×

  تركيا و الملف الکردي

  أردوغان والتحديات..سياسات قديمة بوجوه جديدة



*د.محمد نور الدين

طوت تركيا صفحة الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية، بالتجديد للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان. وهي المرة الأولى بعد انتخابات 2014 و2018 التي يفشل فيها أحد في الفوز من الدورة الأولى.

 نال أردوغان 52 في المئة من الأصوات، مقابل 48 في المئة لمنافسه مرشح المعارضة كمال كيلتشدارأوغلو، وفي المحصلة العددية نال أردوغان 27 مليون صوت، وكيلتشدار أوغلو 25 مليون صوت ، أي بفارق مليوني صوت ونيّف.

وتعكس هذه النتيجة انقساماً عمودياً خطراً في المجتمع التركي من خلال تشريح طبيعة الكتلة التي أيدت أردوغان، وتلك التي أيدت كيلتشداراوغلو.

 

  تألفت الكتلة المؤيدة لأردوغان من شريحتين أساسيتين:

1- الكتلة المحافظة الدينية وتقدر ب 40 في المئة، وهي تصب بأكملها تقريباً لحزب العدالة والتنمية، وزعيمه أردوغان.

2- الكتلة القومية المتشددة المنتمية لحزب الحركة القومية وبلغت 10 في المئة، و2.5 في المئة للمرشح الذي خرج من السباق سنان أوغان.

  وتؤكد الدراسات أن حجم الكتلة القومية والمحافظة في تركيا يقارب ال 65 في المئة. ولو حذفنا منه عشرة في المئة ينتمون لأسباب سياسية وشخصية للحزب الجيد بزعامة مرال آقشينير، المنضم للمعارضة، لأمكن القول إن التيار القومي- الديني هو الذي يتحكم في مسار النتائج. والدليل على ذلك أن أردوغان نال النسبة نفسها، أي 52 في المئة في انتخابات 2014 و2018 و2023، على الرغم من تباين الظروف المحيطة بانتخابات كل عام من تلك الأعوام. بل أكثر من ذلك عندما كانت الفرصة متاحة، نظرياً وعملياً، لخرق المعادلة وفوز كيلتشدار أوغلو لم يتراجع ولم يرتفع حجم الكتلة التي صوّتت لأردوغان.

 حين نقف عند واقع أن كتلة أردوغان هي من فئة واحدة قومية- دينية، وتفتقد في صفوفها كل المكونات الأخرى المتبقية الكردية والمذهبية والعلمانية واليسارية، ندرك ان هذا الانقسام ليس سياسياً، بل هو قومي ومذهبي وأيديولوجي.

  وهذه المقاربة هي التي تفسر لنا كيف يمكن لأردوغان أن يفوز على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كان المواطن يمّر بها، وكان يقدّر أن تحرم أردوغان من عوامل قوته التقليدية، وهي الاقتصاد. وهي التي تفسر الفوز على الرغم من النتائج الكارثية لزلزال 6 فبراير/ شباط الفائت.

  إذا كان هناك اتفاق على الدور الحاسم للعامل القومي- المحافظ فإن هناك عوامل أخرى إضافية ساهمت في فوز أردوغان، مثل الماكينة الإعلامية الهائلة التي امتلكها، مقابل تلك المتواضعة لدى المعارضة. كذلك التقديمات المالية الهائلة التي أعطاها تحت صيغ مختلفة للمواطنين. ولا ننسى الدعم الخارجي لبعض الدول لتعزيز حظوظ أردوغان.  

   وربما لعبت الدعاية القائلة بأن الولايات المتحدة والغرب يريدان إسقاط أردوغان، وفي هذا جانب من الحقيقة، دور في استنفار العصبية الوطنية التركية، ودفعت البعض للتصويت لأردوغان ليس حباً به، بل استنفار لهذه العصبية ضد التدخلات الخارجية. وهذا يمكن أيضاً أن ينسحب على تدخلات دول أخرى لمصلحة أردوغان، لا ضده.

  انتهت الانتخابات الرئاسية ويمكن للمعارضة ان تأخذ منها دروس أسباب الفشل، ويمكن لأردوغان أن يتطلع إلى أن يكون رئيساً للجمهورية، أي لكل الأتراك. وهذا تحدٍ داخلي جدّي، إذ إن الأزمات العرقية والمذهبية والإيديولوجية تفتك بمناعة المجتمع التركي، وهي مشكلات بنيوية لا يمكن من دون حلها أن يعرف المجتمع استقراراً وتطوراً.

