الحكومة البريطانية الجديدة... التحديات أكبر من الفرص
تقارير من اعداد فريق الرصد في قناة المرصد
ستارمر: بريطانيا بحاجة لإعادة اكتشاف هويتها
عاد حزب العمال إلى سدة الحكم في بريطانيا بعد 14 عاما في موقع المعارضة في البرلمان. ومُني حزب المحافظين بهزيمة ساحقة، بل هي الأفدح في تاريخه.
وعلى طاولة زعيم الحزب كير ستارمر، الذي كلفه الملك تشارلز بتكليف الحكومة الجديدة، ملفات داخلية وخارجية ساخنة، لا سيما الاقتصاد والهجرة والحرب في أوكرانيا. وقال ستارمر في خطاب النصر إن عصرا جديدا من السياسة البريطانية قد بدأ بالفعل لإعادة بناء البلد.
ونشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تحليلات سياسية مختصرة تناولت عددا من القضايا المهمة التي سيوليها ستارمر أولوية قصوى. ففي ضوء احتمال إعادة انتخاب مرشح الحزب الجمهوري والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في نوفمبر/تشرين الثاني، وإصرار بوتين على متابعة أهدافه التوسعية، والتحديات العسكرية والاقتصادية التي تفرضها الصين بقيادة شي جين بينغ، ستكون أوروبا أقوى بكثير إذا واجهت هذه التحديات جنبا إلى جنب مع المملكة المتحدة.
ويشكل انتخاب الحكومة البريطانية الجديدة دليلا على التحول الكبير الذي شهدته المملكة المتحدة. وتتكون إدارة ستارمر من سياسيين دعموا البقاء في الاستفتاء ويشعرون بارتباط عاطفي قوي بأوروبا. وعلى الرغم من التزامهم بالحفاظ على خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة وحرية الحركة، فإنهم لا يتشاركون مع الحكومة السابقة في هواجس السيادة المجردة. بل يدافعون عن حكم القانون، ويحترمون سلطة محكمة العدل الأوروبية، ويسعون إلى إقامة علاقة أكثر تعاونا وتكاملا مع كل من الاتحاد الأوروبي كمنظمة والدول الأعضاء فيه بشكل فردي.
وستكون هناك فترة زمنية تمتد لستة أشهر بين تشكيل الحكومة الجديدة في المملكة المتحدة وبداية عمل الإدارة الأميركية الجديدة لبناء شراكة أمنية جديدة. ويقول المجلس الأوروبي إنه من مصلحة جميع الأطراف استغلال هذا الوقت الحاسم لتأسيس شراكة جديدة تعمل على تعزيز الأمن والازدهار لكل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
وأبدت حكومة حزب "العمال" الجديدة استعدادا لتعزيز التعاون بشكل كبير مع الاتحاد الأوروبي في قضايا الدفاع، بما يشمل إجراءات مباشرة مثل تشكيل شراكة مع وكالة الدفاع الأوروبية والتنسيق بشكل أوثق مع مشاريع الصناعة الدفاعية في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، تبقى الآفاق طويلة المدى لهذه الشراكة غير واضحة بسبب التأثيرات المستمرة لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي لا تزال تشكل عقبات أمام تطوير علاقة متبادلة المنفعة.
ومن المرجح أن تحافظ المملكة المتحدة على مكانتها البارزة التقليدية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعلى موقفها القوي بشأن أوكرانيا، لكنها ستواجه ضغوطا مالية، بينما تواجه القوات المسلحة البريطانية الكثير من الخيارات الصعبة والمكلفة فيما يتعلق بالاستثمار الدفاعي.
وهناك إغراء للاستفادة من العلاقات الثنائية، والبناء على معاهدة لانكستر هاوس مع باريس، وتطوير معاهدة مماثلة مع برلين. وهناك أيضا علاقات ثنائية قوية مع وارسو واستكهولم، حيث تتمتع المملكة المتحدة بسمعة قوية. وعلى الرغم من أن هذا يمكن أن يعزز العلاقات العسكرية والصناعية، فإنه لا ينبغي أن يأتي على حساب العلاقات مع بروكسل. وأخيرا، قد تؤثر الانتخابات البرلمانية الفرنسية على هذا الأمر، حيث يفضل حزب "الجبهة الوطنية" العلاقات الثنائية على النهج الذي يركز على الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي. ولكن على الرغم من ذلك، فإن اختلاف أولويات السياسة الخارجية والأمنية سيشكل قيودا كبيرة.
ويرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أيضا أن إعادة بناء التعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من خلال فرض عقوبات مشتركة على روسيا تمثل فرصة ثمينة. فمنذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فرضت لندن وبروكسل العقوبات بشكل مستقل، مما تسبب في اختلافات تنظيمية تُعرف أحيانا بثغرات العقوبات التي يمكن لموسكو وجهات فاعلة أخرى استغلالها.
