبي اذ احتكرت أوروبا بمنتخباتها دوري الأربعة في البطولة  ما يؤشر الى مدى بلوغ دولة المواطنة والمساواة مبلغها المؤسساتي الناجز

والجميل أن صناع النصر في هذه المنتخبات هم في غالبهم من اللاعبين المتجنسين  ممن يتحدرون من أصول أجنبية كما حال مجموعة من اللاعبين ذوي الأصل الأفريقي في منتخب فرنسا  الذي بات وللمرة الثانية بطل العالم لكرة القدم

واقع الحال أن هذه الظاهرة اللافتة هذا المونديال لا يمكن فصلها عن مؤثرات حقب الاستعمار والانتداب فمثلا تتحدر نسبة وازنة من لاعبي الفريق الفرنسي من مستعمرات فرنسية سابقا وهكذا لكن بدلا من أن تشكل هذه الظاهرة الهاما وحافزا لمجتمعاتنا نحن خاصة لتجاوز عقد النقص والدونية والتنابذ والسمو فوق النزعات العنصرية نرى العكس تماما فنحن الذين لطالما نصف الغرب بالعنصرية والاستعلاء ها نحن نمارس فعل الاستهزاء بحق فريق حصد كأس العالم بتشكيلة متناغمة موزاييكية فقط لكون أبرز نجومه سودا وأفارقة بالأصل ما يكشف وللمرة المليون حجم النفاق والازدواجية التي تعانيها مجتمعاتنا المأزومة التي ربما في محاولة لامتصاص عقدة العجز عن حصد هذه الكأس أو بلوغ مراحل البطولة المتقدمة نمارس كالعادة العنصرية الفاضحة التي تخال نفسها مقنعة لدرجة أن بعض التعليقات أتت على شكل : أخيرا افريقيا حصلت على كأس العالم فالأمر ولا ريب أكبر من مجرد خربشات تواصل اجتماعي أو حديث مقاهي شعبية إنما هو تعبير عن وعي عام عصابي لا يكف عن القطع مع كل ما هو إيجابي وانساني تفاعلي وتكاملي وعن السعي الدائم الى الحط من شأن مركزية الحضارة الأوروبية التي ليس سرا أن فرنسا مهدها التكويني في محاولة للتعويض الوهمي اليائس عن العجز والفشل الحضاريين المبرمين

على أن نجاح مواطنين فرنسيين وإنكليز وسويديين ... من أصول متنوعة في الوصول الى قمم الرياضة الوطنية والعالمية مؤشر الى تقدم وتكرس قيم التشارك والتكامل في التراكيب الاجتماعية والوطنية لهذه البلدان التي تجاوزت العرقية والعنصرية ويمكن لأي مقيم فيها استحصال جنسياتها خلال بضع سنوات قليلة من الإقامة بعكس دولنا التي تحرم حتى أبناء الزوجة المواطنة من الحق في الحصول ع جنسية بلد الأم وقس على ذلك

على أنه في موازاة ذلك فان الترحم على زمن الاستعمار الجميل من قبل الشعوب الخاضعة للاستعمار ذات حقبة والتي أستقلت ولَم تتحرر لم يعد سرا ولعل من أبرز  تجلياته أن بلدانا كانت مستعمرات فرنسية خرجت فيها مظاهرات فرح وغبطة احتفالا بحصد المنتخب الفرنسي للقب الرياضي العالمي الأهم فنحن هنا  أمام سقوط مبرم لسرديات وشعارات أبلسة الاستعمار الغربي الأوروربي ولعنه بمناسبة وبدونها وتحميله وزر الفشل والإخفاق في بناء دول تعاقدية مؤسساتية بعد مرحلة الاستقلالات فالدولة المستعمرة ليست كلها شرا مطلقا بل يمكن الاستفادة منها جنبا الى جنب نقد وتفكيك سردياتها الاستعمارية بل ومحاكمة ارتكاباتها حتى فماذا لو تم الاقتداء بنموذج الحكم الرشيد والتداول على السلطة وفصل السلطات وتكريس النظام الديمقراطي التعددي الذي يميز كبريات القوى الاستعمارية الغربية فنحن نستورد كل شيء من هذا الغرب سوى الديمقراطية  

وأن يحتفل أفارقة ومغاربة وتوانسة ولبنانيون بفوز فرنسا فهذا مؤشر صريح الى أن ثمة نوستالجيا ما ليس للاستعمار بمعناه السلبي الاحتلالي المباشر إنما لواقع التقدم الحضاري الذي يجسده ذاك المستعمر والذي يوفر آليات حتى لمحاكمة الحقب الاستعمارية في عقر دار  كبريات الدول الاستعمارية بينما يبقى الاستعمار  في وعينا وفِي يومياتنا الشماعة الأثيرة التي نعلق عليها إخفاقاتنا الوجودية  الممتدة من الفشل في بناء تعاقدات وطنية الى الفشل في مجال الخدمات والتعليم والطبابة والرياضة عامة وكرة القدم خاصة.

هذا الملمح الكوزموبوليتي الطاغي على منتخبات الدول الأوروبية تحديدا ظاهرة جديرة بالبناء عليها لجهة تعزيز مناخات الاندماج والتواصل والتعايش ليس على صعيد بلدان القارة العجوز فقط بل هو درس لنا جميعا حول العالم مفاده أن التعدد والتنوع والانفتاح وتكافؤ الفرص وتنمية روح المبادرة الفردية التي تجعل لاعبا مهاجرا متحدرا من بيئات مدقعة يصل لعرش الكرة العالمية  مجلبة سعد وانجاز فمن مبابي الفرنسي الى لوكاكو البلجيكي الى رحيم الإنكليزي كم كان جميلا وعابقا بالدلالات السامية أن لاعبين سودا وسمرا أفارقة وكاريبيين ... في الأصل هم رأس حربة منتخبات أوروبا التي لطالما اقترنت في وعينا بالانسان الأبيض العنصري مصاص دم الشعوب والرأسمالي الجشع الذي ها هو يهلل لمواطنه الأسود البشرة بينما نحن نسخر من اللاعبين الملونين ونعتبر وجودهم طعنا في أصالة ونقاء منتخبات كفرنسا وانكلترا وبلجيكا ... لا شيء جديد ولا غريب في ذلك فمجمل مقارباتنا وحركاتنا وسكناتنا تدور في هذا الفلك : الانفصام عن الواقع والتناقض وتوهم العظمة واحتقار الغير والحط من شأنهم وإنجازاتهم عبر إطلاق العنان لترساناتنا الكلامية البليغة في الإنشاء اللغوي ودوما على حساب الإنشاء الحضاري

 

انتخابات العراق وضمور التيار الاسلامي

الخميس 26 يوليو 2018

لعل من أهم ما تمخضت عنه انتخابات العراق الأخيرة في شقها الكردستاني تراجع التيار الاسلامي السياسي تراجعا حادا هو الذي أساسا لم يكن بتلك القوة لكن هذه المرة هبطت أسهمه الانتخابية بشكل لافت بحيث لم يحصد سوى 4 مقاعد عبر الحركتين الاسلاميتين الأكبر : الجماعة الاسلامية والاتحاد الاسلامي والأخير هو بمثابة الفرع الكردي العراقي لجماعة الاخوان المسلمين .

وان كان تراجع التيارات الاسلامية ظاهرة شبه عامة على امتداد المنطقة بعد انغماس التيارات الاخوانية والقاعدية بتنويعاتها الداعشية وغير الداعشية في الحروب الأهلية وتدمير بلدان ومجتمعات بأكملها في سياق الصراع على السلطة ومحاولات فرض النماذج الأحادية وتصوير الخيار الاسلامي وكأنه البديل الوحيد عن الأنظمة العسكرية والاستبدادية في المنطقة في تخادم دموي بين قوى الاسلام السياسي والجهادي وتلك الأنظمة المأزومة التي قدمت لها التيارات الاسلاموية طوق النجاة ومدتها بأسباب الديمومة ولو على ركام دولها وجماجم شعوبها .

لكن التيار الاسلامي بداهة تيار ضعيف وثانوي في كردستان كما سبقت الاشارة بحكم جملة عوامل سوسيولوجية وتاريخية ترتكز الى سيادة الخطاب التحرري القومي في الوسط الكردي بطريقة تحول بقية الخطابات الى هوامش ولكون القضية الكردية في جوهرها قضية تحرر وطني ديمقراطي فالكرد الذين لطالموا كانوا ضحية العسف والارهاب والابادة في الدول المقتسمة لهم تارة تحت ستار القوميات الحاكمة وتارة تحت ستار الدين وتارة ثالثة تحت الستارين معا على ما نشهد منذ عقود في ايران الخمينية وعلى ما نراه في تركيا الأردوغانية أيضا التي تعتمد المقاربة الفاشية القومودينية في التعاطي مع الملف الكردي وليس تفصيلا هنا اندراج حزب الحركة القومية المتطرف في تحالف عضوي مع حزب العدالة والتنمية أسه وأساسه كيفية القضاء على المد الكردي المتصاعد في المنطقة .

على أن تراجع مقاعد الإسلاميين الكرد في العراق يرجع وبشكل كبير الى كون الكرد طيلة الأعوام الماضية كانوا الهدف الأول للتنظيمات التكفيرية الارهابية وقد دفعوا آلاف مؤلفة من الضحايا في مقارعة هذه الجماعات وبخاصة تنظيم داعش الذي ليس سرا أن القوات الكردستانية ان في روج آفا ( كردستان سورية ) أو في باشور ( كردستان العراق ) هي من وقفت في الخندق الأول في الحرب عليه ودحره تاليا من كوباني الى كركوك ما أسهم في تعرية خطاب الاسلام السياسي تماما المراوغ والملتبس ( بل والمتواطىء حتى مع حملات الاحتلال والابادة ضد الكرد على ما شاهدنا في عفرين فموقف علي القره داغي مثلا شكل عينة صارخة في مباركته الغزوة الأردوغانية ) على صعيد الرأي العام الكردستاني عامة وعلى صعيد الكتلة التصويتية الاسلامية خاصة الأمر الذي أنعكس هبوطا حادا في الترجمة الانتخابية لواقع حال نبض الشارع وهو تطور ايجابي كبير يقطع دابر محاولات تسمين التيارات الاسلاموية في كردستان القائمة على قدم وساق ومنذ تشكل التجربة الديمقراطية الفيدرالية في باشور ( كردستان العراق ) .

 

 

الجمهورية السلطانية

الجمعة 20 يوليو 2018

كما كان متوقعا فاز رجب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة بالتحالف مع حزب الحركة القومية الفاشي وزعيمه دولت باخجلي في فوز ليس كأي فوز فتركيا من الآن وصاعدا دخلت مرحلة النظام الرئاسي السلطاني اذ كل شيء تقريبا بات في يد الرئيس الأوحد بما في ذلك تشكيل الحكومة وحل البرلمان وتعيين الوزراء حيث لن يكون هناك رئيس وزراء بل رئيس الجمهورية هو بمثابة رئيس الحكومة ... هو الدولة والدولة هو يختزل جل السلطات في نكوص خطير عن النظام البرلماني والمؤسساتي لصالح صعود النزعة الامبراطورية الشعبوية التي تتجسد في شخص الزعيم الملهم الذي أبتعثته العناية الالهية ولعل الأغاني المتغنية بأردوغان خلال هذه الحملة خير مثال على مدى استفحال حال تضخم الأنا الأردوغانية .

فالتحالف القوموديني المنتعش على وقع سياسات التوسع والاحتلال والابادة ضد الكرد بالدرجة الأولى ها هو يدشن بدء العصر السلطاني قانونيا ورسميا وبالتفويض الشعبي ومهما قيل وبحق عن حصول عمليات التزوير الواسعة وحملات الترهيب بل والابادة السياسية ضد الكرد خصوصا وضد مختلف التيارات العلمانية والديمقراطية على ضعفها وهوانها وتوظيف وتسخير سلطات الدولة ومقدراتها لخدمة الحملة الانتخابية الأردوغانية لكن ثمة حقيقة مرة مفادها أن غالبية الأتراك أختارت مجددا أردوغان بما يحمله من سياسات ومشاريع قاتلة ومن سجل أسود ومن بصمات دموية في عموم المنطقة سيما في سورية فضلا عن شروعه في تأميم الحياة البرلمانية والصحافية والأكاديمية وحتى الاقتصادية في تركيا عبر اعتقال وحبس وفصل عشرات كي لا نقول مئات آلاف الموظفين والمعلمين والاعلاميين والأكاديميين والبرلمانيين ورؤساء البلديات والفنانيين حتى في سياق تكريس النظام الأحادي الفردي الذي يعمل على بسط سيطرته على مختلف مفاصل الاجتماع والفضاء العام .

ليس سرا أن أهم عوامل ودوافع التعجيل بالانتخابات الأخيرة هو استثمار احتلال عفرين والاتفاق مع واشنطن في منبج والذي أعلن عنه قبل بضع أيام من الاقتراع في دعاية انتخابية فاضحة لحزب العدالة والتنمية من قبل التحالف الدولي ضد الارهاب وفي مقدمه واشنطن فالنصر الأردوغاني هذا أتى والحال هذه على الحراب وظهور الدبابات وعلى جماجم وعذابات مئات آلاف العفرينيين ممن يعيشون الآن في مخيمات العراء ومن بقي منهم يتعرضون لشتى صنوف الاعتداء والامتهان في سياسة مبرمجة وهو قد نجح في ذينك التوظيف والاستثمار وفي تدشين النظام الفردي وتقمص لبوس السلطان العثماني الجديد.

فنحن والحال هذه حيال فاشية عارية تماما ستزداد تغولا وتوغلا في بلدان الجوار سيما من بوابتي باشور وروج آفا ( كردستاني العراق وسورية ) وانفلاتا من كل عقال وكما جاري العادة التاريخية التركية على امتداد الحقب العثمانية والكمالية والأردوغانية فان الكرد ليس فقط في حدود الجمهورية السلطانية بل في مختلف الدول المقتسمة لهم هم ميدان تجاربها وتطبيقاتها الأثير .

 

الكرد: لا لداعش

 

01 يوليو 2014

"كركوك في حضن كردستان"، ليست مجرد دعابة، بل هي أقرب إلى توصيف واقعي، المقولة رائجة حقاً هذه الأيام في كردستان العراق، في الشارع والإعلام الكرديين، وتم تداول صور لكتابات على الجدران، تحيل إلى استعارةٍ مفادها بأن داعش طبقت المادة 140 من الدستور العراقي، على خلفية محاولاتها احتلال المناطق الكردستانية خارج الإقليم، مما دفع لتحرك قوات البشمركة نحو تلك المناطق، لحمايتها من غزو قطعان دولة داعش القاعدية.

باتت هذه المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، تحت السيطرة الكردية، حيث ثمة، الآن، في جنوب كردستان تعبئة قومية داعمة للبشمركة في تصديها لتلك العصابات، وحمايتها حدود جنوب كردستان، من شنكال إلى جلولاء، بل ثمة تبلور متصاعد لموقف كردستاني عام، يشدد على مقاومة داعش والتصدي لها، إن في كردستان سورية، أو في كردستان العراق.

قوات الـ(كريلا) والـ(بيشمركة) ووحدات حماية الشعب، وعلى رأسها أيضاً، موقف منظومة المجتمع الكردستاني (KCK)، التي أبدت استعداد قوات الكريلا للدفاع عن تجربة الجنوب الكردستاني الديموقراطية من كركوك إلى شنكال. وفي الإطار نفسه، مواقف الإدارة الذاتية الديموقراطية في كردستان سورية، ووحدات حماية الشعب (YPG) التي اتخذت موقفاً سيسجله التاريخ الكردستاني، كأحد المحطات الناصعة والفارقة، حيث قرنت تلك الوحدات القول بالفعل، وسارعت إلى رفد قوات البيشمركة ومؤازرتها، في وجه داعش وحلفائها، إن في مناطق شنكال أو في معبر تل كوجر – الربيعة، حيث سارعت الوحدات إلى تأمين المعبر من الجانبين، وبالتعاون والتنسيق مع البشمركة، فالبنادق الكردية توحدت هنا، وكان واضحاً تشديد القيادة العامة لوحدات حماية الشعب على وقوفها في خندق واحد مع كردستان العراق، تلك الوحدات التي تخوض مقاومة ضارية ضد إرهاب داعش، وحروبها التكفيرية، منذ نحو عامين، على امتداد جغرافية المنطقة بمجملها.

والحق أن المطلوب، الآن، يتلخص في الحاجة إلى ترجمة هذه الوقائع الميدانية إلى واقع سياسي، راسخ ومتين، يفرز استراتيجية عمل وتكامل كردستانية، من شأنها أن تشكل شرطاً لمواجهة الكرد للتحديات الجسام، والمؤامرات الشرسة التي تستهدف مكتسباتهم وتجاربهم الديموقراطية، في جميع مناطق كردستان، من دون إغفال تركيا أيضاً، حيث يدير الكرد الآن عشرات البلديات.

مما لا شك فيه أن الغزو الداعشي، والتلاحم الكردي في وجهه، يشكل مدماكاً قوياً للبناء عليه، وتطوير مساحات وفضاءات للتعاون والتنسيق بين القوى الكردستانية الرئيسية، على امتداد "الوطن الكردستاني الممزق".

داعش تشكل خطراً داهماً ومباشراً على المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، ولا سيما كركوك الغنية بالنفط، كونها الآن على تخوم كردستان، وثمة تصادم بين البيشمركة وداعش في تلك المناطق، فالفرصة غدت سانحة للكرد، لكي يفرضوا أمراً واقعاً، يستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، ويستند، علاوة على ذلك، إلى قوة الحق الدستوري، عبر المادة 140، خصوصاً وأن المكونات الأخرى في تلك المناطق الكردستانية، كالعرب والتركمان، ترحب، في مجملها، بتطبيق المادة، وهذا يقتضي من الكرد العمل على طمأنة هذه المكونات المجتمعية أكثر فاكثر، وإشراكها في إدارات هذه المناطق، وقطع الطريق أمام إثارة النعرات بين هذه المكونات، وعليه، فالمهم هنا الثقة بالنفس.

تغيرت الظروف موضوعياً وذاتياً بشأن الكرد، فهم يمثلون، الآن، قوة مهمة على صعيد الإقليم الشرق أوسطي، يستحيل تهميشها وشطبها من المعادلات الإقليمية والدولية، فبعد أكثر من عقد في انتظار تطبيق المادة 140، بات من حق الكرد استرجاع أراضيهم وحقوقهم المغتصبة. وهنا، فإن المواقف الدولية والإقليمية ستتأثر إلى حد بعيد بمدى حزم الكرد وتشبثهم بحقهم، وعدم المساومة عليه، أما انتظار أن يقدم الآخرون لنا حقوقنا على طبق من ذهب، فهذا مجرد عبث، في ألطف توصيف.

لعل الخطوة الأهم، الآن، بعد إحكام البيشمركة سيطرتها على هذه المناطق، مدعومة بالالتفاف الشعبي العارم حولها، وبوجود حاضنة اجتماعية لها لا تقتصر على الكرد فقط، بل تشمل، وإلى حد ملحوظ، مختلف المكونات، هي العمل على إجراء استفتاء حر وشفاف، تحت رقابة أممية في تلك المناطق، وأن تحتكم لخيار المجتمع أولاً وآخراً.

 

 

الكرد والهولوكوست الداعشي

  الجمعة 29 آب 2014

مثّلت مجازر شنكال ذروة الارتكابات التعريبية التكفيرية على يد «داعش» وأخواتها بحق الكرد، والمتواصلة منذ عامين في غرب كردستان (كردستان سوريا)، ومنذ أكثر من شهرين في جنوب كردستان (كردستان العراق). فشنكال هي حلبجة الثانية... حلبجة القرن الحادي والعشرين حيث آلاف مؤلفة من الضحايا والجرحى والمفقودين والمختطفين وسط صمت عربي وإسلامي مطبق يعيد الى أذهاننا الصمت التواطئي مع نظام صدام حسين حيال مجزرة حلبجة وحملات الأنفال السيئة الصيت.

فبعد أكثر من ربع قرن على تلك المجازر والمذابح التي شكّلت إبادة جماعية موصوفة، ها هو التاريخ يعيد نفسه، ولتبعث تلك المجازر حية على يد تحالف داعش وبقايا البعث. وتتجسد مجدداً واقعاً في شنكال، حيث ما يحدث في ألطف توصيف جريمة ضد الانسانية كاملة الأركان؛ فالقتل والخطف والذبح على الهوية في محاولة محمومة لكسر رمزية شنكال الكردستانية بأبعادها التاريخية والثقافية والدينية. فهؤلاء إذ يستهدفون شنكال بهذا الشكل الوحشي إنما يحاولون اجتثاث التاريخ والهوية والوعي والذاكرة في كردستان.

هي حملات إبادة جماعية نعم، لكن ثقافية وهوياتية أيضاً ترنو إلى الاستئصال الكلي وطمس كافة معالم الوجود القومي والديني والثقافي في شنكال خاصة، وفي عموم كردستان.

وقبل كمّ الألم الهائل على خلفية الفظاعات المهولة الناجمة عن غزو شنكال من قبل قطعان داعش البعثية ــ القاعدية، جاء الانسحاب الغريب لقوات البشمركة منها (الأمر الذي أثار وما زال علامات استفهام كبرى، وخاصة أن داعش منذ نحو شهرين، هي على تخوم شنكال). والقاصي والداني يعرف أن «داعش» يتربص بها لأهميتها الاستراتيجية والرمزية، لكن في هذه اللحظات الصعبة حيث ثمة جبهة حرب مفتوحة ضد كردستان على امتداد أكثر من ألف وخمسمائة كيلومتر من عفرين في أقصى غرب كردستان الى خانقين في أقصى جنوب كردستان، ليس من الحكمة، أقله الآن، الخوض في خلفيات ذاك الانسحاب، إذ ينبغي العمل اليوم على ترجمة التوحد العسكري الكردستاني في ميادين المقاومة، حيث تتعانق بنادق وحدات حماية الشعب (YPG) وقوات الدفاع الشعبي (HPG) وقوات البشمركة، من شنكال الى جلولاء، الى توحد سياسي مؤطر استراتيجياً، وهذا وحده المؤتمر القومي الكردي المعطلة أعماله منذ الصيف الماضي كفيل بتحقيقه وإنجازه.

ومن هنا، ما يحدث في شنكال حرب وجود كردستاني، وهي خندق الدفاع الأول عن كلتا التجربتين الديموقراطيتين في جنوب كردستان وفي غربها، إذ ليس سراً هنا أنّ أحد أبرز أهداف احتلال شنكال هو تضييق الخناق على تجربة الادارة الذاتية الديموقراطية في روج آفا ــ غربي كردستان (كردستان سوريا) وإقامة جدار عزل داعشي بينها وبين جنوب كردستان.

ولا ريب في أن أكلاف الهولوكوست الداعشية في شنكال كانت أضعافاً مضاعفة لولا تدخل وحدات حماية الشعب التي سارعت إلى ملء الفراغ الناجم عن انسحاب قوات البشمركة، ولتلحقها قوات الدفاع الشعبي الكردستاني، إذ ساهمت وحدات حماية الشعب ليس فقط في حماية الناس وتأمين ممرات آمنة لهم الى روج آفا حيث نزح أكثر من مائة ألف عبر تلك الممرات، بل وهذا الأهم هو دعمها لتأسيس وحدات مقاومة شنكال التي تنتظم الآن مع وحدات حماية الشعب وقوات الدفاع الشعبي في إطار القوات الكردستانية المشتركة المقاتلة ضد الغزو الداعشي، وتشهد انضماماً متعاظماً من الشنكاليين إلى صفوفها، وليس في استعراض ذلك أي منّة أو تكرّم بل هو واجب أدته وستؤديه روج آفا ووحدات حمايتها.

ففور احتلال داعش للموصل قبل نحو ثلاثة أشهر، سارعت تلك الوحدات الى الإعلان الرسمي عن أنها تقف في خندق واحد مع جنوب كردستان في وجه الإرهاب الداعشي رغم محاولات بعض الجهات السياسية والاعلامية في هولير (أربيل) حجب شمس دور تلك الوحدات الساطع في التصدي لداعش ومقارعته من ربيعة الى شنكال بغربال مهلهل.

* كاتب كردي

 

 

مام جلال هنا... وثورة روج آفا في ذكراها الثانية

الإثنين 28 تموز 2014  00:00

في التاسع عشر من تموز (يوليو) عاد رئيس جمهورية العراق الفيدرالي مام جلال الطالباني سالماً معافى الى جنوب كردستان (كردستان العراق) عبر السليمانية بعد نحو عام ونيف من العلاج في ألمانيا، وفي جزء آخر من كردستان تصادف الذكرى الثانية لثورة روج آفا – غرب كردستان (كردستان سورية) التي بدأت قبل عامين في 19 تموز 2012، وتكللت باعلان الادارة الذاتية الديموقراطية مطلع العام الجاري في الكانتونات الثلاثة (الجزيرة وكوباني وعفرين). العيد عيدان، لا سيما أن مام جلال رغم غيابه للعلاج الا أن بصماته كانت واضحة في تعاطي حزبه مع تلك الثورة ومع التجربة الديموقراطية الناشئة في "روج آفا".

ذاك الغياب الذي أتى، وللأسف، في ظل التحولات والمخاضات الكبرى التي تعيشها كردستان والعراق والمنطقة ككل، ما أثّر سلباً في كافة الصعد الكردستانية والعراقية والاقليمية. فوجود الرجل في هذه الفترة الحساسة والعاصفة ملح - بل وملح جداً - (لنتذكر أن رفعه اصبعه المغمس بالحبر الانتخابي البنفسجي قبل بضعة أشهر انعكس كعامل اساسي نهوضاً عارماً لحزبه في الانتخابات الأخيرة ان على صعيد العراق أو مجالس محافظات اقليم كردستان. ذاك الاصبع حصد نحو 200 ألف صوت بعد الكبوة الانتخابية لجواد الاتحاد الوطني في انتخابات برلمان الاقليم العام الماضي). فالتناقضات العراقية ما كانت لتصل على الأرجح الى هذا الدرك، وتتحول الى أزمة وجودية متشابكة مع الحرب المذهبية المستعرة أوارها في سوريا لو أن صمام أمان العراق كان حاضراً، وهو وجود ملح لتكريس وحدة الصف الكردي وبلورة استراتيجية كردستانية جامعة للتعاطي مع الاستحقاقات التاريخية الداهمة التي نحن حيالها في أجزاء كردستان كافة. ويقيناً ان المؤتمر القومي الكردي ما كان ليتعثر وتعلق أعمال اعداده، ويقيناً ما كان لطرف كردستاني عراقي أن يتمادى في محاولاته لمعادة ثورة روج آفا ومحاصرتها، ويقيناً لكانت عملية السلام في شمال كردستان (كردستان تركيا) قد خطت خطوات أكبر ولكان ايقاعها أسرع كون مام جلال مهندس عملية السلام تلك منذ اطلاقها قبل نحو عشرين عاماً مع صاحب المبادرة السروك آبو.

