*د.عادل باخوان
*المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق(CFR) / ترجمة : المرصد
كان مساء يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، يشبه إلى حد مخيف ليلة العشاء الأخير، عندما اجتمع المسيح واصحابه الاثني عشر لتناول الوجبة الأخيرة قبل اعتقاله وصلبه.
خلال جلسة بعد ظهر ذلك اليوم، واجه محمد الحلبوسي حكماً من المحكمة الاتحادية العليا ولم يتم تجريده من دوره كرئيس للبرلمان فحسب، بل تم طرده أيضًا من الهيئة البرلمانية.
وفي ذلك المساء بالذات، قام بسحب وزرائه الثلاثة من حكومة الإطار التنسيقي، وأوقف أنشطة البرلمانيين الستة والأربعين في ائتلافه.
وتطرح الآن تساؤلات ملحة: هل سيصلبه قادة التنسيق مجازياً؟
هل يمكنهم إجباره على النفي، على غرار طارق الهاشمي، نائب الرئيس العراقي السابق (22 أبريل 2006 - 10 سبتمبر 2012)؟
هل تستطيع الفصائل الموالية لإيران ضمن الإطار التنسيقي تعيين زعيم سني آخر؟
هل يمكن أن يسعى الحلبوسي إلى التحالف مع الصدر والاصطفاف مع حنانة، معقله، ضد إطار التنسيق؟
علاوة على ذلك، هل تفكر أربيل في الترحيب بعودة الحلبوسي؟
قبل التطرق إلى هذه التساؤلات، من المهم أن نفهم أن انتقال الحلبوسي من رئاسة البرلمان إلى وضعه الحالي أشبه بالصلب.
الحلبوسي والميدان السياسي السني
منذ عام 2003، اتسم المشهد السياسي السني في العراق بانقسام عميق.
في البداية، كانوا خاليين من أي سبل سياسية قابلة للحياة، وانخرطوا بعمق في المقاومة ضد النظام العراقي الجديد.
وبالانتقال من المقاومة إلى استخدام الإرهاب كوسيلة لتحدي النظام العراقي المنشأ حديثاً والذي شكله النفوذ الأمريكي، عادوا في نهاية المطاف إلى الفضاء السياسي العراقي، وإن كان ذلك في دولة ممزقة ومُتلاعب بها تحت تأثير الفصائل الشيعية الموالية لإيران.
لكن ظهور الحلبوسي كان بمثابة نقطة تحول محورية، لا سيما في إعادة تشكيل الموقف السني داخل السياسة العراقية، خاصة بعد انتخابات 2021. حصل انتصار الحلبوسي على 46 مقعداً، مما عزز مكانته كثاني أكبر قوة في البرلمان العراقي، خلف قائمة مقتدى الصدر فقط (71 مقعداً).
علاوة على ذلك، فإن التحالف بين الحلبوسي والخنجر، الخصمين السنيين السابقين، والذي عززته ضغوط من تركيا والإمارات العربية المتحدة، دفع التمثيل السياسي السني إلى قوة هائلة ذات تأثير كبير في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وفي المجال السياسي الشيعي، ولا سيما ضمن إطار التنسيق، يُنظر إلى تقدم السنة، ولا سيما صعود شخصية قوية مثل الحلبوسي، على أنه تهديد استراتيجي.
وينبع هذا الخوف من تخوفهم الدائم من احتمال ظهور شخصية جديدة شبيهة بصدام حسين. وبالتالي، كان من الضروري الرد السريع والقوي لسحق آفاقه السياسية وتفكيك نفوذه من خلال قوة المحكمة الاتحادية العليا.
الحلبوسي وحنانة
كما أن شخصية "المسيح" الجديدة عند أهل السنة مسؤولة أيضًا عن صلبه بسبب استراتيجية ما بعد 2021 الانتخابية الكارثية.
وبحسب مصادري، يرى حنانة مقتدى الصدر أن الحلبوسي لعب دوراً محورياً في هزيمة تحالف الصدر – البارزاني – الحلبوسي.
ويُزعم أن الحلبوسي امتنع عن استخدام سلطته كرئيس للبرلمان لعقد الجلسة البرلمانية الأولى وانتخاب رئيس الجمهورية، وهو الاقتراح الذي تقدم به الائتلاف الثلاثي.
هناك شعور سائد داخل حنانة بأن الحلبوسي مزج بين التحالفات، محاولاً إرضاء كل من إطار التنسيق والائتلاف الثلاثي في وقت واحد.
وفي حين ضمنت هذه الاستراتيجية في البداية رئاسة الحلبوسي، إلا أنها زرعت أيضاً بذور المعارضة داخل الإطار التنسيقي، بهدف إبعاده عن الصدر وإحباطه في نهاية المطاف بعد عام.
