×

  المرصد الصيني

  العزم والارادة للمضي قدماً لبناء المجتمع الصيني العربي



نص كلمة رئيس الوزراء الاسبق د. عادل عبد المهدي في المنتدى الصيني العربي للاصلاح والتنمية بدورته الرابعة في الصين ايلول/2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات السيدات والسادة الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اتشرف بالمشاركة بهذا المنتدى المخصص لمتابعة ما انجزته القمة العربية الصينية.

 باعتبارها احدى المؤشرات ليجد الجنوب، مكانه العادل المتوازن في عالم لا تحكمه الهيمنة والغطرسة.

اطلعنا جميعاً على البيان الختامي للقمة وكلمات الرؤساء، ومنهم دولة رئيس الوزراء العراقي السيد السوداني، لكنني أود التركيز على امرين وردا في كلمة الرئيس شي جيبينغ.

الاول  تعبير "المجتمع العربي الصيني"*. فلكل تعبير مضامين لجوهر العلاقة. فالزوج والزوجة تجمعهما مفردة عائلة، وللشراكة التجارية مفردة شركة، ومواطنو البلد تجمعهم مفردة مجتمع.

استخدمت العلاقات الدولية مفردة "المجتمع الدولي". لكن المفردة اسيء استخدامها، بسبب المعايير المزدوجة، واستخدام المؤسسات الدولية لصالح الدول المهيمنة والقوية.

فالاستعمار القديم جدد نفسه واساليبه واطاراته، وعمم مفاهيمه تحت مفردة "المجتمع الدولي". فترى القرارات الاممية تطبق، عندما تلائم مصالح هذه الدول، وتعطل عند تعارضها.

فالاستعماران البريطاني والفرنسي، قاما بتنظيم العلاقة بمستعمراتهم القديمة عبر مفهوم "الكومنولث" و"التاج البريطاني" بالنسبة للاول، و"الدول الفرانكوفونية" بالنسبة للثاني.

 ففرضت الانكليزية والفرنسية، والروابط الاقتصادية والثقافية والعسكرية على هذه البلدان.

ومع زعامة امريكا للعالم الغربي، لجأت للسيطرة المالية والمصرفية والاعلامية والقيمية، والحروب والانقلابات.

فصار اطفالُنا والسُذج بيننا يصفقون لطرزان، الرجل الابيض وهو يهزم ما يسميه "وحوش" افريقيا، من بشر وحيوانات.

اوهو ينزع جلدة رأس سكان امريكا الاصليين، او يطارد العبيد السود الهاربين من جحيمه. فالعلاقة كانت وما زالت محكومة بوسائل السيطرة والقمع والحصار والعقوبات.

فحسب جامعة اوبسالا السويدية جرى (285) نزاعاً مسلحاً للفترة 1946-2014. وخاضت امريكا (134) حربا منها. هذه حقيقة، لكن الكثير من المراكز الامريكية سيغالطونها، ويقولون هذه ليست بحروب.

 لان الكونغرس لم يصوت على حرب منذ 1942. وسيطلقون عليها عمليات خاصة كبيرة، او مهام عسكرية خاصة او مستشارين ومدربين للقوات الصديقة.

ولامريكا عالمياً اكثر من (750) قاعدة عسكرية، عدا اساطيلها، واقمارها العسكرية ومخابراتها ووحداتها الخاصة المنتشرة، ومحاولاتها الدؤوبة، لقلب انظمة الحكم لمصلحتها.

فلماذا ستختلف العلاقة بين العرب والصين، ولماذا تفاءَلنَا خيراً بالقمة والشراكة، التي تتصلب وتتعزز يوماً بعد اخر؟

1- يهدف تعبير "المجتمع العربي الصيني" لعلاقة متوازنة تختلف في جوهرها عن علاقات مستعمِر بمستعمَر. علاقة مدروسة قائمة على (8) مجالات، وهي: تدعيم التنمية.. الامن الغذائي.. الصحة.. التنمية الخضراء والابتكار.. أمن الطاقة.. الحوار بين الحضارات.. تأهيل الشباب.. الأمن والاستقرار.

2- لم تضع الصين نفسها كدولة مهيمنة قوية تأتي لمساعدة دول فقيرة وضعيفة. على العكس تصر الصين انها ايضاً دولة نامية، تنتمي لمعسكر الجنوب والشرق، وانها رغم كل تاريخها وحضارتها ونموها المتسارع، لا تدعي العلوية على احد.

3- خلاف التجربة الاستعمارية حيث تُحلب وتسرق البلدان لمصلحة المتربول الغربي، فيغنى طرف ويفقر اخر، فان الصين تنادي بالتطور لشركائها ولنفسها. وترفض قاعدة فرق تسد، كما فعلت وتفعل منظومة الهيمنة. على العكس سعت وتسعى لتوحيد الصفوف. كما تشهد رعايتها لاعادة العلاقات بين السعودية وايران، والذي فتح المجال لتسويات كبيرة في منطقتنا. ومنها مفاوضات السلم والحوار في اليمن، وعودة سوريا للجامعة العربية.