فالاتحاد الوطني، وعلى هدى روحية مام جلال الكردستانية الفاعلة لا المنفعلة ونهجه الاشتراكي الديموقراطي التحرري، كان سبّاقاً في دعم ومؤازرة ثورة روج آفا وتجربتها الديموقراطية. لكن لا شك في أن ذينك الدعم والتأييد مع العودة المباركة لفخامته سيتكرسان أكثر فاكثر، فسياسة الخط الثالث التي انتهجها الكرد في سورية (وكان لحركة المجتمع الديموقراطي ومجلس شعب غرب كردستان شرف سكها واعتمادها) هي متسقة تماماً مع المنهجية السياسية لطالباني في لعبه دور ضابط الايقاع العراقي وتعاطيه المحنك مع التوازنات والاصطفافات والصراعات المذهبية والطائفية في بلاد الرافدين والمنطقة ككل، ما جعل الكرد بيضة القبان المرجحة كفة المشروع الديموقراطي التعددي التوافقي الاتحادي.

وهذا بالضبط ما ينص عليه العقد الاجتماعي لكانتونات روج آفا في تأكيده القاطع أن تكون سوريا المستقبل ذات نظام حكم ديموقراطي تعددي اتحادي توافقي، فثورة روج آفا التي وحدها مثلت كنه الربيع الحقيقي في المنطقة بوصفها ثورة مجتمعية كبرى تمخضت عنها الادارة الذاتية الديموقراطية وبالتشارك مع مختلف مكونات روج آفا، تمثّل ترجمة لرؤى مام جلال بوصفه رائد المدرسة الاشتراكية الديموقراطية في الحركة التحررية الكردستانية وقائد الثورة الكردستانية الجديدة في جنوب كردستان. وتبقى عودة مام جلال عامل طمأنة وارتياح ومدعاة تفاؤل وانفراج لجهة أن لروج آفا سند مكين لها في جنوب كردستان. هو مام جلال ليس بشخصه فقط بل بالمنظومة القيمية والفكرية والنضالية التي يمثلها ويرمز لها، فالرجل أكبر من أن يكون ملكاً لحزب أو حتى لجزء واحد فقط من كردستان. هو رمز عابر للأجزاء الأربعة من كردستان، وكما كان دوماً داعماً لنضالات الكرد وحقوقهم في تلك الأجزاء، فهو لم ولن يبخل بالدعم على الجزء الأصغر من كردستان. فليس سراً أن روج آفا بثورتها ومقاومتها ونظام ادارتها الذاتية الديموقراطية غدت أيقونة كردستان الكبرى والدينامو المحرك للربيع الكردستاني على امتداد المربع من قامشلو الى آمد فمهاباد وهولير.

* كاتب كردي

 

من سري كانيه إلى خانقين: العدو واحد والمعركة واحدة

الإثنين 16 حزيران 2014

يتصاعد الخطر الذي تمثّله الدولة المسخ (داعش) في نينوى وصلاح الدين وديالى مع اعلان هذه المحافظات ولايات تابعة لها (وكلها مناطق تماس متاخمة لاقليم كردستان العراق). ويستهدف هذا التنظيم الارهابي المناطق الكردستانية المستقطعة خارج الاقليم، لا سيّما في خانقين وطوزخورماتو وجلولاء، وخصوصاً مقار الاتحاد الوطني الكردستاني في محاولة واضحة للانتقام من هذا الحزب على خلفية مواقفه القومية المبدئية في دعم الادارة الذاتية الديمقراطية في «روج آفا» (غرب كردستان) ودعم المقاومة الملحمية بقيادة وحدات حماية الشعب (YPG) في وجه «داعش» وأخواتها التعريبية التكفيرية منذ أكثر من عامين.

تلك المواقف كان لها دورها المشهود في النصر العارم للاتحاد الوطني الكردستاني في الانتخابات الأخيرة إن على صعيد جنوب كردستان والعراق ككل أو على صعيد انتخابات مجالس محافظات الاقليم.

ففي ظلّ هذه الأجواء وتصاعد المدّ الحربي الداعشي المتربصّ بكردستان على طرفي الحدود بين العراق وسوريا، تتأكد مرة أخرى حقيقة أنّ الأمن القومي الكردستاني كل لا يتجزأ من سري كانيه إلى خانقين. إذ أنّ وحدات حماية الشعب - ونقولها للمرة الألف - تمثّل خطّ الدفاع الأول عن أجزاء كردستان كافة، لا سيما جنوب كردستان (كردستان العراق)، من خلال تصديها ودحرها المتواصل لجحافل الظلام الداعشية والقاعدية على امتداد جغرافية «روج آفا»، من عفرين إلى ديريك.

استراتيجة «داعش»قائمة على توأمة جهودها الإرهابي في البلدين إذ أنّ «داعش» بالتعريف منظمة ارهابية عابرة للحدود العراقية – السورية، ومضمار نشاطها الظلامي هو العراق وسوريا على حدّ سواء، بل إنّ استراتيجيتها قائمة على توأمة مجهودها الارهابي في البلدين والعمل على وصل مناطق نفوذها على طرفي الحدود. ولولا تلك المقاومة ولولا تلك الادارة في غرب كردستان (كردستان سوريا) لكانت الآن جحافل التعريب والتكفير الهمجية تقيم على الحدود بين جنوب كردستان وغربها، ولتشرع في هجماتها على جنوب كردستان وخصوصاً على المناطق الكردستانية خارج الاقليم. وليس سراً أن بقايا البعث الصدّامي تمثّل حاضنة لهذا التنظيم على المقلبين السوري والعراقي، حيث بعض البيئات المتزمتة التي يتملكها حنين نوستالجي إلى أمجاد «سيف» العرب و«بطل» الأنفال و«قاهر الكرد والمجوس»، تجد تعويضها وتجسيدها الراهن في دولة الارهاب والظلام والتخلف الداعشية.

ولعلّ اقتحام «داعش» مدينة الموصل يشكّل خير شاهد على مدى الخطر الذي تمثّله هذه الجماعات الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة على المشروع الديمقراطي التحرري الكردستاني برمّته، هي التي ما فتئت تخوض حرباً ضروساً بكلّ معنى الكلمة ضد التجربة الديمقراطية في «روج آفا» بهدف اجهاضها. فهي - والحال هذه - تمثل مخلب قطّ ضد القضية الكردية، وضد الوجود والحق الكرديين على امتداد كردستان الكبرى. ولعلّ الدعم الاستخباري واللوجستي الذي تحظى به هذه الجماعات من قبل تركيا، على سبيل المثال، في هجماتها ضد «روج آفا» يكشف كنه المخططات الرامية إلى دفع فروع «القاعدة» وملاحقها نحو التصادم مع الحركة التحررية الكردستانية في عموم المنطقة، بغية اجهاض التبلور المضطرد للربيع الكردستاني بما هو قاطرة التحولات الديمقراطية البنيوية في الشرق الأوسط ككلّ. لا سيما مع تبلور نموذج الادارة الذاتية الديمقراطية في «روج آفا» وتحوّله إلى نموذج حيّ وملموس على الأرض يقدّم وصفة خلاص لكل شعوب المنطقة الواقعة بين سندان النظم العسكرية الاستبدادية ومطرقة الاسلام السياسي بطبعاته الإخوانية والقاعدية (داعشية وغير داعشية) على قاعدة التعدد والتنوع والتوافق في اطار تعاقدات وطنية لبناء دول ديمقراطية تعددية لا مركزية، بعيداً من نماذج الدولة المركزية الأحادية القومية أو الدين التي لا حاجة للاشارة إلى وصولها إلى حائط مسدود بعد طول استبداد.

وعليه، من الضرورة المبادرة فوراً إلى وضع استراتيجية عمل كردستانية لمواجهة هذا الخطر الداهم. فمن سري كانيه إلى الموصل إلى خانقين تخوض «داعش، ومن خلفها، حرباً دموية مفتوحة ضد الشعب الكردي بل ضد الشعب الكردستاني بمختلف مكوناته. ولعلّ المواقف التضامنية للإدارة الذاتية في «روج آفا» مع جنوب كردستان وخصوصاً مع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان له نصيب الأسد من استهدافات «داعش» الارهابية نظراً إلى دوره المحوري في تعضيد النضال الديموقراطي التحرري ليس على صعيد العراق وجنوب كردستان فقط بل على صعيد أجزاء كردستان كافة، فضلاً عن اعلان القيادة العامة لوحدات حماية الشعب أن قواتها في خندق واحد مع جنوب كردستان شعباً وبشمركة، معربةً عن استعدادها لارسال وحدات متمرسة وخبراء عسكريين للاسهام في الذود عن هذا الجزء من كردستان كتفاً بكتف قوات البشمركة في وجه جحافل الظلام.

فهذه المواقف تعدّ مدخلاً لتبلور صيغة تكامل وتعاون كردستاني عريض سياسياً وعسكرياً لدرء الأخطار المحدقة بكردستان وشعبها فالعدو واحد والمعركة واحدة.

* كاتب كردي

 

 

بعد غرب كردستان... خنادق العار تستهدف كركوك

الأربعاء 30 نيسان 2014 

تواصل سلطات الحزب «الديموقراطي الكردستاني» حفر خندق العار بين جنوب كردستان وغربها، رغم موجات الاحتجاج الشعبي العارمة على طرفي كردستان الرافضة هذا الخندق، الذي يشكل سابقة خطيرة. فنحن حيال إعادة انتاج تقسيم كردستان، لكن هذه المرة عبر طرف كردي (الديموقراطي الكردستاني)، الذي - وللسخرية - يدّعي سعيه إلى الدولة الكردية والكونفيدرالية، في سرقة فاضحة وموصوفة لشعار حملة الاتحاد الوطني الكردستاني في الانتخابات العامة العراقية وهي: تطبيق الدستور أو الكونفيدرالية.

في حين أن حزب «البارتي»، يعمل في واقع الأمر، على فصل جنوب كردستان عن غربها، بل ويتمادى في سياساته الطائشة عبر انشاء خندق بين كركوك وهولير (أربيل) في مسعى فاضح لبتر اقليم كردستان عن المناطق الكردستانية المعرّبة، وفي القلب منها كركوك أو «قدس كردستان»، كما يسميها مام جلال. وهي، أيضاً، محاولة لوأد المادة 140 من الدستور العراقي، وتكريس أمر واقع بتعريب تلك المناطق وفصلها عن كردستان.

فخندقا العار على الحدود مع غرب كردستان وبين هولير وكركوك إن دلا على شيء فإنما على سعي الحزب الديموقراطي الكردستاني إلى بسط زعامته القبلية في محافظتي هولير ودهوك (الأولى كان قد فرض سيطرته عليها كما هو معلوم بالتعاون مع جيش صدام حسين الذي لبى نداء «البارتي» واحتل هولير في 31 آب 1996)، وعكس المصالح القومية الكردستانية العليا في سياسة تخبط خطيرة متسقة تماماً مع أجندات الدول المقتسمة لكردستان، في عملية اجهاض للربيع الكردستاني المتصاعد على امتداد المنطقة.

وكم كان مضحكاً في معرض دفاع «الحزب الديموقراطي» عن فعلته الشنيعة في حفر الخندق بين جنوب كردستان وغربها، والمنافية لكافة المبادئ القومية والانسانية والأخلاقية، إشارته إلى أنّ الخندق الذي جرى حفره حول كركوك بغية حمايتها وقطع دابر الارهاب الذي يستهدفها يحمي كركوك في وجه حملات الارهاب من جهة المناطق العربية العراقية حيث تنشط «داعش» و«القاعدة» والجماعات البعثية الصدامية، وبين خنادق العار التي يحفرها هذا الحزب والتي تعيد احياء سايكس - بيكو ولوزان بغية تقسيم كردستان مجدداً، وبأيدي كردية.

ولعلّ حفر الخندق الثاني مع كركوك من جهة هولير خير شاهد على أنّ الخندق الأول مع روج آفا (ولا ندري ربما يبادر «البارتي» إلى حفر خندق ثالث مع السليمانية) لم يكن يمثل حكومة الاقليم. هو قرار سياسي حزبي خاص بالديموقراطي الكردستاني وبحساباته الضيقة والقاصرة، في معاداته لثورة روج آفا – غرب كردستان (كردستان سوريا) وتجربتها الديمقراطية (نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية في كانتوناتها الثلاث)، بعد فشل محاولاته المستمرة لبسط وصايته عليها أو في معاداته لتجربة الإدارة الناجحة في كركوك بقيادة محافظها وعضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني الدكتور نجم الدين كريم. الرجل لطالما ناصبه هذا الحزب العداء نظراً لما يتمتع به وحزبه من شعبية في كركوك، التي ليس سراً أنّ وزن «البارتي» الانتخابي والشعبي فيها هزيل جداً. فضلاً عن أنّ الاتحاد الوطني وكريم لطالما عبّرا عن رفضهما القاطع لخندق الحزب الديموقراطي الكردستاني بين جنوب كردستان وغربها. فهنا تظهر خلفيات خندق العار الثاني، والذي يعد مساهمة خطيرة في تكريس الفصل بين اقليم كردستان وباقي مناطق جنوب كردستان (كردستان العراق) المشمولة بالمادة 140، إذ إنّ عودة هذه المناطق الى الكنف الكردستاني تعني أوتوماتيكياً تراجعاً كبيراً على الصعيد الانتخابي بالنسبة للحزب الديموقراطي الكردستاني، ما يمثل تحولاً دراماتيكياً في الأحجام والأوزان السياسية في جنوب كردستان ككل. ففي ظل هكذا حسابات فئوية ضيّقة يحاول هذا الحزب تحقيق ما عجزت عنه سلطات الدول المقتسمة لكردستان. وهكذا بعد إقامة الخندق بين جزءين من كردستان، ها هو الخندق الثاني يقسّم مناطق جنوب كردستان نفسها، ويبتر كركوك عن عمقها الكردستاني... والفاعل واحد.

* كاتب كردي

 

أوجلان ضابط إيقاع... الديمقراطية

الجمعة 28 آذار 2014

كان المشهد مهيباً في المليونية النوروزية في آمد (ديار بكر)، عاصمة شمال كردستان (كردستان تركيا)، حيث تجمّع قرابة ثلاثة ملايين في ساحة النوروز في لحظة تاريخية تؤكد، بلا لبث ومواربة، أنّ الربيع الكردستاني قد أينع من آمد إلى قامشلو فالسليمانية ومهاباد... وعلى امتداد الوطن الكردستاني المقسّم.

وذلك بدلالة الحضور الكردستاني الطاغي في آمد، التي غدت محجّاً وقبلةً لأجزاء كردستان الأربعة، إذ حضر، مثلاً، وفد رفيع من الاتحاد الوطني الكردستاني ممثلاً بسيدة العراق الأولى هيرو خان، التي يمكن القول إنّها مثّلت مام جلال في هذا الحشد العظيم، الرجل الذي كان مهندساً لعملية السلام الكردية _ التركية منذ أكثر من عقدين. إلى جانب وفد من غرب كردستان (كردستان سورية)، تمثّل برئاسة حكومة الادارة الذاتية الديمقراطية في كانتون الجزيرة، والرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي آسيا عبد الله.

وللعام الثاني على التوالي، جرت قراءة رسالة الزعيم عبدالله أوجلان باللغتين الكردية والتركية، والذي دشّن عملية السلام في عيد النوروز الفائت، وان لم تحرز تقدماً ملموساً بفعل المماطلة والتسويف وعدم الجدية من الطرف التركي.

ورغم كل الخطوات الإيجابية التي أبداها الجانب الكردي إلا أنّ أوجلان جدّد خلال هذا العيد التمسك بالخيار السلمي.

فنحن ها هنا أمام خيار استراتيجي ومبدئي للشعب الكردي في التعايش والتشارك والتكامل مع الشعب التركي، الأمر الذي يستوجب من الجانب الآخر جدية وحزماً في انتهاج الحل السلمي ومصافحة اليد الكردية الممدودة للسلام، لا سيّما مع تشديد أوجلان والرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني جميل بايك، على ضرورة ولوج مرحلة التفاوض السياسي المباشر والمترافق مع إقرار تشريعات برلمانية وحكومية تقونن العملية التفاوضية السلمية، وتحصّنها وتجعلها خيار دولة.

فالكرد، بعد مضي عام، هاهم يجدّدون مبادرتهم السلمية الاستراتيجية وفق أنموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية، كوصفة حلّ تصلح للتعميم على مختلف دول المنطقة، التي ليس خافياً أنها تمرّ جميعها بمرحلة تحولات واضطرابات دموية عاصفة. الكرة في الملعب التركي، ولا بديل عن التفاوض والحوار في ظل استحالة نجاح الحل العسكري، الذي لطالما ثبت فشله على مدى عقود. فما بالك في مرحلة ربيع الشعوب وتخلخل البنى الاستبدادية الدولية في الشرق الوسط واهترائها، إذ تكفي إطلالة سريعة على كرنفال الحرية المليوني في نوروز آمد، وفي كل مدينة على امتداد شمال كردستان من رها إلى وان، ليدرك المرء أنّ هذا الشعب قد اختار طريق الحرية والخلاص عبر النضال الجماهيري الديمقراطي والبرلماني المدني، مع جهوزية عسكرية وقتالية للمقاومة والدفاع في حال نكوص الطرف الآخر عن السلام، وجنوحه نحو خيار العنف والدم مجدداً.

فبعد أربعة عقود من المحاولات المستمرة لوأد الثورة الكردستانية المعاصرة بقيادة حزب العمال الكردستاني، وبعد عقد ونيف على أسر الزعيم أوجلان، حان الوقت كي تتخلى تركيا عن منهجيتها الفاشلة إن أرادت لنفسها النجاة من المصير القاتم الذي يحيق بمختلف دول المنطقة.

ولعلّ الخطوة الأهم في إثبات جدية أنقرة في انتهاج طريق السلم وإقرار حل عادل وديمقراطي للقضية الكردية، وقطعها مع خيارات الدم والعنف في التعاطي مع شعب بأكمله، هي في اطلاق سراح أوجلان الذي دون نيل حريته سيبقى كل حديث عن السلام والحل السلمي مجرد لغو ولعب على الكلام، وتقافز على حقيقة أن حرية أوجلان من حرية شعبه، وهي الشرط الشارط للمضي قدماً في عملية السلام وتكليلها بالنجاح وطي صفحة الحرب والعنف المغمسة بالدم.

بعد مضي عام على اطلاق ندائه السلمي الشهير في العام الماضي ومن الساحة نفسها، ها هو عبد الله أوجلان يعيد الكرّة ومن موقع قوة الحق، فلا مناص من دخول العملية مرحلة التأطير القانوني والدستوري كي لا تغدو مجرّد عملية تكتيكية أو ورقة بيد حكومة العدالة والتنمية أو أي حكومة لاحقة، بل أن تصبح خياراً استراتيجياً وطنياً لمختلف القوى السياسية والمجتمعية عابراً للحسابات والاعتبارات الحزبية والفئوية. خصوصاً أننا على أبواب الانتخابات البلدية وسط مؤشرات تدل الى تراجع حظوظ أردوغان وحزبه مع النكسات المتلاحقة لسياساته داخلياً وخارجياً مع ضمور الطفرة الإخوانية، وفشل تجربة الاسلام السياسي في الحكم كما برهنت التجربة في مصر. وليس سراً هنا أنّ ذلك مثّل انتكاسة كبرى لأحلام أردوغان النيوعثمانية، وتوهم نفسه سلطاناً جديداً على شعوب المنطقة، أضف إلى ذلك تفجّر الخلاف بينه وبين أبيه الروحي فتح الله غولن، وما ترافق مع ذلك من نشر كل منهما غسيل الآخر الوسخ، وتكفي الإشارة الى تهم الفساد التي طالت حكومة أردوغان، وطالت ابنه. فالحري بالطبقة السياسية التركية التجاوب المبدئي مع المبادرة الكردية للسلام، واقتناص هذه الفرصة التاريخية، لاسيما أن الظروف الذاتية والموضوعية تضع الكرد في طليعة مشروع دمقرطة تركيا وفق مبادئ التعدد واللامركزية على وقع التحولات التي تعيشها المنطقة، وخصوصاً الثورة المتصاعدة في روج آفا – غرب كردستان، ودخولها الى مرحلة المأسسة، عبر اعلان الادارة الذاتية الديمقراطية، وفق صيغة الكانتونات الثلاثة (الجزيرة وكوباني وعفرين).

وذلك على غرار النموذج السويسري وهي الوصفة الصالحة للتعميم على الصعيد السوري العام، فضلاً عن كونها صيغة حل للقضية الكردية في الأجزاء الأخرى من كردستان لاسيما شمال كردستان، التي بات واضحاً أن وتيرة النضال التحرري الحقوقي فيها تتصاعد على وقع المكتسبات والانجازات القومية والديمقراطية على مرمى حجر في غرب كردستان. وهذا ما بدا جلياً في كرنفالات «نوروزها»، إذ كانت روج آفا حاضرة بقوة بثورتها ومقاومتها، ونظام إداراتها الذاتية الديمقراطية في المشهد النوروزي في كردستان المركزية (كردستان تركيا).

* كاتب كردي

 

 

المعارضة السورية عشية «جنيف 2»: قراءة في المشهدين السياسي والميداني وموقع الكرد

الجمعة 3 كانون الثاني 2014

يتواصل تمدّد الجماعات الاسلامية المتشددة ضمن المعارضة العربية المسلحة في سوريا وتتوسع سيطرتها الميدانية، على اختلاف تنويعاتها السلفية الجهادية والقاعدية والإخوانية. وآخر حلقة في سلسلة هذه الجماعات هي الجبهة الاسلامية التي تم الاعلان عنها أخيراً، والمكونة من أكبر الفصائل الاسلامية العاملة سابقاً تحت إطار ما يسمى الجيش الحر. جبهة باشرت فور إعلانها السيطرة على مخازن ومستودعات الذخيرة التابعة لذاك الجيش في المناطق الشمالية، وصولاً الى السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

حراك يشي بتقلص الجيش الحر كي لا نقول اضمحلاله، وهو الذي كان منذ البدء مجرد اسم هلامي فضفاض لا يتوافر على هيكل قيادي هرمي منظم ومركزي. وليس خافياً أن الجماعات المتشددة، وضمنها آلاف مؤلفة من الجهاديين الغرباء القادمين من كل حدب وصوب، باتت العمود الفقري للمعارضة المسلحة، ما اضطر واشنطن ولندن إلى تعليق المساعدات العسكرية غير الفتاكة للمعارضة، إثر إعلان هذه الجبهة سيطرتها على مواقع ومقار الجيش الحر في مناطق الشمال السوري.

وهذا كله إنما يدل على مدى استفحال واقع التفكك والتخبط العاصف بالمعارضة العربية الطائفية السورية بشقيها السياسي والمسلح، والتي لطالما راهنت على تدخل عسكري دولي لم ولن يحدث كما بات واضحاً.

فالائتلاف الذي لطالما نصّب نفسه مظلة جامعة للقوى العسكرية، دع عنك السياسية حيث فشل فشلاً ذريعاً لجهة محاولة احتكار التمثيل السياسي للمعارضة، ها هو مع النفوذ المتعاظم للجبهة الاسلامية، فضلاً عن داعش والنصرة، يغدو بلا أي فاعلية وتأثير على القوى المسيطرة على الأرض. قوى لطالما كان يشوب علاقتها مع هذا الائتلاف وسلفه غير الصالح المجلس الوطني السوري المد والجزر تبعاً للأجندات المتعددة التي تحرك الطرفين. ولعل القاسم الأعظم المشترك بينهما كان العداء للكرد ولثورة غرب كردستان (كردستان سورية) وتحالفهما في خوض حرب تكفيرية تعريبية على المناطق الكردية.

والراهن أن تأسيس هذه الجبهة الاسلامية يسهم في تطييف الصراع أكثر فأكثر وتعقيد الوضع فوق ما هو معقد، ما يدفع الى عدم التعويل كثيراً على مؤتمر جنيف 2 حيث إن الواقع الميداني يشي بانفلات خطير وبضمور الجيش الحر لمصلحة صعود القوى الظلامية المتطرفة التي كانت على كل حال مكوّناً عضوياً ومؤسّساً لذاك الجيش، لكنها الآن تبتلعه ككل، وتحل محله تلك الجماعات الاسلامية وآخر تكتلاتها: الجبهة الاسلامية التي، ويا للنكتة السمجة، يصفها البعض بأنها معتدلة وهي التي تعلن جهاراً نهاراً سعيها الى إقامة دولة إسلامية في سوريا، وقس على ذلك.

فعشية جنيف 2 ومحاولات واشنطن، بدفع أساساً من أنقرة وبعض العواصم الخليجية، تنصيب الائتلاف العربي السنّي إطاراً أوحد للمعارضة السورية، تأتي كل هذه التطورات الميدانية لتثبت فشل هذه المقاربة.

ولئن لم تمانع واشنطن في فتح قنوات اتصال مع هذه الجبهة الاسلامية، فمن باب أولى ان تنفتح على مجمل ألوان الطيف المعارض والمكوناتي في سوريا، وفي مقدمها المكون الكردي الساعي الى التمثل في المؤتمر الدولي للحل عبر الهيئة الكردية العليا كطرف مستقل يمثل القضية الكردية، بما هي محك التغيير الديموقراطي البنيوي في البلاد.

 قضية هناك محاولات حثيثة لتغييبها وعدم إدراجها على جدول أعمال المؤتمر، خضوعاً لأجندات عروبية وإقليمية معادية للكرد، ما يطعن في جدية القوى الراعية للمؤتمر في التوصل الى حل شامل ويجعله مجرد محطة للعلاقات العامة، ما دام يتجاهل قضية وطنية مزمنة ورئيسية كالقضية الكردية.

 فالهيئة الكردية العليا تتبعها قوة عسكرية كبيرة تقدر بعشرات آلاف المقاتلين والمقاتلات (وحدات حماية الشعب) تسيطر على أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع، وأثبتت الوقائع أنها قوة دفاعية منضبطة ومنظمة وخاضعة في حراكها ونشاطها العسكري للمبادئ والاخلاقيات الحربية. ولعل حمايتها لمختلف مكونات غرب كردستان، كرداً وغير كرد، خير شاهد، سيما في تصديها ودحرها لأفرع القاعدة السورية (النصرة وداعش)، ما يجعلها القوة العسكرية الوحيدة على الارض السورية غير المتورطة في ارتكاب جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان والتورط في حرب طائفية دموية باتت عابرة للحدود السورية وجاذبة للمنظمات المتطرفة السنية والشيعية على حد سواء.

وحسبنا الإشارة الى التورط المتعاظم لتنظيم القاعدة عبر جبهة النصرة ودولة داعش، فضلا عن قوات حزب الله، في هذه الحرب الأهلية الطائفية الطاحنة، لنتبين أن الخيار الثالث الديموقراطي التعددي الذي اختاره الكرد عبر النأي بالنفس عن الدخول في هذه الحرب الطائفية هو الخيار الجدير بالدعم دولياً، بل وجب اعتباره خارطة طريق لإخراج البلاد من دوامة الدم والعنف، خاصة مع الشروع في تطبيق مشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية في غرب كردستان، والتي تشكل وصفة خلاص لسوريا برمتها على أسس التعدد والتوافق وحق مختلف المكونات والمناطق في إدارة نفسها ذاتياً، في إطار دولة لامركزية اتحادية.