  ويواجه أردوغان في حقبته الجديدة تحدي تصحيح علاقات تركيا الخارجية. وستكون إقامة علاقات متوازنة بين الغرب وكل من روسيا وإيران أحد التحديات التي تقف أمام تركيا. غير أن تطوير العلاقات مع العالم العربي يفترض أن يكون أولوية تركية، وأولها العلاقات مع سوريا، الملف الأكثر دقة وحساسية وخطورة، وهو الملف الذي يشكل العنوان الأبرز لمدى نجاح تركيا، من عدمها، في إقامة علاقات خارجية سوية.

 

 

فيدان لـ«الخارجية» وشيمشيك لـ«المالية» سياسات قديمة

هذاوأفرج الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عن تشكيلة حكومته الجديدة المؤلفة من 17 وزيراً، منتقلاً بذلك إلى مرحلة تثبيت ركائر ولايته الرئاسية الثالثة. ولعلّ أبرز الأسماء الجديدة في الحكومة هو محمد شيمشيك، وزير الخزانة والمالية، والذي سيشرف على إنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور، مع عودة النقاش في تركيا إلى المربّع الاقتصادي.

ومع طيّ صفحة وزير الداخلية سليمان صويلو، ووزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، بدا لافتاً تعيين رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، وزيراً جديداً للخارجية، فيما يُرجّح أن يحلّ محلّه الناطق باسم الرئاسة، إبراهيم قالين، في رئاسة الاستخبارات، ما يعني تالياً استمرار ثالوث: إردوغان - قالين - فيدان في إدارة سياسات تركيا

مع حسْمه معركة الرئاسة كما الغلبة في البرلمان، انتقل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى المرحلة الأولى من تثبيت ركائز ولايته الجديدة التي ستستمرّ خمس سنوات. وكان أول قراراته، تعيين جودت يلماز نائباً لرئيس الجمهورية، ليحلّ محلّ فؤاد أوكتاي.

وضمت التشكيلة الوزارية 15 وزيراً جديداً (من مجموع 17)، فيما بقي وزيرا الصحة فخر الدين قوجا، والثقافة والسياحة محمد نوري إرصوي، في منصبيهما. ولعلّ أبرز الأسماء الجديدة في الحكومة هو محمد شيمشيك الذي عُيّن وزيراً للخزانة والمالية بدلاً من نور الدين نباتي، لإنقاذ الوضع الاقتصادي، خصوصاً أن شيمشيك كان قد تولّى منصب وزير المالية بين عامَي 2009 و2015، وكانت تجربته ناجحة.

واقترح إردوغان على شيمشيك قبل الانتخابات، الترشُّح كوْنه من أصل كردي، لكنه رفض واقترح أن يكون وزيراً للمالية في الحكومة الجديدة.

وتتّجه الأنظار في هذا الوقت إلى ما الذي سيفعله الوزير الجديد لمواجهة التضخّم وتدهور سعر صرف الليرة ومسألة رفع الفائدة من عدمها وسياسة الأجور التي وعد إردوغان برفعها.

وشهدت التشكيلة الجديدة طيّ صفحة سليمان صويلو في وزارة الداخلية، المنصب الذي تسلّمه قبل سبع سنوات، بعد انقلاب الـ15 من تموز 2016. وهو قاد، آنذاك، حملات التطهير الواسعة التي شنّها إردوغان على جماعة فتح الله غولين و«حزب الشعوب الديموقراطي»، ولا سيما إقالة معظم رؤساء البلديات الكردية وإتباعهم لسلطته المباشرة. وقد حلّ محلّه في المنصب، محافظ مدينة إسطنبول، علي يرلي قايا، فيما عُيّن يلماز تونتش بدلاً من بكر بوزداغ في وزارة العدل، التي تحظى بأهمية موازية لوزارة الداخلية نظراً إلى أن تنفيذ سياسات التطهير وإضعاف خصوم إردوغان كان يتمّ بالتنسيق الكامل بين الوزارتَين والأجهزة القضائية.

