×

  مام جلال ... حقائق و مواقف

  مام جلال في الشام...(7)



*علي شمدين

من الشرارة اندلع اللهيب

لقد لاقى البيان التأسيسي للاتحاد الوطني الكردستاني الذي بثته إذاعة صوت العراق من الشام بتاريخ (١/٦/١٩٧٥)، تفاعلاً واسعاً واهتماماً كبيراً بين أوساط الرأي العام المتابع للشأن القومي الكردي والوطني العراقي.

 وبدأ الحزب الجديد بقيادة مام جلال يستقطب من حوله المنظمات والجماعات السياسية ومجموعات وعناصر البيشمركة الذين تشتتوا إثر اتفاقية الجزائر المشؤومة، وفور الإعلان عن بيان التأسيس سارع (فريدون عبد القادر)، بالمجيء من كردستان العراق إلى الشام حاملاً معه قرار رفاقه بانضمام (عصبة شغيلة كوردستان)، إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، ومن بعده وصل (عمر دبابة)، أيضاً إلى الشام وأعلن هو الآخر عن انضمام (الحركة الاشتراكية الكردستانية).

 وتوافدت مجموعات البيشمركة وقياداتها بالوصول إلى الشام قادمة من طهران للالتحاق بمعسكرات الاتحاد الوطني الكردستاني التي تم إنشاؤها في سوريا.

 وحول ذلك يتحدث عادل مراد في كتاب (أصدقاء طليطلة)، بأنه في طهران كان هناك رفاق قاموا بتجميع اللاجئين وإرسالهم إلينا في سوريا، مثل عدنان مفتي، و محمود عثمان، وشمس الدين مفتي وآخرين، ويقول: (أتذكر بأن طائرة إيرانية كانت تأتي إلى دمشق في الأسبوع مرتين، وكل رحلة كانت تحمل إلينا مجموعة من العناصر التابعة لنا، وكنا نقوم باستلامهم وتنظيمهم، وتأجير الشقق لهم، وتدريب العسكريين منهم.. وفي الرحلة الأخيرة استقبلنا عدنان مفتي والدكتور محمود عثمان أيضاً..).

ولا شك بأن قيام مام جلال بعمل تاريخي كهذا، كان يستدعي وجود جهات دولية وإقليمية تقف إلى جانبه وتدعمه في مواجهة نظام دموي كان يتحدى المجتمع الدولي وينتهك جميع قوانينه الإنسانية، وفي هذا السياق يؤكد مام جلال في حواره مع مراسل جريدة الشرق الأوسط (معد فياض)، بأنه كانت هناك دول بادرت بحماس إلى دعمهم (ماديا وعسكريا وسياسيا)، ويقول مام جلال: (عندما تأسس الاتحاد الوطني الكردستاني تلقينا دعماً ليبياً وسورياً، وكذلك تلقينا دعماً سياسياً من الاتحاد السوفياتي السابق، فكان الدعم الليبي ماديا، والسوري كان عسكريا من خلال التدريب والتسليح، حيث كان لنا معسكران للتدريب في سوريا، واحد قرب دمشق والثاني في القامشلي، وفي بعض الأحيان كانت سوريا تدعمنا ببعض الأموال إلى جانب السلاح المجاني..).

ومن الشام بدأت الهيئة المؤسسة بتعزيز صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني، وبناء هيكله التنظيمي، وتنظيم علاقاته الداخلية والخارجية، وتأسيس قنواته الإعلامية، وتدريب تشكيلاته العسكرية، بشكل متسارع وبتسابق مع الزمن لتجاوز الكارثة التي حلت بالشعب الكردي نتيجة لإتفاقية الجزائر التي تمت في (٦/٣/١٩٧٥)، فعقدت الهيئة المؤسسة اجتماعها الأول برئاسة مام جلال بتاريخ (١٧/١٢/١٩٧٥)، وقررت فيه البدء بحرب الأنصار ضد قوات نظام البعث.