* كاتب كردي

 

 

عن محورية الدور الكــردي في دمقرطة سوريا

الجمعة 6 كانون الأول 2013

في مقابلة لكاتب هذه السطور مع راديو «كلي كردستان» قبل أيام، كان أحد الأسئلة المطروحة: هل بإمكان الكرد بعد إعلان إدارتهم المرحلية في غرب كردستان (كردستان سوريا) لعب دور مماثل لدور كرد العراق في احتضان قوى المعارضة العراقية ككل؟ هو لا شك سؤال وجيه ويثير نقطة جديرة بالشرح والتوقف عندها، وخاصة أن الكرد في سوريا باتوا يلعبون دوراً متصاعداً كقوة طليعية للحركة الديموقراطية السورية، بعدما أثبتت الوقائع صحة نهجهم في اختطاط الخط الثالث الديموقراطي التعددي بين خطي النظام والمعارضة الطائفيين ومع أن ثمة قوى ديموقراطية عديدة في المعارضة السورية ترتبط بعلاقات تحالف وتنسيق مع الكرد، وخاصة مع حركة المجتمع الديموقراطي ومجلس شعب غرب كردستان وعبرهما مع الهيئة الكردية العليا.

 والبعض منها اندرج ضمن مشروع الإدارة المرحلية المشتركة في غرب كردستان، كهيئة التنسيق الوطنية وحركة المجتمع التعددي وغيرها من القوى العربية الديموقراطية الهادفة إلى سوريا تعددية لامركزية، لكن المعارضة العروبية الطائفية التوجه والتي تتخذ من اسطنبول مقراً لها، وعلى رأسها الائتلاف لطالما ناصبت التجربة الديموقراطية في غرب كردستان العداء، بل ووقفت مباشرة خلف الهجمات المتواصلة عليها من قبل أفرع تنظيم القاعدة في سوريا منذ نحو أكثر من عام.

وحسبنا التنويه إلى بيانات الدعم والتأييد مرة بعد مرة لهذه الجماعات من قبل الائتلاف، كالبيان الذي أصدره الأخير بعيد تحرير تل كوجر حيث دافع صراحة عن تنظيم القاعدة، الذي كان قد حوّل تلك البوابة الحدودية بين العراق وغرب كردستان إلى منصة لهجماته الإرهابية على مناطق غرب كردستان.

والحال أنّ الكرد في سوريا نجحوا إلى حد كبير في مد جسور التعاون والتحالف مع القوى ذات التوجهات المدنية والعلمانية المناهضة لثلاثية: العسكرة والتطييف والأسلمة، التي أصابت الثورة في مقتل. وعلى رأسها هيئة التنسيق الوطنية التي رغم كل الحملات الشرسة ضدها فرضت نفسها قوة أساسية في معادلات التغيير والتحول، ولا سيما مع التحضيرات لمؤتمر جنيف الثاني، والذي عبّرت الهيئة صراحة عن دعمها لتمثل الكرد فيه تحت إطار الهيئة الكردية العليا.

كما ثبت أن قراءاتها ورؤاها لطبيعة المشهد السوري كانت الأصوب، بدليل أن المعارضة السورية الاسطنبولية أخذت تقر رويداً رويداً برؤية الهيئة ومقارباتها التي كان يجري تخوينها.

ولعل اشتراكها في الإدارة المرحلية، وهي المتعارف على تسميتها أنها معارضة الداخل وتضم قوى وشخصيات مشهود لها بمقارعة الاستبداد منذ عقود، يعتبر خير دليل على انفتاحها على الحلّ الديموقراطي العادل للقضية الكردية في سوريا الجديدة. أضف إلى ذلك تمثل أكبر حزب في غرب كردستان، وهو حزب الاتحاد الديموقراطي في الهيئة، على عكس الائتلاف الذي أصدر بياناً أشبه بإعلان حرب صريح على الشعب الكردي بعيد إعلان الإدارة المرحلية، رغم أنّه عملياً، وإن بصورة غير مباشرة، يخوض حرباً مفتوحة ضد غرب كردستان عبر دعمه تنظيم القاعدة من خلال دولة داعش وجبهة النصرة في محاولاتهما لاحتلال غرب كردستان وتعريبها وإقامة إمارات إسلامية ما قبل قروسطية فيها.

قصارى القول إنّ كرد سوريا يلعبون الدور ذاته الذي لعبه كرد العراق لجهة توافقهم مع القوى المعارضة المؤمنة بالديموقراطية والتعددية، وبكون القضية الكردية محك التحول الديموقراطي البنيوي، والتي برهنت من خلال تمثلها في مشروع الإدارة في غرب كردستان مبدئية مواقفها وجديتها حيال هذه القضية.

وهذا يذكرنا بإقرار المعارضة العراقية بالفيدرالية كحل للقضية الكردية في العراق قبل سقوط نظام صدام، الأمر الذي لا ينطبق على المعارضة السورية في الخارج والممثلة في الائتلاف الداعية إلى تأجيل بحث القضية الكردية إلى ما بعد إسقاط النظام في مسعى التفافي واضح على هذه القضية بما هي واحدة من أهم القضايا الوطنية في سوريا.

هذا يستوجب، ومن الآن، التوصل إلى إقرارات وطنية ما فوق دستورية بعدالتها وبحلها حلاً ديموقراطياً يلبّي طموحات الشعب الكردي في حكم نفسه بنفسه في مناطقه في غرب كردستان في إطار دولة اتحادية لامركزية، ولعل إشارتنا أعلاه إلى موقف ذاك الائتلاف الرافض للإدارة المرحلية خير شاهد على أنه يحمل رؤى عنصرية وشوفينية متنكرة لأبسط مقومات عدالة القضية الكردية، بما هي قضية شعب وأرض. وهو لا يختلف عن النظام في التعاطي مع الملف الكردي بدليل اجتراره لخطاب البعث الذي لطالما اتهم الكرد بالانفصالية والعمل على تقسيم سوريا واقتطاع جزء منها، وصولاً إلى نكتة إضعاف الشعور القومي العربي... كما بدا واضحاً في اللائحة الاتهامية المبتذلة التي أصدرها الائتلاف بمناسبة إعلان الإدارة المرحلية المشتركة في غرب كردستان ما دحضه اشتراك مختلف مكونات غرب كردستان وضمنها المكون العربي في تلك الإدارة، الأمر الذي يؤكد حقيقة أن الكرد عامل توحيد واستقرار ودمقرطة في سوريا، لكن على أسس التوافق والتعدد والتكافؤ، وأن الادارة المعلن عنها في غرب كردستان ليست بأي حال مشروعاً تقسيمياً، ولا هي بمشروع كردي خالص بدلالة تمثل جميع مكونات غرب كردستان عرباً وسرياناً وكرداً... فيها كما سلفت الإشارة ما يصلح أن يعمم على سوريا ككل بما أنها بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب.

* كاتب كردي

 

 

الاتحاد الوطني الكردستاني..ضابط الايقاع الوطني في كردستان والعراق

2013-07-03

لا شك أن قرار الاتحاد الوطني الكردستاني خوض الانتخابات القادمة في كردستان بقائمة مستقلة يشكل حدثا ستكون له تأثيرات كبيرة على الخارطة السياسية في الاقليم وتوازناتها فالحزب الذي أظهرت الاحتفالات بذكرى تأسيسه قبل نحو شهر من قبل مئات الآلاف من مناصريه أنه لا زال يتمتع بشعبية عريضة وسط قواعده الجماهيرية الممتدة على مختلف مناطق كردستان جاء قراره هذا كي يقطع دابر مختلف الرهانات على أن الحزب يعاني من الانكماش والتقوقع سيما مع مرض الرئيس مام جلال حيث راجت الشائعات عن ان الحزب قد يتصدع ويضعف اثر ذلك مع ان الرجل حي يرزق ويخضع للعلاج فضلا عن أن ثمة مؤسسات وآليات عمل وتسيير للحزب قادرة على ضمان وحدة الحزب وتماسكه ودوما وفق النهج الذي أختطه أمينه العام مام جلال.

 ولا زلنا نذكر مثل هذه الرهانات التي راجت أيضا بعيد تشكل حركة التغيير وثيت تهافتها كون الاتحاد يشكل مدرسة حزبية ونضالية مؤسساتية عصية على الكسر والطمس فهو ليس مجرد حزب سياسي بل هو يمثل نهجا ومنظومة متكاملة من القيم النضالية والحضارية والاشتراكية الديموقراطية في الحركة التحررية الكردستانية والوطنية العراقية بما له من عمق جماهيري وتاريخ نضالي عبر اطلاقه الثورة الكردستانية الجديدة في كردستان العراق وكونه أول حزب طرح الفيدرالية حلا للقضية الكردية في العراق وفق منطوق حق تقرير المصير للشعب الكردي وهو الرقم الصعب في المعادلة الوطنية ان على صعيد كردستان أو العراق وحسبنا الاشارة الى مدى تعقد الأوضاع وتدهورها في بلاد الرافدين مع غياب رئيس الجمهورية كي ندرك محورية وأهمية دور ضابط الايقاع الوطني الذي يضطلع به الاتحاد عبر شخص سكرتيره العام رئيس الجمهورية .

أما على الصعيد الكردستاني فقد ثبت من خلال أزمة الدستور ورئاسة الاقليم أن الاتحاد يلعب دور بيضة القبان للتجربة الديمقراطية في الاقليم عبر خياراته الوسطية والوطنية المبدئية العابرة للمصالح الحزبية التي انحازت لخيار التوافق الوطني واعادة الدستور للبرلمان كي يحظى بتوافق مختلف الكتل حوله وبما فيها موضوعة رئاسة الاقليم وليس خافيا أنه وسط تشنج مختلف الأطراف ان في المعارضة أو في الحزب الديمقراطي الكردستاني فان الاتحاد بموقفه الوطني المتوازن شكل قاسما مشتركا وقوة ضاغطة على مختلف الأفرقاء للركون الى خيار التوافق والبعد عن الخيارات المتشنجة سيما في مرحلة حساسة تمر بها مختلف بلدان المنطقة وليس من الحكمة اطلاقا اقحام كردستان في أزمات وطنية كبرى على خلفية أجندات

حزبية وفئوية ضيقة وليس سرا أن تمسك الاتحاد بمبدأ التوافق الوطني كان السبب الأساسي في قبول الديمقراطي الكردستاني لاعادة الدستور للبرلمان خاصة اذا ما أخذنا في الاعتبار كون الكتلة الانتخابية للاتحاد هي المحددة لنجاح مسودة الدستور من فشلها في أي استفتاء حولها .

ولعل هذا الدور الذي نزع الى حد كبير صاعق تفجير تأزم الأوضاع في الاقليم سينعكس على نتائج الانتخابات لجهة زيادة الثقة الشعبية بالحزب سيما وأنه وفي ضربة معلم أختار مام جلال رئيسا لقائمته الانتخابية اذ لا شك أن الاتحاد سيحصد والحال هذه نسبة معتبرة من الأصوات بما يخوله المضي في لعب دوره الوازن في العملية الديمقراطية والدستورية في كردستان فهو لئن بقي ملتزما بالاتفاقية الاستراتيجية مع الديمقراطي الكردستاني الا أنه لا شك أن تلك الاتفاقية باتت بحاجة الى التطوير على ضوء جملة المتغيرات العاصفة بالمنطقة وكردستان وبلا ريب أن نزول الحزبين بقائمتين منفصلتين سيتيح هامشا أوسع لتوطيد هذه الاتفاقية لكن على قاعدة تصحيح عثراتها ومكامن خللها وتكريس التوازن بين طرفيها سيما على صعيد الحكومة المشتركة بينهما وموائمتها مع الكم الهائل من التحولات الحاصلة في ربوعنا والتي نفرض جملة قراءات ومراجعات لا بد من أخذها في الاعتبار.

الاتحاد من خلال عضويته في منظمة الاشتراكية الدولية وتوليه رئاسة اللجنة الكردية فيها فضلا عن علاقاته المميزة مع مختلف القوى الكردستانية في اجزاء كردستان الأخرى ودوره المشهود في دعم عملية السلام في شمال كردستان (كردستان تركيا) وثورة الحرية في غرب كردستان (كردستان سورية) يلعب دورا رياديا في مرحلة ربيع شعوب الشرق الأوسط وفي مقدمها الربيع الكردستاني بما يحمله من برنامج تحرري عصري يرتكن الى المبادئ الاشتراكية الديمقراطية التي ما أحوج شعوب منطقتنا الى الاهتداء بها وسط تصاعد البدائل الاسلاموية الفاشلة على وقع ما يسمى الربيع العربي ومن هنا فان وجود الاتحاد كقوة رئيسية كما سيظهر من خلال الانتخابات القادمة سيوطد دعائم التجربة الديمقراطية في الاقليم وصولا الى اقرار دستور توافقي عصري يؤطر هذه التجربة في سياق نظام برلماني تعددي على أن تتكلل بعودة المناطق المعربة الى الاقليم لتكتمل قاعدة الكيان القومي في كردستان العراق خاصة وأن الاتحاد هو القوة السياسية الأكبر في تلك المناطق كما هو معلوم وفي مقدمها كركوك قدس كردستان كما سماها الرئيس الطالباني.

 

 

كوباني: كانتون إداري... بعد عملية إرهابية بيوم واحد

الخميس 21 تشرين الثاني 2013

على وقع الهزائم والانكسارات العسكرية المتتالية للجماعات الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة في غرب كردستان (كردستان سوريا)، اثر المقاومة الشعبية العارمة بقيادة وحدات حماية الشعب (YPG)، التي أثبتت بعد نحو عام من بداية هذه المعارك مدى قوتها وانضباطها ونجاحها في حماية المنطقة بكافة مكوناتها، أخذت هذه المجاميع الارهابية باللجوء إلى أسلوب العمليات الانتحارية والارهابية عبر السيارات المفخخة. فعلى مدى الأشهر الماضية نفذت عمليات عديدة ضد نقاط التفتيش التابعة لقوى الأسايش، ولعل آخر هذه الجرائم هي العملية الارهابية في كوباني، التي يمكن اعتبارها العملية الأكبر لجهة قوة التفجير وعدد الضحايا. عشرات الشهداء والجرحى، بينهم أطفال، باستهداف مقر الهلال الأحمر الكردي في المدينة، في جريمة تثبت مدى الانحطاط الأخلاقي والقيمي لدى هذه الجماعات الرعاعية الضاربة عرض الحائط بأبسط قواعد الحروب وأخلاقياتها. ولعل استهداف مقر الهلال الأحمر، الذي يقع بجانب مدرسة ابتدائية، حيث سقط عدد من طلابها ضحايا، هذا التفجير الآثم، ينمّ عن مدى العجز والفشل لهذه الجماعات ولمن يقفون خلفها. فبعد توالي هزائمها وانكساراتها العسكرية من تل كوجر إلى سري كانيه، فكري سبي وعفرين، تعتمد هذه العصابات هذا الأسلوب الارهابي الجبان في استهداف المدن والقرى الآمنة في غرب كردستان، وقتل المدنيين في محاولة يائسة لتعويض اندحاراتها وفشل مخططاتها لاحتلال المنطقة وتعريبها وإقامة إمارات اسلامية فيها.

ولا ريب أنّ استهداف كوباني بهذا التفجير الضخم لم يأتِ اعتباطاً، فالمدينة لطالما مثّلت قلعة كردستانية حصينة، لها اسهامها المشهود في رفد الثورات التحررية في مختلف أجزاء كردستان، ولا سيما في شمال كردستان (كردستان تركيا)، فضلاً عن أنها كانت شرارة ثورة 19 تموز من العام المنصرم، لتتبعها أخواتها من مدن غرب كردستان من عفرين إلى رميلان وصولاً إلى تل كوجر، حيث المعبر الحدودي بين غرب كردستان والعراق.

وكوباني دشّنت عملياً الإدارة الكردستانية في غرب كردستان، لكونها أول مدينة تتحرّر من النظام. تلك الإدارة التي دخلت حيز التطبيق العملي اثر الاعلان التاريخي عن ولادتها في 12 تشرين الثاني 2013، تحولت بعد هذه الجريمة إلى أيقونة للمقاومة والحرية والنصر في عموم غرب كردستان، وليجري اعلانها أحد أضلاع مثلث غرب كردستان الإداري، ككانتون في إطار الإدارة الاقليمية العامة.

والجريمة المنحطة بكافة المقاييس عبر استهداف مقر مدني طبي، لم يصدر حتى مجرد بيان إدانة لها من قبل الائتلاف العربي السوري، وملحقه المسمى المجلس الوطني الكردي، لكنه فور الاعلان عن البدء في تطبيق الإدارة المرحلية المشتركة في غرب كردستان سارع إلى اصدار بيان عدائي يقطّر عنصرية وحقداً، ذكّرنا بالرطانة البعثية إياها عن اتهام الكرد بالنزعات الانفصالية والتآمر والعصيان والتخريب، في اجترار سقيم من هذا الائتلاف للائحة الاتهامية للنظام البعثي بحق الكرد على مدى عقود، التي لطالما حوكم بموجبها المناضلون الكرد في سوريا بتهم تهديد أمن الدولة والعمل على اقتطاع جزء من الأراضي السورية واضعاف الشعور القومي للأمة العربية وتقسيم سوريا، كما ردد بكل صفاقة المدعو عبد الحكيم بشار، كبير المستعربين «الكرد» في الائتلاف العربي السوري في مقابلة جمعت كاتب هذه السطور معه على شاشة «العربية»، بعيد إعلان الإدارة المرحلية لغرب كردستان.

* كاتب كردي

 

الكرد في سوريا واستحقاق «جنيف 2»

الثلاثاء 29 تشرين الأول 2013

الائتلاف العربي السوري لم يوافق على البندين اللذين أضافهما، من باب حفظ ماء الوجه، المجلس الوطني الكردي على الوثيقة الموقعة بينهما كشرط لانضمام الأخير إليه.

كذلك أصدر الائتلاف قانون السيادة الوطنية، الذي يبدو واضحاً أنّه يستهدف، من الآن، الالتفاف على القضية الكردية وسبل حلها ديموقراطياً، بدلالة الإشارة في القانون العتيد إلى أنّ البرلمان المنتخب هو المخول بالموافقة على أية اتفاقات يبرمها الائتلاف، فيما ثمة تعاقدات وطنية تأسيسية فوق دستورية، لا بد من ابرامها والتوافق عليها، منذ الآن حتى قبل سقوط النظام وبدء عملية التحول، وعلى رأسها القضية الكردية واقرار حلها، وفق حق الشعب الكردي في تقرير مصيره في إطار ديموقراطي اتحادي.

ومع هذا لا يزال المجلس الكردي مصراً على المضي في خياره الانتحاري للانضمام إلى هذا الائتلاف، وبدفع من جماعة الاتحاد السياسي وراكبي موجته، كالحزب التقدمي. وليس خافياً هنا أن دوافع هذا التهافت هي محض مصلحية وشخصية، تتعلق بتولي منصب نائب رئيس الائتلاف، وبضعة مناصب في حكومة الائتلاف العتيدة ووزارتها الوهمية، فضلاً عن الدور السلبي للحزب الديموقراطي الكردستاني في دعم هذه التوجهات، الذي يبدو كمن يعمل على تخريب التجربة الديموقراطية الجنينية في غرب كردستان (كردستان سوريا)، لا لشيء إلا لكونه لم يفلح في بسط الوصاية على ذاك الجزء من كردستان، ولكون صيغة المناصفة («ففتي ففتي») التي كان عرابها، رفضها حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) بعد عرضها عليه من قبل البارتي، جناح حكيم بشار، الذي ليس خافياً أنه يعد بمثابة الفرع السوري للديموقراطي الكردستاني العراقي.

 فحزب PYD طرح بدلاً عن ذلك مشروع الإدارة المشتركة الموقتة، المنوط بها تنظيم الانتخابات بما يحدد النسب وفق إرادة الناس، لا وفق اتفاقات مفروضة من أعلى ولا تتناسب وحقيقة الأحجام والأوزان السياسية الشعبية للأطراف المعنية. الأمر الذي ينبغي أن تدعمه مختلف القوى الكردستانية في الأجزاء الأخرى من كردستان، لا أن تضع العصي في عجلته وتسعى إلى فرض وصايتها على غرب كردستان وإلى تأزيم الأوضاع فيه.

ولنا في اغلاق معبر سيمالكا بين كردستان العراق وكردستان سوريا، خير شاهد على كنه هذه السياسات الفاشلة. فمن يطالب بالمناصفة، عليه أن لا يخشى صناديق الاقتراع، وإلا فعلى أيّ أساس جرتّ المطالبة بالمناصفة تلك، طالما أن ذاك الطرف بمجرد الحديث عن إدارة وانتخابات وبرلمان وحكومة أخذ وعلى خلفية هزال قاعدته الشعبية الناخبة يماطل، بل ويرفض المشاركة في هذا المشروع التاريخي لجهة وضعه البنية التحتية للكيان القومي الديموقراطي في غرب كردستان في اطار سوريا ديموقراطية فدرالية، على غرار ما حدث قبل نحو عقدين من الزمن في جنوب كردستان (كردستان العراق). وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو مؤتمر «جنيف 2» على قاعدة اقرار حل توافقي ينهي الحرب الأهلية، ويطوي صفحة النظام القاتل وفق صيغة ديموقراطية توافقية لتقاسم السلطات بين مختلف المكونات وخاصة الثلاثة الرئيسية منها: السنة والعلويين والكرد، بما يضمن التوازن والتشارك والاتحاد الطوعي الاختياري.

اليوم ملاحم المقاومة والانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب (YPG)، الذراع العسكرية للهيئة الكردية العليا، ضد جماعات القاعدة الارهابية وحلفائها، معطوفة على تبلور ملامح توجه دولي عام يمتد من موسكو إلى واشنطن لقبول تمثيل الكرد كمكون مستقل في إطار الهيئة الكردية العليا في المؤتمر الدولي للحلّ، وبما يتسق مع حقيقة كونهم رافعة التحول الديموقراطي البنيوي، ولا سيما في حال تعذر تمثيل مختلف قوى المعارضة في وفد واحد، حيث تشير المعطيات إلى تمثيل المعارضة بثلاثة وفود: الائتلاف وهيئة التنسيق والهيئة الكردية. الأمر الذي لا يتوافق والأجندات المعادية للقضية الكردية داخلياً واقليمياً، ولموقع الكرد ودورهم في سوريا كمكون رئيسي وكشريك، وكطرف مفاوض ومهندس لشكل سوريا الجديدة وأسسها.

لكن وللمفارقة، وتناغماً مع تلك الأجندات العنصرية العروبية، تصرّ بعض الجهات الكردية المذكورة آنفاً، على المضي في التآمر على قضية شعبها وفقاً لحسابات فئوية. ووصل بها الأمر إلى حد الاسهام الجدي في محاولة تفويت هذه الفرصة الذهبية لضمان حقوق الكرد في سوريا في المؤتمر الدولي للحل، وبضمانات ورعاية دوليين، من خلال تمثلهم كطرف مستقل قائم بذاته عبر الالتفاف على هذا الاستحقاق التاريخي، واللهاث خلف الائتلاف الذي يعاني الانقسامات العاصفة وفقدانه السيطرة على قطاعات واسعة من «الجيش الحر».

ولعلّ الرهان على ضربة «الكيميائي»، التي ذهبت أدراج الرياح هو ما دفع المجلس الكردي إلى السقوط في هذا الفخ الوجودي. فالمجلس بقراءاته السطحية للمشهد، شد الرحال نحو إسطنبول، ظنّاً منه أنه سيعود بعد أسابيع بمعية الائتلاف حاكماً على البلاد والعباد، ودوماً عبر التعويل على أن الضربة الأميركية كانت قاب قوسين أو أدنى.

* كاتب كردي

 

عن الأمن القومي الكردستاني: من هولير إلى سري كانيه

الخميس 10 تشرين الأول 2013

على وقع استمرار الحرب الارهابية ضد الكرد في سوريا، عاد شبح العمليات الانتحارية ليطل برأسه على كردستان العراق، وفي قلب عاصمتها بعد انقطاع دام نحو ستة أعوام. ذلك يؤكد أنّ الأمن القومي الكردستاني كلّ لا يتجزأ، فتنظيم القاعدة عبر دولته الهجينة المسخ (الدولة الاسلامية في العراق والشام) وعبر فرعه السوري (جبهة النصرة)، وبالتحالف مع فصائل من ما يسمى «الجيش الحر» يخوض منذ أشهر حرباً ضروساً ضد غرب كردستان (كردستان سوريا)، وفق أجندات تعريبية تكفيرية واقليمية معادية للقضية الكردية، وبغية اجهاض ارهاصات التبلور الكياني فيه بما يمثله من دفعة لتلك القضية على الصعيد الاقليمي.ومن هنا فالحرب على الكرد في سوريا، ووفق الحسابات العقلانية الباردة والاستراتيجية الموضوعية، وبعيداً عن أية حماسة ومبالغة قومية، هي حرب مباشرة ضد كل أجزاء كردستان لا سيما ضد جنوب كردستان (كردستان العراق)، وحسبنا النظر إلى اسم هذه الدولة القاعدية (داعش) ليتضح لنا أن مضمار نشاطها الارهابي يشمل سوريا والعراق معاً، وبالتالي فحربها على كرد سوريا اليوم قد تتحول إلى حرب ضدّ كرد العراق، لا سيّما أن ثمة تجارب مريرة سابقة لاقليم كردستان مع هذه المجاميع الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة، التي حاولت اجهاض التحول الديموقراطي والمكاسب المتحققة للكرد في عراق ما بعد البعث (لعلنا نتذكر جماعات من طينة جند الاسلام وأنصارها، وغيرها من حركات كردية متطرفة ومتواطئة على شعبها ككتائب آزادي وكومله في كردستان سوريا الآن). فهي هذه المرة، أيضاً، وبالتحالف مع القوى البعثية الصدامية تخوض حرباً ضد الكرد في سوريا، وتكفي الاشارة هنا إلى وجود كتائب في المعارضة العربية السورية تحمل اسم «الشهيد صدام حسين»، فضلاً عن أنّ بعض البيئات العشائرية العربية المتاخمة للمناطق الكردية السورية والمتداخلة معها والمحاذية للعراق تتميّز إلى حدّ ما بنزعة عروبية قومجية صدامية (من صدام حسين) يغذيها التداخل العشائري على طرفي الحدود، فالقاعدة تحاول والحال هذه الترعرع في هذه البيئة بغية ضرب النموذج الديموقراطي في كردستان سوريا، وتأليب مكوناتها على بعضها والدفع نحو حرب قومية كردية ــ عربية، بما يخدم أهدافها في خلط الأوراق وتعقيد الوضع أكثر فأكثر وتعميم الموت والدم.

وبهذا المعنى فان العملية الدموية في هولير (أربيل) تشكّل انذاراً بأنّ الحملات الارهابية الشرسة على كردستان سوريا بدأت تمتد لأجزاء كردستان الأخرى، فهذه الجماعات أعلنتها حرباً مفتوحة على الكرد، بما هم كرد بغض النظر عن انتماءاتهم وتبايناتهم. فمن يستبيح الدم الكردي في تل حاصل وتل عران ومن يعتدي على الكرد في سري كانيه (رأس العين)، ومن ينهبهم ويحلل ممتلكاتهم ونسائهم كما في كري سبي (تل أبيض) مثلاً، ومن يخطفهم على الهوية لن يتوانى عن ارتكاب كل هذه الجرائم ضد الكرد في عاصمة اقليم كردستان.