وما يمكن أن يثير انتباه الرأي العام الخارجي، هو تعيين رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، وزيراً جديداً للخارجية، بدلاً من مولود تشاووش أوغلو. ومع أن فيدان كان يُعتبر وزير خارجية الظلّ، غير أن تعيينه في هذا المنصب يضعه في مواجهة مباشرة مع العالم الخارجي، بخلاف الوزير السابق الذي كان اكتسب خبرةً عالية في مهامّ العلاقات الدبلوماسية. وعُرف عن فيدان قيامه بأدوار مهمّة خلال المواجهات مع جماعة غولين عام 2013، وخلال انقلاب عام 2016، كما قام بدور مهمّ في التواصل المباشر مع الأكراد و«حزب العمال الكردستاني» لإيجاد حلول للمشكلة الكردية، ولكن من دون أن تجد هذه المحاولات خواتيم إيجابية. وسيكون فيدان واحداً من أبرز وجوه المرحلة الجديدة من ولاية إردوغان الثالثة، وربّما من أبرز المرشحين لخلافته بعد خمس سنوات. وفي الموازاة، ثمّة توقّعات تشير إلى احتمال تعيين إبراهيم قالين، الناطق باسم رئاسة الجمهورية، ليحلّ محلّ فيدان في رئاسة الاستخبارات، فيما يُتوقّع أن يتمّ تعيين عاكف تشاغاتاي كيليتش، ناطقاً جديداً باسم الرئاسة. وتُظهر التعيينات الجديدة أن ثالوث إردوغان - قالين - فيدان، هو الغرفة الفعلية التي تدير سياسات تركيا منذ أكثر من 13 عاماً، ما يعني تالياً أن لا تغييرات دراماتيكية ستطرأ.

وتخلّى إردوغان عن خلوصي آقار الذي تمّت ترقيته بعد انقلاب عام 2016 من رئاسة الأركان، إلى منصب وزير الدفاع، فيما عُيّن رئيس الأركان الذي خلف آقار، وزيراً جديداً للدفاع. كذلك، عُين ألب أرسلان بايرقدار وزيراً للطاقة والموارد الطبيعية، بعدما كان مديراً عاماً للوزارة.

 وكانت سرت شائعات عن احتمال تعيين صهر إردوغان، برات البيرق، وزيراً للطاقة، ولا سيما أن هذه الوزارة تكتسب أهمية بالغة في هذه المرحلة، وسط سعي تركيا للتنقيب واستكشاف مصادر جديدة للطاقة من غاز طبيعي ونفط، في البحرَين الأبيض والأسود. وعيّن إردوغان في حكومته الجديدة امرأة واحدة، هي ماهينور أوزده مير غوكطاش (1982)، وزيرةً للعائلة والشؤون الاجتماعية. وغوكطاش التي درست في الجامعة الحرّة في بروكسل، انتُخبت نائبةً لدورتَين في البرلمان البلجيكي عن مدينة بروكسل (2009-2019)، وكانت أول امرأة محجّبة تُنتخب نائبة في برلمان بلد أوروبي. وبعد عام 2019، عُيّنت سفيرة لتركيا لدى الجزائر.

وقبل إعلانه التشكيلة الحكومية، أدّى إردوغان القسم أمام البرلمان التركي، متعهّداً بالعمل على احتضان الجميع وتلبية تطلّعاتهم وإعداد دستور أكثر مدنيّة، معتبراً أن الحكومة الجديدة هي بداية مسيرة «القرن التركي». وبعد ذلك، أقام احتفالاً حاشداً في القصر الجمهوري حضره العديد من الزعماء الأجانب، أبرزهم: الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، رئيس الحكومة الباكستاني شهباز شريف، الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي» ينس ستولتنبرغ ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

 وبدا لافتاً، غياب أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، وتكليف وزير داخليّته خليفة بن حمد بتمثيله، كما لم يحضر من الرؤساء العرب، سوى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود. وحضر الاحتفال رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة ورئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودي.

وبرز من بين الحضور، الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي فتح يديه إلى السماء، كما المشاركين الآخرين، أثناء تلاوة رئيس الشؤون الدينية، محمد علي إرباش، دعاء التوفيق لإردوغان، والذي استمرّ أكثر من أربع دقائق. ولفت أيضاً أن مادورو زار قبل ذلك، الموقع الذي أنشئ لتمثيل مسلسل «قيامة أرطغرل» فيه، حيث كان في استقباله منتج المسلسل، محمد بوزداغ (أخرجه متين غوناي).