 وفي هذا السياق يقول عادل مراد في كتاب (أصدقاء طليطلة)، بأن الهيئة المؤسسة قامت بتوزيع المهام فيما بينها، كما يلي: (تم تكليفي- أي عادل مراد- بمسؤولية العلاقات الخارجية في الاتحاد وتكليف الأستاذ نوشيروان مصطفى بمسؤولية قيادة التعبئة للعمليات العسكرية وكان مقره في بلدة ديريك على الحدود العراقية- السورية، وكان معه الأستاذ عبد الرزاق عزيز ميرزا والدكتور خضر معصوم وعدد من خيرة الضباط منهم النقيب إبراهيم عزو و سيد كريم و حسن خوشناو ومجموعة من المثقفين الشباب أمثال فرهاد شاكلي وداوود الجاف وعبد الرحمن سنجاري وسامان كرمياني وشوان صالحي، وكانت الأمور التنظيمية السرية والفكرية من مهام مام جلال، حيث تم انتخابه من بيننا ليكون الناطق الرسمي للاتحاد الوطني الكوردستاني، وأنيطت مهام الإعلام وبعض الأمور التنظيمية السرية والعلاقات العامة بالدكتور فؤاد معصوم بدمشق وكان مسؤولا عن اصدار صحيفة الشرارة) .

ولهذا فقد أخذ مام جلال من الشام منطلقاً لخطواته المتلاحقة التالية من أجل الإعداد لإشعال الثورة في جبال كردستان في أقرب فرصة، وبدأ يعد من هناك للثورة ويحشد الطاقات على كل الصعد (السياسية والعسكرية والإعلامية والتنظيمية..)، من أجل إسقاط نظام بغداد الدموي في ظل شعار (الديمقراطية للعراق، والحكم الذاتي الحقيقي للشعب الكردي في كردستان العراق).

 وفي فترة قصيرة استطاع الاتحاد الوطني الكردستاني إنجاز تشكيلاته التنظيمية والعسكرية التي نهضت من تحت أنقاض الكارثة كالمارد الذي انبعث من تحت الرماد.

 يقول بلند شالي في كتابه (انبثاق ثورة من رماد ثورة.. )، مايلي نقلاً عن عدنان المفتي: (فتح الاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة القامشلي معسكراً لتأهيل وتدريب وتنظيم البيشمركة والكوادر التي كانت تلتحق بصفوفه، وتم تكليف النقيب إبراهيم عزو بالإشراف على هذا المعسكر، وبدأ بتنفيذ تلك المهمة فوراً ومن دون أن يدخر جهداً في تنفيذ الأوامر وتدريب البيشمركة وتأهيل الكوادر، وكانت هناك مجموعة من الكوادر التي كانت تساعده في تجهيز المعسكرات وتأمين مستلزمات التدريب وتوعية الكوادر والبيشمركة ومن بينهم مام بوزي ميراني).

ومن الشام، وبعد عام من تأسيس هذا الحزب الوليد، تم الإعداد لإشعال الثورة من جديد في جبال كردستان العراق، ومن تلك الشرارة التي أشعلها مام جلال في الشام إندلع لهيب الثورة الجديدة في جبال كردستان، والتي تأججت نيرانها بدماء مئات الآلاف من الشهداء الأبرار، وفي المقدمة دماء شهداء المفرزة الأولى بقيادة النقيب المهندس الشهيد (إبراهيم عزو)، التي انطلقت من مدينة (القامشلي)، بتاريخ (١/٦/١٩٧٦)، من منزل الجندي المجهول خليل عبدي (صور)، الذي يقول في لقاء أجراه معه الإعلامي (آياز هركي)، حول ذلك: (ظل البيشمركة في بيتي إلى يوم ١/٦/١٩٧٦، الذي كان يصادف الذكرى الأولى لتأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وبعد ذلك غادروا بيتي، وبحسب معلوماتي فإنهم عبروا نهر دجلة إلى جزيرة بوتان في شمال كردستان، وذلك عن طريق مصطي سمو، من قرية مزري التي تقع بالقرب من قرية عين ديوار، التابعة لمنطقة ديريك..).

