×

  المرصد الصيني

  أبعاد تقرير وزارة الدفاع الأمريكية بشأن قدرات "بكين" العسكرية



*د.إيمان أحمد عبد الحليم

 

*انترريجيونال للدراسات

شهدت السنوات الماضية تصاعد حدة الصدام والتنافس بين الصين والولايات المتحدة، حتى إن بعض الدوائر داخل الولايات المتحدة باتت تنظر إلى بكين بحسبانها التهديد الأكبر لواشنطن. وهذه الرؤية ظهرت بوضوح في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2022، التي ذكرت أن الصين تمثل المنافس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية التي لديها النية والقدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي. ومن هذا المنطلق، اهتم التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية المقدم إلى الكونجرس في شهر أكتوبر 2023، بتناول أهم التطورات العسكرية والأمنية المتعلقة بالصين خلال عام 2022، والدلالات الرئيسية لهذه التطورات، خصوصاً فيما يتعلق بتوازنات القوة بين الولايات المتحدة والصين.

 

الردع الاستراتيجي

مع تشديد تقرير وزارة الدفاع الأمريكية الذي تم إطلاقه يوم 19 أكتوبر 2023 على أهمية مواجهة تحدي السرعة الذي يمثله الجيش الصيني ذو القدرات المتزايدة؛ عرض التقرير أهم مظاهر تطور هذه القدرات العسكرية على النحو التالي:

 

1- أولوية التحديث العسكري لقدرات الجيش الصيني:

 ذكر التقرير أن الصين تسعى لتحقيق هدفها الخاص بتطوير قدرات الجيش ليصبح قوة دفاعية وعسكرية وطنية حديثة بالكامل بحلول عام 2035، ولتعمل قوات جيش التحرير الشعبي على تطوير خطط التحديث الطويلة المدى لتعزيز قدرات "الردع الاستراتيجي"، وتحسين كفاءته في جميع مجالات الحرب، حتى يتمكن الجيش – باعتباره قوة مشتركة – من إجراء مجموعة كاملة من الحروب البرية والجوية والبحرية، وكذلك الحروب النووية والفضائية المضادة والإلكترونية، بجانب عمليات الفضاء الإلكتروني.

وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أنه لأجل الهدف الخاص بتحديث مقدرات الجيش، حشدت الصين موارد هائلة لذلك الهدف، وقد أعلنت في عام 2022 عن زيادة في ميزانيتها العسكرية السنوية الرسمية بنسبة 7.1% لتصل إلى 229 مليار دولار، أي ما يقرب من 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، لتحافظ على مكانتها باعتبارها ثاني أكبر منفق عسكري في العالم، وسط شكوك قوية بأن إنفاقها الفعلي المتعلق بالجيش أعلى بكثير مما ورد في ميزانيتها الرسمية؛ إذ من الصعب حساب النفقات العسكرية الفعلية للصين.

وتشير تقديرات مؤسسات الفكر والرأي في بريطانيا وأوروبا إلى أن ميزانية الدفاع الفعلية للصين لعام 2022 أعلى بنسبة 30% إلى 40% على الأقل من الميزانية المعلنة؛ وذلك بحسب ما جاء في تقرير البنتاجون.

 

 

2- الاستمرار في توسيع القدرات النووية للصين:

 لا تزال القدرات النووية الصينية واحدة من الملفات المهمة التي تشغل صانع القرار الأمريكي. وفي هذا الصدد، يشير تقرير وزارة الدفاع إلى مواصلة الصين في عام 2022 توسعها النووي السريع، متجاوزة التوقعات السابقة، كما يقدر البنتاجون أن مخزون الصين يضم أكثر من 500 رأس حربي نووي اعتباراً من مايو 2023، ومرجح أنه سيكون لديها أكثر من 1000 رأس حربي نووي جاهز للعمل بحلول عام 2030؛ وهذا مع مواصلتها العمل على زيادة قوتها النووية حتى عام 2035 بما يتماشى مع هدف الدولة لتحديث وتطوير قدرات جيش التحرير الشعبي. وعليه، فإنه مقارنةً بجهود التحديث النووي التي بذلتها الصين قبل عقد من الزمن، فإن الجهود الحالية تتضاءل أمام المحاولات السابقة من حيث الحجم والتعقيد، كما تعمل بكين على زيادة عدد منصات إطلاق الأسلحة النووية البرية والبحرية والجوية، في حين تستثمر في تشييد البنى الأساسية اللازمة لدعم المزيد من التوسع في قواتها النووية، بحسب تقرير وزارة الدفاع الأمريكية.