فتفجيرات أربيل الانتحارية المتزامنة مع انتهاء الانتخابات العامة في اقليم كردستان العراق، بما يعني المضي قدماً في تكريس التجربة الديموقراطية في الاقليم، لم تكن صدفة بل هي استهداف متعمّد للدور الكردي الريادي المتنامي في دمقرطة المنطقة، لا سيما على وقع الثورة الكردية في سوريا، وانتهاجها الخطّ الثالث الديموقراطي التعددي، بين خطي النظام والمعارضة العربيين. ولا ننسى هنا أنّ الحرب على كردستان سوريا، التي هي خدمة مجانية لنظام الأسد، من قبل تحالف «القاعدة» والعديد من كتائب «الجيش الحر» اشتدت منذ حوالى ثلاثة أشهر مع الاعلان عن مشروع الإدارة المدنية الموقتة من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) تمهيداً لاجراء الانتخابات ينبثق عنها برلمان وحكومة. وفي جبهة تمتدّ من ديريك شرقاً إلى عفرين غرباً، على امتداد خمسمائة كيلومتر، تشتعل حرباً بغية اجهاض ذاك المشروع الذي من شأنه تكريس المكتسبات القومية والديموقراطية في هذا الجزء من كردستان. هذا المشروع يشكّل وصفة حلّ لسوريا، عبر تطوير نموذج حكومة اقليمية منتخبة تتكامل مع الحكومة الاتحادية في سوريا المستقبل، في إطار دولة فيدرالية تعددية تتشارك فيها مختلف المكونات.

فالهجمة على أربيل تستدعي ادراك حجم المخاطر الداهمة والترابط المباشر بين ما تتعرض له كردستان سوريا وما تعرضت له أربيل مؤخراً. ولعلّ المطلوب إعادة تقويم ومراجعة شاملين للموقف من هذه الحرب ومن مجمل الوضع في غرب كردستان، وتحديداً من قبل الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي ما فتئ يحاول فرض بعض الجهات المحسوبة عليه كجماعة الاتحاد السياسي في المجلس الوطني الكردي كقوة أمر واقع في كردستان سوريا، كما هي الحال مع حزب آزادي الذي لا حاجة للاشارة إلى تورطه المباشر في هذه الحرب. ففي الوقت الذي يخوض غرب كردستان غمار حرب وجودية ضد جماعات غازية تستهدف تعريبه واحتلاله يتمّ محاصرة الكرد في سوريا، من جهة الاقليم الكردي العراقي الذي ينبغي أن يكون الرئة التي تتنفس بها كردستان سوريا.

والحال أن المؤمل أن تشكل هذه الحادثة الارهابية ناقوس خطر كي يترفع الجميع عن الاعتبارات والحسابات الفئوية الضيقة، وادراك أن الخطر حقيقي ولا يستهدف كرد سوريا فقط، وعليه فلا بد من تطوير مبادرات وآليات استراتيجية لدعم واحتضان ثورة غرب كردستان ودعم المقاومة الشعبية فيها بقيادة وحدات حماية الشعب بكافة السبل. مقاتلوا وحدات YPG هم الآن في خندق الدفاع الأول عن هولير (كردستان العراق) وآمد (كردستان تركيا) ومهاباد (كردستان إيران)، وهم في خندق الدفاع الأول عن المشروع الديموقراطي السوري ككل لبناء سوريا فيدرالية علمانية وتوافقية تتمخض عن المؤتمر الدولي للحل المزمع عقده في جنيف، والذي سيكون بمثابة اتفاق «طائف» سوري عماده المكونات الرئيسية الثلاث في البلاد: العرب السنة والكرد والعلويون، مع ضمان حقوق كافة المكونات الأخرى القومية والدينية.

* كاتب كردي

 

 

عن الحرب العنصرية على غرب كردستان

الأربعاء 18 أيلول 2013

منذ شهرين تتواصل الهجمات في طول غرب كردستان (كردستان سوريا) وعرضها من قبل كتائب «الجيش الحر» وتنظيم القاعدة، ممثلاً في جبهة النصرة ودولة العراق والشام الاسلامية بهدف احتلال المنطقة الكردية وتعريبها وأسلمتها وافراغها من أهلها الكرد. وذلك وفقاً لمشاريعها الظلامية الهادفة إلى تأسيس إمارات اسلامية، وإعادة انتاج دولة البعث بصيغة أخرى.

 فهذه الجماعات التي ما فتئت تخسر المجابهة مع النظام وتتراجع ميدانياً في حمص وريف دمشق... وبعد اسهامها مع النظام القاتل في خلق حرب سنية ـــ شيعية مفتوحة، تتطاير شظاياها يمنة ويسرة نحو دول الجوار، ها هي تحاول عبر غزواتها الهمجية للمناطق الكردية الدفع نحو حرب عرقية عربية ــ كردية، بما يخدم أجنداتها الظلامية في ضرب النموذج الديموقراطي الوحيد في سوريا، والمتمثل في نموذج غرب كردستان.

 وبدأت هذه الهجمة الواسعة بالتزامن مع اعلان حركة المجتمع الديموقراطي ومجلس شعب غرب كردستان مشروع تأسيس الإدارة الموقتة، تمهيداً للانتخابات، وانشاء برلمان وحكومة اقليميين في المناطق الكردية.

 الأمر الذي استدعى كل هذا التحشيد العروبي الاسلاموي ضد الكرد ومناطقهم، وبدفع وتحريض من القوى الاقليمية المعادية للقضية الكردية وعلى رأسها تركيا.

 والحال أن الهجمة الارهابية التكفيرية المنظمة ضد الكرد في سوريا، وصلت إلى حد ارتكاب جرائم التطهير العرقي والابادة الجماعية، كما حصل في تل عران وتل حاصل مثلاً، حيث ذهب الحقد العنصري بهذه الجماعات إلى درجة تحليل دم الكرد وأعراضهم وممتلكاتهم، في الوقت الذي تتوالى فيه هزائمهم واخفاقاتهم في وجه النظام وحلفائه كحزب الله اللبناني، محاولين حفظ ماء وجههم عبر التعويض قدر ما أمكن عن هزائمهم تلك في المنطقة الكردية. هذه الكتائب الارهابية، التي تكفي اطلالة على مسمياتها الماضوية لتبيّن مدى وحشيتها واجرامها، باتت تتكالب على غرب كردستان من مختلف المناطق العربية السورية.

 من دير الزور إلى ادلب وحمص وحتى دمشق ذاتها، لتجابه بمقاومة شعبية واسعة تقودها وحدات حماية الشعب (YPG). فرغم توسع جبهات القتال من أقصى غرب كردستان إلى أقصاها، وكل الدعم الذي تلقاه تلك المجموعات الارهابية في حملاتها التعريبية لم تحصد سوى الهزيمة تلو الأخرى، لكونها مجموعات قطّاع طرق دخيلة، تعمل وفق عقلية الغزو والغنائم ولا تملك حاضنة اجتماعية شعبية في المنطقة. وذلك رغم وجود بعض الأدوات المساندة لها من عرب المنطقة أو حتى من بعض الكرد، كما هي الحال مع ما كتائب «كومله» و«آزادي» وغيرها ممن يؤدون دور الطابور الخامس لهذا الغزو، الذي هو أكبر خدمة للنظام وأكبر طعنة في ما كان يسمى ثورة في سوريا.

 هذه الثورة تحولت بفعل الجماعات الارهابية والنظام القاتل إلى حرب أهلية ومذهبية، وما الهجوم على غرب كردستان إلا توطئة لتوسيع هذه الحرب، كما أشرنا، إلى حرب عربية ــ كردية. ولعل الاعلان أخيراً في تل تمر عن تأسيس كتيبة تابعة لوحدات حماية الشعب تتألف في معظمها من أبناء المنطقة من العرب، يمثّل خير شاهد على أنّ رهان هذه العصابات على إحداث فتنة بين العرب والكرد لن ينجح، بفعل تحوط الكرد ومعهم مختلف مكونات المنطقة لهذا المخطط.

فهذه الجماعات لئن وجدت أرضية لها في المنطقة، فهي تكاد تنحصر في عملاء النظام، وحتى الأمس القريب جداً من عتاة البعثيين ممن لديهم نزعات صدامية (من صدام حسين) يزيدها همجية وانحطاطاً مزاوجتها مع نزعات ظلامية قاعدية (من تنظيم القاعدة)، وتحولوا بقدرة قادر إلى ثوار وأحرار.

 ومن هنا يمكن تلمس مدى خطورة الهجمة على غرب كردستان، التي تخدم مختلف الأجندة المعادية للقضية الكردية داخل سوريا وخارجها، بوصف تلك القضية محكاً للتحول الديموقراطي البنيوي في البلاد.

فالهجمة والحال هذه على المشروع الديموقراطي الوطني التعددي السوري ككل، هي هجمة تخدم النظام بداهة، وينفذها التحالف بين «الجيش الحر» وتنظيم القاعدة، ما يثبت محورية الدور الكردي في دمقرطة سوريا، بدلالة هذا الاستهداف المزدوج له من النظام والمعارضة. ويؤكد فاعلية القضية الكردية ومشروعيتها بما هي قضية قومية وديموقراطية لا غبار على عدالتها.

* كاتب كردي

 

كرد سوريا: قضية شعب وأرض

  الثلاثاء 3 أيلول 2013

في خضمّ الحرب الارهابية المنظمة التي تخوضها دولة العراق والشام الاسلامية/ جبهة النصرة بالتحالف مع كتائب «الجيش الحر» ضد غرب كردستان (كردستان سوريا)، وبغطاء سياسي مباشر من الائتلاف العربي السوري في محاولة لوأد التبلور الكياني في غرب كردستان، بادر المجلس الوطني الكردي إلى توقيع مسودة الانضمام إلى الائتلاف في خطوة تعني مباركة هذا المجلس، أو بالأحرى الأحزاب التي تقف خلف هذا التوقيع الحملات التعريبية التكفيرية الشرسة ضد الكرد في سوريا، حيث ليس خافياً أن ثمة تنسيقاً بين الائتلاف وتلك القوى لدرجة يمكن معها اعتبار الائتلاف جناحاً سياسياً للتحالف العسكري بين الجيش الحر وتنظيم القاعدة، ممثلاً في فرعه السوري جبهة النصرة.

وحسبنا الإشارة إلى تصريحات رموز الائتلاف وخاصة رئيسه الجديد أحمد الجربا، التي أعاد فيها التأكيد على مواقف هذا الائتلاف العنصرية حيال القضية الكردية، حيث نفى صراحة، حاله حال أسلافه في رئاسة الائتلاف، وقبله المجلس الوطني السوري، وجود منطقة كردية في سوريا، فضلاً عن كردستان سوريا أو غرب كردستان.

 فالرجل لا يقرّ حتى بوجود منطقة سورية بغالبية كردية، مؤكداً أن سوريا عربية أبد الدهر، رافضاً أي شكل من أشكال الحكم الذاتي لكرد سوريا.

في ظل هذه الأجواء يأتي هذا الاتفاق كمحاولة للتمويه وخلط الأوراق والتغطية على حقيقة المشروع التعريبي الجديد ضد الكرد، لكن هذه المرة تحت غطاء ما تسمى الثورة بغية حرمان الكرد إحقاق حقوقهم في سوريا المستقبل، وأداء دورهم كمكون رئيسي لها، وكشريك حقيقي فيهاإ إذ إنّ مواقف الائتلاف لا تختلف عن مواقف النظام من القضية الكردية إن لم تكن أسوأ منها حتى. فالائتلاف يقف مباشرة خلف الهجمات المنظمة على المنطقة الكردية بغية ضرب مشروع الإدارة الذاتية الموقتة، الذي أعلنته حركة المجتمع الديموقراطي ومجلس شعب غرب كردستان. المشروع الذي رفضت بعض أحزاب المجلس الكردي المهيمنة عليه، ولا سيما جماعة الاتحاد السياسي وبعض الأحزاب الأخرى التقليدية، الاسهام فيه لكونها تعرف أنه في حال مضي المشروع قدماً وتمهيده للانتخابات فإنها بالنظر إلى ضعف نشاطها وفاعليتها على الأرض ستكون متضرّرة، حسب فهمها الحزبوي القاصر. فخوفها من الاستحقاق الانتخابي هو ما يقف خلف تهربها ورفضها المشاركة في انجاز خطوة تاريخية كهذه، وليس تذرعها بأن الوقت مبكر للخطوة كهذه سوى محاولة للتغطية على هذه الحقيقة.

 فمنذ بدء الثورة وشروع حركة المجتمع الديموقراطي في التأسيس لأمر واقع الحق الكردي في سوريا، وهذا المجلس وأحزابه تردد أن الوقت لم يحن بعد، لا لفتح المدارس الكردية، ولا لاعتماد تسميات خاصة بالتظاهرات في المناطق الكردية، بدلاً من التسميات القروسطية الماورائية العربية.

ولا لرفع الرموز والأعلام الكردية بدلاً من أعلام القاعدة، ولعلنا نتذكر كيف أن هذه الأحزاب كانت ترفض تشكيل وحدات حماية الشعب، وقوات الأسايش التي وفرت لها حركة المجتمع الديموقراطي ومجلس شعب غرب كردستان الغطاء السياسي عند تأسيسها. ولنا تصور مصير الشعب الكردي ومصير مناطقه وأرضه لو أنه جرى الركون إلى رؤى ذاك المجلس الكسيح الاستلابية.

فالأحزاب المهيمنة على المجلس الكردي بدلاً من الاستجابة لدعوة الانضمام إلى مشروع الإدارة الموقتة والتمهيد لتدشين تجربة ديموقراطية في غرب كردستان كتفاً بكتف مع مجلس شعب غرب كردستان، ها هي تلتحق كهامش على الهامش إلى جانب الائتلاف دون أدنى اقرار من هذا الأخير بالحقوق الكردية المشروعة، ودون أن تُذكر كلمة كردستان أو حتى منطقة كردية في مسودة الاتفاق المخزي، الذي لن يقدم ولن يؤخر على الصعيد الكردي، إذ إنّ الأحزاب الموقعة لا تمثل سوى نفسها.

فالوثيقة غير ملزمة كردياً لكونها لم توقع من طرف الهيئة الكردية العليا، التي هي وحدها الممثل الشرعي والوحيد للكرد في سوريا.

 والتنازلات الفادحة في تسفيه الحق الكردي جملة وتفصيلاً عبر اختزاله في بضعة حقوق مواطنية وثقافية، وفق ما ورد في هذا الاتفاق، لن تمرّ، فالكرد الآن بما يمثلونه من قوة وازنة في سوريا والاقليم الشرق أوسطي ككل لن يقبلوا بأقل من مقاربة عادلة وديموقراطية لقضيتهم، بما هي قضية أرض وشعب لا عبر وثيقة استسلامية يحاول الائتلاف العروبي تمريرها خدمة لأجنداته المعادية للقضية الكردية، وتواطؤاً مع تلك الأحزاب الباحثة عن مكاسب فئوية وشخصية تافهة، تصل إلى حد مجرد الحصول على كرسي في الائتلاف، والتمتع بمزايا الراتب الشهري والإقامة المجانية في فنادق إسطنبول.

فهذه الوثيقة الخطيرة التي تنفي تماماً وجود أرض كردستانية، لا تلزم أحداً سوى موقعيها. والحال هذه، ولو أنّه أُجري الآن استفتاء على هذه الوثيقة _ الفضيحة في غرب كردستان، فإنّها ستلقى الرفض المطلق لكونها لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق والتطلعات القومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا.

وعلاوة على محاولة افشال مبادرة تشكيل الإدارة الموقتة المنوط بها تنظيم الانتخابات، وما ينبثق عنها من برلمان وحكومة اقليميين في غرب كردستان، فإنّ الاتفاق يهدف إلى حرمان الكرد حضور مؤتمر «جنيف 2» تحت مظلة الهيئة الكردية العليا كقوة مستقلة عن المعارضة العربية السورية، ما ينعكس إيجاباً على تعضيد الدور الكردي في معادلات الحلّ والتغيير في البلاد، حيث حققت الهيئة نجاحات دبلوماسية ملحوظة لجهة ضمان تمثيل الكرد في المؤتمر الخاص بحلّ الأزمة السورية، ولا سيما بعد زيارة وفدها موسكو.

هذا الاتفاق يمثل ضربة للكيان الكردي المزمع تشكيله في غرب كردستان، وفق نموذج الإدارة الموقتة المنوط بها مأسسة التجربة الديموقراطية في المنطقة الكردية، وشرعنتها عبر الانتخابات، مما يمثل مكسباًَ قومياً وديموقراطياً للكرد كشعب وكقضية، بغض النظر عن الاعتبارات والحسابات الحزبية لبعض الأطراف الكردية ـــ التي ارتمت في أحضان الائتلاف عبر اتفاق ينسف المبادئ والثوابت المؤسِّسة لعدالة القضية الكردية برمتها.

 هذه القضية بما تمثله من قضية قومية تتعلق بأرض وشعب، وليست قضية خدمية وإدارية تحل عبر لا مركزية إدارية، وفق نمط الإدارة المحلية، كما هو وارد في المسودة. فحل القضية الكردية، كما هو وارد في قرارات الهيئة الكردية العليا، يكون عبر الفدرالية في إطار دولة لامركزية اتحادية، تقوم على توزيع وتقاسم السلطات والثروات بين المركز والأقاليم، وضمنها اقليم غرب كردستان.

والحال أن محاولة إعادة انتاج نمط الدولة المركزية، وانكار وجود جغرافيا خاصة بالشعب الكردي (غرب كردستان) ضمت إلى سوريا المستحدثة بعد انهيار الامبراطورية العثمانية واتفاقية سايكس _ بيكو يمثل تقافزاً خطيراً على جملة الحقائق التاريخية والجغرافية والديموغرافية الناظمة لشرعية الوجود والحق الكرديين في سوريا.

فالادارة المحلية في سياق لا مركزية إدارية تصلح ربما للدول الأحادية القومية، كآلية تطوير خدمي وتنموي لا أكثر للمناطق والوحدات الإدارية، ويكون نطاق اختصاصها مثلاً شقّ الترع وأرصفة الطرق وتنظيم شبكات الماء والصرف الصحي، ووضع وتنفيذ الخطط والمشاريع التنموية والخدمية. وتالياً فهي ليست وبأي حال وصفة حل للقضايا القومية في الدول المتعددة القوميات والديانات والطوائف، كما هي حال سوريا.

 ووحدها الصيغة الفدرالية الديموقراطية تمثل وصفة خلاصها من الأزمة الوجودية التي تحيق بها، بما تضمنه من تمثل لمختلف المكونات والأقاليم في مؤسسات الدولة الاتحادية، وشراكتها في حكم البلد وإدارته، وفق تكامل مقونن وتعاقد بين حكومة المركز والحكومات الإقليمية بما يضمن تشاركاً في مختلف الاختصاصات والفضاءات الوطنية سياسة واقتصاداً واجتماعاً...

الأمر الذي يعاكس سياسات الائتلاف السوري، الذي يسعى إلى إعادة انتاج الاستبداد وسياسات التعريب والتمييز القومي... عبر تمسكه بالدولة المركزية القامعة للتعدد والتنوع. ولعل صفقته المشبوهة مع بعض أطراف المجلس الكردي (ثمة أحزاب عديدة داخل المجلس ليست مع هذه الصفقة المولودة ميتة) خير شاهد على أنه ليس جاداً في اعتماد مقاربات ديموقراطية حقيقية في التعاطي مع واحدة من أهم القضايا الوطنية في سوريا، وبوصفها محكاً للتحول الديموقراطي البنيوي في سوريا، ألا وهي القضية الكردية، فضلاً عن أنه يكشف مدى الدور الخطير، الذي بات يتورط فيه هذا المجلس بدفع خاصة من أحزاب الاتحاد السياسي ومن يلف لفه.

 الأحزاب التقليدية عفى عليها الزمن، وبات عليها ادراك أنّها تحكم على نفسها بالانتحار المبرم، فضلاً عن أنها تسهم في خدمة الأجندات العروبية والظلامية المعادية للقضية الكردية في سوريا. فالتآمر واضح من وراء هذا الاتفاق على التمثيل الكردي المستقل في أي مؤتمر دولي مزمع للحل، وعلى مشروع مأسسة التجربة الديموقراطية في غرب كردستان.

 فهذا المجلس العاجز والفاقد الثقة بعدالة القضية الكردية ومشروعيتها، وبقوة الرقم الكردي الصعب في المعادلة السورية والاقليمية ككل، أقصى ما يملك هو ذينك الاستجداء التسولي والتفريط بما لا يملك حق التصرف به على موائد اللئام في المعارضة الطائفية العنصرية العربية السورية.

* كاتب كردي

 

نار سوريا وهشيم لبنان

  الإثنين 26 آب 2013

يمكن القول الآن إنّ الحريق السوري بات يلتهم شيئاً فشيئاً الهشيم اللبناني بعد العملين الارهابيين الأخيرين في الضاحية الجنوبية وطرابلس، ما يشي باحتمالات تفجّر صراع طائفي ومذهبي واسع في البلد الذي كان صاحب السبق في أطول حرب أهلية ــ اقليمية عرفتها بلدان المنطقة، والتي لا تزال تداعياتها ومفاعيلها قائمة إلى الآن لدرجة أن اللبننة غدت على خلفية الحرب اللبنانية تلك كناية عن التفتت والتنازع والتطاحن.

والحال أن الحدث السوري بات بمثابة صاعق تفجير للأوضاع في لبنان، فبعد التدخلات المباشرة والمعلنة لحزب الله وبعض القوى السلفية اللبنانية في الصراع على الأرض في سوريا باتت ترتسم ملامح حرب مذهبية سنية ــ شيعية على امتداد المنطقة يكون البلدان المتجاوران ساحتها الأساسية، وكأنّ تلازم المسارين إيّاه تحوّل إلى تلازم الحربين الأهليتين.

وليس خافياً هنا أنّ النظام المتهالك في دمشق لطالما لعب على ورقة الانقسام السني ــ الشيعي منذ اندلاع الثورة الشعبية ضده قبل أكثر من عامين، كما ساهمت قوى المعارضة العربية السورية المسلحة، هي أيضاً، في تكريسه عبر انجرارها مع النظام في أتون حرب طائفية بات العالم كله يتحدث عنها. ولم تعد فقط مجرد مخاوف أو تحذيرات، فما هو قائم الآن في سوريا حرب مذهبية موصوفة تستحضر تاريخاً دموياً من الصراع والتناحر على مدى ألف وأربعمائة عام.

 الأمر الذي لا يجدي في التغطية عليه التكاذب عن الإخوة والوطن الواحد والدين الواحد، وما هنالك من شعارات وحدوية يثبت واقع الحال في عموم دول منطقتنا تهافتها. فالمنظومات الدولتية المرسومة بفعل مِسطرتيْ سايكس وبيكو ها هي تتداعى بعد طول فشل، كونها لا تعبّر عن واقع التعدد والتنوع داخل حدود هذه الدول الاعتباطية التي دمجت شعوباً وطوائف وأدياناً ومذاهب قسراً، ودونما قوننة ودسترة لتنظيم هذا التعدد المكوناتي. والاكتفاء بأهازيج من خامة كلنا إخوة وأبناء بلد واحد، والتي هي مجرد تجميل لواقع حال نظم استبدادية متسلطة ممثلة لأكثريات أو حتى لأقليات في بلدان مأزومة وفاشلة، ولعل النبرة الشعاراتية المنتفخة بين ظهرانينا حول الوطن والوطنية والمؤامرة السرمدية عليهما تعكس هشاشة أوطاننا وركاكتها لدرجة لا يرقعها التعويض اللفظي السمج ذاك.

ما حدث في صيدا وفي القرى على جانبي الحدود السورية ــ اللبنانية واستهداف الأراضي اللبنانية بالقصف من قبل بعض المعارضة السورية، وصولاً إلى تفجيري طرابلس والضاحية الجنوبية برمزيتها المعروفة كمعقل لحزب الله في العاصمة اللبنانية يشي بما هو أخطر.

 فها هو ما سمي الربيع العربي يتحول إلى مواجهة سنية ــ شيعية تفجر أحقاداً واحتقانات وتراكمات فشل حضاري مزمن تعيشه هذه المجتمعات. فيتم الانغماس في صراع مذهبي تاريخي لا حاجة للإشارة إلى مدى خطورته لو أنفلت من عقاله، فدوماً الحروب المذهبية والدينية عبر التاريخ هي الأشرس والأكثر دموية وديمومة كون الأطراف المتحاربة تنصب نفسها وكيلة الله على الأرض، وتتنازع فيما بينها على شرعية التمثيل السماوي (أحد قادة السلفية الجهادية الأردنية المدعو أبو سياف كشف مؤخراً أنهم سينتصرون في سوريا كونهم على تخاطب واتصال مباشر مع الله).

 الأمر الذي يغدو معه البشر والحجر والبلاد والعباد مجرد تفصيل ووقود لنيران الحروب «المقدسة» تلك، بدل التطلع إلى المستقبل والتأسيس لمجتمعات وأوطان حرة ومتقدمة وفق مبادئ الحرية والمساواة والعدالة والقطع مع سائر أشكال الوعي الماضوي لا سيما الديني المسيّس.

وهكذا نعود القهقرى إلى نحو ألف وخمسمائة عام خلت، وكأننا ما زلنا في بدايات تفجر هذا الصراع نراوح مكاننا ونجتر تخلفنا على ما شاهدنا مثلاً في مصر قبل أسابيع، حين تم قتل مجموعة مواطنين شيعة بالعصي والسكاكين في إحدى القرى من قبل أهلها ممن هم في غالبيتهم سنة، في جريمة تعكس مدى الانحطاط المتمادي في ربوعنا... هي الهمجية العارية تطل برأسها من مصر إلى لبنان وسوريا والحبل على الجرار مع الأسف.

* كاتب كردي

 

غرب كردستان: من الديفاكتو إلى الانتخابات والمأسسة

السبت 20 تموز 2013

منذ انطلاق الثورة على نظام البعث قبل عامين ونيف تقريباً، كان كل من حركة المجتمع الديموقراطي ومعها مجلس الشعب في غرب كردستان سباقين في اعتماد مقاربات استراتيجية لتكريس الحق الكردي في غرب كردستان (كردستان سوريا) عبر شروعهما منذ بدء الثورة في انتهاج خطّ ثالث خاص بالكرد، تجسّد في التحذير مسبقاً من فخاخ العسكرة والأسلمة والتطييف.

 ذاك الثلاثي الذي أصاب الثورة في مقتل بل وحوّلها إلى حرب طائفية لا أحد يستطيع انكارها. فالأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى جميعها تقرّ بكونها حرباً أهلية، فضلاً عن الاعلام الدولي.

وبفضل السياسات العقلانية والثورية المبدئية لحركة المجتمع الديموقراطي بالدرجة الأولى، تمكّن الكرد من النأي بأنفسهم وبمناطقهم من الدخول في معمعة النار التي تحرق سوريا في شقها العربي، وحولتها إلى بقايا وطن.

 من هنا تثبت الآن أكثر فأكثر صوابية مقاربات الطرف الكردي، وخاصة مواقف مجلس شعب غرب كردستان، التي طبعت فيما بعد موقف الهيئة الكردية العليا، لكونها نابعة من عمق المزاج والمصلحة الشعبيين الكرديين.

فالحركة التي شرعت في الإعداد لتعبئة الفراغ في غرب كردستان منذ بدء الثورة، وتضعضع سلطة النظام عبر رؤية بعيدة النظر، عملت بفاعلية دون انفعال عبر الشروع في التأسيس للمجالس والإدارات المحلية والشعبية المنتخبة، فضلاً عن مختلف المؤسسات المدنية والخدمية المتعددة تعدّد المجتمع وقطاعاته، بغية تنظيمها وصولاً إلى افتتاح المدارس الكردية، وفرض تدريس اللغة الكردية في المدارس.

فضلاً عن النقطة الأهم، وهي توفير الغطاء السياسي لوحدات حماية الشعب وقوات الأسايش (الأمن)، التي هي الآن قوى وطنية عسكرية شرعية تابعة للهيئة الكردية العليا بوصفها الممثل الشرعي والوحيد لكرد سوريا، وسلطة الأمر الواقع في المناطق الكردية، لكونها تضم تحالفاً بين المجلسين الكرديين الرئيسين في سوريا.

ومع استمرار تعقّد الوضع السوري، ومآلاته الكارثية، وخاصةً مع احتدام الصراع الطائفي وتحوّله إلى حرب عابرة حتى لحدود سوريا على وقع صاعق التماس السني _ الشيعي، بادرت حركة المجتمع الديموقراطي إلى طرح مشروعها الجديد، الذي كشف النقاب عنه قبل أيام. هو مشروع خاص بتأسيس إدارة مدنية موقتة مشتركة بين مختلف القوى والأطر السياسية ومجمل مكونات غرب كردستان من قومية وطائفية ودينية، تقوم أساساً على التمهيد للانتخابات البرلمانية، ليتمخض عنها برلمان وحكومة واعداد دستور مؤقت يقونن العملية، ما يمثل انتقالاً من حالة الديفاكتو في غرب كردستان إلى حالة مؤسساتية عبر مأسسة التجربة الديموقراطية الجنينية، وشرعنتها، من خلال إكسائها الشرعية القانونية والشعبية، ما يحصن الموقف الكردي أكثر فأكثر، وينعكس ايجاباً على الوزن والدور الكرديين في معادلة التغيير والتحول السوريين، التي هي بوصلة لمعادلة التغيير الاقليمية ككل.

ولعل ما يكشف أهمية هذه المبادرة ــ المشروع وضرورتها لاحقاق الحق الكردي في سوريا المستقبل، وضمان حلّ عادل وديموقراطي للقضية الكردية فيها، ردود الفعل العنصرية المتشنجة من قبل مختلف الأوساط المعادية للقضية الكردية داخلياً وخارجياً، ولا سيّما من قوى المعارضة العربية السورية الممثلة في «الائتلاف» على وجه الخصوص، ضد مبادرة ما زالت قيد البلورة والتدشين، وما تبعها من هجمات للمجاميع الارهابية التكفيرية التابعة لجبهة النصرة ودولة العراق والشام الاسلامية، فضلاً عن بعض كتائب «الجيش الحر» على المناطق الكردية من كري سبي (تل أبيض) إلى سري كانيه (رأس العين)، وصولاً إلى جل آغا وديريك، أي من أقصى غرب كردستان إلى أقصاها. فها هنا تكمن خلفيات هذا الاستشراس العروبي والاسلاموي القاعدي في استهداف المنطقة الكردية، في محاولة لوأد التبلور الكياني في غرب كردستان وفق نموذج الإدارة الذاتية الديموقراطية في سياق دولة لامركزية اتحادية. وليس سراً أن هذا النموذج الديموقراطي العصري يتنافى جملة وتفصيلاً مع توجهات المعارضة العروبية الاسلاموية وأجنداتها، الهادفة إلى إعادة انتاج الاستبداد إن عبر إقامة إمارات ودول اسلامية، أو إعادة انتاج دولة البعث، لكن هذه المرة بصبغة صدامية سنية بدلاً من صبغتها الأسدية العلوية الآفلة.

* كاتب كردي

 

 

فتح دبلوماسي لكرد سوريا

الجمعة 14 حزيران 2013

جاءت زيارة الهيئة الكردية العليا إلى موسكو بدعوة رسمية من وزارة الخارجية الروسية لتشكل توطئة للاعتراف الدولي بالهيئة، بما هي الممثل الشرعي والوحيد لكرد سوريا. فليس سراً أنّ روسيا، ورغم انتهاء عصر القطبية الثنائية، تبقى دولة عظمى لها نفوذها ومصالحها الاستراتيجية حول العالم، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط المتاخمة لها ومياهها الدافئة في المتوسط. ولا حاجة للإشارة هنا إلى دورها المحوري في الأزمة السورية، حتى أنها باتت اللاعب الأبرز والأكثر تأثيراً في المشهد، كما ثبت بعد أكثر من عامين من تفجّر الثورة على النظام البعثي، والتي للأسف تحولت إلى حرب طائفية طاحنة. ولعلّ التوافق الأميركي ــ الروسي الأخير باتجاه عقد مؤتمر «جنيف 2» لحلّ الأزمة السورية خير شاهد على رجحان كفة الرؤى والمقاربات الروسية للوضع السوري في أجندة التعاطي الدولي معه، وتبني الولايات المتحدة لها إلى حدّ كبير، وإن كان واضحاً منذ البداية أنّ ثمة تناغماً مضمراً كي لا نقول توزيع أدوار بين القوتين العظميين من الأزمة إيّاها.

ولعل أهمية الزيارة الرسمية للهيئة الكردية العليا تنبع من تزامنها مع التحضيرات لعقد مؤتمر جنيف، الذي يهدف لاقرار حلّ توافقي سياسي ينهي الحرب المدمرة ويؤسس لنظام ديموقراطي تعددي تتمثل فيه مختلف المكونات السورية، وعليه فحضور الهيئة العليا ممثلاً عن المكون الكردي (أكثر من 15 في المئة من عدد سكان سوريا) يشكّل شرطاً لشمولية التمثيل وعدالته، خاصة وأنّ ثمة جهات عدة تحاول النيل من هذه الهيئة بما يحرم الكرد في سوريا من وجود مرجعية سياسية لهم تشكّل سلطة لإدارة مناطقهم وتمثلهم في مختلف المحافل الدولية والاقليمية الخاصة بسوريا، فالخطوة الروسية تمثل ارهاصاً بأخذ القوى الفاعلة والمؤثرة في المشهد الدولي للرقم الكردي الصعب في المعادلة السورية بعين الاعتبار خاصة مع مطالبة الوفد الكردي لموسكو ولواشنطن بتمثيل كردي مستقل في المؤتمر في إطار «الهيئة العليا» يشكّل خطوة كبرى على طريق انتزاع الاعتراف الدولي بالهيئة كممثل للشعب الكردي في سوريا، وبوصفها قوة ثالثة وازنة عبر إدارتها وسيطرتها على مناطق غرب كردستان (كردستان سوريا). وأثبتت الوقائع صحة قراءاتها الاستراتيجية لتعقيدات الوضع السوري ومآلاته، إذ لطالما حذّر الطرف الكردي من عسكرة الثورة وتطييفها وأسلمتها.

ولا ريب في أنّ الترحيب الروسي المبدئي بهذا الطلب الكردي في تمثيل الكرد بوفد مستقل في المؤتمر الدولي المزمع، الذي ليس خافياً أنّ موسكو هي عرابته ومهندسته جنباً إلى جنب واشنطن، ستترتب عليه تأثيرات إيجابية لجهة حلّ القضية الكردية واحقاق الحق الكردي في سوريا المستقبل، وبرعاية وضمانات دولية، خاصة وأنّ «الائتلاف» الوطني لقوى المعارضة العربية السورية باتت أسهمه في الحضيض وما عاد في وارد أحد، حتى أشد المتحمسين له، الركون مجدداً إلى كذبة أنّه هو المظلة الوحيدة للمعارضة السورية، فهيئة التنسيق المعارضة حاضرة بقوة في كواليس الاعداد للمؤتمر الدولي، وها هي الهيئة الكردية العليا، هي الأخرى، تفرض حضورها، ما سيسهم في أن يكون المؤتمر جامعاً لكافة القوى الأساسية المعارضة في سوريا بمختلف تلاوينها ومكوناتها، وفي مقدمها المكون الكردي الممثل بالهيئة العليا، ما ينعكس إيجاباً لجهة توصّل المؤتمر إلى قرارات ملزمة ومعبّرة عن مختلف القوى الفاعلة على الأرض.

إنّه مكسب لا بل فتح دبلوماسي كردي من الطراز الأول، وموسكو والحال هذه هي البوابة التي ستدشّن عبرها «الهيئة العليا» طريقها نحو مختلف عواصم القرار الدولي التي لا شك أنّها باتت تدرك جميعها أنّ اللاعب الكردي الفاعل لا بدّ من اشراكه في أيّ خارطة طريق تهدف إلى اخراج سوريا من دوامة النار عبر كون الكرد أصحاب الخيار الثالث الديمقراطي التعددي، وهم قد نجحوا في إدارة مناطقهم وحمايتها إن من النظام أو من مجموعات المعارضة المسلحة التابعة لما يسمى الجيش الحر وتنظيم القاعدة، والحفاظ على التعايش بين مختلف مكوناتها وبوصفهم القوة المنظمة والمنضبطة الوحيدة سياسياً وعسكرياً وسط تخبط النظام والمعارضة العربية، لا سيّما في شقها المسلح في خيارات العنف والدم المنفلتة من كل عقال وتحويلهما للبلاد إلى ساحة حرب مذهبية سنية ــ شيعية تستقطب المقاتلين الأجانب من أفغانستان والشيشان إلى إيران والسعودية فلبنان والأردن وصولاً إلى المغرب.

* كاتب كردي

 

في العلاقة بين كردستانيَّي العراق وسوريا

الخميس 23 أيار 2013  00:00

كان البيان الصادر عن مصدر صحافي في رئاسة اقليم كردستان حول غرب كردستان (كردستان سوريا) صادماً في انحيازه الفجّ والصريح دون مواربة لأحزاب الاتحاد السياسي، التي تصوّر نفسها فرعاً سورياً للحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي، وخطِراً لجهة تبنيه جملة من الاتهامات والافتراءات المفبركة والكاذبة التي تروجها وترددها أحزاب ذاك الاتحاد، بهدف تشويه صورة قوات «الأسايش» (الأمن) ووحدات الحماية الشعبية (YPG)، بما هي قوى ومؤسسات وطنية تحظى باجماع وطني حولها، ولا سيّما بعد ملاحمها البطولية في التصدي لكل من تسول له نفسه الاعتداء على الشعب الكردي في سوريا، وعلى مناطقه في غرب كردستان وحتى في أماكن حضوره في المناطق غير الكردية من البلاد، سواء من النظام أو من المعارضة المسلحة. وذاك ما شهدناه في سري كانيه، وتل تمر، وفي الشيخ مقصود، والأشرفية، فيما بعض أحزاب الاتحاد السياسي كانت تؤدي دور المرتزقة وحصان طروادة لتلك الجماعات الغازية الهادفة إلى احتلال المناطق الكردية، وإعادة احياء مشاريع التعريب تحت ستار «الثورة».

والحال أنّ البيان الصحافي الصادر عن رئاسة الاقليم إذ يعتمد سرديات الاتحاد السياسي المملة، يتغافل عن حقيقة أنّ غالبية أحزاب المجلس الوطني الكردي ذاته تقف ضد توجهات التكتل المسمى الاتحاد السياسي، الذي بات واضحاً أنّ له ارتباطات وأجندات مشبوهة تسيّره على خلفية صلاته مع بعض قوى المعارضة العربية العنصرية الشوفينية، التي تتنكر لأبسط مقومات الحق الكردي في سوريا. فالحري برئاسة الاقليم تبيان موقفها من السياسات المضرة التي تقترفها هذه الأطراف، والتي تعلن جهاراً نهاراً أنها تمثل النهج البارزاني في كردستان سوريا، ورفع الغطاء عنها وليس توفيره لها كما هو واضح عبر هذا البيان، اللهم إلا إذا كان الأمر يتعلق بتنسيق كامل بين الطرفين.

هو بيان مرفوض ومتشنج ولا يليق برئاسة الاقليم بما هي مؤسسة وطنية كردستانية، وهو أقرب إلى أن يكون بياناً معبّراً عن الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي ليس خافياً انحيازه لطرف الاتحاد السياسي على حساب بقية الأطراف. والخطير هو تكرار البيان ادعاءات تتعلق باتهام قوات الأسايش ووحدات الحماية بالقتل حتى، ما يجعله محض بيان حزبي يندرج في سياق خدمة المصالح والاعتبارات الفئوية الضيقة، التي تتعارض مع المصالح القومية العليا في كردستاني سوريا والعراق. ولعل اغلاق المعبر الحدودي بينهما من الجانب الكردي العراقي، تزامناً مع هذا البيان يعد ابتزازاً ممجوجاً ولا يسهم إلا في توتير الأجواء، وصبّ الماء في طاحونة جماعة الاتحاد السياسي، التي ما فتئت تدفع نحو افتعال الاقتتال الداخلي في كردستان سوريا، بغية ضرب المكتسبات القومية والديموقراطية المتحققة هناك، تحت مظلة الهيئة الكردية العليا تعويضاً عن عجزها وهزال حضورها ودورها على الأرض.

على رئاسة الاقليم بالفعل إعادة النظر في مواقفها من كردستان سوريا، كما ورد في البيان، عبر البقاء على مسافة واحدة من كافة الأطراف، لا الانحياز لجهة محددة. فاعلان هولير (أربيل) الذي تمخضت عنه الهيئة الكردية العليا يقتضي من راعي الاتفاق، أي رئاسة الاقليم، التصرف بحياد وفق منطق دعم التوافق والتوازن، لا تبني وجهة نظر جماعة صغيرة وضعيفة تعمل ليس على تقويض الهيئة الكردية العليا فقط، بل حتى المجلس الوطني الكردي أيضاً، في مسعى لا حاجة إلى تبيان عدميته.

ثم إنّ هذه النبرة البطريركية والوصائية ما عاد لها مكان في عصرنا هذا، والقول إنّ رئيس الاقليم السيد مسعود البارزاني هو السبب في حال الأمن والاستقرار في غرب كردستان مغالطة كبرى، مع تقديرنا لدوره في رعاية اعلان أربيل. فما تشهده كردستان سوريا من تبلور لأمر واقع الحق الكردي هو بالدرجة الأولى بفضل تضحيات ونضالات الشعب الكردي هناك، وطليعته السياسية ممثلة في حركة المجتمع الديموقراطي ومجلس الشعب لغرب كردستان (وهو بالمناسبة مجلس منتخب من قبل ربع مليون كردستاني، طالما أنّ ثمة إشارة عابرة إلى موضوعة الانتخابات في البيان). تلك الطليعة التي تميزت منذ انطلاق الثورة على نظام البعث القاتل بقراءاتها الاستراتيجية للوضع، والتي تثبت صحتها يوماً بعد يوم، حيث تكلل كل ذلك بتأسيس الهيئة الكردية العليا، بما هي الممثل الشرعي والوحيد لكرد سوريا، وذراعها العسكرية الدفاعية (وحدات الحماية الشعبية). وعليه فعلى مختلف القوى الكردستانية خارج سوريا التعامل مع هذه الحقائق وعدم القفز على إرادة الشعب الكردي في سوريا، ومحاولة فرض الوصاية عليه ودعم جهود الانقلاب على الهيئة بل احترام خياراته ودعم مكتسباته وانجازاته التي هي بالمحصلة تنعكس ايجاباً على مختلف أجزاء كردستان، ومن ضمنها كردستان العراق.

* كاتب كردي

 

كردستان سوريا: القوة الصاعدة

السبت 11 أيار 2013

أتى تصريح السيدة إلهام أحمد، عضو الهيئة الكردية العليا، ليضع النقاط على الحروف ويبدّد لغطاً ونقاشاً واسعين يدوران حول حقول النفط في غرب كردستان (كردستان سوريا)، وخاصة في رميلان، حيث أحد أكبر الحقول البترولية في سوريا، الذي يضخّ نحو ثلث إنتاج البترول السوري. هذه المدينة هي تحت سيطرة وحدات الحماية الشعبية (YPG) التي حررت المدينة النفطية قبل بضعة أسابيع في سياق «ثورة 19 تموز» (يوليو) العام المنصرم، التي بدأت من خلالها وحدات الحماية الشعبية جنباً إلى جنب الأهالي بتحرير المدن والمناطق الكردية تباعاً من سلطة النظام، من كوباني إلى رميلان، وبأقل قدر ممكن من العنف عبر محاصرة مفارز النظام وإمهال عناصرها للاستسلام، مع ضمان سلامتهم وعدم إساءة معاملتهم.وبعد قرار الاتحاد الأوروبي شراء النفط من المعارضة السورية ممثلة في «الائتلاف» المعارض، وبعد تحرير رميلان النفطية، بات لزاماً هنا التأكيد،

كما ورد في موقف الهيئة الكردية العليا، أنّ النفط الواقع في المناطق الكردية ليس مشمولاً بسلطة المعارضة العربية السورية والممثلة في «الائتلاف»، بل ثمّة الهيئة الكردية العليا التي تمثل السلطة الشرعية في كردستان سوريا، وهي المخوّلة حصراً ببتّ بيع النفط وشؤون التعاقد والإيرادات والنسب بما يسهم في خدمة عموم السوريين، وخاصة أبناء المنطقة الكردية التي لطالما عانت الإهمال والإفقار والتجهيل وتخلّف بناها التحتية بفعل السياسات البعثية الممنهجة حيال الشعب الكردي ومناطقه. فالهيئة العليا تعلن وبدون لبس أنّ الكرد من الآن وصاعداً شركاء في الأرض وما عليها وما في باطنها من ثروات لطالما حرموا منها، ولا سيّما أنّ كردستان سوريا غنية بمواردها البشرية والطبيعية الزراعية والمائية والنفطية، حتى إنه ليس بمبالغة وصفها أنها سلة الغذاء السورية، ما يضفي أهمية مضاعفة على أهميتها الاستراتيجية في إطار اللعبة الكبرى الدائرة في سوريا الآن. وتالياً لا بدّ من أخذها في الاعتبار عند الحديث عن شراء النفط السوري في المناطق المحرّرة من سيطرة النظام البعثي.

فالائتلاف ليس لديه سلطة على منابع الطاقة في كردستان سوريا، التي تديرها وتحكمها الهيئة العليا وتحميها وحدات الحماية الشعبية التابعة لها، إذ ليس سراً هنا أن ثمة ثلاث مناطق نفوذ في سوريا، الأولى الخاضغة لسيطرة النظام، وتلك الخاضعة للمعارضة العربية المسلحة، وثالثها المناطق الكردية الخاضعة لسلطة الهيئة الكردية العليا وذراعها العسكرية الدفاعية. وعند بتّ قضية استراتيجية هامة كقضية النفط، بما هي ثروة وطنية، لا يمكن تجاهل العامل الكردي المحوري هنا، فالكرد لا يعارضون القرار الأوروبي من حيث المبدأ، لكن لهم تحفظاتهم وهم يريدون توسيعه ليشملهم ويشمل نفطهم كونهم ليسوا ضمن قوى «الائتلاف»، التي لم تقرّ ولم تعترف حتى الآن بالحقوق المشروعة لكرد سوريا، وبالتالي ليس مقبولاً وليس منطقياً أن يكون «الائتلاف» حصراً الجهة المخوّلة ببتّ قضية حساسة كهذه، وخاصة أنه لا يمثل مختلف المكونات السورية. مثلاً المكون الكردي، كما سبقت الإشارة ليس ممثلاً فيه حتى الآن، رغم إبداء الهيئة الكردية العليا استعدادها للانضمام إليه، شريطة الإقرار بالحقوق القومية الديموقراطية للشعب الكردي في سوريا ما بعد البعث، الأمر الذي ما فتئ «الائتلاف» يماطل بشأنه.

ثم إنّ هذا القرار الأوروبي قد يستغل للتسلح، لا لتحسين الوضع المعيشي والإنساني المزري في سوريا، ما سيسهم في تعقيد الوضع أكثر. لذا، الطرف الكردي يلحّ على ضرورة أن تكون واردات النفط لخدمة الناس وإغاثتهم ومساعدتهم وتخفيف معاناتهم، لا لشراء الأسلحة وتسعير الصراع والعسكرة أكثر فأكثر، ما يخدم النظام بالدرجة الأولى.

وفي مطلق الأحوال، فإن سوريا المستقبل لن تستقيم لها حال ديموقراطية ما لم تكن دولة اتحادية تعدّدية قائمة على تقاسم السلطات والثروات بين مختلف المكونات والأقاليم، بما يسهم في بناء وحدة وطنية طوعية مستندة إلى المصالح المشتركة والتكافؤ في إطار فيدرالي لامركزي ينزع تركة الدولة المركزية الثقيلة عن كاهل سوريا والسوريين، ولعلّ الموقف الكردي من المسألة النفطية يندرج في سياق هذه التوجهات التشاركية التعاقدية التي توفّر وتضمن لكل السوريين بمختلف مكوناتهم وطوائفهم وقومياتهم الحق في المشاركة في حكم بلدهم وإدارته والاستفادة من ثرواته وخيراته، التي لطالما حرموا منها ووظفت في سياق عسكرة الدولة والمجتمع ونهبهما لصالح النظام الاستبدادي وشبكة المصالح والقوى الفاسدة المستفيدة منه والمتواطئة معه.

هو النفط إذاً، يعزز قوة اللاعب الكردي في سوريا وموقعه في الحسابات الاستراتيجية الناظمة للصراع في سوريا وعليها، والتي باتت ملعباً لمختلف القوى الدولية والإقليمية والمحلية، حيث رائحة النفط تدرّ لعاب مختلف القوى. ولعلّ محاولات بعض تنظيمات «الجيش الحر» و«جبهة النصرة» _ الفرع السوري لتنظيم القاعدة _ لجسّ نبض مدى جهوزية الوحدات الشعبية في رميلان، تحديداً عبر مساعيها الفاشلة للتمدد نحو القرى القريبة منها ومن القامشلي، تندرج في سياق مخططها اليائس لضرب المكتسبات الكردية في سوريا، وأبرزها تحرير منابع النفط والطاقة ووضعها تحت حماية الهيئة الكردية العليا وإدارتها، بما هي الممثل الشرعي والوحيد للكرد في سوريا.

فالكرد وإن لم يتورطوا في دوامة العنف المجنونة التي تطحن البلاد، إلا أنهم يمتلكون قوة ردع دفاعية عديدها عشرات آلاف المقاتلين المتمرسين (عديد وحدات YPG نحو خمسين ألف مقاتل ومقاتلة) أثبتت جدارتها في صدّ العدوان عنهم وعن مناطقهم، كما لاحظنا خصوصاً في سري كانيه (رأس العين)، التي كانت معركة استراتيجية وجودية نجح كرد سوريا في امتحانها وكسبها وقطع دابر محاولات التعريب الجديدة تحت لافتات الثورة. تلك الثورة رويداً رويداً لن يبقى لها من اسمها أي نصيب، حتى إن مفاعيل وارتدادات زلزال المقاومة الملحمية للكرد في سري كانيه انعكست مباشرة حتى على طريقة تعاطي أنقرة عراب غزو المدينة مع مجمل الملف الكردي، ومراجعة حساباتها وسياساتها الفاشلة تجاه القضية الكردية، وصولاً إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الزعيم الأسير عبد الله أوجلان، ما يؤكد حقيقة أن كرد سوريا باتوا لاعباً داخلياً وإقليمياً كبيراً، وقوة وازنة لا يستهان بها في المشهد الشرق أوسطي ككل.

* كاتب كردي

 

 

عن كنائس سري كانيه وموزاييكها

الأربعاء 1 أيار 2013

بعد استتاب الأوضاع في سري كانيه (رأس العين) وتشكيل مجلس مدني يضمّ مختلف مكونات المدينة، اثر فشل مخططات تعريب المدينة تحت غطاء الثورة هذه المرة، ومحاولة جعلها مدخلاً لاحتلال المناطق الكردية الأخرى وإثارة الفتنة بين مكوناتها كما كان مراداً من الغزو الفاشل الذي تعرضت له المدينة، والمقاومة الشعبية التي خاضها أبناء المدينة بقيادة وحدات حماية الشعب (YPG)، التي شكّلت صمام أمان لحفظ التعايش والتعدّد اللذين لطالما تميّزت بهما، والمستهدفين من المجموعات الغازية ومنها جماعات مرتبطة مع تنظيم «القاعدة» ومن على شاكلته من تنظيمات سلفية تكفيرية، سارعت هذه إلى انتهاك حرمة كنائس المدينة بل ومحاولة تلغيمها وتفجيرها حتى كما تبين لاحقاً عندما أبطلت وحدات الحماية قنابل متفجرة داخل إحدى الكنائس.

ولعل أكثر ما جسّد نبل وعظمة مقاومة وحدات الحماية وعمق التزامها الأخلاقي في حماية مختلف سكان المدينة وأهلها مسارعتها في خطوة رمزية بالغة الدلالات إلى قرع أجراس الكنائس فور هزيمة تلك الجماعات الغازية، ومطالبتها بوقف النار بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها، فقرع تلك الأجراس كان إيذاناً بعودة الأمن والسلام والحرية إلى المدينة، وبانتصار إرادة الحياة والحق والتنوع. والحال أنّ كاتب هذه السطور، وإبان احتدام المعارك خلال أسبوعين من بدء غزو المدينة، ورغم إيماني الكامل بانتصار وحدات الحماية في تلك المعركة الاستراتيجية الوجودية بالنسبة للشعب الكردي في سوريا، معززةً بدعم أهل مدينتي لها ووقوفهم خلفها، إلا أنه لطالما حاصرتني الهواجس والمخاوف على سري كانيه التي مثلت خندق الدفاع الأول عن كردستان سوريا كلها، وعن مبادئ الحرية والتعددية ونبذ العنف والتطرف التي لطالما مثلتها الثورة الكردية في سورية على نظام البعث.

ولعل أكثر ما كان يؤرقني مصير تلك الكنائس، لا سيّما أن شارع الكنائس حيث مرابع الطفولة وذكرياتها كان تحت قبضة الغزاة، فالشارع الواقع على مرمى حجر من بيتنا والذي تتوسطه مدرستي: مدرسة الأمل التابعة لكنيسة الكاثوليك التي كانت في وسط فنائها بئر أو جب في باحتها المتداخلة مع ساحة الكنيسة، حتى أننا عندما كنا نشاغب في الصف كانت معلماتنا أو آنساتنا كما كنا نناديهن يلوحن بمعاقبتنا عبر رمينا في الجب، وكم يتملكني الضحك عندما أتذكر أنني كنت اعتقد حينها أن أبونا هو اسم علم وليس رتبة دينية يكنى بها الأب راعي الكنيسة.

ففي تلك اللحظات العصيبة، حيث كانت تتعرّض المدينة لهجمة همجية عبر قصفها بالأسلحة الثقيلة عشوائياً، كم كان يلحّ عليّ التساؤل عن مصير بشرها وحجرها ومعالمها وبخاصة كنائسها، التي تمثل رمزا لتعددية المدينة وتسامحها وانفتاحها وكون إحداها كنيسة الكاثوليك. هي أولّ مكان أتعلم فيه، ما شكّل مصدر قلق مضاعف عليها وعلى معلماتنا، وعلى مسيحيي المدينة (كونهم أقلية مستهدفة من قبل بعض الظلاميين الناشطة ضمن صفوف المعارضة المسلحة) ومختلف أطيافها.