 

من القامشلي انطلقت المفرزة الأولى

مثلما صدف أن أذاع الاتحاد الوطني الكردستاني بيانه التأسيسي الأول من الشام بتاريخ (١/٦/١٩٧٥)، كذلك إنطلقت المفرزة الأولى لمقاتليه من مدينة القامشلي بتاريخ (١/٦/١٩٧٦)، ومثلما لعب الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا دوره الفعال في دعم هذا الحزب الشقيق والوقوف إلى جانبه منذ تأسيسه، كذلك لعب دوره المؤثر في تقديم العون والمساعدة الممكنة في إشعال ثورته الجديدة وتقديم الكثير من التسهيلات اللازمة لإيواء عناصره وعبور مقاتليه مع أسلحتهم عبر الحدود.

 كما صادف أن يكون البيت الذي اجتمع فيه مام جلال في القامشلي مع المفرزة الأولى لمقاتلي البيشمركة قبل انطلاقتها نحو كردستان العراق للإعلان عن بدء الثورة الجديدة، هو بيت الشخصية الوطنية المعروفة خليل عبدي (صور)، الكادر المتقدم آنذاك في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، وهذا الحدث يعكس بمضمونه حجم الدعم الذي كان يقدمه هذا الحزب للاتحاد الوطني الكردستاني وثورته التي غيرت مسار الانتكاسة نحو المقاومة والانتصار، ويؤكد على الثقة المتبادلة بين هذين الحزبين الشقيقين..

لقد كان لكرد سوريا عموماً وللحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا خصوصاً، دور فعال ومؤثر في دعم قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، ومساندة الثورة الجديدة لشعبنا الكردي في كردستان العراق، في جميع المجالات السياسية والعسكرية، وكان الجندي المجهول (خليل عبدي)، واحداً من أولئك المناضلين الذين كانت بيوتهم مفتوحة أمام قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني وكوادره في مدينة القامشلي، وتقدم لهم الخدمات الممكنة.

 وفي هذا المجال يقول عبد الرزاق ميرزا (فيلي)، في لقاء له مع موقع (بيوكي ميديا)، مايلي: (لايمكن القفز على دور المواطنين من كوادر الأحزاب الكوردية في سوريا في دعم المجهود الثوري للاتحاد الوطني الكوردستاني ولا أريد الأطالة في هذا الموضوع بهذه العجالة، ولكن لا يمكنني ان انسى ذكر طيبة الذكر أم شورش، زوجة المناضل خليل عبدي، التي انطلقت المفرزة الأولى من دارها في 1/6/1976..).

وفي هذا المجال يقول عادل مراد أيضاً في كتاب (الانطلاقة من طليطلة الى بغداد)، حول كيفية تشكيل تلك المفرزة الأولى التي انطلقت من بيت (خليل صور)، في القامشلي: (لقد اختار قادة الاتحاد الوطني الكردستاني وضباطه في سوريا أربعين مقاتلاً من البيشمركة لتشكيل أول مفرزة بقيادة الشهيد إبراهيم عزو، وفيما بعد ذهبوا إلى منطقة بهدينان للإعلان عن انطلاقة الثورة المسلحة، وسميت تلك المفرزة باسم مفرزة الدعاية المسلحة، وقبل الإعلان عن الخطة لهؤلاء المقاتلين، وإرسالهم إلى كردستان العراق للقيام بتلك المهمة التي غيرت مسار الأحداث، تم دعوتهم في نهاية شهر آيار عام ١٩٧٦، إلى مدينة القامشلي، وبدلاً من اجتماعهم في مقر حزبهم، اجتمعوا في بيت الشخصية الكردية المعروفة في القامشلي، خليل عبدي صور..).

