برقيات «صادمة» من واشنطن لبغداد تبلغها بهجمات الفصائل قبل وقوعها بالزمان والمكان
في اليوم الذي أعلنت فيه القوات الامريكية استهداف رتل تابع لفصيل «كتائب حزب الله» العراقي، غرب بغداد، كانت قد ضربت أيضاً 3 مواقع لمجموعات تابعة لما يعرف بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» واشتبكت في حالة نادرة، الخميس، مع مسلحين قرب إحدى القواعد العسكرية، من دون أن تعلن عنها، في وقت تتحدث مصادر عن أن القيادة الميدانية للجيش الامريكي «غيّرت أسلوبها في التعامل مع الهجمات المعادية، وتخلت عن قواعد الاشتباك القديمة».
ومن المتوقع أن تنتقل القوات الامريكية إلى مرحلة «الاستجابة المباشرة والسريعة» لهجمات الفصائل الموالية لإيران، بعدما تخلّت نسبياً عن «الاعتبارات السياسية» التي كانت تضعها لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وفقاً لما ذكرته المصادر.
ويوم الثلاثاء الماضي، وجّهت مسيّرة امريكية ضربة لرتل تابع لفصيل «كتائب حزب الله» العراقي في بلدة «أبو غريب»، موقِعة قتيلاً.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة أن الجيش الامريكي نفذ، قبل وأثناء هجوم أبو غريب، 3 ضربات صاروخية أخرى استهدفت مجموعتين تابعتين لـ«كتائب حزب الله» في منطقتي «الطريق السريع» و«الكيلو 35»، غربي الرمادي، ومجموعة تابعة لـ«عصائب أهل الحق» في بلدة الرثار، غرب بغداد.
وبعد هجوم «جرف الصخر» بيوم واحد، قال شهود عيان وضباط عراقيون إن مسيّرة هجومية حلقت فوق مقر رئيسي للحشد الشعبي قرب منزل رئيس الوزراء العراقي، داخل المنطقة الخضراء، بينما لم تصدر جهات إنفاذ القانون أي توضيحات بشأن حركة المسيّرة المجهولة، لكن المصادر «شبه متأكدة» من أنها طائرة امريكية من دون طيار.
تشييع عناصر من «كتائب حزب الله» قُتلوا بضربات امريكية في النجف في 22 نوفمبر الحالي (أ.ب)
وجاءت الهجمات الأربع قبل يوم واحد من هجوم آخر استهدف موقعاً تابعاً للفصائل في بلدة «جرف الصخر» جنوب بغداد، ما يؤشر إلى نسق غير مألوف في تعامل الامريكيين مع الفصائل المسلحة.
وأفادت تقارير صحافية، الأسبوع الماضي، باستياء في وزارة الدفاع الامريكية من «الأوامر المحدودة» الصادرة من البيت الأبيض بشأن الرد على الفصائل الموالية لإيران، التي تنفذ هجمات كبيرة على القوات الامريكية في العراق وسوريا.
ويقول مسؤولون امريكيون إن القوات الامريكية والدولية، التي تشكل التحالف الدولي لمحاربة بقايا تنظيم داعش، استهدفت أكثر من 60 مرة في العراق وسوريا منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول).
«تقدير موقف» امريكي
وقال دبلوماسيون امريكيون ومسؤولون عراقيون، تحدثوا مع «الشرق الأوسط» هذا الأسبوع، إن «تقدير الموقف» في العراق «يذهب الآن إلى طريق مختلف تماماً»، بعدما سجلت بعض ضربات الفصائل إصابات مباشرة بقوة نارية مدمرة في مواقع يشغلها الامريكيون في العراق، من بينها 3 غارات كانت «دقيقة جداً»، على حد تعبيرهم.
وما زال الامريكيون يحللون طبيعة الهجمات ونسقها، الذي بقي على مدار أسابيع في نطاق محدود التأثير، لكنه يتصاعد فجأة لفترة محدودة إلى ضربات أكثر قوة ودقة.
وذكرت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون)، الثلاثاء الماضي، وقبل ساعات قليلة من الرد الامريكي في «أبو غريب»، أن «مسلحين مدعومين من إيران هاجموا قاعدة عين الأسد الجوية في العراق بصاروخ باليستي قريب المدى». وبحسب المصادر، فإن «مراجعة عميقة للموقف في العراق أجرتها البنتاغون أفضت إلى منح القوات على الأرض الإذن بالرد على الهجمات، واعتماد خطة أكثر فاعلية وردعاً».
وكشفت «الشرق الأوسط»، الشهر الماضي، عن أن الامريكيين كانوا يحافظون على قواعد الاشتباك في العراق، حتى في ظل الهجمات التي تشنها الفصائل، بينما أكد مسؤول امريكي بارز أن واشنطن حريصة على «إدامة الاستقرار السياسي في العراق، والتعاون مع حكومة السوداني»، لكنه أشار حينها إلى أن تصاعد الهجمات لن يبقي الحال على ما هو عليه.
وقالت المصادر إن «الامريكيين ترجموا سريعاً تقدير الموقف الجديد بتنفيذ عمليات استباقية لهجمات الفصائل قبل وقوعها، من خلال استهداف أرتال نقل الأعتدة والأسلحة، ونصب كمائن للفصائل في مواقع قريبة من القواعد العسكرية».
قاعدة عسكرية امريكية في منطقة المخمور قرب الموصل (أرشيفية - رويترز)
وأكدت المصادر أنه في سياق هذا التحول السريع، اشتبك الامريكيون، الخميس، مع مسلحين تابعين لفصيل «عصائب أهل الحق» قرب قاعدة «عين الأسد» غرب البلاد، وأوقعوا قتيلاً على الأقل وتحفظوا على مسلحين آخرين.
برقيات أمنية صادمة
وعلى ما يبدو، فإن الامريكيين تخلوا عن «اعتبارات سياسية» كانت توضع في الحسبان مع الحكومة العراقية، بعدما فشلت الأطراف المحلية في كبح جماح هجمات الفصائل العراقية.
وقال مسؤول عراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن الحكومة العراقية تلقت أخيراً «برقيات أمنية من الامريكيين عن هجمات قبل وقوعها، تضمنت معلومات عن وقت الهجوم ومكانه والجهة التي تنفذه».
ووصف المسؤول هذه البرقيات بأنها رسالة سياسية محرجة، وقال إن ما ورد من معلومات فيها «مذهل وصادم (...) لقد كانوا يعرفون كل شيء في أي مكان».
وعدَّت الحكومة العراقية الضربات الجوية، التي نفذتها الولايات المتحدة ضد أهداف لفصائل عراقية مسلحة موالية لإيران على أراضيها، «تصعيداً خطيراً وتجاوزاً على السيادة العراقية»، وفقاً لباسم العوادي، المتحدث باسم الحكومة العراقية.
سياسياً، حاول «الإطار التنسيقي» الشيعي مسك العصا من المنتصف بعد الضربات الامريكية الأخيرة، من دون أن يهاجم الامريكيين في بيان استنكر فيه استهداف مجموعات تابعة للفصائل، حتى إنه دعا التحالف الدولي إلى «الالتزام بالمهام المحددة وفق القوانين العراقية، وأن أي تصرف لا يتعلق بمحاربة (داعش) يعد تجاوزاً خطيراً ومداناً».
لكن المتحدث باسم «كتائب حزب الله» في العراق محمد محيي، تعهد بمواصلة استهداف القوات الامريكية وتوسيع نطاقه وربما استخدام أسلحة جديدة. ودعا أكرم الكعبي، مسؤول حركة «النجباء»، وهي جزء من فصائل المقاومة الإسلامية في العراق، إلى «إعلان الحرب على امريكا، وإخراجها ذليلة من العراق»، وقال في بيان: «لا عذر لأحد بعد اليوم».
*صحيفة "الشرق الاوسط"اللندنية