×

  سوريا و الملف الکردي

  عن استهداف تركيا للسليمانية



*شورش درويش

 

ألقت القوات الأمريكية في عام 2003 القبض على مجموعة من عناصر القوات الخاصة التركية في محافظة السليمانية بكردستان العراق، وقامت بوضع أكياس سوداء على رؤوسهم، لتعرف الحادثة باسم “الأكياس السوداء”، غير أن أهم ما في تلك الحادثة أنها تسببت بجرح نرجسيّ لتركيا، وتسببت بتوتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وتوليدها مقداراً كبيراً من الحقد على الاتحاد الوطني غير المتعاون مع الأتراك.

يفيدنا الصحفي التركي الأشهر، جنكيز تشاندار، بحكاية لقائه بأحد أولئك الأتراك المفرج عنهم في مدينة السليمانية بالقرب من إذاعة الجبهة التركمانية العراقية، إذ لم يخفِ ضابط القوات الخاصة، الرائد آيدن، كراهيته لزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال الطالباني، محملاً إياه مسؤولية كل ما حدث لهم ووصفه “برجل الإنكليز” و”عميل إنكلترا”.

كان آيدن يتخذ من شخصية الضابط التركي شفيق (واسمه الحركي “أوزدمير”) مثلاً أعلى له، فأوزدمير كان قد نجح في تنظيم وتأليب الكرد على بريطانيا إبان قضية الموصل في عشرينيات القرن الماضي بعد أن اتخذ مقراً له في رواندوز، بيد أن الفارق في حكاية أوزدمير وآيدن، هو أن الأخير أراد التعويل على التركمان في مسألة التخريب بكردستان العراق، نظراً لما شاهده من صدٍّ وعدم تعاونٍ كرديين لعملهم في كردستان.

الحقيقة التي لم يفهمها الضابط الذي تباهى بمعرفته بكردستان “شبراً بشبر” هي أن الطالباني كان عرّاب محاولة عملية السلام الأولى بين تورغوت أوزال وعبدالله أوجلان في التسعينيات، وأنه قطع في سبيل السلام طريقاً وعرة وحقق نجاحات ملموسة في هذه العملية الاستثنائية.

 بكلمات أخرى، كان تركيز الطالباني منصبّاً على أن يكون شريكاً مساهماً في السلام، لا في الحرب على العمال الكردستاني.

في العام 2017 أيضاً، ستحصل حادثة أخرى، مشابهة بعض الشيء، بالقرب من سد دوكان بالسليمانية وقريباً من جبال قنديل، إذ ستفشل المخابرات التركية بعملية سرية سعت لاغتيال قياديّ بارز في العمال الكردستاني، ولتنتهي القصة باعتقال ضابطين تركيين على يد عناصر تابعة للعمال الكردستاني ، الأمر الذي سيزيد من غضب أنقرة على السليمانية.

 

في الأثناء، ثمّة فشل آخر تعرّضت له المخابرات التركية التي قصفت مطار السليمانية الدولي عبر طائراتها المسيّرة حيث استهدفت الموكب الذي كان يتواجد فيه قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي مع وفد من قسد برفقة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” وقوات مكافحة الإرهاب. فعلياً لم تحقق العملية التركية ما كان مرسوماً لها، إلّا أنها من منظور آخر، نجحت في تهديد أمن واستقرار الإقليم مجدداً، ونجحت أيضاً في توسيع شقة الخلافات بين السليمانية وأربيل.

