×

  شؤون دولية

  إينجيرلك - أغراتور - إسرائيل.. خطّ الدعم الأميركي المفتوح... عبر تركيا



*د.محمد نور الدين

 

المواقف التصعيدية من قِبل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ضدّ إسرائيل، ووصْفه إياها بمجرمة حرب، وتوعّده بالذهاب إلى مساءلتها أمام «المحكمة الجنائية الدولية»، لم تُثِر سوى ابتسامات صفراء، حتى لدى الكثير من المحلّلين والأتراك، ذلك أن تركيا تُعدّ واحدةً من البلدان التي يمكنها اتّخاذ إجراءات فعلية ضدّ دولة الاحتلال، كمحاولةٍ لإجبارها على إنهاء سياساتها ضد الفلسطينيين، وخصوصاً مجازرها الوحشية في قطاع غزة. ولو جرى تجاوز المطلَبين الأكثر سهولة هنا، وهما تخفيض العلاقات الديبلوماسية أو قطعها، كما تقليص حجم التجارة الثنائية بين الجانبَين، فإن مطلب إغلاق قاعدة «إينجيرلك»، وقاعدة التجسّس الشرق أوسطية في «كوريجيك»، هو أبرز ما يمكن لإردوغان أن يحقّقه.

ولعلّ أهميّة القاعدتَين تكمن في أنهما تُداران من قِبَل الولايات المتحدة التي تبنّت معركة العدو بالكامل في غزة، وتوفّران مهمّات لوجستية خطيرة لكلّ العمليات الأميركية في مسرح الشرق الأوسط.

 وفي هذا الجانب، علّق دوغو بيرنتشيك، رئيس «حزب وطن» الصغير (قومي يساري)، المعروف بمعارضته المطلقة لعضوية تركيا في «حلف شمال الأطلسي»، في مؤتمر صحافي عقده في مقرّ حزبه في أنقرة، قائلاً إنه «إذا كانت تركيا تريد أن تُظهر تعاطفاً جدّياً مع غزة ضدّ إسرائيل، فعليها أن تغلق قاعدة إينجيرلك أمام استخدامها من قِبَل الولايات المتحدة، لتوضع تحت السيطرة التركية».

وقاعدة «إينجيرلك» التي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية في منطقة أضنة، وُضعت اعتباراً من عام 1954 في خدمة القوات الأميركية في الشرق الأوسط، إضافةً إلى استخدامها من قِبَل قوات أوروبية أخرى، والجيش التركي نفسه. وفي القاعدة، توجد أسراب عديدة من الطائرات الأميركية والأطلسية، وأنظمة تحكّم مهمّة، فضلاً عن مئة رأس نووية، وفقاً لبعض المصادر.

 ولم تُقدِم تركيا على إغلاق «إينجيرلك» في وجه أميركا سوى مرّة واحدة، عندما فرضت واشنطن حظراً على بيع السلاح لأنقرة، بسبب غزو الأخيرة قبرص عام 1974، ولم تَعُد القاعدة إلى استخدام الولايات المتحدة إلا بعد إلغاء حظر بيع السلاح عام 1977. أمّا قاعدة الرادارات في «كوريجيك»، فقد تأسّست عام 2010، لمصلحة «حلف شمال الأطلسي»، وتقع جنوبي ملاطيا في منطقة مشرفة على سوريا والعراق وإيران، ومهمّتها التجسّس على بلدان الشرق الأوسط.

 وهكذا، كلّما كانت العلاقات تسوء مع واشنطن، كانت أنقرة تهدّد بإغلاق القاعدتَين.

وبحسب بيرينتشيك، فإن الطائرات العسكرية الأميركية تقلع من قاعدة «إينجيرلك» ذهاباً إلى قاعدة «أغراتور» الإنكليزية في جنوب قبرص، حاملةً معدّات وأسلحة إلى إسرائيل.

ويقول في هذا الإطار إنه «لا يفشي سرّاً... فهي معلومات سبق أن نشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ثم موقع ديكلاسيفيد الإنكلتري، والذي ذكر أن الطائرات الأميركية والإنكليزية لا تستخدم فقط قاعدة إينجيرلك، بل كذلك قواعد في ألمانيا وإسبانيا لنقل الأسلحة إلى إسرائيل».

 ومن قبرص، كانت الطائرات الأميركية تنتقل إلى قاعدة «نيفاتيم» الجوية في صحراء النقب، لتسليم المعدّات العسكرية، وبعض هذه الطائرات كان يهبط في مطار «بن غوريون». وأضاف بيرنتشيك أنه «بين 11 تشرين الأول، و17 تشرين الثاني، هبطت في مطار اللدّ أكثر من 33 طائرة إنكليزية من قاعدة أغراتور، حاملةً معدّات عسكرية».

ومن جهتها، نفت دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية ما يرد في بعض مواقع التواصل الاجتماعي من نشاط للطائرات الأميركية من «إينجيرلك» إلى قاعدة «أغراتور».