لكن مع المقاومة المظفرة لوحدات الحماية وفشل مخطط الغزو وابرام اتفاق السلام وعودة الحياة تدريجياً إلى سري كانيه، وعودة معظم الأهالي لها ووجود ممثل المسيحيين ضمن المجلس المحلي للمدينة في إطار الكتلة الكردستانية التي تقاسمت مع الكتلة العربية المقاعد العشرين، بواقع عشرة مقاعد لكل طرف تبددت بعدها تلك المخاوف والهواجس إلى حدّ كبير، ولو أنّ المخاوف تلك تبقى قائمة ما دامت سوريا، لا سيّما في شقها العربي، دخلت في المجهول وكافة الاحتمالات مشرعة الأبواب، لكن يبقى اليقين بقدرة وحدات (YPG) على ردع أي محاولات لاستهداف سري كانيه مجدداً، هي أو أي منطقة أخرى من كردستان سوريت. مبعث الطمأنينة الأول رغم الواقع الدموي المؤسف العاصف بسوريا، والذي ثمة محاولات محمومة لنقله إلى المنطقة الكردية عبر جرّها إلى حلقة النار الملتهمة باقي المناطق.

* كاتب كردي

 

تركيا والكرد بعد جريمة باريس

  الأربعاء 23 كانون الثاني 2013

جريمة اغتيال بل إعدام، كما وصفها وزير الداخلية الفرنسي، المناضلات الكرديات الثلاث ساكينة جانسيز، وفيدان دوغان، وليلى سويلماز في العاصمة الفرنسية، لم تكن كأيّ جريمة مشابهة، رغم أنها مجرد حلقة في سلسلة من جرائم وسياسات الاضطهاد والإبادة والقمع بحق الشعب الكردي. الجريمة التي هزت باريس، ومعها الكرد في وطنهم المقسم، نفذت باحتراف عال، وهي تستمد استثنائيتها من الظرف والمكان اللذين وقعت فيهما. وبهدف وأد ارهاصات الربيع الكردستاني الذي يزهر من آمد (ديار بكر) في كردستان تركيا إلى قامشلو (القامشلي) في كردستان سوريا، ولا سيّما أنّ الحكومة التركية بدأت كخطوة استباقية جولات تفاوض لحلّ القضية الكردية مع الزعيم الكردي الأسير عبد الله أوجلان، بعد نحو عام ونيف من العزلة الممنهجة المطبقة بحقه، مع بدء موجة التحولات والانتفاضات في المنطقة في مسعى منها إلى عزل الرجل ومنعه من التأثير في هذه التحولات وإضعاف الدور والموقع الكرديين عامة في موجة ربيع شعوب المنطقة.

 فهي بدأت هذا المسعى التفاوضي على وقع تصاعد الحراك التحرري الكردي في تركيا، وفي سوريا خصوصاً، وتمكن كرد سوريا من إدارة مناطقهم بأنفسهم في غرب كردستان (كردستان سوريا) مع تبنيهم عبر الهيئة الكردية العليا خيار الفدرالية شكلاً للعلاقة مع المركز الدمشقي ما بعد البعث، رغم المحاولات التركية المحمومة لضرب المكتسبات الكردية في سوريا، وتأليب المعارضة العربية السورية الدائرة في فلك أنقرة، بشقيها السياسي والمسلح.

 الأمر الذي وصل حدّ محاولة احتلال كردستان سوريا من قبل «الجيش الحر» وتنظيم «القاعدة»، كما يحدث في سري كانيه (رأس العين).

 المخطط فشل اثر المقاومة الكبيرة التي أبدتها وحدات حماية الشعب Ypg، معزّزة بالالتفاف الجماهيري حولها من مختلف مكونات منطقة رأس العين، في منطقة أصبحت حاضنة لعشرات آلاف النازحين واللاجئين من المناطق العربية السورية.

وفي استهداف الناشطات الكرديات الثلاث، وفي مقدمهن المناضلة المخضرمة والعضو المؤسس لحزب العمال الكردستاني ساكينة جانسيز وفي قلب باريس، دلالة واضحة على استهداف الطابع الحضاري المتقدم للحراك التحرري الكردي، ولا سيّما مع موجة ربيع شعوب المنطقة، حيث تؤدي المرأة الكردية دوراً ريادياً، فاستهدافها هو ضرب لقيم الحرية والمساواة، التي تمثلها حركة التحرر الكردستانية، إن في دعوتها إلى المساواة والتكافؤ بين مختلف الشعوب والجماعات الدينية والقومية في الدول المقتسمة لكردستان، أو بين الجنسين.

 وهي محاولة لارهاب الكرد عامة، والمرأة الكردية خاصة، ولضرب النموذج الثوري الكردي، حيث إنّه في ظل تصاعد النزعات الطائفية في المنطقة، واصطباغ تحولاتها وانتفاضاتها بصبغة طائفية يبرز الاستثناء الكردي، في تقديمه نموذجاً تحررياً عصرياً واعداً، يرنو إلى المستقبل وفق مبادئ التعدد والتسامح، والتعايش، والحرية، ولا سيّما حرية المرأة.

لذا جريمة اغتيال جانسيز ورفيقتيها بهذه الطريقة الثأرية المنحطة لم تأتِ اعتباطاً، بل هي في أحد استهدافاتها الأساسية محاولة لاضعاف هذا التقليد المشرق والمشرف للحراك التحرري الكردستاني.

واللافت أنّ هذه الجريمة وقعت بعيد الترحيب الكردي، إن عبر الزعيم أوجلان أو منظومة المجتمع الكردستاني على لسان رئيسها السيد مراد قره يلان، بالحوار طريقاً للحلّ السلمي العادل. كيف لا والكرد لطالما كانوا دعاة الحلّ السلمي، وحقن الدماء، فيما أدّى الجانب التركي، دائماً، دور الرافض والمصرّ على الحلّ الأمني والعسكري للقضية الكردية. هذا الخيار لم يعد يستقيم مع مرحلة ربيع شعوب الشرق الأوسط، وتهاوي نظم الاستبداد من حول تركيا.

ورغم أنّه من المبكر الحكم على جدية الطرف التركي من عدمها، إلّا أنّ أنقرة لم تقدم بعد على خطوات ملموسة في سياق تأكيد جدّيتها، كتحسين شروط سجن أوجلان، والشروع في بعض الاجراءات الأولية التي تزرع الثقة وتبدّد المخاوف حول كون المبادرة التركية قد تكون مجرد مناورة، لا بل إن مواقف الحكومة التركية من جريمة اغتيال المناضلات الكرديات في باريس ذهبت إلى حدّ محاولة تصوير الأمر كأنه تصفية حسابات داخلية كردية، فيما هذه الحكومة نفسها تبقى في موضع الاتهام المباشر بالوقوف خلف هذه الجريمة، حتى لو افترضنا أنّه ليس ثمّة قرار سياسي من حكومة أنقرة بارتكاب هذه الجريمة.

وتبقى الفرضية الأقوى، والأكثر منطقية، أنّ جهات يمينية متطرفة أو استخبارية أمنية في تركيا، تسندها مراكز قوى تقليدية في ما يعرف بالدولة العميقة، هي من تقف خلف هذه الجريمة لاجهاض جهود السلام وعملية التفاوض، التي بدأت بين الطرفين التركي والكردي بغية انضاج حلّ سلمي عادل لقضية مزمنة، لن تعرف تركيا الاستقرار دون الاقرار بوجودها وبضرورة معالجتها وفق مقاربة ديموقراطية حضارية، قائمة على الاقرار بالتعدّد وبشراكة الشعب الكردي مع نظيره الشعب التركي في وطن جامع، يعترف دستورياً بالشعب الكردي، وبحقّه في إدارة مناطقه في كردستان تركيا، في اطار اتحادي فدرالي، أو حتى في شكل حكم ذاتي وفق ما تؤدي إليه المفاوضات. هذا الأمر الذي سيعود بالنفع على تركيا ككلّ، بكردها وأتراكها، ما سيفتح أمامها الأبواب على مصراعيها لدخول النادي الأوروبي. فليس سراً أنّ بقاء القضية الكردية رهينة المقاربات الاستئصالية العنصرية الفاشلة يعني ببساطة أنّ أنقرة لن تحلم يوماً بالعضوية الأوروبية، فلو ارتقت الحكومة التركية إلى اللحظة التاريخية، واتخذت قراراً شجاعاً بمعالجة هذه القضية بالاتفاق مع عبد الله أوجلان، الذي هو عنوان أمة، فستكون بذلك قد أخرجت الدولة التركية من دوامة الاضطرابات والتحولات المزلزلة التي تعصف بعموم دول المنطقة المأزومة. تركيا ليست بأيّ حال خارج دائرة الاضطراب هذه، طالما أنّها تعاني مشكلة كردية تتمثل في وجود نحو 25 مليون كردي محرومين أبسط حقوقهم الانسانية والديموقراطية القومية.

وتبقى الحكومة التركية هي المتهم الأول في هذه الجريمة، وهي من تتحمل المسؤولية عنها ولو على نحو غير مباشر، إن افترضنا أنّ أطرافاً عنصرية متطرفة في تركيا، إن في دوائر الاستخبارات والأمن والجيش أو حتى خارجها، هي الفاعلة مع عدم اغفال احتمال تورّط جهات أخرى اقليمية ودولية، وخاصة أنّ المنطقة برمتها تعيش مخاضاً دموياً عسيراً، بحيث اختلطت أوراقها وتشابكت قضاياها بعضها ببعض على نحو لا مثيل له.

 ومن هنا، تسعى بعض الأطراف إلى عرقلة أيّ محاولة لحلّ القضية الكردية سلمياً عبر بوابة الزعيم الكردي أوجلان، الذي هو الأقدر على انجاز تسوية تاريخية مع أنقرة. إذاً المطلوب حلّ لقضية لطالما قضّت مضاجع الدولة التركية، وستبقى إن لم يجرِ اقتناص هذه الفرصة والمضي في خيار الحلّ السياسي السلمي إلى النهاية، أي إلى حدّ انتاج جمهورية جديدة في تركيا قوامها شراكة بين الشعبين، والنصّ دستورياً على هذه الشراكة التي ستكون دعامة رئيسية لدمقرطة تركيا، وازدهارها، وتحوّلها إلى قوة اقليمية كبرى، ليس عبر إعادة انتاج نموذج امبراطوري عثماني، كما بشّرنا بذلك قبل بضعة أيام بتعيين والٍ تركي (هل أقول عثماني) على السوريين، بل في تقديمها نموذج الدولة الديموقراطية التعددية المتصالحة مع نفسها، ومع مكوناتها، وتالياً مع محيطها والعالم ككل.

*كاتب كردي

 

كردستان: بيضة قبان العراق الديموقراطي

الأربعاء 16 كانون الثاني 2013

تستمرّ الأزمة الوطنية في العراق تعقّداً، ولا سيّما بعد العارض الصحي المؤسف الذي ألمّ برئيس الجمهورية جلال الطالباني، الذي كان قد نجح إلى حدّ كبير في احتواء الأزمة مجدداً، وفي إعادتها إلى سكة الحلّ عبر اعتماد الحوار وفق أسس الدستور والشراكة والاتفاقات المعقودة سابقاً بين مختلف الأفرقاء.

 وبعد التأزم الذي ألمّ بالعلاقة بين بغداد وأربيل على خلفية التوتر العسكري في المناطق المتنازع عليها، عاد إلى الواجهة الاستقطاب السنّي ـــ الشيعي على خلفية تحركات مطلبية وتظاهرات في مختلف المحافظات السنية، وخاصة في الأنبار ونينوى وصلاح الدين. ورغم أنّ التظاهر والاحتجاج السلمي المدني حق مشروع ومكفول بطبيعة الحال، إلّا أنّه سرعان ما جرى حرف وجهة التظاهرات تلك نحو منحى طائفي، ولا سيّما أنّها محصورة في المناطق العربية السنية، كما أسلفنا، رغم المحاولات الفاشلة من قبل بعض منظمي هذه التظاهرات لإقحام الطرف الكردي في هذه اللعبة الطائفية المقيتة عبر رفع بضعة أعلام لإقليم كردستان في الأنبار، فيما المحك ليس في انفتاح مصلحي تكتيكي على الكرد بقدر ما هو في اتخاذ مواقف مبدئية ثابتة من القضية الكردية وعدالتها، ولا سيّما أنّ القيّمين على هذه التظاهرات هم التيارات السياسية الأكثر تشدداً وتعنتاً في ما خصّ القضية الكردية في العراق، وخاصة مسألة المادة 140 من الدستور الخاصة بحلّ ملف المناطق التي استقطعت من كردستان إبّان العهد البعثي. لكن هذه المحاولة المثيرة للضحك الأسود، حين يرفع علم كردستان إلى جانب صور صدام حسين، لم تنجح طبعاً في زجّ الكرد في معمعة هذا الاحتقان الطائفي، الذي يتغذى على التفجر الأكبر في العلاقات السنية ـــ الشيعية على صعيد المنطقة ككلّ، من باكستان إلى البحرين والسعودية وصولاً إلى لبنان. وتداخل الأدوار التركية والسعودية والإيرانية ليس للسعي إلى تحويل العراق إلى ساحة حرب بالوكالة مجدداً، وهو الذي بالكاد يلملم جراحه ويحاول الخروج من تداعيات الحرب الطائفية المقيتة التي عصفت به بعيد سقوط النظام السابق.ولعلّ الخطر الأكبر هو في انتعاش تنظيم القاعدة مجدداً، ولا سيّما أنّه بات حقيقة شاخصة في سوريا عبر كتائبه العديدة، وعلى رأسها جبهة النصرة الإرهابية. هذا ما قد يشجعه على العودة إلى الملعب العراقي من البوابة السورية. وليس سراً أنّ معظم المناطق المتاخمة للحدود مع سوريا تضم بيئة اجتماعية متعاطفة مع المعارضة السورية المسلحة لاعتبارات طائفية. إنّ محاولة ركوب موجة السخط والاستياء الشعبي، وسط العرب السنّة، من قبل بقايا البعث وبعض التيارات الصدّامية، التي ربما تعتقد أنّ بامكانها إعادة عجلات الوقت إلى الوراء، عبر النفخ في نار الأحقاد والضغائن واثارة الفتن الطائفية والقومية مما كان، ولم يزل، ديدن هذه التيارات العروبية الاسلاموية في العراق وغير العراق من بلدان العالم العربي المبتلية بها. ولعلّ ترداد شعارات عنصرية متخلفة في التظاهرات لا يمت بصلة لأيّ حراك ديموقراطي متحضر يرنو إلى التصويب والتصحيح، بل هو سرعان ما تسبب في ردود أفعال عبر قيام تظاهرات مضادة في المحافظات الشيعية.

وهنا، الطرف الكردي كان وسيبقى بيضة القبان في ميزان المعادلة الوطنية العراقية بوصفه قوة وازنة ومرجحة لكفة الخيار الديموقراطي الفدرالي التعددي، وسط تصاعد الخيارات الطائفية ومحاولات إعادة انتاج الدكتاتورية، إن من طرف بعض القوى النافذة في الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد، أو من قبل بعض الأطراف ذات الهوى البعثي، التي ربما تتوهم أنّ بامكانها إعادة عقارب الساعة العراقية إلى الزمن الصدّامي المنقرض والآفل.

الكرد وإن كانوا على خلاف مع حكومة المالكي، ومع نزوعه المطرد نحو الفردية، ومحاولاته إعادة احياء المركزية السلطوية مفهوماً وممارسة، إلا أنّهم قطعاً لن ينزلقوا نحو خيارات عدمية مضادة لمصلحتهم ومصلحة العراق ككل، كالتحالف مثلاً مع تيارات قومجية عروبية متدثرة بلبوس اسلاموي. الموقف الكردي العقلاني الوسطي، ومقارباته الوفاقية خير شاهد على نجاعته وصوابيته، وهو الحريص على اعتماد خيارات توافقية عقلانية ودستورية لحلّ أزمات العراق المعقدة والمتشابكة مع غير ملف اقليمي متفجر يمثل محط اجماع سياسي وشعبي كردي، إن عبر موقف القيادة السياسية الحاكمة في الإقليم، أو حتى عبر موقف المعارضة الكردية التي أكدت في اجتماعها الأخير توافقها مع سياسات حكومة الاقليم على ضرورة أن ينأى الكرد بأنفسهم عن التورط في أي صراع طائفي سني ـــ شيعي، إن في العراق أو الإقليم الشرق الأوسطي ككل، الذي باتت تلوح نذره المشؤومة مع الأسف في بلاد الرافدين على وقع التأزم المذهبي العام.

*كاتب كردي

 

«سري كانيه» (رأس العين) توحّد كرد سوريا

الخميس 29 تشرين الثاني 2012

لم يكن صدفة اختيار «سري كانيه» التي عرّب اسمها إلى «رأس العين» كأول مدينة كردية تخترقها وتحتلها مجاميع تكفيرية مسلحة تابعة للجيش السوري الحر، قدمت عبر الحدود التركية، وعلى رأسها كتيبة غرباء الشام. والمسلحون الذين احتلوا المدينة لم يكونوا سوريين فقط، بل كانوا توانسة وليبيين ومغاربة ويمنيين من كتائب سلفية تكفيرية متفرعة من القاعدة كجبهة النصرة وغيرها من جماعات إرهابية باتت أمراً واقعاً في سوريا، الأمر الذي ينذر بحرف الثورة عن خطها وتحولها إلى حرب طائفية طاحنة سنية ــ علوية، كما هو حاصل، وبغية توسيعها إلى حرب عرقية كردية ــ عربية، كما هو مخطط له وفق سيناريو احتلال «سري كانيه».

ومن هنا يكمن سبب اجتياح تلك المدينة الآمنة والصغيرة والمحررة من النظام، ما خلا بعض العساكر الذين لا حول لهم ولا قوة، والتي لا أهمية لها بتاتاً من الناحية العسكرية للمعارضة العربية السورية المسلحة. لكن اقتحامها أتى في سياق ضرب الاستقرار النسبي في كردستان سوريا، التي تميّزت منذ بدء الثورة بخطها الديموقراطي السلمي في الانتفاض والثورة على نظام القتل البعثي، وبأولويات وأجندات كردية وسورية ديموقراطية في الآن عينه، الأمر الذي لا يروق الكثير، من النظام أو بعض قوى المعارضة العروبية والإسلاموية أو بعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها أنقرة.

 وإلا فكيف يمكن تفسير وصول شذاذ الآفاق هؤلاء الغرباء عن «سري كانيه» عبر الحدود التركية، وبكل بساطة مع دعم وإسناد لوجستي ومدفعي لهم من وراء تلك الحدود.

 اختيار المدينة لم يأت اعتباطاً، إذ تمثل مصغراً عن سوريا، حيث يوجد إلى جانب الكرد العرب والسريان والأرمن والشيشان والمسيحيون واليزيديون والمسلمون، ما يجعلها منطقة حساسة وقابلة للتفجير. وهنا أتى اللعب على هذا الوتر بما يفجر المنطقة الكردية ككل. منطقة غدت حاضنة للنازحين واللاجئين الهاربين من الحرب من المناطق العربية السورية، وكأنّ المطلوب هو تحويل سوريا كلها إلى كتلة لهب.

ورغم وجود قوات حماية الشعب الكردية (Ypg) في المدينة وحولها، إلا أنّها ــ إدراكاً منها لطبيعة المخطط وخطورته ــ مارست أقصى درجات ضبط النفس ولم تنجرّ إلى المواجهة، معطية الأولوية للجهود السلمية والمدنية لإقناع هذ المجاميع المسلحة بالخروج من «سري كانيه» التي غدت مدينة مهجورة بفعل اندلاع الاشتباكات بين الجيشين النظامي والحر. والكرد أكدوا أنّهم ليسوا ضد الجيش الحر، لكنّهم لا يقبلون دخوله إلى مناطقهم التي يقومون بحمايتها وإدارتها، إن عبر وحدات حماية الشعب، بوصفها القوة العسكرية الدفاعية المنوط بها حماية أمن وسلامة كردستان سوريا وشعبها، أو عبر الهيئة الكردية العليا بوصفها المرجعية السياسية وسلطة القرار.

 وهذا ما تبدى في مواقف ومطالبات كلا المجلسين الوطني الكردي ومجلس شعب غرب كردستان، فضلاً عن الهيئة الكردية العليا الجامعة للمجلسين الواضحة والصارمة في دعوتها تلك المجموعات إلى الانسحاب وتجنيب المنطقة الكردية ويلات الدمار، كما هو حاصل في بقية سوريا. وترافق ذلك مع التلويح بخيار القوة إن أصرت تلك المجموعات على تحدي ارادة الشعب الكردي والبقاء في «سري كانيه».

 إذ إنّ الطرف الكردي قادر تماماً (وهذا ما ثبت على ارض الميدان) على حسم الامر عسكرياً عبر وحدات حماية الشعب، لكن لحساسية الوضع ولوجود مخطط رامي الى وضع الكرد وبعض كتائب الجيش الحر في مواجهة بعضهم لبعض، قد يتطور الامر حتى الى صراع عربي ــ كردي في «سري كانيه» التي تتميز بوجود نسبة كبيرة من القاطنين العرب الأصلاء أو غمر المستوطنين عبر مشروع الحزام العربي السيئ الصيت.

 وتكفي الاشارة هنا الى مسارعة بعض رموز العشائر العربية من عملاء السلطة الى احتضات تلك المجموعات، وهي التي كانت قبل دخول الجيش الحر للمدينة تدين بالولاء المطلق للنظام. وعموماً، إنّ تطور الامور نحو صراع عربي ــ كردي كما تدفع به بعض قوى المعارضة العربية السورية المسلحة، بتشجيع من انقرة، يخدم بالدرجة الاولى النظام ويضر بالثورة السورية وبالتعايش بين مختلف المكونات، وخاصة أنّ الكرد لطالما حافظوا على السلم الاهلي والتعايش بين مكونات غرب كردستان (كردستان سوريا) وهم محتاطون لمحاولات تأليب هذه المكونات بعضها على بعض، ما يفسر هذا الموقف المتروي في معالجة التطور الخطير المتمثل في محاولة احتلال «سري كانيه».

 والامر ينطوي على ابعاد خطرة لجهة محاولة تقطيع اوصال كردستان سوريا، وتهجير الكرد عن مدنهم وارضهم، والتأسيس لسياسات تعريب جديدة تحت ستار «الثورة» هذه المرة.

 وهنا تنبع اهمية الدعوة التي اطلقتها الهيئة الكردية العليا للعودة الى الديار لمختلف سكانها كرداً وغير كرد الذين تركوا مدينتهم بفعل تغلغل تلك الجماعات فيها، الامر الذي سارعت تلك المجاميع الارهابية الى محاولة منعه لتكشف عن حقيقة نياتها الحاقدة في أنها ترتهن لأجندة عنصرية عروبية وتركية هدفها احتلال كردستان سوريا والتلاعب بواقعها الديموغرافي القومي، وجر المنطقة الكردية الى حلقة الدم هي التي نجحت في تطوير نموذج ثوري سلمي وسط غرق سوريا في شقها العربي في برك الدم والدمع.

ورغم أنّ الكرد مصرون على المضي في ثورتهم السلمية وعدم تحولهم الى طرف في الصراع الطائفي المشتد في البلد، لكن مع شروع العصابات التكفيرية في الهجوم على المواطنين الكرد ومحاولة استهداف الرموز والأعلام الكردية وحواجز الأمن (الأسايش) الكردية، كان لا بد لوحدات حماية الشعب من التصدي لها واعتماد خيار الدفاع عن النفس، وصولاً الى طرد هذه العصابات من المدينة. وتكبدت هذه العصابات خسائر فادحة في العتاد والأرواح على أيدي القوات الكردية التي أظهرت معركة «سري كانيه» مدى تطور قدراتها ومهاراتها القتالية التي ترفدها بالأساس الروح المعنوية العالية والالتفاف الشعبي الهائل حولها كقوات دفاعية تحمي شعبها وأرضها في وجه تلك العصابات، أو أي جهة أخرى معتدية.

ويمكننا الآن القول إنّ «سري كانيه» قبرت المخطط التركي الرامي إلى زجّ كردستان سوريا في لهيب ارهاب القاعدة ومن لفّ لفيفها من مجاميع الجيش الحر وتحويلها الى ساحة صراع دموي بغية ضرب المكتسبات المتحققة للكرد في سوريا، لجهة ادارتهم لمناطقهم وشروعهم في تدشين البنية التحتية لاقليم كردي سوري يتحد مع المركز لاحقاً في سوريا الجديدة، في اطار فيدرالي تعددي. ذاك المخطط هو خدمة مجانية للنظام المحتضر، فصحيح أنّ كرد سوريا لطالما التزموا الثورة السلمية المدنية على النظام، وعدم اللجوء الى خيار العنف، لكن الصحيح أيضاً أنّه في حال الاعتداء عليهم من أي طرف كان (النظام أو معارضته المسلحة) سيدافعون عن أرضهم صفاً واحداً.

 وهذا ما بدا جلياً إبان مقاومة مدينة «سري كانيه» التي غدت مدماك توحيد الصف الكردي السوري في مواجهة الخطر الأصولي التكفيري الداهم الذي لا يقلّ خطراً عن النظام الساقط والذي يمكن القول إنّ الكرد قطعوا دابره في «سري كانيه»، وهو الذي كان يسعى إلى التمدد نحو باقي مدن كردستان سوريا ومناطقها. فقد خلفت واقعة احتلال المدينة من قبل العصابات المدفوعة من قبل تركيا الى بلورة موقف شعبي وسياسي كردي موحد في رفض هذا الاحتلال ومقاومته، ولا سيما أنّ الوعي الجمعي الكردي لا يستسيغ بتاتاً هذه الجماعات والتوجهات الظلامية الارهابية التي هي خليط قذر من شبيحة النظام حتى الأمس القريب جداً، الى الصداميين البعثيين والقاعديين، وقس على ذلك. فالمجتمع الكردي معروف بانفتاحه ووسطيته ونبذه للتعصب الديني وغير الديني.

لطالما كان كاتب هذه السطور يفخر بتحدره من «سري كانيه»، المدينة المقاومة التي تسطّر ملاحم الحرية ورفض العبودية والاحتلال والتي يرقد في ثراها الطاهر عادل اليزيدي. لكن افتخاري بمدينتي في هذه اللحظات التاريخية التي ننجز فيها حريتنا وننتزع حقوقنا في سوريا المستقبل الديموقراطية التعددية الفيدرالية كشعب كردي يعيش على أرضه التاريخية لا يضاهيه اي فخر آخر.

بعد تحرر «سري كانيه» على أيدي وحدات حماية الشعب ومعها الشعب الكردي برمته من هذه العصابات الظلامية، ها هي تصنع الآن التاريخ في كردستان سوريا.

* صحافي من كردستان العراق

 

مانيفستو الربيع الكردستاني عندما يعلن من أنقرة

الجمعة 9 تشرين الثاني 2012

رغم أنّ الخطاب الذي ألقاه مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني السيد ملا بختيار في مؤتمر حزب «السلام والديموقراطية» الكردي في تركيا كان باسم مام جلال وحزب الاتحاد الوطني، لكن الخطاب التاريخي بكل معنى الكلمة لم يكن في واقع الأمر مجرد خطاب حزب أو زعيم أو حتى جزء من كردستان، بل كان خطاب أمة، هو خطاب الأمة الكردستانية في زمن ربيع شعوب منطقة الشرق الأوسط.

