×

  سوريا و الملف الکردي

  مصير الحقيقة الكردية عبر التاريخ



 

*PYD-الافتتاحية

من إحدى النتائج الهامة والأساسية لعلم الاجتماع وسوسيولوجيا الحرية أن منبع القضايا الاجتماعية هي الظاهرة الاجتماعية المسمى بالسلطة – الاحتكار والاستغلال، فهذه الظاهرة التي ظهرت من أحشاء المجتمع نتيجة الصراع الطويل والمرير بين رموز هذه الظاهرة اللعينة والقوى المجتمعية الطبيعية المتمثلة بالمجتمع الطبيعي النيولوتي بريادة المرأة الأم، حيث هي آلهة الخلق والإبداع والحيوية عبر مسيرتها التاريخية الغنية بالمقاومة والإصرار للإبقاء والاحتفاظ على (ماءاتها) المائة وأربعة، أي مخترعاتها ومكاسبها الاجتماعية الإنسانية، ونتيجة هذا الصراع الأليم والصعب الذي خاضته المرأة بأشكال والوان متعددة ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن الحقيقة الاجتماعية للشعب الكردي في الشرق الأوسط تدفعنا إلى قول التالي: إذا كنا فعلاً نريد معرفة الحقيقة الاجتماعية الكونية للإنسانية ما علينا سوى تسليط الضوء على الحقيقة الوطنية والتاريخية للشعب الكردي وكيفية استهدافها من قبل القوى الظلامية السلطوية عبر سياقها التاريخي الغابر والراهن، فظهور السلطة في تاريخ البشرية أدت

إلى ظهور خطين، وهي خط المقاومة في شخصية المرأة والمجتمع في وجه خط السلطة الذكورية، وخط المقاومة تابعت مسيرها عبر العصر الحجري والحديث وفي الثقافة الآرية الزراعية التي تطورت بقيادة المرأة ثم وصلت إلى العرق الآري الذي يُسمّى بأسلاف الكرد ومن ثم إلى الكرد الميديين إلى يومنا هذا، وهي تقاوم كل أشكال الاستبداد السلطوي بمراحله الثلاث، الملكي والاقطاعي و الرأسمالي عبر تاريخ السلطة، وسبب استهداف ومحاربة الكرد يكمن في حقيقته التي تتميز ثقافته بالمساواة وحب السلام وأخوة الشعوب ومقاومة كل أشكال السلطة عبر مراحل التاريخ السلطوي، ولكي تُستدام  السلطة عليها أن تقضي على هذه الحقيقة تحت حجج ومسميات دينية ومذهبية وقومية وذلك إما عن طريق القتل الجسدي أو الإبادة الثقافية.

وعلى ضوء ما ذكرنا أعلاه رأينا من الأنسب سرد بعض الحقائق التاريخية، حيث نعلم من حقائق التاريخ إن أول ثورة فكرية عظمى في تاريخ البشرية حصلت في منطقة ميزوبوتاميا ما بين أعوام ( 4000- 6000 ) قبل الميلاد، والتي سميت بالثورة النيولوتية (الزراعية) وهي منطقة كردستان الحالية تقريباً، إلا أن القوى المدنية المركزية الطاغية هاجمتها واحتكرتها مما أدى إلى إخماد ومضاتها المنورة في منبعها الأم، لكن انتشرت إشعاعها إلى منطقة أخرى وهي أوروبا حيث مما لاشك فيه أن الثورة الفكرية الأوروبية كانت شاملة وجذرية، ولكن مما لاشك فيه أيضاً أنها انهلت منابعها من هذه الثورة المذكورة سابقاً.

مما سبق يجعلنا نعود مرة أخرى ونسأل: ما الدوافع الكامنة وراء كل هذه الاستهدافات لحقيقتنا الوطنية الاجتماعية على يد هذه (اللاثقافة واللاسياسة لأجهزة السلطة والدولة بمختلف أشكالها عبر التاريخ والى يومنا هذا)؟

لكننا نعلم من طبيعة وجود هذا النظام الهرمي للسلطة والدولة منذ ظهورها الى الان، هو نظام يقتاد بالاعتماد على ذهنية السلب والنهب للقيم المبدعة والجاهزة للشعوب والمجتمعات.

