×

  الطاقة و الاقتصاد

  تداعيات الحرب بين حماس وإسرائيل على أمن الطاقة العالمية



*سهير الشربيني

تهديد الإمدادات

*انترريجيونال للدراسات

انطلاقاً من احتفاظ الشرق الأوسط – الذي يتمركز فيه الصراع بين حركة حماس وإسرائيل – بجزء كبير من احتياطات العالم من النفط؛ حيث تضم المنطقة 31% من إنتاج النفط العالمي، و18% من إنتاج الغاز، و48% من احتياطات النفط المؤكدة، و40% من احتياطات الغاز المؤكدة؛ ما يجعلها تلعب دوراً حاسماً في أسواق الطاقة العالمية، بصفتها مصدراً رئيسياً للنفط والغاز الطبيعي؛ فإنه من شأن أي عدم استقرار في المنطقة، أن يترتب عليه انقطاع في إمدادات الطاقة، ومن ثم حدوث تقلبات في أسعار الطاقة في مختلف أنحاء العالم. ولعل الأحداث التاريخية تثبت حقيقة الدور الذي تلعبه المنطقة في دعم الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية، مدفوعاً بالتوقعات المتعلقة بالتأثير المحتمل للصراع على إنتاج الطاقة في الشرق الأوسط.

ومن ثم، فإن الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في عمليتها الأخيرة "طوفان الأقصى"، وما ترتب عليه من حالة حرب دائرة بين الطرفين، كان له دور في قلقلة استقرار أمن الطاقة العالمي، خاصة في ظل تفاقم المخاوف بشأن نشوب حرب شاملة ربما تدفع نحو تعكير صفو أسواق الطاقة العالمية.

 

تداعيات مباشرة

كان للحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل عدد من التداعيات المباشرة على أسواق الطاقة، يمكن استعراض أبرزها فيما يأتي:

 

1- ارتفاع العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأوروبي والنفط:

 عقب الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، أظهرت أسعار النفط العالمية اتجاهاً تصاعدياً مع ارتفاع خام برنت بنسبة 4.2% إلى 88.15 دولار، وخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 4.3% إلى 86.38 دولاراً للبرميل في يوم 9 أكتوبر الجاري، في أول يوم تداول بعد أن شنت حماس هجوماً مفاجئاً على إسرائيل في السابع من أكتوبر الجاري، فيما ارتفعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي لأوروبا والنفط العالمي بنسبتي 14% و4% على التوالي؛ ما يعكس حالة من عدم اليقين في أسواق الطاقة العالمية والمخاوف من تفاقم الصراع. ومع استمرار الوضع الأمني غير المستقر، قفز خام برنت ليتجاوز 90 دولاراً للبرميل على مدار الأسبوع الماضي الذي انطلقت فيه الهجمات.

 

2- إيقاف مشتري الغاز الطبيعي خططهم الشرائية:

 عقب قفزة أسعار الطاقة العالمية على خلفية الصراع المتأجج بين إسرائيل وحركة حماس، بفعل تفاقم مخاطر العرض، وبعد القفزة في أسعار الطاقة لأوروبا، ارتفعت أسعار شحنات الغاز الطبيعي المسال الفورية في آسيا إلى نحو 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهي إحدى وحدات مقاييس كمية الطاقة، بما يعد أعلى سعر منذ نحو ثمانية أشهر تقريباً، وهو الوضع الذي دفع مشتري الغاز الطبيعي المسال في آسيا إلى تأجيل وإيقاف عمليات الشراء، حتى تنخفض الأسعار؛ وذلك قبل حجز المزيد من شحنات الغاز لفصل الشتاء؛ إذ يرتفع الطلب على التدفئة.

 

3- إيقاف إسرائيل منصة إنتاج بحرية كبيرة:

مع احتدام القتال يوم 9 أكتوبر الجاري، طلبت إسرائيل من شركة الطاقة الأمريكية "شيفرون" وقف الإنتاج في حقل تمار البحري، الذي يمثل نحو نصف الغاز المحلي الإسرائيلي، كما يعد مصدراً للغاز لكل من مصر والأردن. وفي اليوم التالي، أعلنت شركة شيفرون توقفها عن تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب رئيسي تحت سطح الأرض يمتد بين إسرائيل ومصر.