والخطاب هو رسالتها إلى الأمم الثلاث الأخرى الكبرى في المنطقة: العرب والأتراك والفرس؛ إذ استهل الرجل كلامه بتلاوة أبيات شعر النشيد القومي الكردستاني «أي رقيب» بتصرف منه. النشيد الذي يتصدى للمتربص بالشعب الكردي ويتحداه أن ينال من إرادة الحياة والحرية لديه يخاطبه ملا بختيار قائلاً: أترى أيها المتربص أنّ تلك الإرادة ها هي تنتصر، وأنّ مراهناتك على مدى عقود وعقود لكسر تلك الإرادة قد حصدت الفشل الذريع بدليل هذا المحفل الكردي الديموقراطي التحرري الذي أخطب به الآن، ما جعل الخطاب منذ بدايته يتميز بنبرة إنشائية ثورية استنهاضية، نعم، لكنها واقعية وعقلانية وتاريخية.

فالخطاب كان كردستانياً عابراً للأجزاء الأربعة من كردستان، والنبرة القومية الاشتراكية الديموقراطية التحررية كانت الطاغية على كنهه ومتنه كما على هوامشه وحواشيه حيث في الديباجة نقل للمؤتمرين تحيات مام جلال بروحه الخضراء المتسامحة الذي غدا رمزاً وصمام أمان للديموقراطية والسلام في العراق وعموم المنطقة وتحيات أزهار رمان حلبجة وسنابل قمح كرميان، مروراً بتحيات السليمانية وهولير (أربيل) ودهوك وكركوك وخانقين وشنكال لآمد (ديار بكر) وديرسيم وهكاري وأرضروم في كردستان الشمالية (كردستان تركيا). وليتبعها بنقل تحيات السليمانية وكركوك وخانقين ودهوك إلى مهاباد وسنه وسقز في كردستان الشرقية (كردستان إيران) وإلى قامشلو وعامودا في كردستان الغربية (كردستان سورية) في تشديد على أن القضية الكردية واحدة وأن كردستان واحدة رغم واقع التجزئة والتقسيم وأن حل هذه القضية تالياً ينبغي أن يكون شاملاً. وتلك هي الفكرة المحورية للخطاب الذي ألهب القاعة وملايين المشاهدين أكثر من مرة، ولا سيما أنّ ملا بختيار وهو البيشمركي السياسي المخضرم والمفوه نجح عبر بلاغته وقوة تعبيره ولغة الجسد المتقنة التي أداها على وقع فقرات الخطاب ومحطاته، نجح في تقديم وإخراج خطاب شديد التميز مضموناً وشكلاً، ما يفسر أصداءه الايجابية في طول كردستان وعرضها، وحتى على صعيد الجاليات الكردية في المهاجر.

والحال أنّ الرسالة كانت واضحة وعلى هدى التاريخ كيف أنّه على مدى قرن من الزمان وإثر وأد معاهدة سيفر التي أقرت بحق الكرد شأنهم شأن بقية شعوب المنطقة في تأسيس كيانهم القومي المستقل واستبدالها بمعاهدة لوزان وتقسيم كردستان بموجب سايكس ــ بيكو ومختلف الدول المقتسمة لكردستان تمارس شتى أشكال الإبادة والقمع والصهر القومي بحق الشعب الكردي ووطنه المجزأ من دون جدوى. فكيف الآن حيث العصر ما عاد عصر تلك المقاربات والمنهجيات العنصرية الدموية القاتلة، بل هو عصر الحوار والديموقراطية وسقوط أنظمة الاستبداد وانتصار إرادة الشعوب وحصولها على حقوقها، ولا سيما حقها في تقرير مصيرها؟ وفي مقدمة تلك الشعوب الشعب الكردي الذي لا بد من أن يتمتع في ظل موجة التغيير الكبرى العاصفة بمنطقتنا بحقه في تقرير المصير في أجزاء كردستان الأربعة؛ فالتعاطي وفق النزعات الاستعمارية العنصرية للإمبراطوريتين العثمانية والصفوية وللفاشيين والدكتاتوريين والمحتلين من بعدهما لكردستان لا يجدي البتة في كسر إرادة التحرر لدى الأمة الكردستانية.

فالتاريخ يقول، كما شدد الرجل ومن قلب عاصمة جمهورية أتاتورك، إنّ الشعوب تنتصر على محتليها وقامعيها ومنطق التاريخ قاطع صارم ها هنا؛ فالشعوب المضطهدة على حق وأنظمة القهر والاحتلال على باطل وعلى طول الخط؛ فالمضي والحال هذه في أسطوانة أبلسة الحركة التحررية الكردستانية ووصمها بالإرهاب بات فعلاً مبتذلاً أكل دهر الديموقراطية عليه وشرب، ويجب التوقف عن ممارسته حالاً. فتارة يتهم حزب العمال الكردستاني بالإرهاب، وتارة يتهم حزب كوملة بذلك. والرجل وإن كان يخطب في مؤتمر حزب كردي في تركيا، لكن البعد الكردستاني العام كان حاضراً في كل مفاصل الكلام، وهذا ما تبدى في الإشارة أعلاه إلى حزب كوملة الكردي الإيراني.

ويمضي ليشير إلى مفارقة أنّ القوميات الرئيسية الأخرى إلى جانب الكرد في الشرق الأوسط لكل منها دولها كما حال الأتراك في تركيا والفرس في إيران وعديد الدول العربية إلا الأمة الكردية التي يربو تعدادها على خمسين مليون نسمة، ومع ذلك فهي محرومة أدنى حقوق التمثيل والمشاركة السياسيين في مختلف الدول المقتسمة لكردستان (ما خلا عراق ما بعد البعث)، فضلاً عن الحق في الاستقلال في إطار دولة كردية وأنّه على مدى القرن المنصرم وبسبب طمس حقوق الشعب الكردي وغمطها ظل الشرق الأوسط وخاصة الدول المقتسمة لكردستان (تركيا وايران والعراق وسوريا) وكلها دول محورية ومركزية في اقليمنا الشرق أوسطي دائراً في دوامات الحروب والتوتر وعسكرة المجتمعات واهدار الطاقات والثروات على التسلح وتمويل الحروب العنصرية المتناسلة لكسر ارادة الشعب الكردي في نيل حريته.

لكن ونحن في بدايات القرن الجديد، فإنّ الكرد مصرون أكثر فأكثر، ولا سيما في خضم ربيع الشعوب الذي تعيشه منطقتنا على انتزاع حريتهم واحقاق حقوقهم وتصعيد حراكهم الديموقراطي التحرري سلمياً وسياسياً بالدرجة الأولى، لكن مع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس في وجه حملات القمع والإبادة ورفض الحوار واعتماد الحلول العسكرية الأمنية لطمس قضية عادلة. كذلك إن يدهم ممدودة للسلام والحوار والتعايش مع القوميات السائدة في الدول التي اقتسمت وطنهم بما يمهد لتعاقدات وطنية جديدة تفرز دولاً ديموقراطية تعددية توافقية تنتفي فيها نزعات العسكرة والمركزة وطمس التعدد ورفض الآخر، ولا سيما الآخر الكردي. الأمر سيعود بالنفع على مختلف شعوب المنطقة التي آن الأوان لأن تخرج من شرانق الاستبداد والتخلف الى آفاق البناء والمعرفة والابداع واعطاء الأولوية للانسان وللتعليم العصري والطبابة المتقدمة والتنمية المستدامة والبحث العلمي واقتصاد المعرفة والمعلومات وتحرير المرأة وتمكينها وتكريس ثقافة العمل الابداعي الانتاجي والعدالة الاجتماعية والاصلاح الديني وغيرها من مداميك أي اجتماع بشري حر عصري ومتحضر. وفي هذا الصدد يجب ألا ننسى تجربة أوروبا التي بعد عقود طوال من الحروب الضروس بين قومياتها الكبرى أهتدت الى طريق السلام والديموقراطية والتعايش لتغدو القارة العجوز قاطرة التقدم الإنساني ديموقراطياً وحضارياً وعلمياً... فتعالوا يقول الرجل لنبني جميعاً أتراكاً وكرداً وفرساً وعرباً شرق أوسطنا الجديد على أسس التعدد والتسامح والتكامل وعبر القطع مع رواسب المنظومة الاستبدادية الحاكمة في المنطقة بكافة حواضنها الفكرية والاجتماعية والثقافية... والتي وصلت الى طريق مسدود، وكان الشعب الكردي ضحيتها الأبرز وبلا منازع، ومن هنا فالكرد كانوا وما زالوا رأس حربة دمقرطة المنطقة بأسرها.

ولعل تجربة كردستان العراق تقدم نموذجاً ساطعاً في هذا المجال لجهة أنّ الشعب الكردي قادر على إدارة نفسه وبناء نموذج حكم وادارة عصريين واعدين وعلى بلورة خيارات ديموقراطية حضارية تفاعلية على قاعدة الاحترام المتبادل مع الشعوب الأخرى المجاورة له. وكم كان بليغاً تساؤل ملا بختيار عن أنّه ألم يكن من الأفضل لتركيا بدل العمل على الغاء اتفاقية سيفر لحرمان الكرد حقوقهم في بدايات القرن المنصرم القبول بها واحترام خيارات الشعب الكردي ومد جسور التعاون والتكامل معه بدلاً من مناصبة هذا الشعب العداء ومحاولة طمس كافة معالم وجوده بقوة الحديد والنار بلا طائل على مدى نحو قرن من الزمان في سياسة فاشلة ارتدت بتبعاتها الكارثية على تركيا أيضاً وعلى كافة الدول المقتسمة لكردستان التي نحت المنحى نفسه.

والإشارة في الخطاب الى معاهدة سيفر غير مرة لم يأت اعتباطاً بطبيعة الحال؛ فهذه المعاهدة هي أهم دحض تاريخي موثق لا غبار عليه لكافة الدعاوى الاستعمارية التركية وغير التركية حيال عدالة القضية الكردية بوصفها قضية شعب وأرض وليست مجرد قضية أقلية قومية. ولم يكن بلا دلالة استخدام ملا بختيار مصطلح المحتلين في وصفه للسلطات الغاصبة لكردستان؛ ففي هذه اللحظات التاريخية التي تعيشها المنطقة ككل وأفول نظم الاستبداد وإفلاسها المبرم وتصاعد ثورات الشعوب في سبيل حريتها، من المهم تسمية الأشياء بأسمائها وفق رؤية مبدئية وبراغماتية في آن واحد؛ فالرجل يشدد على ثوابت ومبادئ عدالة القضية الكردية، وفي مقدمها حق الشعب الكردي في تقرير المصير. وحقيقة أن كردستان مقسمة بين أربع دول إن مضت في خيار رفض الشراكة والتعايش مع الكرد، فإنّها وكتحصيل حاصل دول محتلة تمارس سياسة ابادة استعمارية بحق كردستان وشعبها. الا أننا ككرد دعاة سلام وحقن دماء وحوار وتعايش بما يمهد لحل قضيتنا القومية في مختلف الأجزاء على قاعدة التشارك والتعاقد مع القوميات الحاكمة في الدول المقتسمة لوطننا في اطار تعددي اتحادي لامركزي، الأمر الذي أثبت نجاعته في العراق عبر الحل الديموقراطي الفيدرالي للقضية الكردية.

ولعل أكثر ما ميّز الخطاب هو دعوته الصريحة بلا مواربة الى تحرير الزعيم الكردي الأسير عبد الله أوجلان واطلاق سراحه لبدء الحوار بغية انضاج الحل السلمي الديموقراطي للقضية الكردية في تركيا ومن قلب أنقرة التي كانت حتى الأمس القريب جداً تحاكم النشطاء الكرد لمجرد نعتهم أوجلان بالسيد. إذ إنّ السجون على عكس ما يبتغي القيّمون عليها تزيد من قوة وفاعلية قادة الشعوب المضطهدة وزعمائها. غرفة السجن صغيرة، نعم، لكن الزعيم الثائر الأسير يمتد نفوذه على امتداد وطنه وعلى امتداد آفاق عدالة قضية شعبه الرحبة. ورغم اتهام مانديلا وعرفات وملا مصطفى البارزاني ومام جلال... وغيرهم من رموز حركات التحرر الوطنية الديموقراطية وقادتها بالإرهاب، إلا أنهم أصبحوا جميعهم بعد عقود من الكفاح والنضال في سبيل قضايا شعوبهم العادلة رموزاً وطنية لشعوبهم، بل وحتى رؤساء دول. وكذا الحال مع عبد الله أوجلان الذي بات رمزاً قومياً وتحررياً، لا لشعبه الكردي فقط، بل لمختلف الشعوب المضطهدة حول العالم. لذا، إن إطلاق سراح أوجلان يعد خطوة ملحة للشروع في طريق التسوية السلمية العادلة لقضية الكرد في تركيا، ذلك أن ثمة كلاماً كثيراً أشبه بجعجعة بلا طحن عن الحل في أوساط الحكومة التركية، لكن من دون أدنى خطوات جدية ملموسة وملامسة لجوهر القضية الكردية بما هي قومية وسياسية، ودوماً بحسب ملا بختيار. ولعل الخطوة الأولى الواجب اتخاذها والأكثر إلحاحاً، تعبيراً عن نية صادقة لحل القضية هي المبادرة الى فك أسر الزعيم أوجلان في جزيرة أيمرالي بما يشكل بادرة حسن نية من قبل أنقرة ويثبت الرغبة الحقيقية لطيّ صفحة سياسات الانكار والاضطهاد والتتريك بحق كردستان وشعبها لمصلحة بناء حمهورية تعددية توافقية جديدة في تركيا يتمثل فيها الأتراك والكرد على قدم المساواة والتكافؤ وبما يحقق مصالحهما المشتركة، وما أكثرها. لا بل إن ملا بختيار كان صريحاً في القول إنّه ما لم يطلق سراح أوجلان فلن تحل القضية.

وكم كانت عابقة بمعان العنفوان والصدق والحس القومي الإنساني المرهف الواقعة التي رواها الخطيب حين دخل كردستان تركيا عندما كان بيشمركة في 1977 لاستقبال مام جلال حيث صادف فتى يرعى المواشي في منطقة هكاري فبادر إلى تقبيله بحرارة لكونه أول كردي من تركيا يراه في حياته. وإنه بعد نحو ثلث قرن من تلك الواقعة، ها هو من قلب أنقرة يحضر مؤتمراً لحزب «السلام والديموقراطية» الكردي الذي ينعقد في ظروف استثنائية تعيشها تركيا والمنطقة برمتها لتفعيل وتيرة النضال في سبيل نيل كرد تركيا حقوقهم القومية الديموقراطية، وليختم خطابه بالقول: «إنّه التاريخ يا غبي». التاريخ الذي أكد ويؤكد دوماً أن الحرية ستنتصر وكلنا ثقة ويقين من أنّ أوجلان سينال حريته وستتمتعون كشعب كردي في تركيا بحقوقكم المشروعة.

هو خطاب أمة كما أسلفنا، وهو خريطة طريق لحركة التحرر الكردستانية في أجزاء كردستان الأربعة في زمن التحولات الكبرى هذا وعصر ربيع شعوب المنطقة هو خطاب مؤسس ومنظر لإطلاق الربيع الكردستاني، وهو بمثابة مانيفستو هذا الربيع الذي أعلنه ملا بختيار ممثل مام جلال والاتحاد الوطني الكردستاني ومن أنقرة عاصمة الدولة التي تضم الجزء الأكبر من كردستان مساحة وسكاناً (قرابة نصفي مساحة كردستان وعدد سكانها).

* صحافي من كردستان العراق

 

القضية الكردية : موقعها ودورها في دمقرطة المنطقة

2007 / 2 / 27

مع اقتراب موعد إجراء الاستفتاء في كركوك وغيرها من مناطق كردستان المعربة على يد النظام البعثي البائد والمقرر في نهاية العام الجاري ومع شروع اللجنة العليا المكلفة تطبيق المادة (140) من الدستور العراقي الدائم في عملها لتطبيع الأوضاع في المناطق الكردستانية المستقطعة من إقليم كردستان

بفعل سياسات التعريب والتهجير والتلاعب الإداري بحدود المحافظات الكردستانية عبر سلخ أقضية ونواحي كردية وضمها إلى محافظات عربية في هذا الوقت وتزامنا مع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في كركوك تحديدا ضد سكانها الكرد زادت حدة التصريحات والتهديدات التركية على لسان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته عبدالله غول وصولا إلى جنرالات جيشه حتى أن التدخلات التركية السافرة والفاضحة في شؤون العراق وكردستان خاصة وصلت إلى حد عقد جلسات علنية وسرية للبرلمان التركي لبحث وضع كركوك ومصيرها وكأننا لا زلنا في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر ولا زالت كردستان والعراق عامة عبارة عن مجموعة ولايات تابعة إلى إمبراطورية آل عثمان التركية المنقرضة غير المأسوف عليها ودخل البرلمانيون والمسؤولون الأتراك في سباق محموم من المزايدات الرخيصة للدعوة إلى التصدي للخطر الكردي ونجدة التركمان وإنقاذ كركوك من مؤامرات التكريد وما إلى ذلك من اتهامات طورانية عنصرية وفاشية وقد وصلت الفجاجة وانعدام اللباقة الديبلوماسية في تركيا إلى حد الدعوة إلى وضع كركوك تحت الوصاية الدولية في أحسن الأحوال والى وضعها تحت الوصاية التركية في أسوأها لا بل أن السيد أردوغان ما فتئ يدعو إلى وضع خاص لكركوك فحبذا لو كشف لنا تصوره لهذا الوضع الخاص هل يريد مثلا ضمها إلى تركيا أو هو ربما يكتفي بالحق في إدارتها عبر وكلائه في الجبهة التركمانية مع امتيازات وحصص كبيرة لأنقرة في نفط كركوك .

على أن التركيز التركي على كركوك لا يحول دون تلويح أنقرة بحقها في مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان الجنوبية ( كردستان العراق ) كذريعة أخرى لتبرير حملاتها الكلامية ضد الكرد في العراق ولا ريب أن تركيا بسياساتها وطموحاتها التوسعية هذه وبتدخلها السافر في شؤون العراق إنما تزيد تخبطها تخبطا وتزيد وضعها المحتقن تعقيدا واحتقانا لاسيما في ظل تعثر جهود انضمامها إلى أوروبا اثر تجميد المفوضية الأوروبية جزئيا لمفاوضات انضمامها إلى الاتحاد على خلفية تلكؤها في الإصلاحات المطلوبة وبخاصة على صعيد الملف الكردي ومواقفها العدائية من قبرص الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي ومن هنا يمكن استيعاب خلفيات هذه الهستيريا التركية ضد الكرد وتجربتهم الديموقراطية في العراق فتركيا تمر في مرحلة حرجة ومفصلية لعلها الأكثر حراجة ومصيرية في تاريخها منذ تأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك في 1923 وهي تقف بالفعل كدولة وككيان أمام استحقاقات التغيير التاريخية التي لم يعد بالامكان تأجيلها وتجاهلها والتي تطال المداميك والمرتكزات والأساطير التأسيسية العنصرية والدمجية في معمار الدولة والمجتمع في تركيا وبعبارة أوضح فهي أمام خيارين : إما المضي على هدي آيديولوجيتها الكمالية الفاشلة والتمسك بإرثها الثقيل الذي أفرز بعد ثمانين عاما من التحديث الفوقي المفروض من أعلى والمعزول عن أسسه ومقوماته الثقافية والحضارية وعن سياقاته السياسية والاجتماعية والروحية والنفسية أفرز دولة مسخ هجينة لا شرقية ولا غربية وإما نفض غبار الكمالية والخروج من إسار حداثتها الشكلية المزيفة للاندماج في العصر وتبني الحداثة الحقيقية على أسس المواطنة والتعددية والديموقراطية والمساواة بعيدا عن عقلية الضم والإلحاق والقسر واضطهاد الشعوب الأخرى وفي مقدمها الشعب الكردي وطمس هوياتها إذ لا يعقل في عصرنا هذا المضي في إنكار وجود قرابة خمسة وعشرين مليون كردي في تركيا ولم يعد ممكنا البتة التعاطي مع قضية أمة كردية يربو تعدادها على الأربعين مليون نسمة بهذه العقلية الاستعمارية الرثة إلا إذا كانت تركيا تريد التقهقر حتى عن بعض إصلاحاتها الجزئية المبتسرة واللحاق بركب جبهة الممانعة الإيرانية - السورية التي تستعدي العالم بأسره ولا تتردد في الدفع باتجاه تفجير المنطقة وإغراقها في بحور من الدم والدمع لابتزاز المجتمع الدولي وللحفاظ على مصالحهما ( النظامين الإيراني والسوري ) وبقائهما وللحؤول تاليا دون انهيارهما كنظامين متهافتين وفاقدين للشرعية وكم هي باعثة على السخرية الممزوجة بالقلق والريبة زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى إخوانه أو رفاقه ( لا فرق ) في أميركا اللاتينية والذي يحاول من خلالها إحياء وتقمص دور سيد الكرملين الأخضر هذه المرة وليس الأحمر فهو يتحدى الولايات المتحدة الأميركية ويناكفها حتى في حديقتها الخلفية ورغم ما اكتنف الزيارة من فولكلورية ثورية مضحكة إلا أنها لا شك دليل آخر على مضي إيران في سياساتها الكارثية المتحدية للعالم بأسره وعليه فكل المؤشرات تشير إلى حتمية المواجهة بين المجتمع الدولي والمحور الإيراني - السوري فإيران وسورية تراهنان علنا وتعملان جهارا نهارا على تدمير دول بأكملها وتفجير مجتمعات بأسرها عبر إشعال الفتن والحروب الأهلية في العراق ولبنان وفلسطين وليس خافيا أن عدوى الحروب الأهلية لاسيما في طبعتها الطائفية لن تقتصر على هذه الدول والمجتمعات المذكورة أعلاه بل ستعم المنطقة برمتها نظرا إلى تشابك الأوضاع والأحداث وتداخلها فضلا عن تشابه يصل حد التطابق بين التراكيب الطائفية والمذهبية والاثنية في مختلف دول المنطقة مع اختلاف النسب طبعا وتباينها بين دولة وأخرى وما يزيد الأمور سوءا وكارثية أن إيران تسير قدما في برنامجها التسلحي النووي لفرض نفسها كقوة إقليمية عظمى وفي هذا السياق تأتي التعزيزات والتحشدات العسكرية الأميركية في مياه الخليج والمتزامنة مع إعلان الاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق والتي بات واضحا أنها تقوم أساسا على التصدي بحزم للتدخل الإيراني - السوري في العراق الهادف إلى توريط العراقيين في أتون حرب أهلية طائفية طاحنة لا تبق ولا تذر بحيث يصبح الحديث عندها عن عملية التحول الديموقراطي في العراق أشبه بنكتة سمجة لا تثير الضحك أمام هول وبشاعة ما يجري في العراق في قسمه العربي من فظائع ومجازر وقتل على الهوية في مشاهد يومية وحشية وكئيبة تفوح منها روائح الموت والدم والبارود وكم هي لافتة وبليغة الدلالة في هذا الصدد لعبة تقاسم الأدوار بين طهران ودمشق فبينما تتكفل طهران بدعم وتمويل المليشيات وفرق الموت الشيعية كجيش المهدي وجماعة جند السماء تتكفل دمشق في المقلب الآخر بدعم وتمويل وإسناد المليشيات والجماعات السنية البعثية والتكفيرية كالقاعدة وأخواتها هذا في العراق أما في لبنان فان التحرك الانقلابي لحسن نصرالله وميشال عون أوصل البلاد إلى شفير حرب أهلية جديدة لا يتواني حزب الله وهو الأداة الضاربة للسياسة الإيرانية - السورية في لبنان عن الدفع باتجاهها بكل السبل والوسائل وفي فلسطين يمكن القول أن الحرب الأهلية غدت واقعا شاخصا تزداد ملامحه تبلورا يوما بعد يوم .

وفي ظل كل هذه الأجواء المشحونة والملغومة تدخل تركيا على الخط لتهدد وتتوعد باجتياح كردستان العراق فهل أن تركيا أيضا دخلت طرفا وشريكا ولو من وراء الكواليس في المخطط الإيراني - السوري لتوتير المنطقة وتفجيرها بغية الحفاظ على المنظومة الإقليمية القائمة رغم تفسخها واهترائها ومنعا لأي تحولات ديموقراطية ايجابية في الإقليم الشرق أوسطي نحو اعتماد وتبني قيم الحرية والتعددية وحقوق الإنسان والجماعات القومية والدينية الأقل عددا وحق الشعوب في تقرير مصيرها ولإبقاء شعوب المنطقة ومجتمعاتها أسيرة في يد الأنظمة التسلطية الاستبدادية التي تتوخى الدين ستارا تارة ( إيران الخمينية ) والقومية ستارا تارة أخرى ( تركيا الكمالية وسورية البعثية ) والأنكى أن ثمة تقليعة جديدة قوامها الجمع بين العباءتين الدينية والقومية ففي إيران نشهد تصعيدا لافتا للنزعة القومية الفارسية تغذيه حكومة نجاد على وقع الموضوع النووي أما في تركيا فثمة تصعيدا للنزعة الدينية تغذيه حكومة أردوغان ذات الهوى الإسلامي الموارب على وقع تعثر انضمام تركيا "المسلمة" إلى أوروبا "المسيحية" وفي سورية أيضا ثمة تصعيد للنزعة الدينية تغذيه حكومة البعث على وقع "الهجمة الغربية - الصليبية" التي تستهدف الأمة العربية الإسلامية وليس الأمة العربية الواحدة كما جرت العادة في الرطانة البعثية فهل يعقل أن تركيا تجهل انعكاسات وتداعيات هكذا تحول استراتيجي خطير في طبيعة دورها وموقعها المتراجعين أصلا بعد الحرب الباردة وخصوصا بعد حرب تحرير العراق إذ لا ريب أنها ستكون تداعيات كارثية على وزنها الإقليمي ومكانتها الدولية وعلى مستقبل علاقاتها مع الأسرة الدولية وخصوصا الاتحاد الأوروبي فضلا عن أن الغوص في الرمال العراقية المتحركة هو أكبر خطأ قد تقدم عليه أي دولة إقليمية فتركيا عندما تلوح بالتدخل في كركوك فأنها تمنح العراق وخصوصا كرد العراق الحق في التدخل في ديار بكر عاصمة كردستان تركيا وإذا كان ثمة ربع مليون تركماني تدعو تركيا إلى حمايتهم وتأمين حقوقهم المؤمنة أصلا في كردستان العراق فان ثمة ما يقارب الخمسة وعشرين مليون كردي محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية ناهيك عن حقوقهم الوطنية والقومية ولا شك أن تركيا تدرك عواقب هكذا تدخل والذي إن حصل فلن يكون أبدا نزهة عابرة .