أي متى سيطرت القوة وأجهزة السلطة على المجتمع الطبيعي الكومينالي الحر والتي تعبر بشكل قاطع عن الحقيقة الكردية؟

 فنرد على السؤال مباشرة: عندما حرمتها من المعرفة والعلم، وبهذا عززت هذه القوى من سلطتها على شكل دولة، أي عندما تم الفصل الجذري للعلم عن المجتمع عموماً والمرأة خصوصاً، وفصلت أواصر العلم عن الحياة والبيئة.

وبمعنى آخر نستنتج، عندما حرمت قوة المجتمع الأساسية عن مزاولة وممارسة السياسة المجتمعية الحرة، وهذا يعني حرمان المجتمع من إيجاد أفضل الأعمال التي تحدد مصالحها الحياتية الضرورية وهكذا استمرت معاداة الحقيقة الكردية من قبل القوى والنظم السلطوية من أيام السومريين الى يومنا هذا، وذلك بنفس المحتوى والمضمون إنما بأشكال مختلفة بحسب الزمان والمكان وبالأخص معاداة تلك المجموعات المتبقية من الثقافة والعقيدة الدينية الإيزيدية والزرادشتية ومن شعبنا الكردي.

ولكن مع الأسف فبدخول إسكندر الكبير عام 331 ق.م والذي استهدف إرث شعبنا وشعوب المنطقة الغنية بالثقافات والعلوم  الحضارية والإنسانية وتممها فتح الإسلام السياسي السلطوي بتدمير هذا الإرث لأن استمرار هذا الإرث يعني القضاء على أحلام المستعمر ومع فشل المستعمرين في مساعيهم إذ قاموا منذ ذلك الوقت الى يومنا هذا بعملية تغيير الثقافات والمعتقدات طبقاً لاستمرار مشروعهم الاستعماري، طبعاً لكافة شعوب المنطقة، سواء بالترهيب والإرغام أو بالخداع والتغرير تحت مسميات عديدة، وبهذه الطريقة استطاعوا استمالة البعض ومن ثم التفتيت داخل تلك المجتمعات ولهذا نرى وجود تناقضات فكرية و أيديولوجية ومعتقدات بين شعبنا، ولأن المستعمر يعلم جيداً أن القضاء على الحقيقة الكردية غير ممكنة إلا بالقضاء على رموز القوى التي تحافظ على ذلك الإرث القديم، وهم حالياً الأقلية الدينية الإيزيدية البقية المتبقية من ذلك الإرث.

ومن بين هذه الحملات الأكثر شدة ودموية هي حملات العثمانية وذلك بشنها اثنان وسبعون حملة إبادة جسدية وثقافية حيث تابع أحفادهم من الساسة الأتراك الشوفينيين الفرمان الثالث والسبعون الذي ضرب سيبا شيخ خضر وتل عزيز على يد تنظيم القاعدة تنفيذاً لمطالب الدولة التركية، وجاء الفرمان الرابع والسبعون من أشد الفرمانات على مر العصور بدعم وتدريب وتسليح و إيواء وتنظيم و تمويل وعبور وفق تعليمات الرئيس التركي مباشرة، وللتذكير فأن الشيخ أحمد العمادي مفتي السلطنة العثمانية أيام سلطان سليمان القانوني عام ( 1520- 1566 م ) أصدر فتوى تقول من يذبح كردياً إيزيدياً سيدخل الجنة مهما كانت ذنوبه كبيرة، ونتيجة هكذا فتوات متتالية كان في الآونة الأخيرة لا سيما القرضاوي وغيرهم من الساسة الاسلامويين الذين حاولوا جاهدين لفرض الذهنية الإنكارية لهذه الحقيقة، ولولا تلك الفتوات لما كان لداعش ذلك الإجرام الكبير باحتلال شنكال على مرأى العين للقوى الضامنة لحماية منطقة شنكال.