كما نفت أن تكون طائرتان إنكليزيتان من طراز «تايفون» قد حلّقتا فوق السواحل الإسرائيلية انطلاقاً من قاعدة «إينجيرلك». ولكن بيرنتشيك يؤكد أن دائرة الاتصالات في الرئاسة «تكذب على الجمهور، وتخفي حقيقة أن الطائرات التي تقلع من إينجيرلك إلى أغراتور تواصل طريقها إلى إسرائيل»، حاضّاً الرئاسة على الكشف عن حمولة الطائرات التي تقلع من القاعدة التركية إلى القاعدة الإنكليزية في قبرص، وما إذا كانت قد نالت موافقة السلطات التركية، أو أبلغت الأخيرة بماهية حمولتها. وتستخدم الولايات المتحدة هذه القاعدة «بفعالية أكبر، بموجب اتفاق التعاون العسكري والاقتصادي بين أنقرة وواشنطن لعام 1980»، وفقاً لبيرنتشيك، الذي يضيف أن «القاعدة تخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير، وتركيا إحدى الدول التي يستهدفها هذا المشروع... إن الصفحة الأكثر أهميّة في تاريخ هذه القاعدة في خيانتها لجيراننا، هي حرب الخليج لعام 1991»، حيث كانت «إينجيرلك» مركز العمليات الخاصة.

 ويوضح تالياً أن «القاعدة هي مركز إدارة العمليات في الحرب على سوريا في السنوات الأخيرة، بل هي القاعدة التي لعبت دوراً مركزيّاً في محاولة انقلاب 15 تموز 2016 في تركيا»، وهي «خنجر في الأراضي التركية وتهديد مباشر لجيراننا وتُستخدم ضدّ الشعب الفلسطيني». لذلك، إن الخطوة الأولى في التضامن مع غزة، هي «إغلاق قاعدة إينجيرلك، ووضعها تحت السيطرة التركية الكاملة»، كما يرى بيرنتشيك، مطالباً النواب الأتراك برفض الموافقة على طلب السويد الانضمام إلى «الناتو»، «إذا لم يكونوا مجرّد وكلاء للحلف، وإذا أرادوا أن يكونوا متضامنين مع الشعب الفلسطيني».

وتعليقاً على ما تقدَّم، لفت المحلّل فكرت آق فرات، إلى أن قبرص الجنوبية تلعب دوراً مركزياً في التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة وإنكلترا وإسرائيل من خلال قاعدتَي «أغراتور» و«ديكيليا» الإنكليزيتَين، مبيّناً أن «الاستخبارات الإنكليزية تلعب دوراً مهمّاً من خلال استخدام الأراضي القبرصية الجنوبية، حيث يوجد رادار في أعلى قمّة جبل ترودوس يقوم بالتجسّس على كامل منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا، ولا تُستثنى تركيا من هذا التجسّس الذي يشكّل تهديداً لها ولقبرص التركية». وكانت قاعدة «إينجيرلك» قد عَرفت، في الخامس من الشهر الماضي، تقاطر آلاف الناشطين الأتراك والأجانب الذين تظاهروا أمامها، مندّدين بالدعم الأميركي لإسرائيل، ومطالبين بإغلاق القاعدة. لكن قوات مكافحة الشغب التركية فرّقت المتظاهرين باستخدام القنابل المسيّلة للدموع.

على صعيد آخر، ظهرت في الأفق مشكلة جديدة بين تركيا وإسرائيل، بعد تهديد رئيس ««الشاباك»، رونين بار، باستهداف كلّ قياديي حركة «حماس» أينما وُجدوا.

 وقال بار، في حديث تلفزيوني، إن بلاده «سوف تقتل هؤلاء سواء أكانوا في لبنان أم قطر أم تركيا»، وهي تهديدات تزامنت وزيارة قام بها الرئيس التركي إلى قطر، فيما لم يرد بعد أيّ تعليق على ذلك من جانب الدوحة أو بيروت. ونُسب إلى مصادر أمنية تركية، قولها إن أنقرة وجّهت تحذيراً إلى تل أبيب من مغبّة القيام بعمليات اغتيال لقيادات من «حماس» على الأراضي التركية، وإنه في حال تنفيذ هذه التهديدات، فسيستتبع ذلك «نتائج خطيرة».

 وقالت المصادر التركية نفسها إن استخبارات متنوعة تمارس نشاطات غير شرعية على الأراضي التركية، وإنّ الاستخبارات التركية لا يمكن أن تساعد في مثل النوع من النشاطات. ووفقاً للخبير في شؤون الإرهاب والأمن، بكر باشبوغ، فإن موقف تركيا واضح منذ البداية، وإسرائيل أَظهرت منذ عملية «طوفان الأقصى» ضعفاً استخبارياً. ويضيف أن «تركيا والاستخبارات التركية لا يمكن أن تمزحا في مثل هذه التهديدات الاستخبارية، وقد نبّهتا إسرائيل إلى خطورة ذلك. إسرائيل تريد أن تُظهر نفسها قوية، ولكن هذا لا يعكس الواقع».

*صحيفة"الاخبار"اللبنانية/صفحة الكاتب


06/12/2023