ما لا ينبغي أن يغيب عن التحليل، هو أن الحكومة التركية بحاجة ماسّة لتحقيق أمرين في هذه الأثناء، إما لشن حرب واسعة، رغم عدم وجود مبرراتها، أو لعملية أمنية كبيرة كالتي حصلت (فشلت) في السليمانية، ترفع من أسهم الحكومة التركية في مواجهة المعارضة، مع رغبة عارمة في تحطيم الدعاية الإيجابية لحزب الشعوب الديمقراطي ودوره المقبل في تحديد الفائز في منصب الرئاسة التركية والكتلة البرلمانية الأكبر، بالتالي، يبدو أن على الأطراف الكردستانية الراغبة في حصول تبدّل في المشهد السياسي في المنطقة ضبط النفس والتحلّي بالكثير من الصبر الاستراتيجي وسد الذرائع أمام الحكومة التركية، مهما بلغت مرحلة “عضّ الأصابع”، إلى حين الوصول إلى اليوم التالي لـ 14 أيار/ مايو موعد إجراء الانتخابات التركية الحاسمة.

وعليه باتت الأوضاع تستلزم ضبطاً شديداً للنفس، بدل التعبئة الحزبية والتصعيد الخطابيّ، خاصة وأن الأوضاع السياسية داخل الإقليم ليست على ما يرام، وأن الانقسام الكرديّ على أشدّه، والذي قد يتطوّر في لحظة ما إلى انقسام إداريّ فعليّ والعودة إلى زمن الإدارتين (أربيل والسليمانية) حال فشل الأطراف الكردستانية في تأمين إجراء انتخابات برلمان الإقليم، هذه الانتخابات التي تمنح الإقليم شرعيته الفعلية، وتعكس قوّة المشاركة الحزبيّة والجهويّة.

إن طبيعة الوشائج التي تجمع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، بالاتحاد الوطني الكردستاني وقوّات مكافحة الإرهاب في السليمانية، تعود إلى التنسيق العالي بين الجانبين في مراحل محاربة تنظيم داعش المختلفة منذ العام 2014 في كوباني، وكذا في سنجار. ثمة دور كبير أيضاً للسليمانية في تقديم المساعدات المتقدّمة لجهاز مكافحة الإرهاب في شمال وشرقي سوريا.

 لكن، لا ينبغي للتنسيق الأمني هذا أن يتحوّل إلى مدخل لجرّ الإدارة الذاتية إلى حيث لا ينفعها الاصطفاف، مع السليمانية ضد أربيل أو العكس، رغم أن قراءات كثيرة ترى بأن التنسيق بين طرفين كرديين يعني أنه موجّه ضد طرف كردي آخر. يجب تبديد هذه الصورة العدمية لفكرة النضال التحرري الكردي، ذلك أن مثل هذه التوجّهات تخدم في المحصّلة النهائية القوى الساعية إلى تحطيم المكتسبات الكردية.

كمية البيانات الرسمية والحزبية العراقية التي أدانت الهجوم التركي، تعكس ثقل علاقات الاتحاد الوطني القوية في بغداد، فيما اللافت والإيجابي في موقف بغداد أنها لم تبرّر للاعتداء التركي بأيّ حال. يمثّل هذا التضامن العراقيّ الشرط اللازم، ولكن غير الكافي، لوقف الاعتداءات التركية، يضاف إليه إصرار البنتاغون على وقوفه “بشدة ضد أي عمل يهدد سلامة وأمن قواته” وحماية شركائه الفاعلين على الأرض وهو ما أكدته واشنطن تعقيباً على حادثة الهجوم، وأما اكتمال لوحة حماية سيادة وأمن العراق وإقليم كردستان فإنه يمرّ على الدوام باتفاق الأفرقاء الكردستانيين، وهو الشرط الأساسيّ والمكمّل لوقف، أو تحجيم، التدخلات التركية السافرة.

إن الاعتداء التركي على السليمانية إنما هو اعتداء على القامشلي وأربيل وآمد ومهاباد أيضاً، هذا هو الجانب الوجدانيّ الأكيد الذي يطبع مشاعر غالبية الكرد، لكن العمل السياسيّ يحتّم على الأطراف السياسية الكردستانية  التصرّف بهدوء بالغ والابتعاد عن لغة الانفعالات والتعبئة الحزبية.

*وكالة نورث بريس


17/04/2023