وحول تفاصيل تلك الحادثة التاريخية، يقول خليل عبدي بنفسه في اللقاء الذي أجراه معه الصحفي آياز هركي، والمنشور في جريدة كردستاني نوي، ما يلي: (بعد انتهاء التدريب العسكري لمجموعة من بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني في الشام، بقيادة الشهيد إبراهيم عزو، طلب مني عبد الرزاق ميرزا، المشرف على البيشمركة وتنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في القامشلي وفي منطقة الجزيرة، كي أقوم بتأمين مكان خاص لهم، لأن مام جلال سوف يحضر وسيجتمع بمجموعة بيشمركة كردستان، وبعد ذلك سوف يودعهم للذهاب إلى كردستان العراق، ولأنه لم يكن هناك مكان مناسب لذلك أكثر من بيتي، فأرسلت زوجتي وأولادي إلى بيت ابن عمي لمدة أربعة أيام، وكان بيتي حينذاك في الحي الغربي في القامشلي، بالقرب من مقر ممثلية الاتحاد الوطني الكردستاني، وفي ٢٧/٥/١٩٧٦، اجتمع الرفيق مام جلال وأولئك القياديون الذين كانوا يرافقونه، في بيتي مع مجموعة بيشمركة الثورة الجديدة، بقيادة الشهيد إبراهيم عزو، وتحدث إليهم، وبحسبما أتذكر فقد شارك في هذا الاجتماع كل من عبد الرزاق ميرزا والشهيد إبراهيم عزو أيضاً، بحضور ما يقارب الأربعين من عناصر البيشمركة المسلحين بالأسلحة الحديثة الجاهزين للإنطلاق في الأول من حزيران عام ١٩٧٦..).

وهكذا، يتابع خليل عبدي حديثه مع آياز هركي، ويقول بأنه استقبل مام جلال عند الظهيرة في بيته بتاريخ (٢٧/٥/١٩٧٦)، وبأنه جاء للاجتماع مع البيشمركة الذين كان بيته يعج بهم، ويقول بأن اجتماع مام جلال مع البيشمركة استمر حتى المساء، وذلك بهدف الإعداد لعودة الوجبة الأولى من البيشمركة إلى كردستان العراق بقيادة الشهيد إبراهيم عزو من أجل الإعلان عن الكفاح المسلح والبدء بالثورة الجديدة هناك، ويقول: (لقد مكث مام جلال تلك الليلة في بيتي، ومن ثم ذهب في اليوم التالي إلى مقر حزبه في القامشلي، بينما ظل عناصر البيشمركة في بيتي إلى يوم ١/٦/١٩٧٦، الذي كان يصادف الذكرى الأولى لتأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وبعد ذلك غادر الجميع بيتي، وبحسب معلوماتي فإنهم عبروا نهر دجلة إلى جزيرة بوتان في شمال كردستان باتجاه جنوبها..)، ويعبر خليل صور عن سعادته بهذا اللقاء التاريخي، ويقول: (لقد كان فخراً تاريخياً بالنسبة لي أن تنطلق من بيتي المجموعة الأولى لقوات بيشمركة كردستان الأساسية برئاسة مام جلال طالباني زعيم الثورة الجديدة للشعب الكردي، للبدء بالثورة المسلحة في جنوب كردستان..).

لقد لعب مواطنو غرب كردستان، وخاصة رفاق الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، دوراً هاماً في دعم الاتحاد الوطني الكردستاني والوقوف إلى جانب ثورته الجديدة بقيادة مام جلال، وقدموا كل المساعدات الممكنة لكوادره ومناضليه ولعوائلهم التي لجأت إلى المناطق الكردية في سوريا على إثر اتفاقية الجزائر وانهيار الثورة الكردية عام (١٩٧٥)،  وشكلت المناطق الكردية في سوريا عموماً، ومنطقة (القامشلي وديريك)، بشكل خاص، عمقاً استراتيجياً آمناً لمساندة الثورة الجديدة بقيادة مام جلال وعبور مقاتليها وأسلحتهم بأمان، مثلما ساعدت من قبل أيضاً ثورة أيلول بقيادة الملا مصطفى البارزاني، وكانت تربط مام جلال علاقات واسعة مع الفئات والشخصيات الوطنية في هذه المنطقة، ويقول عبدالرحمن يوسف ميراني، في لقاء له مع آياز هركي نشر في مجلة (نوێبونەوە)، ما يلي: (لقد التقيت أول مرة بمام جلال عندما زار قرية تل خنزير في منطقة كوجرا التابعة لمدينة ديريك، وكان يرافقه حينذاك نوشيروان مصطفى وتحسين بك أمير الإيزديين وحسين بابا شيخ، وذلك من أجل تقديم واجب العزاء لعائلة نايف باشا الميراني، بوفاة ابنه عبدالكريم، الذي وافته المنية أواخر حزيران عام ١٩٧٦، ومن ثم تناولوا معاً طعام الغداء في بيت نايف باشا الميراني، واستقبل مام جلال والوفد المرافق له بحرارة من جانب أهالي تلك المنطقة..).