ويضيف أن تشكيل جبهة موحدة بريطانية أوروبية فيما يتعلق بالعقوبات سيكون أمرا مهما في مواجهة احتمالية عودة ترمب إلى الرئاسة، إذ قد يرغب ترمب في تخفيف العقوبات الأميركية على موسكو أو رفعها. في هذا السيناريو، سيقع عبء العقوبات على أوروبا وحدها، مما يستدعي تبني نهج موحد بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفيما يتعلق بالصين، يرى المجلس الأوروبي أنه من غير المرجح أن يشهد التعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي دفعة كبيرة في المنافسة مع بكين. إذ يرى الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة حليفا وثيقا للولايات المتحدة فيما يتعلق بالإجراءات تجاه الصين، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي لاتخاذ مساره الخاص بدلا من اتباع مطالب الولايات المتحدة، مما يحد من إمكانيات التعاون. بالإضافة إلى ذلك، قد لا تعطي بروكسل الأولوية للتعاون مع المملكة المتحدة في هذه المواضيع، حيث تعتبرها اقتصادا صغيرا يفتقر إلى الأصول الحيوية، مثل التكنولوجيا الأساسية، التي تعتبر ضرورية لمصالح الاتحاد الأوروبي.
التعهد بالتغيير الفوري
وفي أول رد فعل على نتائج الانتخابات، قال زعيم حزب العمال، كير ستارمر يوم، الجمعة 5 من تموز، أمام أنصاره “لقد فعلناها، التغيير يبدأ الآن”.
وأضاف وفق ما نقلته صحيفة “الجارديان” البريطانية إن المواطنين “سيستيقظون مرتاحين لرفع الثقل عنهم وإزالة الأعباء، وأنه يشعر بالسعادة.ستكون بريطانيا أمام فرصة لاستعادة مستقبلها، وفق ستامر.
كما وتعهّد رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر «إعادة بناء» البلاد و»توحيدها» وأشار إلى عملية «إعادة بناء للبنية التحتية للفرص»، مشددا على التعليم والإسكان بأسعار معقولة، وعلى مبدأ «الخدمة» في السياسة. ووعد بالسعي مع الحكومة ليستعيد البريطانيون إيمانهم بمستقبل أفضل لأطفالهم و»توحيد بلدنا».
وكان قد أشار لدى إعلان فوز حزبه فجرا إلى أن الأمور «لن تكون سهلة»، ولا تتغير بـ»كبسة زر».
وباشر ستارمر تعيين أعضاء في حكومته، وقد كلّف ريتشل ريفز حقيبة المالية، لتصبح بذلك أول وزيرة للمال في بريطانيا، وديفيد لامي حقيبة الخارجية. سلفه ريشي سوناك البالغ 44 عاما كان قد قدّم استقالته إلى الملك.
وحقق “حزب العمال” انتصارًا ساحقًا في الانتخابات العامة، بالفوز بأكثر من 410 مقاعد، فيما حصل المحافظون على 115 مقعدًا فقط.
كما أظهرت نتائج الانتخابات حصول الديمقراطيين الليبراليين، على أكبر عدد من المقاعد منذ تأسيس حزبهم، وذلك بـ70 مقعدًا، وبزيادة تسعة مقاعد عن انتخابات 2019.
وأنهت نتائج الانتخابات ، تخبطًا سياسيًا في البلاد التي شهدت ثلاثة رؤوساء للوزراء في عامين فقط.
ويعلن موت "خطة رواندا"
وقال ستارمر "علينا أن نتخذ قرارات قاسية بكل نزاهة وصراحة وهذا لا يعني أن الأمر مقدمة لفرض ضرائب جديدة".
وأكد أن حكومته سنتخذ القرارات الصعبة بشكل سريع وتشخص المشاكل بدقة، لافتا إلى أن "هناك تحضيرات وخطط موجودة لإدارة الدولة.. لا مكان للمصالح الذاتية في هذه الحكومة وسياساتنا اليوم مختلفة".
وانتقد ستارمر حكومة سلفه ريشي سوناك وقال إنها لم تف بوعودها رغم الإنفاق.
وأكد ستارمر أن الحكومة المشكلة حديثا لن تتبع سياسة سلفه الخاصة بترحيل طالبي اللجوء الذين يصلون إلى البلاد في قوارب صغيرة إلى رواندا، وهو ما ينهي هذا المخطط قبل حتى إقلاع أي رحلات جوية.