 

4- إغلاق أكبر ميناء لاستيراد النفط في إسرائيل:

في التاسع من أكتوبر الجاري، تم إغلاق ميناء عسقلان ومرفأ النفط التابع له، الذي يقع على بعد أكثر من 10 كيلومترات من قطاع غزة؛ وذلك على خلفية الهجمات الأخيرة واحتدام القتال بين حماس وإسرائيل. ولعل خطورة ذلك التطور تكمن في كون ميناء عسقلان يعد أكبر ميناء لاستيراد النفط في إسرائيل.

 

سيناريوهات محتملة

تثار المخاوف بشأن تأثير الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس على أمن الطاقة العالمي، بناءً على عدد من السيناريوهات المحتملة إذا طال أمد الحرب، وهي المخاوف التي يمكن استعراضها فيما يأتي:

 

1- قلق بشأن احتمالية فرض عقوبات على إيران:

 إذا تصاعد الصراع، وطال أمده، فإن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى تشديد أو تكثيف العقوبات على إيران، خاصة إذا ما تورطت في هجوم حماس على إسرائيل، وهو ما من شأنه أن يدفع نحو تفاقم الضغوط على سوق النفط العالمية التي تعاني فعلياً من نقص المعروض؛ إذ قد يحرك ذلك إيران نحو إغلاق مضيق هرمز، الذي يعد نقطة العبور التي يمر منها ما يقرب من ثلث النفط المنقول بحراً. وبحسب بعض الخبراء الغربيين فإن أسعار النفط من غير المرجح أن ترتفع بشكل كبير، ما لم يكن هناك تعطل في مضيق هرمز، الذي يعتقد أنه أهم شريان نفط في العالم؛ حيث يحمل خمس الإمدادات العالمية.

ومع أن صادرات الخام الإيرانية قد نمت بشكل كبير هذا العام، على الرغم من العقوبات الأمريكية؛ ما عوض بعض التخفيض الطوعي لإنتاج النفط من قبل الرياض وموسكو البالغ 1.3 مليون برميل يومياً، إلا أنه من شأن العقوبات الأمريكية المشددة على طهران أن تهدد إمدادات النفط الخام وتدفع أسعار الطاقة إلى الارتفاع عالمياً ومحلياً، وهو سيناريو ربما يحرص الرئيس بايدن على تجنبه قبل انتخابات عام 2024.

 

2- مخاوف أوروبية من أزمة طاقة واسعة:

قد يترتب على طول أمد الحرب، تحويل مسار الناقلات المحملة بالغاز الطبيعي المسال، بما يدفع نحو مزيد من ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا، وهو ما حدث بالفعل مع وصول أسعار الطبيعي إلى أعلى مستوياته خلال آخر ستة أشهر. ومع استمرار الاتجاه التصاعدي في أسعار الطاقة، فإن ذلك قد يُورط أوروبا في أزمة طاقة مستعرة بعد فترة هدوء نسبي خلال أشهر الصيف، خاصة مع اقتراب موسم الشتاء؛ حيث يتزايد فيه الطلب على الطاقة من أجل التدفئة.

 

3- احتمال تعطل خطوط الإمداد الرئيسية:

إذا اتسع نطاق القتال ليشمل دولاً أخرى، فإن محللي الطاقة يخشون من احتمالية تسبب ذلك في إرسال موجات صادمة عبر أسواق الطاقة العالمية، بما يعطل خطوط الإمداد الرئيسية ويتسبب بدوره في خسائر بشرية مدمرة. وبجانب التأثير على صناعة الغاز الطبيعي في إسرائيل، التي أضحت خلال العقد الماضي ركيزة لاقتصادها وأمنها الطاقوي، فإن الحرب تهدد كذلك برفع أسعار النفط وتعطيل التدفق المنتظم للنفط من المنطقة وعرقلة الشحن الدولي في مضيق هرمز الحيوي، إذا صارت إيران طرفاً مباشراً في الصراع، وهو ما قد يسفر عنه تأجج التقلبات في أسواق الطاقة العالمية.

 

4- الضغط على أوبك للتراجع عن سياسة تخفيض إنتاج النفط:

 قد يؤدي فرض عقوبات أكثر صرامة، أو عوامل أخرى يمكن أن تدفع نحو الحد من الصادرات الإيرانية في الربع الرابع من العام الجاري، إلى خلق ضغوط على المملكة العربية السعودية للتراجع عن تخفيضات الإنتاج في وقت أقرب مما كان متوقعاً. يذكر في هذا الصدد، أن المملكة العربية السعودية، قد مددت بالفعل مؤخراً خفضها لإنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية عام 2023، لكن ارتفاع أسعار النفط، بجانب المخاوف بشأن التأثيرات التضخمية وضعف توقعات النمو في الدول المستهلكة الرئيسية، يمكن أن تشكل مجتمعةً حافزاً لدى المملكة العربية السعودية لجلب المزيد من الإمدادات.

 

5- إمكانية التراجع في صفقات الطاقة:

يخشى خبراء الطاقة أن يسفر الارتفاع في عدد الضحايا المدنيين عن تعطل عمل شركات الطاقة وتهديد استمراريتها، ومنها أعمال شركة NewMed في حقل ليفياثان للغاز الطبيعي، الذي اكتشفته في عام 2010 مع شركائها في منطقة حوض المشرق العربي، والذي يمتد على الحدود البحرية لإسرائيل ولبنان وفلسطين وجمهورية قبرص وجمهورية شمال قبرص التركية، مع 22.9 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج، بما يجعل ليفياثان أكبر خزان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، وأحد أكبر الأصول المنتجة في المنطقة.

هذا فضلاً عن المنصة التي أنشأتها مجموعة الطاقة الفرنسية في أغسطس الماضي، باعتبارها أول منصة حفر في موقعها في البحر الأبيض المتوسط قبالة ساحل لبنان بالقرب من حدود إسرائيل مع الدولة التي تتطلع إلى بدء عمليات البحث عن الغاز، وهي جميعها أعمال يمكن أن تتوقف وتتعرض لخسائر بالغة إذا طال أمد الحرب واتسع مداه.

 

محددات رئيسية

إجمالاً، يمكن للصراع في الشرق الأوسط أن يتسبب في اهتزاز سوق الطاقة العالمية؛ نظراً إلى كونه مورداً حيوياً للطاقة وممر شحن رئيسياً؛ لذا يخشى المحللون من تبعات استمرار الحرب وما يترتب عليها من عدم استقرار أمني واسع، أن تدفع نحو قلقلة استقرار أمن الطاقة العالمي. وثمة قضايا في هذا الصدد تشغل بال المحللين عند التفكير في مدى تهديد الحرب لأمن الطاقة العالمي، ومنها مدى إمكانية حدوث تغيرات في إدارة سوق النفط. وفي هذا السياق تتجه بعض التحليلات إلى القول بأنه من غير المحتمل حدوث تغيرات كبيرة في إدارة سوق النفط؛ حيث من المرجح أن تسعى السعودية بجانب المنتجين الحلفاء معها في منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك+، إلى مراقبة تأثير الأحداث الجارية، مع تجنب اتخاذ أي قرارات بناءً على التقلبات القصيرة المدى. ومن ثم فإن تصرفات أوبك في خضم الصراع بين إسرائيل وحماس تتوقف على عدد من العوامل، قد تشمل دراسة خطورة الصراع ومدته، وتداعياته على إنتاج النفط والخدمات اللوجستية، والطلب العالمي على النفط خلال هذه الفترة.

فإذا امتد الصراع، فإن التأثير على أسعار الطاقة واستجابة أوبك الناتجة عنه، سيعتمدان بشكل أساسي على حجم الصراع ومدى انتشاره؛ فإذا ظل الصراع محلياً دون التأثير بشكل واسع على منتجي النفط الرئيسيين أو طرق العبور، فإن أسعار الطاقة قد تشهد تغيراً فورياً لكن محدوداً؛ ما يدفع أوبك إلى الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية.

 وإذا تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي لكن دون تأثير مباشر على مصادر أو طرق النفط الرئيسية، فربما تشهد سوق الطاقة العالمية في تلك الحالة تحولات مضاربة؛ ما يدفع أوبك إلى النظر في زيادة الإنتاج من أجل استقرار الأسعار.

أما إذا تعرضت إمدادات النفط لمخاطر واسعة، وامتد الصراع إلى بلدان أخرى أو أثر بدوره على ممرات مهمة كمضيق هرمز، فإن ذلك قد يتطلب من منظمة الأوبك زيادة الإنتاج، أو العمل مع منتجي النفط من خارج أوبك للحفاظ على استقرار السوق. وكلما تفاقمت حدة الصراع ليشمل – على سبيل المثال – حزب الله أو إيران، فإن تدخلات أوبك ستكون أكثر أهمية وإلحاحاً؛ لأن ذلك قد يكون مصحوباً أيضاً بعقوبات أمريكية أكثر صرامةً على صادرات النفط الإيرانية.


18/10/2023