واستمرار هذا النهج باحتلال شنكال ما هو إلا بداية لتوسع الاحتلال في مناطق أخرى لإبادة الكرد لاسيما في الشمال السوري وتحديداً عفرين حيث المعلن من اتهام الدولة التركية لبعض الكرد بالإرهاب، ادعت الدولة التركية أنها تطهر المنطقة من الإرهابيين وتقصد هنا الكُرد برمتهم وليس كما يدعي البعض من السفهاء السياسين الكرد وغيرهم بأنها تعادي وتستهدف بعض القوى الكردية المصنفة على لائحتهم الإرهابية على حد تعبيرهم.

إذاً إبادة الكرد الإيزيديين ثقافياً تعني استهداف الحقيقة الكردية برمتها.

ونستطيع أن نستنج مما تقدم إن المشغلين الدوليين للازمات في العالم والشرق الأوسط خاصة عمدوا الى ترسيخ الأيديولوجيات الدينية المختلفة في المنطقة وسوريا خاصة وإذكائها بطعم قوموي لتوسيع الهوة بين جميع مكونات المنطقة، العرقية والاثنية، وطبعاً تجسد ذلك في منطقة عفرين من حيث التغيير الديمغرافي وبناء مستوطنات إسلاموية برعاية الدولة التركية وبتكليف من منظمة الإخوان المسلمين الدولية وإجبار الأقليات غير المسلمة على اعتناق الإسلام أو القتل مصيرهم، ونقصد هنا الإيزيديين، ولكن بنفس الوقت يُقتل المسلمين بدم بارد، مثال على ذلك جريمة جنديرس بمناسبة عيد النوروز إذ قُتل أربعة افراد من عائلة واحدة  ولن تكون الأخيرة وهنا نتساءل كيف استطاعوا الجمع ما بين أسلمة الأقليات غير المسلمة قهراً وقتل المسلمين بنفس الوقت؟ وشاهدنا ايضاً وليس حصراً كيف ذُبح الايزيدين في شنكال وسبي النساء وبيعهم في سوق النخاسة وعلى مسمع الجميع وبالأخص الدول ذات الأنظمة الإسلامية والتي تدعي أن الدين الإسلامي ينافي هذه الاعمال ويكفرها، إذاً هذا مشروع خارجي وما زال قائم برعاية داعش وغيره من المسميات، وهذا يقودنا إلى أن هذا المشروع الظلامي لا يخص الكرد فقط وإنما بقية الأقليات وكافة مكونات المنطقة العرقية في حقيقة الأمر.

واذا نظرنا إلى الموضوع من كافة جوانبه نجد أنه بركان ظلامي قد انفجر وهنا لن يستطيع أحد أن ينجو، حتى الطبيعة إذ تم اتلافها وبالتالي عندما سُيِّسَ الدين الإسلامي منذ القِدم، خلّف هذا التوجه الظلامي وإبعاد الأديان السماوية عن مسارها الإنساني والأخلاقي، وهنا نعود إلى الكرد ولِمَ هم مستهدفون لهذا الحد؟ طبعاً كونهم يمثلون الحقيقة التاريخية للحضارة الإنسانية والأخلاقية.

وهذا ما يدعونا بالمقابل ان نجدد دعوتنا الى كافة الافراد و المجموعات الثقافية والأحزاب الكردية وغير الكردية من القوى الديمقراطية للشعوب المتآخية معنا أن نجدد التحامنا واتحادنا الطوعي الديمقراطي الحر على مبدأ الحرية والمساواة وإخوة الشعوب لتحقيق العدالة الاجتماعية الحقة والكرامة الوطنية والإنسانية، وذلك بمكافحة قوى الشر والفساد من بين مجتمعاتنا الشرق الأوسطية وذلك من خلال دعم مشروع الإدارة الذاتية، فالأمة الديمقراطية مشروع سياسي كامل للخروج من هذا المستنقع الدامي لبناء وطننا السوري بحلة جديدة وإعادة بناء لوحة الفسيفساء الجميلة تلك والتي ضمت جميع الألوان الزاهية للنسيج السوري الرائع وتطهر الأديان من رجس الدخلاء الظلاميين، فكم نحن تواقون إلى مشاهدة ذلك النسيج المتجانس للأقليات في الوطن السوري وإعادة بناء الوطن وطبيعته الخلابة من جديد.


17/04/2023