*المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI
أعاد التصعيد الراهن بين إسرائيل وحركة حماس، منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والبحر الأحمر إلى الواجهة من جديد، ما يعني أن الاهتمام الدولي وفي مقدمته الاهتمام الأمريكي سينصب على هذه المنطقة خلال الأشهر المقبلة، لاسيما وأن منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر تمثل نقطة محورية في الخريطة السياسية الدولية، كونها ممر مائي بالغ الأهمية بالنسبة لحركة التجارة العالمية، لذا تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون للحفاظ على تواجدهما في هذه المنطقة، في ظل التطورات السياسية المتسارعة بين الغرب وروسيا من جانب، واستمرار حالة التوتر القائمة بين طهران وواشنطن من جانب آخر.
القوى البحرية الدولية في الخليج والبحر الأحمر
**ساهمت أهمية البحر الأحمر والخليج العربي، في تعزيز انتشار قوة بحرية دولية متمثلة في (10) دول أجنبية في مقدمتها الولايات المتحدة بالمنطقة، نظرا لأن البحر الأحمر يعد خطاً حيوياً لوجستياً لواشنطن في نقل القوات والمعدات العسكرية من أوروبا للمحيط الهندي لشرق آسيا، الأمر الذي دفعها لتأسيس قاعدة عسكرية قرب مضيق باب المندب في 2002، ومع تصاعد التوتر مع طهران أسست قوة عسكرية دولية تحت مسمى ” قوة الواجب المشتركة 152″.
**حرصت واشنطن على إرسال قوات وعدد من القطع البحرية وطائرات حربية، إلى ممرات التجارة الدولية في الخليج والبحر الأحمر، ويتخذ الأسطول الخامس الأمريكي من المياه الإقليمية المقابلة للبحر الأحمر والخليج العربي قاعدة له، ويضم عدداً من الغواصات البحرية والمقاتلات وحاملة طائرات.
**أعلنت البحرية الأمريكية في 15 أبريل 2022، عن تشكيل قوة باسم “CTF-153” بهدف حماية الأمن البحري الدولي ودعم القدرات البحرية الأمريكية في هذه المنطقة، حيث تعد القوة الرابعة في القوات البحرية المشتركة “CMF”، وتركز على مكافحة أنشطة الجهات غير المشروعة والإرهاب في البحر الأحمر والخليج العربي.
تنظم هذه القوة البحرية الجديدة دوريات في البحر الأحمر والمياه المحيطة باليمن، وتضم نحو (8) سفن، وفي 24 مايو 2022 أكد قائد الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية الأدميرال براد كوبر، أن الأسطول سينشر (100) مركبة بحرية مسيرة في الخليج العربي بحلول صيف 2023، بهدف زيادة قدرات استطلاع المخاطر وسرعة التعامل معها، عبر الأنظمة غير المزودة بالأشخاص وتقنية الذكاء الاصطناعي.
أرسلت الولايات المتحدة في مارس 2023 طائرات عسكرية للمنطقة، استكمالاً للتعزيزات الأمنية في الخليج العربي والبحر الأحمر، كما نشرت قوات إضافية من مشاة البحرية “المارينز” ومقاتلات “إف 35″و”إف 16” والمدمرة “يو إس إس توماس هاندر” في يوليو 2023.
أعلن الأسطول الأمريكي الخامس في 7 أغسطس 2023، عن وصول أكثر من (3) آلاف جندي أمريكي للبحر الأحمر على متن سفينتين حربيتين، لذا اتهمت طهران واشنطن بإثارة حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، خاصة بعد تأكيد الأخيرة بأن هذا التحريك بهدف تهدئة التوتر الإقليمي الناجم عن ممارسات إيران ومصادرتها للسفن التجارية بالمنطقة.
بتصاعد المشهد بين إسرائيل وحركة حماس، دفعت الولايات المتحدة بالسفينة الأمريكية “يو أس أس كارني” إلى البحر الأحمر في 19 أكتوبر 2023.
أعلنت الخارجية الفرنسية في 21 يونيو 2020، عن موافقة (8) دول أوروبية على إنشاء بعثة لمراقبة الملاحة البحرية في مضيق هرمز تحت مسمى “إيماسو EMASOH”، بهدف تخفيف حدة التوتر وخلق بيئة آمنة للملاحة البحرية في البحر الأحمر والخليج، لاسيما وأنها ليست قوة عسكرية ولا يتمحور دورها في مهام هجومية.
ضمت المبادرة الفرنسية دول (بلجيكا وفرنسا وألمانيا واليونان والبرتغال وهولندا وإيطاليا) بالإضافة إلى النرويج، للقيام بدوريات بحرية في الممر المائي بـ (7) سفن ووحدة مراقبة جوية، وفي مارس 2022 باتت المهمة تحت قيادة بلجيكا.
حرصت فرنسا وألمانيا على قيادة العملية الأوروبية في منطقة الخليج، دون الاعتماد على الوجود الأمريكي في المنطقة نفسها، تحسباً من أن تصبح هذه الخطوة رسالة معاداة لإيران وأن تدخل أوروبا في دائرة التوتر بين طهران وواشنطن، لذا أسست فرنسا قاعدة “معسكر السلام” بالقرب من مضيق هرمز في مايو 2009، ويستمر عمل الفرقاطة الفرنسية في إطار عمل ” قوة سي تي إف 150″وهو تحالف دولي للقوات البحرية هناك. أمن دولي ـ أهمية الخليج العربي خلال الحروب والتوترات الإقليمية والدولية
أرسلت بريطانيا في 16 فبراير 2023، “كاسحة الألغام البحرية المسيرة ” RNMB Harrierلمياه الخليج العربي، في إطار برنامج “السلاح الخاص بقدرات صيد الألغام البحرية MCH”، والانتقال من مرحلة عمل كاسحات الألغام التي يديرها البحارة، إلى القطع البحرية المسيرة بدون طواقم بحرية.
توسع عمل البحرية البريطانية، حتى تمكنت من مصادرة صواريخ مضادة للدبابات بمساعدة البحرية الأمريكية في 2 مارس 2023، وأعلنت البحرية البريطانية أنه تم استهداف صواريخ إيرانية تستخدم في صناعة الصواريخ البالستية، وكانت على متن قارب في مياه الخليج أثناء تهريبها.
أهداف ومهام القوة البحرية الأمريكية
– تأمين ممرات الملاحة الدولية في منطقة الخليج والبحر الأحمر والمسطحات المائية المجاورة لها، في إطار سياق تكاملي مع قوة العمل المشتركة الدولية في المنطقة.
– مواجهة التهديدات البحرية المتعلقة بنشاط التنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة والقرصنة، وأعمال التهريب والتجارة بالبشر وتجارة الأسلحة والمخدرات.
– تحقيق سيطرة بحرية أمريكية أوسع وأكبر نطاق بمنطقة الخليج والبحر الأحمر.
– خلق هامش حركة أكبر للقوات الأمريكية من المنطقة إلى جنوب شرق آسيا، إذا استدعى الأمر ما يقلل أعباء وتكلفة ومدة انتقال القوات.
– الاستعداد لأي تحولات جيوسياسية في المنطقة، خاصة مع التقارب السعودي الإيراني الأخير الذي تم برعاية صينية، ما يثير المخاوف لدى الولايات المتحدة في ظل الصراع الراهن مع الصين وامتداد أمد الحرب الأوكرانية.
– تعزيز واشنطن مكانتها دولياً مع استمرار إرسال رسائل مباشرة إلى إيران، للضغط في عدة ملفات خلافية بينهما وعل رأسها الملف النووي الإيراني.
أهداف ومهام القوة البحرية الأوروبية
– فرضت الحرب الأوكرانية وتبعاتها من تأثر إمدادات الطاقة الروسية، على أوروبا للبحث عن موردين جدد للطاقة، وتتخذ دول أوروبا من الانتشار البحري في المنطقة وسيلة لضمان أمن الطاقة وتعزيز العلاقة مع الموردين في الشرق الأوسط.
– الحفاظ على الأمن البحري في الخليج يعد مصلحة استراتيجية واقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي.
– مراقبة الوضع البحري في المنطقة للتصدي لأي توترات إقليمية.
التهديدات التي تواجه القوة البحرية الدولية
– التهديدات الإيرانية:
ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب، أن إيران تمثل تهديداً لأمن الملاحة في البحر الأحمر والخليج والأمن الإقليمي، وأشار قائد الأسطول الخامس الأميركي الأدميرال براد كوبر، إلى أن القوة البحرية المنتشرة بالمنطقة تستهدف تقويض الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي تستهدف بعض السفن في المياه الإقليمية.
– أنشطة الجماعات المسلحة:
أكدت الولايات المتحدة أن جماعات الحوثي الموالية لإيران تعد تهديداً أمنياً للإقليم بأكمله، لذا تستهدف القوى البحرية الأمريكية محاصرة جماعة الحوثي ومنع وصول الأسلحة لها، وتمكنت من مصادرة (9) آلاف قطعة سلاح في 2021 لهذه الجماعة.
– الأنشطة غير المشروعة:
باتت منطقة البحر الأحمر والخليج العربي مسرحاً لأعمال التهريب والقرصنة والاتجار بالبشر، باستغلال التنظيمات المتطرفة مثل جماعة حزب الله ومجموعات الجريمة المنظمة، الوضع الملتبس في المنطقة والخلاف القائم بين طهران وواشنطن لصالحهم.