 

الحاضنة اللوجستية للثورة الجديدة

مثلما كانت الشام هي الحاضنة السياسية لولادة الاتحاد الوطني الكردستاني، والظهير الآمن لتأمين الدعم السياسي والمادي والعسكري له، كذلك كانت القامشلي وديريك الحاضنة اللوجستية التي احتضنت الترتيبات الأولية لاندلاع الثورة الجديدة من المقرات والمعسكرات التدريبية، واستقبال المقاتلين والمتطوعين، وإيواء اللاجئين والكوادر السياسية، ومنها انطلقت الشرارة الأولى التي أشعلت تلك الثورة التي شملت عموم جبال كردستان العراق ووديانها، والجسر الذي عبرت من فوقه المفارز الأولى للبيشمركة بعتادها وأسلحتها وذخائرها، وقد كان الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا في مقدمة تلك الجهات التي تحملت هذه الأعباء، وكانت بيوت أعضائه وأنصاره ومؤيديه مفتوحة أمام الجميع.

الحقيقة أن الدعم الذي قدمه الكرد السوريون لهذه الثورة لم يقف عند هذا الحد فقط، وإنما بلغ الأمر إلى حد انخراط العشرات منهم بين صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني من أمثال الدكتور عمر شيخموس (عضو الهيئة التأسيسية)، والشخصية السياسية المعروفة الأستاذ يوسف زوزاني (الكادر الإعلامي المتقدم)، وانضمت مجموعات أخرى إلى قوات البيشمركة وشاركوا معها في القتال، واستشهد البعض منهم من أمثال (عزيز جركس/ عامودا، حسين أحمد/ عامودا، شيخموس ابرهيم أحمد / قامشلو، خالد خليل/ عفرين، عبد الحميد تحلو/ ديريك.. إلخ)، كما ساهم البعض الآخر في نقل الذخيرة والمتفجرات والأسلحة عبر الحدود لصالح الثورة الجديدة من أمثال (برهان مراد، محمد مراد وكنعان مصطفى.. إلخ).

هذا فضلاً عن استقطاب مام جلال للعديد من الشخصيات الكردية السورية، وخاصة أولئك الطلبة الكرد السوريين الذين كانوا يدرسون في أوروبا خلال أواسط الستينيات من القرن المنصرم، من أمثال (عمر شيخموس، يوسف زوزاني، جمعة سعيد، إبراهيم نايف باشا ومحمد نايف باشا..)، وذلك خلال حضور مام جلال إلى مؤتمر اتحاد الطلبة الأكراد في أوروبا وتواصله معهم عن قرب، وإعجابهم بأفكاره الواقعية وبشخصيته الكارزمية المؤثرة، وفي حوار أجراه معه آياز هركي، يقول عبد الرحمن يوسف ميراني، وكذلك أكده لنا السيد (شلاش نايف باشا)، أيضاً في اتصالنا الهاتفي معه، بأن: (إبراهيم، ومحمد، ابنا نايف باشا رئيس عشيرة ميران في منطقة ميران وكوجرا، كانا من مؤيدي الاتحاد الوطني الكردستاني، اللذان كانا يتابعان الدراسة في أوروبا وكانت لهما علاقات جيدة مع مام جلال، وتأثرا بأفكاره حول الثورة، وكان هذا سبباً لكي يساند أهالي منطقة ميران وسكان قراهم في منطقة ديريك، الاتحاد الوطني الكردستاني..).