 

3- استكمال بكين برنامج الصواريخ الباليستية:

 عملت الصين، على مدار السنوات الماضية، على تطوير قدراتها في مجال الصواريخ الباليستية ذات القدرة النووية والعابرة للقارات. وبحسب التقرير، فإن من المحتمل أن تكون الصين قد أكملت بناء حقولها الثلاثة الجديدة للصوامع التي تعمل بالوقود الصلب في عام 2022، والتي تتكون مما لا يقل عن 300 صومعة جديدة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وقد قامت بتلقيم بعض هذه الصوامع بالصواريخ الباليستية، مشيراً إلى أن هذه الحقول قادرة على نشر الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طرازي DF-31 وDF-41.

وبجانب ذلك، لا يستبعد التقرير إمكانية تطوير الصين أنظمة صواريخ تقليدية المدى عابرة للقارات، وهو ما قد يسمح لبكين بالتهديد بشن ضربات تقليدية ضد أهداف في قلب الولايات المتحدة وهاواي وألاسكا؛ الأمر الذي يحمل خطراً كبيراً على الاستقرار الاستراتيجي.

 

4- الارتقاء بالقوة العسكرية البحرية للصين:

تعد القوة البحرية الموسعة عنصراً أساسياً في محاولة الرئيس الصيني "شي جين بينج" لجعل الصين القوة العسكرية البارزة في المنطقة. وقد ذكر تقرير وزارة الدفاع الأمريكية أن الصين تمتلك بالفعل أكبر قوة بحرية في العالم من الناحية العددية، وهي في الاتجاه نحو مزيد من النمو؛ حيث تمتلك البحرية الصينية الآن قوة قتالية إجمالية تزيد عن 370 سفينة وغواصة مقارنة بـ340 في تقرير العام الماضي (2022)، وبما يشمل أكثر من 140 مقاتلة سطحية رئيسية، ومع توقع أن يرتفع العدد إلى 395 سفينة وغواصة بحلول عام 2025 ثم إلى 435 بحلول عام 2030.

 

وفي هذا الصدد، قامت البحرية الصينية بتشغيل طرادها الثامن من فئة RENHAI في أواخر عام 2022، وتواصل بناء طراد الصواريخ الموجهة RENHAI (CG)، ومدمرة الصواريخ الموجهة LUYANG III MOD (DDG)، وفرقاطة الصواريخ الموجهة JIANGKAI II (FFG) أيضاً باعتبار ذلك بداية لإنتاج فئة جديدة من الفرقاطات JIANGKAI III، وقد قامت أيضاً خلال العام الماضي بتشغيل سفنها الهجومية البرمائية الثالثة من فئة YUSHEN (LHA). وعلى المدى القريب، يتوقع التقرير أنه سيكون لدى البحرية الصينية القدرة على تنفيذ ضربات دقيقة بعيدة المدى ضد أهداف برية من الغواصات والمقاتلات السطحية باستخدام صواريخ كروز للهجوم الأرضي.

 

5- اقتراب القدرات الجوية الصينية من مثيلاتها الغربية:

 تشكل القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني والبحرية الصينية معاً أكبر قوات طيران في المنطقة وثالث أكبر قوات في العالم، مع أكثر من 3150 طائرة إجمالية (لا تشمل الطائرات بدون طيار) منها نحو 2400 طائرة مقاتلة (بما في ذلك المقاتلات والقاذفات الاستراتيجية والقاذفات التكتيكية والطائرات التكتيكية والهجومية المتعددة المهام)، لتقترب المقدرات العسكرية للقوات الجوية الصينية من القدرات التي تملكها القوى الغربية، وبما يعني تآكل المزايا التقنية العسكرية الأمريكية الطويلة الأمد والكبيرة مقارنة بالصين في المجال الجوي.

وقد أطلقت الصين في عام 2022 أول حاملة طائرات مصممة ومصنعة محلياً. ويشير تقرير وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الحاملة ستكون قادرة على نشر ما يصل إلى 70 طائرة، بما في ذلك مقاتلات J-15 ومروحيات Z-9C المضادة للغواصات.

 

6- السعي للهيمنة المعلوماتية ومواصلة أنشطة "التجسس":

 دعا الرئيس "بينج" جيش التحرير الشعبي إلى إنشاء قوة تتمتع بقدر كبير من المعلوماتية وقادرة على السيطرة على كل الشبكات وتوسيع المصالح الأمنية والتنموية للبلاد، ليستمر جيش الصين في توسيع نطاق وتواتر العمليات المعلوماتية في التدريبات العسكرية، كما يواصل توسيع نطاق وانتظام التدريبات العسكرية التي تحاكي العمليات المعلوماتية باعتبارها وسيلة لتحقيق الهيمنة في وقت مبكر من الصراع.