–التهديد الصيني:
توسع العلاقة بين الصين وشركائها في المنطقة، يزيد المخاوف لدى الولايات المتحدة من أن تحل الصين محلها هناك، وتوسع نفوذها العسكري ومن ثم الاقتصادي والسياسي، ما يصب لصالحها في القضايا الخلافية مع واشنطن، خاصة بعد أن لعبت بكين دوراً واضحاً في تقريب وجهات النظر بين طهران والرياض. أمن دولي ـ أهمية مضيق هرمز خلال الحروب والتوترات الإقليمية والدولية
التوتر في منطقة الخليج والبحر الأحمر
– استولى الحرس الثوري الإيراني على طائرتين أمريكيتين، بواسطة طائرات دون طيار قبل أن يعيد إطلاقهما مرة أخرى في 2 سبتمبر 2022.
-هاجمت طائرات بدون طيار تابعة لجماعة الحوثيين في 21 أكتوبر 2022، ناقلة النفط “نيسوس” عند ميناء الضبة النفطي الجنوبي باليمن.
– هاجمت طائرة بدون طيار إيرانية الصنع سفينة تجارية في خليج عمان في 18 نوفمبر 2022.
-هاجمت طائرات بدون طيار تابعة لجماعة الحوثيين في 18 مارس 2023 سفينة تجارية يونانية.
-أعلنت البحرية الأمريكية احتجاز إيران لناقلتي نفط في نهاية إبريل ومطلع مايو 2023 في مياه الخليج، وفي المقابل أكدت إيران أنها سعت لاعتراض ناقلة نفط ترفع علم جزر البهاماس اصطدمت بسفينة إيرانية وتسببت في إصابات خطيرة لـ (5) من طاقم السفينة، ونفت أي محاولات للاستيلاء على ناقلات نفط قبالة عُمان.
– أعلنت البحرية الأمريكية في 6 يوليو 2023، احتجاز الحرس الثوري الإيراني سفينة تجارية، يحتمل أن تكون متورطة في أنشطة تهريب في المياه الدولية في منطقة الخليج.
-حذرت البحريتان الأمريكية والبريطانية في 13 أغسطس 2023، السفن من المرور بمضيق هرمز قرب المياه الإيرانية، وفي المقابل نوه وزير الخارجية الإيراني ناصر كنعاني إلى أن نشر قوات أمريكية جديدة في المنطقة هو لصالح واشنطن فقط.
– أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 20 أكتوبر 2023، اعتراض البحرية الأمريكية (3) صواريخ في البحر الأحمر أطلقتها جماعة الحوثيين، مرجحة أن الصواريخ كانت تستهدف إسرائيل.ملف : الملف النووي الإيراني و إنعكاساته على أمن الخليج العربي و البحر الأحمر
تقييم وقراءة مستقبلية
– المتغيرات الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، واحتمالية تصاعد أبعاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يزيد من احتدام المنافسة الدولية على منطقة البحر الأحمر والخليج العربي بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين إضافة إلى إيران، خاصة وأن هذا التصعيد غير المسبوق منذ سنوات بين حركة حماس وإسرائيل، يتزامن مع استمرار الحرب الأوكرانية والتي تستمر معها بالتبعية أزمتي الطاقة والغذاء، ما يزيد من أهمية منطقة الخليج والبحر الأحمر لتأمين حركة التجارة الدولية ومصادر جديدة للطاقة.
– تدخل منطقة الخليج والبحر الأحمر إلى بؤرة الضوء من جديد، هذا يعني إرسال الولايات المتحدة والصين وأوروبا مزيد من القوة البحرية والسفن والأسلحة للمنطقة، تحسباً لأي تطورات في المشهد وسط توقعات باجتياح بري إسرائيلي لقطاع غزة، وتهديدات من جانب إيران والجماعات التابعة لها بالمنطقة من حركة حماس وحزب الله وجماعة الحوثيين، بالرد الفوري في حال اتخاذ إسرائيل هذه الخطوة.
– تحذيرات إيران الواضحة بشأن استمرار التصعيد الإسرائيلي في عزة، في ظل تواجد أمريكي في البحر الأحمر والخليج، يجعلنا نقترب من سيناريو الحرب بالوكالة، ما يزيد من احتمالية اتساع رقعة الصراع، ودخول أطراف إقليمية ودولية جزءاً من هذا الصراع.
– تجدد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس في الوقت الراهن، ينعكس بالطبع على شكل توازنات القوى الدولية التي باتت تتشكل من جديد، في ظل طموح صيني ورغبة روسية في إعادة تكوين عالم متعدد الأقطاب.
– تتشبث إيران بنفوذها في هذه المنطقة، كورقة ضغط في الملف النووي وأيضاً لحماية الجماعات الموالية لها، لاسيما وأنها تخسر نفوذها في الصراع القائم بين أرمينيا وأذربيجان.
– بات من المتوقع أن تشهد المنطقة مزيداً من التوترات بين إيران والجماعات التابعة لها، والقوات الأمريكية المتواجدة هناك، ما يجبر واشنطن على إعادة صياغة استراتيجيتها تجاه المنطقة من الناحية العسكرية والمواءمات السياسية، وهو الأمر الذي سيؤثر على إدارتها لبعض الملفات العالقة كالملف النووي الإيراني والحرب الأوكرانية والصراع في تايوان.