×

  رؤا

العراق والمرجعية الموَحِّدة

04/04/2024

د.عدالت عبدالله

كاتب واكاديمي من كردستان العراق

   

كما يُقال دوماً وبعبارة مشهورة، ان الدستور هو قانون القانون، أو أُم القوانين، ولا مراء من أن كل قانون أو نص تشريعي ينبغي أن يكون مستنداً لقانون أعلى هو الدستور.

 وسمو قانون الأُم هذا على القوانين الخاضعة له، التي تشرعها المؤسسات التشريعية وتُلزَم بها السلطات التنفيذية في أي بلد، راجع أساساً الى المرجعية الديمقراطية للدستور.

 

قاعدة متينة

بعبارة أخرى، ان الدستور، بخلاف آلية صياغة القوانين العادية الصادرة عن مؤسسات ما، له أساس ديمقراطي، هو إرادة المجتمع ومكوناته المختلفة في إختيار قاعدة متينة وأساس مرضي للقوانين، التي تقترحها أو تشرعها مؤسسات الدولة لتنظيم البلاد والعباد.

علاوةً على ذلك، يعتبر الدستور القانون الأعلى أيضاً، المُصادق عليه من قِبل الشعب، نظراً لإخضاعه لتقليد الأستفتاء الشعبي، الذي يمثل الآلية المعهودة لتجسيد الإرادة المجتمعية التي يستقوي بها الدستور.

 إذن فالدستور، وبهذا المعنى، هو بمثابة العمود الفقري لكل دولة، والحفاظ عليه والإلتزام به، يساوي واجباً وطنياً وإستراتيجياً تتوقف عليه وحدة البلاد أرضاً وشعباَ، فضلاً عن أنه يمثل مظهراً حضارياً أمام العالم.

وليس بأمر جديد إذا أقرنا مع بعض الدراسات العلمية: أن وجود أي جماعة سياسية منظمة يقتضي في الوقت ذاته وجود دستور لتلك الجماعة، هذا الدستور يحدد الأسس والقواعد التي تنظم حياتها.

ومن البديهي ان نذكر ان وجود الدستور ارتبط بوجود المجتمع السياسي، بحيث أن أي مجتمع سياسي قائم فإنه يخضع لنظام سياسي معين، وبالتالي يتولى هذا النظام مهمة تحديد نظام الحكم داخل المجتمع، وتحديد العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم.

 وهذا كله يمثل الأساس الناجع لبناء أي دولة سليمة ومستقرة، بل قوية بمفهومها الأوسع، أي قوة حضور المشاركة السياسية الضمنية والمباشرة للمجتمع في تنظيم بُنية أمور الدولة وتجسيد إرادة الشعب ومصالح مكوناته.

 

تاريخ جديد

والعراق ليس خارج هذه المعادلة التي نتحدث عنها بخصوص مفهوم الدستور وحقيقته، بل ربما هو البلد الذي بأمس الحاجة الى الحفاظ على دستوره الدائم، خصوصاً انه لم يشهد في تاريخه الجديد، أي منذ عام (1921) الى يوم زوال النظام السابق (2003)، دستوراً دائماً ولم يكن مجتمعاً متمتعاً بإرادة حرة لإقرار قانون ثابت لقوانين الدولة ودستور راسخ يستند الى إرادة الشعب العراقي بكافة قومياته وأديانه ومذاهبه وأطيافه ومن دون أي تمييز.

وانطلاقاً من هذه المسلمة، لايمكننا التخيل أن يكون العراق بلداً آمناً ومستقراً وموحداً من دون تطبيق كافة مواد الدستور وبنوده، ولايمكن أن يبقى صامداً أمام التحديات الداخلية والخارجية من دون سيادة مؤسسة حامية لهذا الدستور، مؤسسة تكون مُحايدة ومهنية، فاعلة ومتجاوبة مع النزاعات والخلافات التي لها طابعاً دستورياً وبحاجة الى تدخل حاسم منها.

صحيح ربما كل دستور يحتاج الى اجراء بعض التعديلات عليه على ضوء التطورات التي تفرضها الحياة السياسية والمقتضيات المجتمعية والإقتصادية، ولكن صحيح أيضاً أن أي تعديل مُقترح أو أي فكرة بخصوص مراجعة مواد الدستور لابد وأن تنطلق من هاجس وطني، هو تقوية وحدة المجتمع وتماسكه وتعاضده، وتنبع من تطلع حضاري هو ضمان حريات وحقوق أوسع لمكونات البلد وفئاته المختلفة، لا التعاطي بعقلية مصادرة حريات وحقوق أبناء الشعب، أو التقليل من شأن أي جزء منها أو ضرب مصالحها.

والأهم من ذلك عدم خضوع هذه المؤسسة المعنية بحماية الدستور لأي إملاءآت سياسية تسيء الى هيبتها وتضرب دعائم مشروعيتها في ممارسة سلطتها العليا في البلاد ودورها المفصلي في الحد من المنازعات السياسية والإدارية والقانونية، التي لايمكن التعاطي معها إلا بفرض سلطة الدستور، ولكن قبل ذلك بسيادة هيبةٍ مؤسسية ناتجة عن تجارب صعبة أقنعت الرأي العام العراقي بعدالة هذه السلطة وضرورة سلطانها.

 

 

  مواضيع أخرى للمؤلف
←  بافل طالباني والعملية السياسية
←  زيارة خير لا توريط
←  العراق والمرجعية الموَحِّدة
←  الإنتقائية في التعاطي مع الدستور
←  الدستور العراقي والمحكمة الاتحادية
←  أبعاد إخراج القوات الامريكية من العراق
←  نقد مفهوم الخلافات بين بغداد وأربيل
←  حرب غزة ومأزق منظومة تفكيرنا..
←  المناطق المتنازع عليها والحوار الوطني
←  العراق نحو (الفوضى الخلاقة)..!
←  تركيا وظاهرة الكوردوفوبيا
←  من يحكم العراق ويتحكم به؟
←  إقليم كُردستان وعامه البائس والمشؤوم..