غير أن الصين على الجانب الآخر، وبحسب تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، تمثل تهديداً متطوراً ومستمراً للتجسس والهجوم عبر الإنترنت على أنظمة البنية التحتية العسكرية والحيوية الغربية من خلال جهودها لتطوير أنظمة المعلومات والتقنيات المتقدمة أو اكتسابها أو الوصول إليها. ومثال ذلك، كشف الولايات المتحدة عن إسقاط منطاد التجسس الصيني على ارتفاعات عالية في 4 فبراير 2023، الذي مثَّل جزءاً من برنامج المراقبة الجوية الأوسع المرتبط بالجيش الصيني.

 

7- الاهتمام الصيني بالأنشطة والمشاريع الفضائية:

خصصت بكين، وفقاً لتقرير وزارة الدفاع الأمريكية، موارد كبيرة لتنمية كافة جوانب برنامجها الفضائي، من تطبيقات الفضاء العسكرية إلى التطبيقات المدنية والعلمية، واستكشاف الفضاء. وبجانب العمل على تطوير قدراتها الهجومية في الفضاء الإلكتروني، تواصل الصين تطوير قدراتها الفضائية المضادة – بما في ذلك الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية ذات الصعود المباشر، والأقمار الصناعية المدارية المشتركة، والحرب الإلكترونية، وأنظمة الطاقة الموجهة – التي يمكنها اعتراض أو منع وصول الخصم إلى المجال الفضائي والعمليات فيه أثناء الأزمات أو الصراع.

ويشير التقرير أيضاً إلى أن الجيش الصيني ينظر إلى التفوق الفضائي، والقدرة على السيطرة على مجال المعلومات المتاح في الفضاء، وحرمان الخصوم من جمع المعلومات الفضائية وقدرات الاتصال، باعتبارها مكونات بالغة الأهمية لإدارة "الحرب المعلوماتية" الحديثة.

 

8- توظيف الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة:

حذر البنتاجون في تقريره من أن الصين تعطي الأولوية للذكاء الاصطناعي بهدف دعم عمليات "الحرب الذكية"، ولأجل استكشاف نقاط ضعف العدو. وجاء في التقرير أن "الصين رائدة عالمياً في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتهدف إلى تجاوز الغرب في مجال البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025 لتصبح الرائدة عالمياً في هذا المجال بحلول عام 2030". وقد أشار التقرير إلى أن النظام الشيوعي قد أنشأ بالفعل مراكز بحثية، وحصل على برامج ذكاء اصطناعي وتقنية روبوتية تم تطويرها تجارياً لمنح جيش التحرير الشعبي إمكانية الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوراً.

هذا ويحذر التقرير أيضاً من أن جيش التحرير الشعبي سبق أن ناقش في عام 2021 مفهوماً يسمى "الحرب الدقيقة المتعددة المجالات"، وهو المفهوم الذي يهدف إلى استخدام شبكة تتضمن التطورات في البيانات والذكاء الاصطناعي لتحديد نقاط الضعف الرئيسية في نظام العمليات الأمريكي ولإطلاق ضربات دقيقة ضد نقاط الضعف تلك، كما يقر التقرير بأن الصينيين هم "قادة العالم في بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل التعرف على الوجه ومعالجة اللغات الطبيعية، وهذا في حين تقوم الشركات الصينية بتسويق شرائح الذكاء الاصطناعي المصممة محلياً".

 

9- مخاوف واشنطن من الأنشطة البيولوجية المزدوجة الاستخدام:

 بجانب ما سبق، يبرز التقرير مخاوف واشنطن من الأنشطة البيولوجية للصين؛ حيث تنخرط بكين، بحسب التقرير، في الأنشطة البيولوجية ذات الاستخدام المزدوج. ويشمل ذلك الدراسات التي أجريت في المؤسسات الطبية العسكرية في الصين حول السموم القوية ذات التطبيقات ذات الاستخدام المزدوج؛ ما يثير مخاوف البنتاجون بشأن مدى امتثال الصين لبنود اتفاقية الأسلحة البيولوجية؛ إذ إن من المحتمل أن تمتلك الصين قدرات ذات صلة بالحرب الكيميائية والبيولوجية التي تشكل تهديداً للولايات المتحدة والقوات المتحالفة والقوات الشريكة وحتى للسكان المدنيين، بحسب ما جاء في التقرير.