وفي القامشلي كان عبد الرزاق عزيز ميرزا (فيلي)، هو المكلف بمسؤولية استقبال وتنظيم القادمين من العراق وكان معظم هؤلاء هم من المهجرين الذين تم تهجيرهم من القرى الحدودية التي قام نظام صدام حسين بتعريبها، وكان النقيب المهندس إبراهيم عزو وعدد من رفاقه يقومون باختيار المقاتلين من بينهم وتدريبهم، حيث يقول عبد الرزاق فيلي في لقاء أجراه معه موقع الإعلام المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني: (لا أريد أن أغمط حق أحد في هذه العجالة من الأستذكار، ولا أريد أن أتجاهل الدور العظيم للشهيد ابراهيم عزو الذي تفانى بدوره، كما كان دور فرهاد شاكلي وإبراهيم عبد علي هاماً في انتقاء وتربية وتدريب مجموعة من الشباب الثوري من بين المهاجرين الكورد العراقيين، ولا يمكن لأحد في تلك الأيام أن ينسى الشهداء من أمثال: عبدالرحمن سنجاري وعزت سنجاري وقاسم محمد علي وعبدالجبار عبدالغني وسولاقا توما وغيرهم ممن شكلوا المشعل الأول في الثورة الآتية من الغرب..).

كما كان نوشيروان مصطفى يقيم حينذاك مع فرهاد شاكلي وعلي خان سندي وإبراهيم قربان، في مقر ديريك، يشرفون على نشاطات عناصر بيشمركة الثورة الجديدة، الذين كانوا يعبرون يومياً إلى منطقة جزيرة بوتان، وجنوب كردستان.. فينقل ريوار صالح عن عادل شكور في لقاء نشره في كتاب (الطريق إلى الحرية: سيرة الشهيد القيادي إبراهيم عزو..)، والذي يقول: (لقد كان حينذاك يتواجد في الشام كل من مام جلال وكاك نوشيروان والدكتور فؤاد معصوم، والشهيد الملازم كريم، والشهيد الملازم حسن خوشناو، والملازم فؤاد، والملازم عبد الله، والدكتور خضر معصوم، ومجموعة من الأخوة الآخرين.. كما كان لنا مقران: أحدهما في مدينة المالكية/ ديريك، والآخر في القامشلي، وكان مقر ديريك يضم هؤلاء الرفاق: فرهاد شاكلي مسؤولاً للمقر، حسن فيض الله كركوكي، سامان كرمياني، الشهيد الأستاذ داوود علي كرمياني، رؤوف ديزي والملقب باسم شوانه، وصابر حاجي بيرة زراري والملقب باسم سمكو هوليري، وفرحان أمين باديني، ومحمد حسن باديني، وحسن باديني وعادل شكور والملقب باسم رزكار.. وكان المقر الآخر يوجد في القامشلي، وكان الشهيد إبراهيم عزو مسؤولاً فيه، وقواته كانت تتألف من ٢٠ عنصراً من البيشمركة ومن الكوادر المتقدمة التي اجتازت العديد من الدورات التدريبية..).

حقيقة كانت المناطق الكردية عموماً، ومدينتا القامشلي وديريك بشكل خاص تشكل الحاضنة اللوجستية للثورة الجديدة، والتي انطلقت منها المفرزة الأولى من بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني باتجاه كردستان العراق، كما كان للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، وسكرتيره عبد الحميد درويش، الدور الهام في تأمين هذه الحاضنة الآمنة التي احتضنت كوادر الاتحاد الوطني الكردستاني وكوادره في أصعب الظروف وأقساها، وفي هذا المجال يقول مسؤول مكتب الإعلام المركزي (ستران عبد الله)، في مقاله المنشور في كردستاني نوي، عن علاقة الوفاء التي كانت تجمع عبد الحميد درويش مع مام جلال طالباني، ما يلي: (في أسوأ الظروف التي كان الاتحاد الوطني الكردستاني يمرّ بها في كردستان داخليا، وعندما كان الكثير من الأحزاب والأطراف والشخصيات في كردستان يظهرون عدم وفائهم لمام جلال، في تلك الظروف كان كاك حميد درويش مخلصاً ووفياً في مواقفه مع الاتحاد الوطني الكردستاني..).

.....يتبع


27/11/2023