وقال ستارمر في مؤتمر صحفي "خطة رواندا ماتت ودُفنت قبل أن تبدأ. لم تشكل رادعا أبدا (لعبور القوارب الصغيرة)".
مجلس العموم البريطاني
ويتألف مجلس العموم البريطاني من 650 نائبًا، فيما أشارت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، إلى أن انهيار الحزب الوطني الاسكتلندي، بتعزيز صعود “حزب العمال”.
ويمكن للحزب تشكيل الحكومة منفردًا مع حصوله على الأغلبية في مجلس العموم.
سيرة رئيس وزراء بريطانيا الجديد
انتخب ستارمر لقيادة “حزب العمال” في 2020، عقب أسوأ انتخابات خاضها حزبه منذ 85 عامًا.
وعمل ستارمر (61 عامًا) محاميًا، وولد لأبوين بريطانيين، وكانت والدته ممرضة، فيما والده عامل أدوات، وفق ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”.
وعمل ستارمر، وفق الصحيفة، في شركة “دويتي ستريت تشامبرز” التي تتولى قضايا كبرى في مجال حقوق الإنسان، ثم عمل مدعيًا عامًا، وأشرف على أول محاكمة بريطانية ضد أفراد من تنظيم “القاعدة”.
وفي عام 2014، حصل ستارمر على لقب “فارس قائد”، تقديرًا لعمله في خدمة الادعاء العام. وشغل منصب “وزير ظل” لدى المعارضة خلال التفاوض حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
سوناك معتذرا: أتحمّل مسؤولية الهزيمة.
وفي خطابه الأخير، قدمّ سوناك اعتذارا للرأي العام، وقال «لقد وصلني غضبكم وخيبة أملكم»، وأضاف «الشعب البريطاني أصدر حكما واضحا الليلة (…) وأنا أتحمّل مسؤولية» هذه الهزيمة.
أبرز التحديات التي تواجه “حزب العمال” في بريطانيا
وتبرز مجموعة من التحديات العامة التي تواجه حزب العمال في الحكومة البريطانية الجديدة – بعد فوزهم الساحق بـ 409 مقاعد في البرلمان – على رأسها التحديات الاقتصادية، والتي تعد من أبرز العقبات التي يتعين على الحزب مواجهتها، ذلك أن الاقتصاد البريطاني يعاني من تبعات الخروج من الاتحاد الأوروبي ثم آثار جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع النمو الاقتصادي.
وهذه التحديات تتطلب من الحزب وضع سياسات اقتصادية فعالة تركز على تحفيز النمو وخفض الدين العام وزيادة فرص العمل.
بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية، تواجه الحكومة الجديدة تحديات اجتماعية عميقة تتعلق بالتفاوت الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
ارتفاع معدلات الفقر وانعدام المساواة يتطلبان سياسات اجتماعية تهدف إلى تحسين ظروف المعيشة للأسر ذات الدخل المنخفض، وتعزيز الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم. كما يتعين على الحزب التعامل مع قضايا الإسكان وتوفير سكن ملائم وبأسعار معقولة للمواطنين.
ولا تقتصر التحديات على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل تشمل أيضًا قضايا سياسية وأمنية. ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية ومعالجة الانقسامات السياسية الناتجة عن استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي تعد مهمة ملحة.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلب التحديات الأمنية والتغيرات المناخية اهتماماً خاصاً، حيث يجب على الحزب تطوير استراتيجيات لحماية الأمن الوطني وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مما يعزز الثقة في الحكومة الجديدة ويضمن تحقيق الاستقرار.
التحدي الأول والأكبر هو الملف الاقتصادي، حيث يعاني البريطانيون من تضخم مرتفع وارتفاع تكلفة المعيشة.ستحتاج الحكومة الجديدة إلى وضع سياسات فعالة للحد من التضخم وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
يتطلب ذلك تحسين الرواتب، وخفض أسعار السلع الأساسية، وتقديم دعم مالي للفئات الأكثر ضعفاً… كما يتعين على الحكومة الجديدة تعزيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات لتحفيز النمو الاقتصادي.
ملف الصحة هو تحدٍ آخر مهم، في ضوء نقص التمويل.. وبالتالي سيحتاج حزب العمال إلى وضع خطط واضحة لإصلاح النظام الصحي.
فيما يتعلق بملف الهجرة، ستكون هناك حاجة إلى سياسات شاملة لتنظيم الهجرة وتحسين عملية اندماج المهاجرين في المجتمع البريطاني.
التحديات البيئية ستكون أيضًا جزءًا من جدول أعمال حزب العمال. مع تزايد الاهتمام بقضايا التغير المناخي والحاجة إلى الانتقال إلى اقتصاد مستدام.
|