 

10- التوجه لردع الأطراف الثالثة في النطاق المحيط:

 يفترض تقرير وزارة الدفاع الأمريكية أن جيش التحرير الشعبي يعمل كذلك على تطوير القدرات اللازمة لتوسيع خيارات الصين لثني أو ردع أو هزيمة تدخل طرف ثالث في منطقة الهندوباسيفيك، مع ما يستلزمه الأمر من القيام بعمليات عسكرية في عمق منطقة الهندوباسيفيك؛ وهذا فيما يواصل الجيش مناوراته العسكرية الواسعة النطاق بهدف الضغط على تايوان، كما استمرت الأنشطة الجوية والبحرية للجيش في نطاق بحرَي الصين الشرقي والجنوبي طوال عام 2022 حتى عام 2023، وبما شمل تنفيذ مناورات خطيرة على مقربة من سفن الفلبين.

وخلال ذلك، وبحسب البنتاجون، تواصل "الصين تحدي الأنشطة العسكرية الأجنبية في منطقتها الاقتصادية الخالصة بطريقة لا تتفق مع قواعد القانون الدولي العرفي على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتجري في الوقت نفسه أنشطة في المناطق الاقتصادية الخالصة لدول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وأستراليا والفلبين وفيتنام وماليزيا".

 

الدلالات الرئيسية

 

في ضوء أبرز ما جاء في تقرير وزارة الدفاع الأمريكية بشأن تطور القدرات العسكرية للصين، فإنها تثير الدلالات الآتية:

 

1- تصاعد التوترات بين بكين وواشنطن:

 جاء توقيت إصدار التقرير في وقت تشهد فيه العلاقات بين الصين والولايات المتحدة توترات كبيرة؛ فالولايات المتحدة تعتبر الصين التهديد الأكبر لنفوذها ومكانتها عالمياً، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، ناهيك عن التباينات بين الطرفين في عدد من الملفات، على غرار ملف الحرب في أوكرانيا، وكذلك ملف تايوان، علاوة على مساعي الولايات المتحدة لتحجيم النفوذ الصيني في منطقة الهندوباسيفيك، ومحاولة الضغط على بكين في مناطق نفوذها القريب، بما في ذلك منطقة بحر الصين الجنوبي. وبطبيعة الحال جاء التقرير الأخير ليدلل على درجة المخاوف الأمريكية من القدرات العسكرية الصينية.

 

2- هجوم الصين على التقرير الأمريكي:

 تسبب تقرير وزارة الدفاع في إضافة سبب جديد للخلاف السياسي بين واشنطن وبكين، مع اعتبار الخارجية الصينية أن "التقرير الأمريكي، مثل التقارير السابقة، غير واقعي ومتحيز"، معتبرةً أن "البنتاجون يصف الصين بأنها تشكل تهديداً؛ لا لشيء إلا لإيجاد ذريعة مناسبة للولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها العسكرية، وهو ما تعارضه الصين بشدة". وخلال ذلك جاء تشديد المتحدثة باسم الخارجية الصينية "ماو نينج" على التزام بلادها باستراتيجية نووية دفاعية، وسياسة عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية، مؤكدة أن بلادها قد أبقت دائماً قواتها النووية عند أدنى مستوى ضروري لضمان الأمن.

 

3- انتقاد بكين الدعم الأمريكي لأوكرانيا وإسرائيل:

 لم تكتفِ بكين بالهجوم على ما ورد بشأن قدراتها العسكرية في التقرير الأمريكي، ولكنها أيضاً انتقدت السياسات الأمريكية الداعمة لأوكرانيا وإسرائيل؛ ففي يوم 25 أكتوبر 2023 قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان في بيان: "نعرب عن استيائنا الشديد ومعارضتنا الحازمة لهذا التقرير"، مضيفاً أنه "يبالغ ويضخم التهديد العسكري الصيني غير الموجود"، وأضاف: "الولايات المتحدة أرسلت ذخائر اليورانيوم المنضب والقنابل العنقودية إلى أوكرانيا، وأرسلت حاملات طائراتها القتالية إلى البحر الأبيض المتوسط وأسلحة وذخائر إلى إسرائيل، فهل هذا هو (الإنجيل) المزعوم الذي تحمله (المدافعة عن حقوق الإنسان) إلى المنطقة؟!".

