عن أسباب موجة الشغب في بريطانيا
تقارير من اعداد فريق الرصد في قناة المرصد
*المرصد/فريق الرصد
تواجه حكومة العمال البريطانية برئاسة كير ستارمر أول أزمة كبيرة منذ توليها السلطة، إذ اندلعت موجة من الشغب والعنف غير المسبوقة في مختلف أنحاء المملكة المتحدة.
هذه الأزمة تأتي في وقت حرج للحكومة الجديدة، التي كانت تطمح إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بعد فترة من التوترات السياسية والاقتصادية في البلاد.
بدأت الأحداث بمقتل ثلاث فتيات صغيرات في مدينة ساوثبورت، هذا الحدث المأسوي أدى إلى انتشار إشاعات كاذبة عبر الإنترنت تشير إلى أن الجاني كان مهاجراً مسلماً، مما أدى إلى تصاعد التوترات العرقية وأشعل فتيل العنف من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة.
المعلومات المضللة التي انتشرت بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في تفاقم الأوضاع، إذ عملت هذه الإشاعات التي تم تداولها على نطاق واسع، من حدة الغضب والاحتقان بين المجتمعات المختلفة. في الواقع، تبين أن الجاني كان مراهقاً بريطانياً، لكن هذه الحقيقة لم تصل إلى عدد من الناس بالسرعة نفسها التي انتشرت بها الأكاذيب.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
كانت الساحة الرئيسة لنشر المعلومات المضللة والتحريض على العنف، هي وسائل التواصل الاجتماعي، فالمنصات مثل "فيسبوك" و"تويتر" أصبحت مسرحاً لنشر الأخبار الزائفة وتبادل الرسائل العنصرية. هذا الاستخدام السلبي للسوشيال ميديا أدى إلى تجنيد مزيد من الأشخاص للانخراط في أعمال العنف والشغب. وإضافة إلى ذلك، كانت هناك دعوات مفتوحة للعنف واستهداف المساجد واللاجئين، مما زاد من حجم الكارثة.
في سياق الشغب، تعرض إيلون ماسك لانتقادات حادة بسبب موقفه من حرية التعبير على منصة "إكس"/ تويتر التي يمتلكها. ماسك دعم بصورة غير مباشرة حرية نشر المعلومات، بما في ذلك تلك التي تعد مضللة أو تحريضية بحجة الدفاع عن حرية التعبير. هذا الموقف أثار حفيظة الحكومة البريطانية التي عدته موقفاً غير مسؤول في وقت حساس كهذا.
اليمين المتطرف
وقد لعبت الجماعات اليمينية المتطرفة دوراً محورياً في تأجيج الأوضاع وتحويل الاحتقان إلى أعمال عنف. هذه الجماعات استغلت حادثة القتل لنشر خطاب الكراهية والتحريض ضد المسلمين والمهاجرين من خلال تنظيم تظاهرات عنيفة واستهداف المساجد وأماكن إقامة اللاجئين، وسعت هذه الجماعات إلى بث الرعب وتقويض الاستقرار الاجتماعي.
وانتشر الشغب في عدة مدن بريطانية، بما في ذلك بلفاست وبريستول ولندن ومناطق في شمال إنجلترا مثل بلاكبول وهال وليدز ومانشستر وميدلزبره وستوك أون ترينت وسندرلاند.
أدى الشغب إلى وقوع إصابات وتدمير ممتلكات، وكانت قوات الشرطة في حالة تأهب قصوى، إذ نُشرت مزيد من القوات لمحاولة السيطرة على الوضع.
المستقبل والمآلات
رئيس الوزراء كير ستارمر ندد بالعنف وتعهد اتخاذ إجراءات صارمة ضد المتورطين، كما أعلن تقديم دعم إضافي للمجتمعات المتضررة من خلال برنامج حماية المساجد وزيادة وجود الشرطة في المناطق الحساسة وأكد أهمية الوحدة الوطنية والتصدي للعنصرية والكراهية.
وإذا كانت الأزمة الحالية في المملكة المتحدة هي نتاج تضافر عوامل عدة، بدءاً من حادثة القتل المأسوية مروراً بنشر المعلومات المضللة وانتهاء بتصاعد الكراهية والعنف.
يبقى القول إن التطورات المستقبلية للوضع تعتمد بصورة كبيرة على كيفية تعامل الحكومة مع الأزمات الحالية، إذ يجب على الحكومة ليس فقط قمع العنف الحالي، ولكن أيضاً معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى هذه الأحداث. ذلك يشمل تعزيز الوعي المجتمعي حول أخطار المعلومات المضللة وتحسين العلاقات بين مختلف المجموعات العرقية والدينية.
أيضاً فإن الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الأوضاع يجب أن يكون محور اهتمام الحكومة والمجتمع الدولي. في النهاية، يجب أن يكون التركيز على بناء جسور التفاهم وتعزيز السلام الاجتماعي لمنع تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل.