ومع أن المعارضة أصيبت بخيبة أمل كبيرة نتيجة الانتخابات الرئاسية والنيابية، غير أن الدعوة من كل الأحزاب للاستمرار في المواجهة مع سلطة «العدالة والتنمية» - «الحركة القومية»، لم تتوقّف. وقد أعطى إردوغان إشارة البدء بالمواجهة مع صدور النتائج الأولية للانتخابات، إذ اعتبر أن لمعركة البلديات التي ستجري في 31 آذار من العام المقبل، أولوية.

 وتكتسب هذه المواجهة أهمية استثنائية ورمزية للرئيس التركي، لأن «حزب العدالة والتنمية» خسر بلديتي إسطنبول وأنقرة عام 2019، بعدما سيطر عليها منذ عام 1994. ومن جهتهم، بدأ نواب المعارضة المواجهة مع السلطة، عندما امتنعوا عن الوقوف والتصفيق لإردوغان لدى دخوله منصّة الشرف العليا في البرلمان، في جلسة أداء النواب القسم يوم الجمعة الماضي.

 ومع أن الناطق باسم «الحزب الجيّد»، كورشاد زورلو، أعلن أن «تحالف الأمّة» انتهى بالمعنى التقني، لكنه أكد أن التحالف السياسي سيستمر في الانتخابات البلدية، فيما سيحدّد المؤتمر العام للحزب، في 25 حزيران الجاري، الاستراتيجية الجديدة لـ«الجيّد».

 أما بالنسبة إلى «حزب الشعب الجمهوري»، فقد شكر زعيمه، كمال كيليتشدار أوغلو، الأحزاب التي ترشّح أعضاؤها على لوائحه، وقال إن في إمكانهم الآن العودة إلى أحزابهم الأمّ، وهم: 13 لـ«حزب الديموقراطية والتقدّم» بزعامة علي باباجان، و10 لـ«حزب السعادة» برئاسة تيميل قره مللا أوغلو، ومثلهم لـ«حزب المستقبل» برئاسة أحمد داود أوغلو، وثلاثة لـ«الحزب الديموقراطي» برئاسة غولتكين أويصال.

ومع أن رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، دعا إلى «التغيير»، وهو من أبرز المرشّحين لرئاسة «حزب الشعب الجمهوري» في المستقبل، إلّا أن كيليتشدار أوغلو قرّر إرجاء المؤتمر العام للحزب إلى ما بعد انتهاء الانتخابات البلدية المقبلة، ما يعني تالياً أن أيّ تغييرات في القيادة مؤجّلة. وسيتوقّف على قرار الحزب ما إذا كان سيتمّ ترشيح إمام أوغلو مجدّداً لرئاسة بلدية إسطنبول أم لا. ولعلّ حسابات سياسية تقف وراء تأجيل المؤتمر العام للحزب، لأن انعقاده وترشُّح إمام أوغلو لرئاسة «الشعب الجمهوري» وفوزه، كلّ ذلك سيضطرّه لترك رئاسة بلدية إسطنبول لتذهب إلى رئيس جديد ينتخبه أعضاء المجلس البلدي الموالي بغالبيته للسلطة، فتخسر المعارضة مجاناً بلدية كبرى إلى حين إجراء الانتخابات البلدية المقبلة.

وعلى الرغم من انتهاء الانتخابات، فقد عاد النقاش إلى المربّع الاقتصادي، إذ أشارت التقارير إلى أن كلفة ضبط سعر صرف الليرة عند حدود 20 ليرة مقابل الدولار، في الأسابيع الماضية، بلغت 50 مليار دولار على الأقلّ جاءت جميعها من الخليج وروسيا وأذربيجان. ويحذّر الخبير الاقتصادي، دوران بلبل، من أنه «حتى لو تمّ تعيين ألف محمد شيمشيك، فلن يستطيعوا انتشال الاقتصاد من أزمته»، وذلك بفعل تراكم الديون وإرجاء الحكومة سدادها، لافتاً إلى أن الدولار سيقفز حتماً إلى 27 و30 ليرة في الأسابيع المقبلة.


05/06/2023