 

 

4- استباق الزيارة المحتملة للرئيس الصيني إلى واشنطن:

 جاء التقرير الأمريكي بشأن القدرات الصينية بالتزامن مع الحديث عن زيارة محتملة للرئيس الصيني إلى واشنطن يتم التمهيد لها من خلال زيارة وزير الخارجية الصين إلى واشنطن، كما أشار الرئيس الصيني، يوم 25 أكتوبر 2023 في رسالة إلى حفل العشاء السنوي للجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية الصيني، إلى أن بلاده مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة، مضيفاً "أنه استناداً إلى المبادئ الثلاثة المتمثلة في الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين، فإن الصين مستعدة للعمل مع الجانب الأمريكي لدفع التعاون المتبادل المنفعة وإدارة الخلافات بشكل مناسب وبذل جهود مشتركة لمواجهة التحديات العالمية".

ومن ثم يمكن القول إن إصدار تقرير وزارة الدفاع الأمريكية بشأن الصين، بالتزامن مع الحديث عن زيارة محتملة للرئيس الصيني إلى واشنطن، قد يكون بمنزلة رسالة من واشنطن إلى بكين أن التنافس سيظل قائماً، ولكن في الوقت ذاته ستكون هناك مساحة لإدارة العلاقات بينهما وتجنب التصعيد اللامحدود.

 

5- الاهتمام بالدور العالمي للقوة الصينية:

استدعت القدرات العسكرية الصينية خلال السنوات الماضية اهتماماً ملحوظاً من قبل أطراف دولية مختلفة؛ حيث تؤكد القيادة الصينية حتمية تعزيز جيش التحرير الشعبي وتحويله إلى جيش "من الطراز العالمي" بحلول نهاية عام 2049. وفي سياق طموح الصين إلى إعادة تشكيل النظام الدولي، وباعتبار ذلك عنصراً أساسياً في استراتيجية الرئيس "بينج" الرامية إلى "تجديد شباب الأمة الصينية" وتحويلها إلى "دولة اشتراكية حديثة عظيمة". علاوة على ذلك، ينظر قادة الحزب الشيوعي الصيني إلى جيش حديث وقادر و"عالمي المستوى" باعتباره ضرورياً للتغلب على ما تعتبره بكين بيئة دولية مضطربة بشكل متزايد.

 

6- تزايد المهام الأمنية للصين خارجياً:

تحقيقاً للهدف السابق، كلف الحزب الشيوعي الصيني جيش البلاد بتطوير القدرة على استعراض القوة خارج حدود الصين ومحيطها المباشر لتأمين المصالح الخارجية المتنامية للدولة وتعزيز أهداف سياستها الخارجية. وفي هذا السياق، واصل جيش التحرير الشعبي خلال عام 2022 تطبيع وجوده في الخارج وبناء علاقات أوثق مع الجيوش الأجنبية ومن خلال المشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمشاركة في مهام مكافحة القرصنة في خليج عدن والمياه قبالة الصومال، توازياً مع التوجه لتوسيع البنية التحتية اللوجستية والقواعدية في الخارج للسماح للجيش بإبراز قوته العسكرية والحفاظ عليها على مسافات ومساحات أكبر.

 

7- الولايات المتحدة الحافز لتعزيز مقدرات الصين:

 إذ تؤكد مفاهيم جيش التحرير الشعبي تعزيز وتوظيف قدرات الدولة لأجل "القتال والانتصار في الحروب" ضد "عدو قوي"، وهو تعبير ملطف للولايات المتحدة، التي تعتبر بكين أنها تبذل جهوداً شاملة تهدف إلى احتواء صعود الصين؛ الأمر الذي يشكل عقبات أمام استراتيجيتها الوطنية. وبحسب الرئيس "بينج" للمندوبين في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في مارس 2023، فإن "الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة نفذت الاحتواء الشامل والتطويق والقمع ضدنا؛ الأمر الذي جلب تحديات خطيرة غير مسبوقة لتنمية بلادنا".

 

الخلاصة:

 إن التقرير الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية بشأن القدرات العسكرية الصينية يعكس حالة من التخوف الأمريكي من توسع ترسانة الأسلحة الصينية التي يبدو أنها ستشكل تهديداً ملحاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة ومكانتها في النظام العالمي الراهن. وبالرغم من هذه المخاوف الصينية، يرجح أن تعمل واشنطن على إيجاد صيغ متماسكة لإدارة العلاقات مع بكين، ولعل هذا ما أكده التقرير الأمريكي الذي أشار إلى التزام البنتاجون بإعادة فتح خطوط الاتصال مع الصين لضمان عدم تحول المنافسة إلى صراع؛ إذ تشمل أهدافه ضمان فتح قنوات اتصالات أثناء الأزمات، والحد من المخاطر الاستراتيجية والتشغيلية، وتجنب المفاهيم الخاطئة.


13/11/2023