التأهب لأعمال شغب جديدة.
الى ذلك تتأهب الشرطة البريطانية لمزيد من أعمال الشغب المناهضة للمسلمين، الأربعاء، بعد أن تعهدت جماعات يمينية متطرفة باستهداف مراكز لجوء ومكاتب محاماة معنية بقضايا الهجرة في شتى أنحاء البلاد، مما دفع متظاهرين مناهضين للفاشية إلى التخطيط لمظاهرات مضادة.
وأُغلقت مكاتب المحاماة المعنية بقضايا الهجرة ومراكز دعم المهاجرين، الأربعاء، وقالت بعض خدمات أطباء الأسرة في المناطق المتأثرة بالاحتجاجات، إنها ستغلق مبكرا لضمان سلامة موظفيها.
خبر زائف و"موقع غامض"
في أعقاب أسبوع من الاحتجاجات العنيفة في بريطانيا، وجه ناشطون ومراقبون وسياسيون أصابع الاتهام لروسيا بتدبير حملة تضليل واسعة كانت وراء إطلاق شائعة على موقع إلكتروني غامض، ما أدى إلى أعمال شغب واسعة النطاق.ونقل أشخاص لديهم عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي إرشادات الشرطة عبر حساباتهم، وهناك أيضا مجموعة محلية على تطبيق "واتساب" توضح المناطق التي يجب تجنبها.
وقالت منظمة "أسيلم لينك ميرسيسايد"، التي تدعم طالبي اللجوء واللاجئين في ليفربول، إن مبناها مغلق ولن يقبل أي وافدين، مضيفة: "يعمل موظفونا في الوقت الراهن على تأمين المبنى".
وحذر رئيس الوزراء، كير ستارمر، مثيري الشغب من أنهم سيواجهون فترات سجن طويلة وذلك ضمن إطار سعيه إلى القضاء على أسوأ موجة عنف في بريطانيا منذ 13 عاما.
وتابع: "ستكون آمنة. نحن نبذل كل ما في وسعنا لضمان استجابة الشرطة حيثما تكون هناك حاجة لها، وتوفير الدعم في الأماكن التي تحتاج إليه".
بريطانيا ترد على إيلون ماسك
وجه المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، توبيخا شديد اللهجة للملياردير الأميركي المثير للجدل، إيلون ماسك، وذلك بعد أن اعتبر الأخير أن وقوع حرب أهلية في المملكة المتحدة هو "أمر لا مفر"، حسب صحيفة "تليغراف" اللندنية.كما رشقوا مساجد بالحجارة، مما أثار الرعب بين السكان وخاصة من ينتمون لأقليات عرقية ودينية إذ شعروا أنهم مستهدفون بالعنف.
وقال رئيس بلدية لندن، صادق خان، "أعلم أن المشاهد المروعة تركت العديد من المسلمين والأقليات العرقية في حالة خوف وذعر، لذلك أحث سكان لندن للاطمئنان على أحوال أصدقائهم وجيرانهم وإظهار الرعاية والتعاطف التي يتسم بها سكان لندن".
الجيش الدائم
وشكلت الحكومة ما يسمى "الجيش الدائم"، وهو وحدة تضم 6 آلاف شرطي متخصصين للتصدي لأي أعمال عنف، وتقول إنه سيجري نشرهم بما يكفي للتعامل مع أي اضطرابات.
من جانبه، قال نائب مساعد مفوض الشرطة، آندي فالانتين، المسؤول عن عمليات الشرطة في لندن إن "البلاد تواجه واحدة من أسوأ موجات الاضطرابات العنيفة منذ العقد الماضي".
وأضاف: "لن نتهاون مع هذه الأعمال في شوارعنا. وسنستخدم كافة الصلاحيات والإجراءات والأساليب المتاحة لدينا لمنع المزيد من مشاهد الفوضى".
وأما رئيس الإدعاء العام، ستيفن باركنسون، فذكر أن أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 11 عاما شاركوا في أعمال العنف، مردفا: "قد يواجهون عواقب أفعالهم مدى الحياة". وتوعد ستارمر بمحاسبة مرتكبي أعمال الشغب ونهب المتاجر وحرق السيارات.
وقال إنه جرى اعتقال ما يربو على 400 شخص وتوجيه اتهامات رسمية لمئة منهم، لافتا إلى أنه من المتوقع بدء إصدار أحكام بحقهم قريبا.
وتعاني سجون بريطانيا بالفعل أزمة اكتظاظ إذ أعلنت حكومة ستارمر الجديدة، الشهر الماضي، عن خطط للإفراج عن المزيد من السجناء قبل موعد إطلاق سراحهم المقرر في مسعى لتخفيف الضغط على منظومة السجون
|