4- مع استقبال الرئيس السوري في بكين قبل ايام، وتوقيع شراكة استراتيجية معها، لدينا اليوم علاقات شراكة استراتيجية، واستراتيجية شاملة مع (14) دولة عربية، والعراق منها. وبلغ التبادل التجاري عام 2022 بين الصين والدول العربية (431.442) مليار دولار. بزيادة 30% سنوياً. واصبحت (17) دولة عربية عضواً في البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وقس على ذلك.

5- لا تطرح الصين ضمانات لنفسها على حساب شركائها. بل تطرح الضمانات لها ولشركائها. فلا قوات ومستشارين عسكريين يهددون شركائهم اذا ما خالفوهم. فكل شيء مشاركة وتعاون ليس الا.

6- لا تطرح الصين تدمير الشمال. بل ان يأخذ الجنوب حقوقه بشكل ندي ومتكافىء، وتنتهي سياسات الاستعمار الجديد. فالشمال سيبقى قوياً، والحوار الحضاري سيستمر في عالم تعددي. وسيبقى الجميع حراً في خياراته، كنقطة ضامنة، تمنع الهيمنة والتفرد.

والامر الثاني، قول الرئيس شي جيبينغ: "ان القضية العظيمة تبدأ بالحلم، وتنجز بالعمل الملموس".

والان اصبح الحلم فكرة ومشروعاً بفضل الجهود المشتركة. فمشروع "الحزام والطريق" قطع شوطاً بعيداً مع الدول العربية. وهذه بعض الاشارات.

1-  في 6 سبتمر 2023، أكد وزراء الخارجية العرب في اجتماع الجامعة العربية، دعم مبادرة "الحزام والطريق"، وتعزيز الية بناء منتدى التعاون العربي الصيني. فوقعت (21) دولة عربية -ومنها العراق- المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق"، ودمج المبادرة مع استراتيجيات التنمية العربية. وانجزت -او تحت التنفيذ- الكثير من المشاريع الحساسة مع معظم هذه الدول. ففي العراق تم اقرار مبلغ (10.510مليار) دولار في موازنة الدولة للاعوام (2023-2025) تحت عنوان "الاتفاقية الاطارية العراقية الصينية". وفي جميع المشاريع العربية/الصينية، تُعتمد معادلة 1+2+3، سبق للرئيس الصيني طرحها عام 2014: الطاقة كمحور رئيسي، ومجالي البنية التحتية.. وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، وثلاثة مجالات ذات تكنولوجيات متقدمة كنقاط اختراق، تشمل الطاقة النووية.. والفضاء والاقمار الصناعية.. والطاقة الجديدة.

2-  انظمت لمنظمة شنغهاي وبنك التنمية عشرات الدول العربية. ومؤخراً تم قبول (3) دول عربية لمجموعة "بريكس"، وباضافة ايران، سيكون للدول الاسلامية (4) اعضاء من اسيا وافريقيا من مجموع (11) عضواً. وهذا ثقل كبير في تجمع بات يحتل المساحة الجغرافية الاكبر عالمياً، والتكتل الاكبر بشرياً، والمجموعة القوية الصاعدة اقتصاديا وامنياً. تكتل يمتلك سيولات واصولاً عينية وموارد طبيعية حقيقية جبارة ومتكاملة، وليس كاقتصاديات، مغرقة بالديون والعجز، والازمات، والاقتصاديات الرقمية والوهمية، كما هو شأن العالم الرأسمالي المتوحش.

3- يبدو واضحاً العزم والارادة للمضي قدماً لبناء "المجتمع الصيني العربي". فالكل يتلمس الفوائد الواضحة. وتؤكد الصين عزمها بوقوفها الثابت مع قضية العرب والمسلمين الاولى لضمان الحقوق في القدس الشريف وفي الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. فقضية فلسطين دقت اسفيناً عميقاً بين المنطقة العربية والغرب بسبب مواقفه المنحازة للاحتلال والاستيطان.

4- لم يدرك الغرب ليومنا التطورات العالمية الجارية. فما زال يرتكب الاخطاء ويتصرف بعنجهية/وعدوانية تدفع العرب والصينيين وغيرهم للحذر، وبناء شراكات واجتماعات -او مجتمعات-* اكثر صدقية وجدية وفائدة، تنظمها قواسم ومصالح مشتركة متبادلة.

اشكركم واتمنى لاعمال هذا المنتدى النجاح والتوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

*ملاحظة: كان العرب والمسلمون يستخدمون تعبير "اجتماع"، فيقولون "الاجتماع الانساني". فـ"الاجتماع" يقبل التعددية والانفتاح، بينما مفردة "مجتمع" مترجمة من Society تدفع للانصهار واللون الواحد. وفي القاموس الصيني وجدت Shéhui كمقابل لـSociety. وفي الشرح يرد ايضاً ان التعبير مرن ومنفتح، لا ادري. هذه الملاحظة لا تعني عدم استخدام مفردة "مجتمع" لكن بمعناها المنفتح والتعددي وليس الاندماجي والضيق.


14/10/2023