والواضح أن كل هذه التهديدات التركية بالويل والثبور وعظائم الأمور هي محض مزايدات للاستهلاك المحلي ومجرد بروباغندا انتخابية قبيل الانتخابات المرتقبة هذا العام فالعراق دولة مستقلة ذات سيادة والقوات المتعددة الجنسيات وفي مقدمها القوات الأميركية المتواجدة هناك بموجب قرارات الشرعية الدولية ملزمة بالحفاظ على سلامة العراق وأمنه ووحدة أراضيه ضد أي تدخل أو تربص من دول الجوار الإقليمي بما فيها تركيا وقد كان السيد جوزيف رالستون ممثل الرئيس الأميركي جورج بوش لشؤون الكرد في تركيا واضحا عندما اجتمع مؤخرا مع الرئيس مسعود البارزاني حيث أكد على أن مشكلة كركوك شأن عراقي داخلي تحل وفق الدستور العراقي مشددا على ضرورة اعتماد الحوار والحلول السياسية لإنهاء الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني وهذا ما شددت عليه تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين في البيت الأبيض والخارجية وصولا إلى السفير الأميركي في أنقرة ما يعني أن تركيا لا شك قد فهمت فحوى هذه الرسائل والمواقف الأميركية المصاغة بلغة ديبلوماسية واضحة والتي تبلغها عبدالله غول رسميا خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن وعلى لسان وزيرة الخارجية الأميركية السيدة كوندوليزا رايس والتي مفادها أن أي انتهاك تركي لسيادة العراق هو بمثابة عمل حربي وعدواني ليس ضد العراق فحسب وإنما ضد قوات التحالف المتعددة الجنسيات في العراق أيضا وهذه الأخيرة لن تقف حتما مكتوفة الأيدي وهي التي تكابد الأمرين لإحلال الأمن والاستقرار في العراق الجديد فكيف لها أن تسمح لتركيا بتوتير الأجواء المستقرة في إقليم كردستان العراق والذي يمثل النقطة المضيئة الوحيدة في ظلام الحرب الأهلية الطائفية المستعرة في باقي أنحاء العراق والتي تذكيها أساسا إيران وسورية .

أما التحجج التركي بتواجد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق فهي حجة متهافتة ذلك أن قواعد الحزب تقع في مناطق جبلية نائية في المثاث الحدودي بين تركيا وإيران والعراق والمقرات والقواعد الأساسية والرئيسية لقوات الحزب تقع في كردستان تركيا وجبالها الشاسعة وكما أكد الرئيس البارزاني غير مرة فان قضية حزب العمال الكردستاني والكرد عامة في نركيا هي قضية سياسية تحل سياسيا وليس عسكريا وواقع الحال أن تركيا نفسها تدرك أكثر من غيرها استحالة الحل العسكري وعقمه في التعاطي مع القضية الكردية من خلال صراعها المسلح مع حزب العمال على مدى العقدين المنصرمين فالحل سياسي حصرا وتعريفا عبر الإقرار بالشعب الكردي وحقوقه المشروعة والتفاوض تاليا مع الحركة التحررية الكردية وفي مقدمها حزب العمال الكردستاني الذي يمثل شاءت أنقرة أم أبت الحركة الأكبر في الساحة الكردية في تركيا وهذه حقيقة موضوعية لا تخطئها عين ولا تلغيها الادعاءات والاتهامات التركية للحزب بانه عبارة عن مجموعة عصابات إرهابية صغيرة .

والحال أن على تركيا أن تحسب حساباتها الكردية جيدا فالوضع في مجمل المنطقة حساس ومتفجر وأدنى خطأ في التقدير ستكون عواقبه وخيمة على تركيا بالدرجة الأساس إذ ولى الزمن الذي كان الكرد فيه هم وحدهم الخاسر الأوحد والضحية الأكبر عبر سحقهم وقتلهم وابادتهم على يد الدول المقتسمة لكردستان وتبقى هذه الدول في منأى عن المحاسبة والمساءلة وعن تداعيات نبش "عش الدبابير" الكردي أن أي توجه تركي نحو التدخل العسكري المباشر في العراق وتحديدا في كردستان سيقابله رد عراقي وكردي أشد وأعنف وحسبنا الإشارة هنا إلى ما يتمتع به كرد العراق من عمق استراتيجي في كردستان المركزية ( كردستان تركيا ) التي يقارب تعداد سكانها خمسة وعشرين مليونا وتبلغ مساحتها قرابة الثلاثمائة ألف كيلو متر مربع إذ لن يتردد حينها الكرد في العراق عن دعم وإسناد ثوار حزب العمال الكردستاني المنتشرين بالآلاف في منطقة المثلث الحدودي التركي - الإيراني - العراقي فالحريق إذا ما اشتعل هذه المرة لن يقتصر على كردستان بل سينتشر في هشيم الدول المقتسمة لكردستان وعلى رأسها تركيا وإيران وسورية أيضا .

فالمنطقة تمر في مخاض عسير وفي مرحلة تبلور وقائع وحقائق جديدة على الأرض قد تطال حتى خرائط بعض بلدانها والقضية الكردية تقع بطبيعة الحال في قلب هذه المعادلة الإقليمية - الدولية والشرق الأوسط الآن يختزل بلا مبالغة العالم بأسره وما يجري من ترتيبات وتغييرات وصياغات استراتيجية جديدة بهدف إصلاح وتحديث البنى السياسية والاجتماعية والثقافية المعطوبة في الشرق الأوسط الذي قد تقتضي عملية إعادة إنتاجه كمنطقة طبيعية مسالمة ومستقرة ومتناغمة مع سياقات التطور الديموقراطي والحضاري والمدنية والتعايش والتفاعل الايجابي مع العالم قد تقتضي تغييرا في خارطته الجيوبوليتيكية حتى وما يرسم ويعتمد من استراتيجيات دفاعية دولية لمواحهة القوى المتطرفة الساعية إلى وأد وعرقلة بوادر وإمكانيات أي تحول ديموقراطي في المنطقة والساعية إلى إبقاء شعوبها في حالة المراوحة في الزمان الاستبدادي كشعوب مسلوبة الإرادة مغيبة تائهة ومخيرة بين خيارين كارثيين : جحيم الأنظمة القمعية الاستبدادية أو نار الفوضى والحروب الأهلية المتناسلة وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية القصوى للمنطقة في حفظ الأمن والاستقرار الدوليين عبر دحر المشروع التوتاليتاري بشقيه القومجي والاسلاموي وها هنا تكمن أيضا محورية القضية الكردية ومركزيتها فالكرد هم وبامتياز أكبر ضحايا النظام الإقليمي والواقع الجيوبوليتيكي الشرق أوسطي القائم منذ سايكس - بيكو وهم المستفيد الأكبر من نجاح مشروع الإصلاح والتحول الديموقراطي الشامل في المنطقة خاصة وأن الكرد مقسمون بين أربع دول مركزية في الشرق الأوسط ( تركيا وإيران والعراق وسورية ) وليس سرا أن هذه الدول المصابة بنزعة الانتفاخ الإمبراطوري لدى كل منها مشاريعها وأحلامها وأطماعها التوسعية لا بل أن بعضها تحتل بالفعل أجزاء من دول مجاورة ( تركيا في شمال قبرص وإيران في الجزر الإماراتية الثلاث وسورية في لبنان والعراق البعثي البائد في الكويت ) .

والحال أن هذه الدول باستثناء العراق الجديد طبعا لا تتوانى عن إثارة القلاقل والمشاكل بغية عرقلة وإجهاض عملية التحول الديموقراطي في العراق والتي هي بالتأكيد المحك لمدى قابلية المنطقة بأسرها لهكذا تحول باهظ ومكلف لكنه ملح وضروري لانتشال المنطقة وشعوبها من دوامات الاستبداد والتخلف والحروب الأهلية والطائفية المقيتة التي ستأكل الأخضر واليابس ولن يكون أحد بمنأى عن شرورها وشظاياها المدمرة فالمنطقة التي عاشت طويلا في سباتها السلطوي الطويل ها هي على وشك الانفجار دفعة واحدة بكل احتقاناتها ومشكلاتها وأزماتها المتراكمة التي تختلط فيها الأبعاد والخلفيات والسياقات على نحو مركب ومعقد وهذا ما يتمظهر في اللوحة القاتمة السواد التي تظهر بها هذه المنطقة التعيسة من العالم وعليه فالشعب الكردي يشكل لاعبا بارزا وحليفا استراتيجيا هاما للأسرة الدولية في سعيها الدؤوب إلى دمقرطة المنطقة أو أقله وضعها على سكة الإصلاح والتحديث والتقدم بما يقود إلى ترسيخ القيم والمفاهيم والممارسات الديموقراطية وبما يقطع مع ثقافة العنف والاستبداد والتسلط المترسخة والمتغلغلة وللأسف في أعماق البنية القاعدية التحتية وفي صميم المنظومة القيمية والمفاهيمية لهذه المجتمعات المأزومة .

فهل ستتغلب لغة العقل في تركيا ويتم استيعاب كل هذه الحقائق المذكورة أعلاه ما يؤدي إلى اعتماد منهجية ديموقراطية سلمية وعقلانية تتعاطى بحكمة وحنكة سياسية مع الواقع الجدبد في العراق ومد جسور التعاون سياسيا واقتصاديا وثقافيا مع إقليم كردستان العراق الذي يشهد نشاطا محموما وتدفقا هائلا للرساميل والشركات وحتى العمالة التركية فحجم الاستثمارات التركية في الإقليم يصل إلى مليار دولار واستنادا إلى تنمية وتوسيع شبكة المصالح والمنافع الاقتصادية المتبادلة يمكن تطوير حالة متقدمة من التفاهم والتناغم على أسس التعاون والاحترام المتبادل وصولا إلى بلورة حل ديموقراطي سلمي وعادل للقضية الكردية في تركيا لطالما أبدى كرد العراق استعدادهم للمساعدة في إنضاج هذا الحل الذي سيسهم في تعزيز مكانة تركيا ويزيدها قوة ومنعة وتماسكا داخليا وخارجيا ويفتح الآفاق واسعة أمامها لترسيخ قيم الحق والمواطنة والشراكة والتنوع أما المضي في اعتماد الحلول العسكرية الفاشلة والمجربة مرارا وتكرارا دون جدوى فلن يقود إلا إلى حشر تركيا والدول الأخرى المقتسمة لكردستان أكثر فأكثر في الزاوية فالقضية الكردية بما هي قضية ديموقراطية عادلة هي ورقة رابحة في الاستراتيجية الدولية ضد قوى الظلام والتخلف والتسلط وهي عامل أساسي لدفع هذه الدول إلى تغيير سلوكياتها العنفية التوسعية نحو الخارج والدمجية القسرية والقمعية نحو الداخل وبخاصة نحو الشعب الكردي ولدفعها إلى تبني خيارات ديموقراطية حضارية تكاملية وتفاعلية مع العالم وليست تصادمية أي أن القضية الكردية تسهم والحال هذه في تقليم أظافر هذه الدول الفاشلة لكن الخطرة والمشاكسة ووضعها في حجمها الطبيعي الواقعي وليس الخيالي المتضخم الذي تتوهمه الآيديولوجيات الكمالية والخمينية والبعثية الحاكمة والمتسلطة في هذه الدول .

 

 

الفيدرالية حلا للقضية الكردية في سورية

2007 / 3 / 12

إنها الذكرى السنوية الثالثة للانتفاضة الكردية الشاملة في كردستان الغربية ( كردستان سورية ) في 12 آذار ( مارس ) 2004 والتي غدت بجلالها وسموها عنوانا للقضية الكردية في هذا الجزء من كردستان بوصفها أهم وأبرز محطة نضالية في التاريخ الكردي في سورية وهي تطرح في ذكراها الثالثة وتفرض أسئلة مصيرية ووجودية حول واقع ومستقبل القضية الكردية في سورية وهي أسئلة ملحة لن يغطي عليها تحويلنا لذكرى 12 آذار إلى مجرد طقس احتفائي ومناسبة لإصدار البيانات الإنشائية المنمقة الزاخرة بالمشاريع النظرية التي لا تتوفر على آلية ملموسة لترجمتها إلى واقع وممارسة عمليين .

وبادئ ذي بدء لا بد من التوكيد على أننا لسنا هنا في صدد الدخول في جدل لا ينتهي عن سلبيات ومثالب وأخطاء الحركة التحررية الكردية في سورية لاسيما في بناها الفوقية تلك السلبيات التي راهنا جميعا واعتقدنا لوهلة أن انتفاضة 12 آذار ستكون بداية لتجاوزها وتخطيها وللارتقاء إلى مستوى تحديات المرحلة واستحقاقاتها الداهمة والكف عن التصرف وفق عقلية الماضي نحو تبني منهجية نضالية تقوم على الثقة بعدالة ومشروعية قضيتنا الكردية في سورية بما لا يقل أبدا عن عدالتها ومشروعيتها في الأجزاء الثلاثة الأخرى من كردستان من حيث كونها قضية أرض وشعب لكن وللأسف فان ثمة أطرافا سياسية كردية في سورية لا تزال ترى إلى الكرد في سورية كمجموعة بشرية دون مستوى شعب قائم بذاته لا يحق لها بالتالي سوى استجداء بضعة حقوق ثقافية لا بل ثمة من يرفض حتى تسمية 12 آذار بالانتفاضة مصرا على تسميتها أحداثا في محاولة مضحكة لإفراغها من محتواها القومي والحقوقي .

أن انتفاضة 12 آذار كانت ولا زالت بمثابة فرصة تاريخية ذهبية أمامنا كشعب وكحركة سياسية لبلورة وتدشين ممارسة نضالية سلمية أكثر مبادرة وتمرسا ولتطوير أداء سياسي ديموقراطي أكثر تنظيما وحرفية بما يسهم في ترسيخ دعائم القضية والحركة الكردييتين في سورية ويوسع هوامش التحرك والمناورة والتأثير أمامهما ما ينعكس إيجابا على وزن القضية الكردية في سورية وحجمها ودورها كقضية عادلة لشعب وأرض الأمر الذي يفتح الآفاق واسعة أمام حلها بطريقة ديموقراطية حضارية خاصة وأن النظام البعثي الحاكم في دمشق يعاني من وهن وضعف شديدين ما ينعكس على أداءه داخليا وخارجيا عبر إيغاله في تخبطه وعزلته الدولية والإقليمية والعربية والداخلية كتحصيل حاصل ومن هنا يمكن للقضية الكردية أن تكون أكثر فاعلية وإسهاما وتأثيرا في المشهد السوري العام الذي يموج بتفاعلات وتطورات خطيرة وكبيرة إذا ما بادرت الحركة السياسية الكردية إلى تنظيم صفوفها وتوحيد خطابها نحو تبني استراتيجية قومية ووطنية عليا تشكل قاسما مشتركا أعظم لكل الانتماءات والتوجهات السياسية المختلفة ولعل المدخل إلى ذلك هو في التعاطي بجدية أكبر وحنكة وبعد نظر سياسيين مع مجمل الوقائع والحقائق المتعلقة بالوضع السوري واحتمالاته التغييرية المتصاعدة لا سيما لجهة حالة الترنح والتخبط التي يعيشها النظام الحاكم الذي يورط نفسه بنفسه أكثر فأكثر من خلال أدواره التخريبية والتدميرية في العراق ولبنان وفلسطين دون أن ننسى سورية بطبيعة الحال يضاف إلى ذلك ضرورة عدم استهانة الحركة الكردية بقدرات وامكانات شعبها الذي يربو تعداده على الثلاثة ملايين نسمة ويتوفر على عمق استراتيجي في أجزاء كردستان الأخرى لاسيما في كردستان الجنوبية ( كردستان العراق ) التي أثبتت التجربة هناك مدى فاعلية القضية الكردية ومحوريتها في عملية التغيير والتحول الديموقراطيين في عموم المنطقة وخصوصا في الدول المقتسمة لكردستان وهنا تحديدا تكمن أهمية توفر نخبة سياسية أكثر جرأة وحنكة وكاريزما في كردستان سورية فالحركة الكردية هناك مدعوة مع حلول الذكرى الثالثة للانتفاضة الشعبية العارمة في 12 آذار إلى تجاوز انقساماتها وخلافاتها والتوحد على سلة قواسم مشتركة جامعة وفي حال تعذر التوافق بين مختلف فصائل الحركة الكردية فان لجنة التنسيق الكردية باعتبارها الجهة الأكثر تمثيلا والأقرب من نبض الشعب الكردي في طروحاتها ومواقفها مدعوة هي وكل من لف لفها إلى تصعيد نشاطاتها وفعالياتها الديموقراطية الحضارية في صورة مظاهرات واحتجاجات واعتصامات مدنية وسلمية إذ لا ينبغي أن يتحول التوافق المطلوب طبعا لكن المتعذر إلى عقبة أمام بلورة لجنة التنسيق الكردية لخياراتها وقناعاتها القومية والوطنية التي تشكل إجماعا لدى عموم الشعب الكردي في سورية وعليه لا بد من حراك ملموس على الأرض ولابد من ترجمة هذه الخيارات والقناعات التي لا غبار على صوابها وتعبيرها عن واقع الحال الكردي إلى سياسات وتحركات عملية نشطة وكثيفة داخليا وخارجيا لاسيما مع تنامي حجم الجالية الكردية السورية في الخارج وبخاصة في أوروبا مع تفعيل الحراك الدبلوماسي والإعلامي بغية طرح القضية الكردية في سورية ووضعها على الأجندة في عواصم القرار الدولي وشرحها وتعريفها لقوى المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية التي تشكل سلطة معنوية ورقابية موازية لحكوماتها في الدول الغرب الديموقراطي الأمر الذي يشكل رافدا أساسيا لتصعيد التحرك المطلبي الديموقراطي في كردستان سورية فما لم يصار إلى ذلك كله فان المخطط السلطوي للالتفاف على حال التوقد والتوهج النضالي الديموقراطي التي دشنتها انتفاضة 12 آذار في كردستان سورية ربما يكلل وللأسف بالنجاح فلعل أكثر ما ميز تلك الانتفاضة الرائعة هو كسرها حاجز الخوف والرهبة لدى الرأي العام الكردي من النزول إلى الشارع والجهر بشكل منظم وموحد بوجوده وحقوقه .

والحال أن لا خيار أمامنا ككرد في سورية سوى تصعيد وتيرة حراكنا المدني الديموقراطي لطرح قضيتنا وتفعيل حضورها فسورية ومعها إيران على وشك الدخول في نزاع مفتوح مع المجتمع الدولي والكرد شاؤوا أم أبوا يقعون في عين هذه العاصفة وعليه فالمطلوب منهم أن يحسبوا حساباتهم جيدا وأن يحددوا موقعهم ودورهم أهدافهم ومطالبهم أعدائهم وأصدقائهم ويتدبروا مصيرهم ومستقبلهم عبر الانخراط ديموقراطيا وسلميا في المجهود الدولي الرامي إلى دمقرطة المنطقة وتحديثها والتصدي للمحور الإيراني - السوري الذي يعمل جاهدا على عرقلة هذا المجهود الدولي وإفشاله عبر إغراق شعوب المنطقة في بحور الدم والحروب الأهلية والطائفية المقيتة إذ لم يعد ممكنا مضي الحركة الكردية السورية في التزام الصمت ولعب دور المتفرج المتلقي والمفعول به فهذا التصرف أقل ما يقال عنه أنه غير سياسي وغير حكيم وغير مكترث بالتقاط المؤشرات والمعطيات المحيطة والتفاعل مع الأحداث والتطورات الدراماتيكية المتلاحقة والتي تفيد كلها بسير الحكم السوري إلى الهاوية جارا معه الشعب السوري بعربه وكرده ومن هنا لابد من تغليب حس المسؤولية السياسية والأخلاقية لدى الحركة الكردية عبر بلورة خارطة طريق واستراتيجية براغماتية ترتقي إلى مستوى التحديات بدلا من التردد والترقب والوجل من اقتحام مسرح الأحداث وكأننا غير معنيين لا مباشرة ولا مداورة بما يجري وسيجري في سورية والمنطقة عموما فالشعب الكردي هو المعني الأول والمستفيد الأول والأكبر من التغيير الديموقراطي في سورية بما يفسح المجال أمام إقرار حل ديموقراطي عادل للقضية الكردية في سورية على قاعدة اتحاد فيدرالي عربي - كردي فالفيدرالية في رأينا المتواضع هي الحل الأمثل للقضية الكردية في سورية ولعل كاتب هذه السطور هو من أول دعاة تبني الفيدرالية صيغة لحل هذه القضية وما يبعث على التفاؤل في هذا الصدد تبني حزب يكيتي وهو أحد أكبر الأحزاب على الساحة السياسية الكردية السورية إن لم يكن أكبرها في مؤتمره الأخير الدعوة إلى حل القضية الكردية على أساس لامركزي أي بعبارة أوضح على أساس فيدرالي حيث ورد في مقررات المؤتمر ما يلي : " الحل الأمثل للتعدد القومي والديني والطائفي في سورية ينبغي أن يستند إلى نظام لامركزي سياسي ديموقراطي يراعي التوازن بين جميع مكونات المجتمع السوري ويحقق التوزيع العادل للسلطة والثروة كما أكد المؤتمر في مجال حل القضية الكردية على إعادة النظر في التقسيمات الإدارية الراهنة بما يجعل المناطق الكردية الثلاث الجزيرة – كوباني – عفرين ) منطقة إدارية واحدة وتمكين الشعب الكردي من إدارة نفسه في شؤونه التشريعية والإدارية والقضائية بنفسه في إطار النظام الديموقراطي البرلماني" . وبلا ريب فان هذه الخطوة تشكل نقطة تحول نوعية في الخطاب السياسي والمطلبي لكرد سورية وهي خطوة جبارة في الاتجاه الصحيح نحو تبني شعارات ومطالب تتناسب مع عدالة القضية الكردية ومشروعيتها وحجم التضحيات المبذولة في سبيلها فالحركة الكردية ملزمة بإثبات وجودها وفاعليتها وقدرتها على قراءة ما يدور حولها والتفاعل الايجابي مع الأحداث بما يجعل منها صانعا ولاعبا مؤثرا في مسار الأحداث فما لم يثبت الكرد في سورية وجودهم ويجهروا بحقوقهم ومطالبهم دون مواربة وعلى قاعدة كونهم شعبا يعيش على أرض وطنه كردستان ويعاني من غمط حقوقه القومية المشروعة عبر سياسات سلطوية مبرمجة في التعريب والتمييز والتبعيث والصهر القومي ما لم يتم ذلك فلن تطرح القضية الكردية بجدية وإلحاح على الأجندة الدولية وليس خافيا أن وصول القضية الكردية إلى المحافل الدولية هو شرط شارط لخروجها من براثن البعث الفاشي في دمشق .

ولاشك أن الرأي العام الكردي بنخبه الفكرية والثقافية مدعو هو أيضا إلى تصعيد حراكه ونشاطه عبر المشاركة بشكل أكثر تنظيما ووضوحا وفاعلية في بلورة رؤى وطروحات لآليات وميكانزمات تفعيل الحراك السياسية الكردي ما يشكل عاملا ضاغطا ومحفزا للحركة الكردية وخصوصا نخبها القيادية على تجاوز مراوحتها في مكانها ولخروجها من سلبيتها وقدريتها المفرطة نحو تولي زمام المبادرة النضالية وليس الاكتفاء بسياسة ردود أفعال لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى مستوى التصدي للأفعال السلطوية الموغلة في القمع والعنصرية والدم كما ظهر جليا في انتفاضة آذار 2004 حيث لم تتوان السلطة عن تحريض وتسليح العصابات والمليشيات البعثية والاستيطانية للبطش والتنكيل بالشعب الكردي المسالم والأعزل فلا زالت انتفاضة آذار بعد مضي ثلاثة أعوام على حدوثها حاضرة وبقوة تفرض نفسها وتلقي بظلالها على كامل المشهد في كردستان سورية فهي حية باقية في عقل ووجدان كل الكرد في سورية وحتى في الأجزاء الأخرى من كردستان وعليه فما زال أمامنا كشعب وكحركة سياسية وكنخبة ثقافية فرصة استثمار 12 آذار بكل ما تحمله من قيم إنسانية ووطنية عالية وتمثل روحيتها ومعانيها الراقية والسامية والتي تؤكد سمو هذا الشعب وحيويته ورفضه الخنوع والرضوخ إلى ما لا نهاية لواقع الحال السلطوي الخانق والبائس ما يؤكد جدارته في إحقاق حقوقه والعيش بحرية وكرامة ومساواة .

إن انتفاضة آذار هي فاصلة تاريخية في مسار القضية الكردية في سورية ولن يرحمنا التاريخ كنخب سياسية وثقافية إن تقاعسنا عن الارتقاء إلى مستواها بما هي اختزال وتكثيف لكل محمولات الحق والخير والجمال والعدالة المتجسدة في القضية الكردية فما كان جائزا وممكنا قبل 12 آذار ما عاد كذلك بعدها فانتفاضة آذار هي من سوية الأحداث التاريخية التي تحدث تغييرا شاملا وانقلابا جذريا في منظومات القيم والمفاهيم والأفكار سياسة واجتماعا وثقافة خاصة وأن السياسات والممارسات السلطوية القمعية والإجرامية بحق كرد سورية لم تتوقف منذ المجازر التي ارتكبت في آذار 2004 مرورا باختطاف واغتيال العلامة الشهيد الشيخ محمد معشوق الخزنوي وصولا إلى استباحة القامشلي ونهبها والتنكيل بسكانها الآمنين اثر مظاهرة 5 / 6 / 2005 فضلا عن مسلسل الاعتقالات والتحرشات وحتى القتل بحق المدنيين الكرد الأبرياء كما حدث عندما قامت قوى الأمن باغتيال الشهيدة عزيزة اليزيدي عشية الذكرى الأولى لانتفاضة آذار في 28 / 2 / 2005 في رسالة ترهيب دموية لا تخطئها عين إلى كل كردي في سورية .

قصارى القول المطلوب هو بلورة واعتماد صيغ نضالية متقدمة وخلاقة تتسق وتتناغم مع انتفاضة 12 آذار بما كرسته من ثقافة مقاومة مدنية ديموقراطية ضد الظلم والجور والإجحاف والاضطهاد القومي المديد بحق الشعب الكردي الذي انتفض في كل مدن وقرى كردستان سورية ضد جلاديه ومضطهديه وهو لن يتردد في المضي في حراكه السلمي الحضاري نحو إثبات ذاته وإحقاق حقوقه وعليه فالحركة الكردية في سورية مطالبة بتأطير هذا الزخم الشعبي وتنظيمه وتوظيفه وفق استراتيجية واضحة الأهداف والمعالم تقوم على مقومين أساسيين وارتكازيين في معمار القضية الكردية في سورية ألا وهما : الشعب - الأرض أي أن ثمة شعبا متمايزا عن الشعب العربي في سورية وهو الشعب الكردي وأن ثمة أرضا متمايزة عن الأرض العربية في سورية وهي كردستان الغربية ( كردستان سورية ) والحل الأمثل كما أشرنا قبلا هو في قيام اتحاد فيدرالي عربي - كردي في إطار سورية ديموقراطية تعددية إذ أن أية حلول مبتسرة للقضية الكردية في إطار المواطنة والأخوة العربية - الكردية ... كلها صيغ فاشلة وعقيمة لا تستحق التوقف عندها فدون أخذ كل هذه الحقائق في الاعتبار لاسيما الحقيقة التأسيسية للقضية الكردية حقيقة كونها قضية شعب وأرض دون الركون إلى هذه الحقيقة سنبقى نراوح في مكاننا فاقدين المبادرة وعاجزين عن البناء والتفاعل حتى مع حدث تأسيسي وتاريخي كانتفاضة 12 آذار ( مارس ) 2004 .

 

 

 

 

  مواضيع أخرى للمؤلف