×

  المرصد الامریکي

  المنافسة الصينية-الأميركية تدخل مرحلة جديدة في الشرق الأوسط



*حمدالله بايكار

  

*مؤسسة كارنيغي للسلام

في آذار/مارس 2023، تصدّر العناوين الرئيسة تطوّرٌ اعتقد البعض أنه يمثّل نهاية الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط. فقد جرى التوصّل، بوساطة من الصين التي تُعتبَر المنافس الأكبر للولايات المتحدة في العالم، إلى اتفاق بين السعودية وإيران، أي بين شريك أساسي للولايات المتحدة وعدوّ أساسي لها.

ولكن نظرة عن كثب إلى الاتفاق تُظهر أن الدور الصيني كان غير مهمّ نسبيًا. والحال هو أن الفضل الذي يُنسَب إلى الصينيين هو بمثابة هديّة قدّمتها لهم السعودية وإيران، وفي نفس الوقت هو إحدى نتائج افتقار الولايات المتحدة إلى خطة دبلوماسية استراتيجية وعادلة في الشرق الأوسط.

فالتركيز السعودي على الدور الصيني يوجّه إشارةً واضحة إلى الولايات المتحدة بهدف دفعها إلى رفع مستوى التزاماتها تجاه المملكة، إذ تسعى الرياض كما أُفيد إلى الحصول على تأكيدات شاملة ومتجددة بشأن الضمانات الأمنية، وعلى الدعم لبرنامج نووي مدني.

 

هل كانت مناورة صينية؟

الدور الصيني في هذا الاتفاق أكثر محدودية إلى حد كبير مما أوحت به التغطية الإعلامية. فالمفاوضات بين الطرفَين مستمرة منذ وقت طويل بمساعدة من دول إقليمية. وقد أمل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، من خلال تيسيره المحادثات بين البلدَين، في إرساء توازن أفضل بين إيران ودول الخليج العربي في العراق، وخفض التأثير الإيراني الأحادي. وكذلك اضطلعت سلطنة عُمان، التي لديها سجل جيّد في مجال الوساطة الإقليمية، بدور أساسي في هذا التقارب.

علاوةً على ذلك، لم يشكّل التقارب مفاجأة كبيرة في منطقة شهدت مرحلة سلمية نسبيًا منذ تفشّي الجائحة في عام 2020. فقد انتهت الأزمة الخليجية التي استمرّت لفترة طويلة بين قطر من جهة والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية ومصر من جهة أخرى. وفضلًا عن ذلك، أقامت الإمارات والبحرين والمغرب علاقات مع إسرائيل فيما عمدت تركيا إلى تطبيع علاقاتها المتشنّجة، فأعادت بناء روابط وثيقة مع الإمارات والسعودية.

ختامًا، أدّت التطورات الدبلوماسية إلى تغيير الحسابات الإقليمية فيما يتعلق بسوريا واليمن اللذين يشهدان تصادمًا بين إيران والسعودية منذ الربيع العربي. فقد استعادت سوريا مقعدها في الجامعة العربية بموافقة سعودية، وخاض المسؤولون السعوديون محادثات مباشرة مع الحوثيين، في خطوةٍ يعتقد كثرٌ أنها قد تقود إلى سلام أوسع نطاقًا.

 

هل قُضي الأمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟

ليس سرًّا أن الرئيس الأميركي الحالي والقيادة السعودية ليسا على علاقة طيّبة. فقد تعهّد بايدن، خلال حملته الانتخابية، بأنه سيحوّل المملكة إلى دولة منبوذة – لكنه اضطُرّ إلى التراجع عن هذا الموقف حين وصل سعر برميل النفط إلى 120 دولارًا أميركيًا بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا. بيد أن العلاقات بين البلدَين ليست جيّدة بعد زيارة بايدن إلى الرياض في عام 2022، وأحد الأسباب هو الموقف الأميركي المتعالي الذي يعتبر أنه يتعيّن على القوى الإقليمية اتّباع المسار الذي تحبّذه الولايات المتحدة، حتى لو لم يكن يتناسب مع المصالح القومية لتلك الدول.

لا بد من الإشارة أيضًا إلى أنه لم يُنظَر قط إلى الولايات المتحدة بأنها وسيط عادل ونزيه في النزاعات الشرق أوسطية، نظرًا إلى علاقاتها الوطيدة مع إسرائيل وعدائها تجاه إيران. علاوةً على ذلك، وفي ضوء التخلّي الأميركي عن خطة العمل الشاملة المشتركة، بالإضافة إلى الانسحاب الأميركي الفاشل من أفغانستان، باتت السياسات الأميركية تُعرَف بـ"الدبلوماسية المتقلّبة" بسبب طبيعتها القائمة على رد الفعل والمصالح الذاتية وعدم إيلاء الاعتبار اللازم للحلفاء.

تسعى إيران والسعودية، من خلال إشراك الصين في اتفاقهما الأخير، إلى توجيه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأنه يمكن استبدالها. بيد أن السؤال حول ما إذا كان سيجري استبدالها فعلًا، فهو أمر مفتوحٌ للنقاش. ففي حين ازدادت البصمة الاقتصادية الصينية في المنطقة، لا تبدو بيكين مستعدّة للانخراط بعمق أكبر في المنافسة الإقليمية، أقلّه في الوقت الراهن. ولكن في ضوء الاهتمام الذي أولته المؤسسات الإعلامية الأميركية وصنّاع السياسات الأميركيون للدور الصيني في الاتفاق، من المؤكّد أن الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرّةً إلى إعادة تقييم علاقاتها في المنطقة والتفكير، في المقام الأول، في الأسباب التي تدفع بشركائها إلى الانعطاف نحو الصين.

*حمدالله بايكار طالب دكتوراه في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر. يركّز في عمله على سياسة الهوية في العلاقات الخليجية والدولية.


22/05/2023