وبشكل أساسي، أصبح الحلبوسي الذي لا يحظى بدعم الصدر هدفاً أسهل مقارنة بالحلبوسي المتحالف مع دعم الصدر المؤثر.
وفي هذا السياق، هل من الممكن أن تتحد "الشخصيات المستبعدة" - الصدر والحلبوسي - لتشكيل كتلة جديدة ضد الإطار التنسيقي المهيمن داخل المشهد السياسي العراقي؟
الإجابة على هذا السؤال ليست واضحة لأن الحلبوسي والصدر يعملان بشكل عملي دون أيديولوجيات ثابتة.
وفي حين أن التحالف المحتمل بينهما ليس أمراً غير محتمل، إلا أن استياء الصدر العميق تجاه الحلبوسي يزيد من تعقيد هذا الاحتمال.
الحلبوسي وأربيل
وفي تعامل الحلبوسي مع أربيل، يتصاعد السخط بسبب تقاعسه الملحوظ وسط الضربات العديدة التي وجهتها حكومة التنسيق إلى إقليم كردستان.
من لغز ما بعد الرئاسة إلى مخاوف رواتب موظفي الخدمة المدنية، بما في ذلك ميزانية إقليم كردستان، والمادة 140 التي تتنازع على المطالبات الإقليمية، والمداولات حول وضع محافظة حلبجة (يجب أن يصوت مجلس النواب على وضعها لتصبح المحافظة التاسعة عشرة في العراق)، وهجمات الصواريخ على أربيل، والعديد من الصراعات الأخرى، فشل الحلبوسي المزعوم في حماية أربيل كما وعد ادى إلى خيبة الأمل.
وعلى الرغم من هذه العلاقة المتوترة، فإن احتمال التعاون مع الحلبوسي لا يزال ممكناً بالنسبة لأربيل. ويتوقف هذا الاحتمال على امتناع حكومة الإطار التنسيقي عن اتخاذ إجراءات أخرى ضد الحلبوسي، مثل الطرد أو الاعتقال.
وفي حين أن العوائق القانونية قد تمنع الحلبوسي من تولي رئاسة البرلمان، فإن نفوذه السياسي الدائم يمكن أن يضمن مقاعد في الانتخابات المقبلة، مما يمكنه من استكشاف مسارات بديلة للبقاء داخل الساحة السياسية العراقية.
بين إيران وتركيا والإمارات والسعودية وأمريكا وأوروبا
بالنسبة إلى جهة فاعلة تابعة للدولة في الشرق الأوسط، يعد التنقل بين طهران وأنقرة وأبو ظبي والرياض ضمن نطاق المصالح والمواقف والأعراف والالتزامات إنجازًا معقولًا، نظرًا للطبيعة المنظمة للدولة.
على العكس من ذلك، بالنسبة لجهة فاعلة غير تابعة لدولة ما، فإن تحقيق مثل هذه البراعة الدبلوماسية مهمة شبه مستحيلة.
بصفته زعيمًا لأكبر فصيل سني، حاول الحلبوسي استمالة قوى مختلفة - سواء الإيرانيين والأتراك والإماراتيين والسعوديين، وفي وقت لاحق، الأمريكيين والأوروبيين - حيث قدم نفسه كصديق وحليف لهم.
ورغم فعاليته في البداية، إلا أن القيود المتأصلة في هذا النهج سرعان ما أدت إلى وضع الحلبوسي في وضع محفوف بالمخاطر.
في دولة تحكمها الميليشيات، تظل الشخصية السياسية التي لا تملك ميليشيا أو قاعدة شعبية يمكن حشدها بسرعة عرضة للسقوط المفاجئ.
إن المشهد السياسي العراقي يستوعب لاعبين لم يستوعبوا بشكل كامل هذه الديناميكية المتقلبة.
من إياد علاوي (رئيس الوزراء من 1 يونيو 2004 إلى 3 مايو 2005) إلى حيدر العبادي (رئيس الوزراء من 8 سبتمبر 2014 إلى 25 أكتوبر 2018)، مروراً بمصطفى الكاظمي (رئيس الوزراء من 7 مايو 2020 إلى 27 أكتوبر 2022) و والآن محمد الحلبوسي، قائمة الشخصيات المهمشة واسعة.
مما لا شك فيه أن التأثيرات الدولية تشكل التوجهات الاستراتيجية في العراق.
ومع ذلك، في الدولة التي تهيمن عليها الميليشيات، فإن أي كيان سياسي يفتقر إلى قوة مسلحة قوية وشعب مستجيب مستعد للنشاط في الشارع، يخاطر بالاستبعاد من المسرح السياسي.
ومن المؤسف أن هذا يعكس جوهر العراق الجديد الذي تشكل في أعقاب الاحتلال الأميركي قبل عقدين من الزمن.
*مدير المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق