×

  شؤون دولية

   بوادر معركة استخباراتية إسرائيلية - تركية



*د.محمد نور الدين

فَتح تهديد إسرائيل باغتيال قادة لحركة "حماس" موجودين في قطر ولبنان وتركيا، الباب أمام تصاعُد التوتّر بين أنقرة وتل أبيب، واحتمال ذهاب العلاقات بينهما إلى أبعد ممّا هو عليه الحال الآن من خلافات.

 ويقول يحيى بستان، في صحيفة "يني شفق"، إنه "ليس من الخطأ القول إن عنوان "أجندا" حكومة الحرب في إسرائيل، هو تركيا. ويبدو أنها اتّخذت قراراً بأن تكون أنقرة هي المستهدفة، فيما تتوالى التصريحات التي تعكس كما لو أنه تمّ الضغط على الزر".

ووفق بستان، فإن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، وضع أولى الإشارات، عندما علّق على الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية التركية على وسائل التواصل الاجتماعي، بالقول: "يمكنكم أن تستضيفوا إرهابيّي حماس الفارّين من غزة".

 وهذا الأسلوب غير اللائق، ردّت عليه الخارجية التركية على لسان الناطق باسمها، أونجي كيتشيلي، قائلةً: "لا يمكن القبول باعتبار الهجمات الوحشية على المدنيين، حقّاً في الدفاع عن النفس". ولكنّ الكاتب يشير إلى أن ما يجب التوقّف عنده، هو تصريح رئيس الاستخبارات الإسرائيلية الداخلية، "الشاباك"، رونين بار، الذي قال عبر تسريب تلفزيوني، إن "إسرائيل ستستهدف أعضاء حماس في لبنان وتركيا وقطر".

 ويبيّن بستان أن تصريح بار جاء أثناء وجود مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية في الدوحة، ومسؤولي الاستخبارات القطرية في تل أبيب، وذلك خلال وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما ردّت عليه مصادر الاستخبارات التركية بتحذير إسرائيل، عبر وكالة أنباء "الأناضول"، من أن عواقب هذا السلوك ستكون خطيرة.وبحسب ما يلفت إليه بستان، فإن تصريحات بار أثارت غضب أنقرة للأسباب التالية:

 

- أولاً:

يُمثّل ما صرّح به بار تهديداً صريحاً بأن تقوم إسرائيل بأعمال غير شرعية في بلد آخر. هذا تهديد، ولا يمكن أحداً أن يهدّد تركيا، فيما استعمال لغة التهديد يواجَه بالمثل، سواء في الميدان أو على الطاولة.

 

- ثانياً:

هناك "اتفاقات جنتلمان" غير رسمية بين وكالات الاستخبارات العالمية بعدم القيام بعمليات في أراضي البلد الآخر، إلّا بالتنسيق مع هذا البلد. وإذا تم انتهاك الاتفاق المذكور، يصار إلى الردّ على ذلك.

 

- ثالثاً:

 ليس في تركيا أيّ عنصر من الجناح العسكري لحركة "حماس"، وإسرائيل تعرف ذلك. ولذا، فإن تصريح رئيس "الشاباك" ليس دبلوماسياً، ولا ينسجم مع التقاليد الاستخبارية.

 

- رابعاً:

 تركيا ليست تركيا القديمة، والاستخبارات التركية ليست تلك السابقة. ضاعفت تركيا قدرتها وأهليتها الاستخبارية، والاستخبارات الروسية والإيرانية والإسرائيلية تَعرف ذلك.

وتَعرف إسرائيل أيضاً، وفق الكاتب، أنها "لن تفعل شيئاً من وراء هذا التهديد، ولكنها مع ذلك أَطلقته، وحدَّدت تركيا عمداً".

 ويذكّر بأن الاستخبارات الإسرائيلية تلقّت سهام النقد نتيجة فشلها في توقّع هجوم "طوفان الأقصى"، مضيفاً أن "الموساد" ليس جهاز الاستخبارات الوحيد الذي كُسرت فعاليته في تركيا؛ فقد أفشلت الاستخبارات التركية، أيضاً الاستخبارات الإيرانية عندما حاولت اختطاف رجل أعمال إسرائيلي، وتل أبيب شكرت أنقرة على ذلك.

 أيضاً، توقّفت عمليات اغتيال الشيشانيين في تركيا على يد الاستخبارات الروسية، بفعل الجهود الاستخباراتية التركية.

ويضيف أن "قيام جهاز استخبارات أجنبي بعمليات في تركيا أمر خطير. ولكن ذلك لا يكون بمواكبة الطبل والزمار.

 وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي الذي كُسر تأثيره في تركيا لكي يصل إلى أهدافه، يتحتّم عليه أن يَستخدم قناعاً له، جهاز استخبارات آخر.

 لكن حتى هذه الأجهزة القناعية هي تحت الرقابة التركية"، متابعاً أن "تركيا ردّت على التهديد الإسرائيلي، وإسرائيل تلقّت الرسالة".

 ويتساءل: "إذاً، لماذا قامت إسرائيل بهذا التصريح؟"، ليجيب: "إن لذلك سبباً مهمّاً يتعلّق بنتنياهو الذي يَنتظر تطوّرات مهمّة".

وفي الصحيفة نفسها، يكتب ندرت إرسانيل، قائلاً إنه "على رغم الدعم الامريكي لإسرائيل، فإن الأخيرة تشعر بأنها تحت الضغط، فيما تشعر الدول الغربية بثقل نتائج المجازر التي تقوم بها إسرائيل.

وتل أبيب وواشنطن لا شكّ في أنهما غير مرتاحتَين للموقف التركي. فوزارة الخزانة الامريكية تعلن أنها قلقة من جمع حماس موارد مالية من تركيا.

 لكن المسألة هي أن تركيا تحرج إسرائيل وامريكا بالتشهير بمواقفهما أمام العالم". ويرى الكاتب أنه من المهمّ التوقّف عند تصريح وزير الدفاع الامريكي، لويد أوستن، أخيراً، والذي قال فيه إن "قتل المدنيين يمكن أن يحوّل الانتصار التكتيكي إلى هزيمة إستراتيجية"، معتبراً أن "نهاية هذه الحرب هي تحطيم الوضع السياسي لكلّ من نتنياهو وبايدن".

ووفق إرسانيل، فإن تهديد إسرائيل بملاحقة قادة "حماس" في تركيا، "يعني أن العلاقات الإسرائيلية - التركية ميتة إلى درجة لا يمكن إحياؤها بسهولة. فالإسرائيليون يبدو أنهم لا يريدون الإصغاء إلى تحذير تركيا من العواقب الوخيمة"، مذكّراً بما كتبته صحيفة "جيروزاليم بوست" من أن "إردوغان يعتقد بأن أفعاله لن يكون لها أيّ عواقب. لقد حان الوقت لكي تُظهر إسرائيل والمجتمع الدولي أن الأمر لا يسير على هذا النحو". ويعلق إرسانيل، قائلاً: "نظراً إلى أنهم اختاروا هم الوقت، فنحن نستطيع اختيار المكان".

ومن جهته، يقول أوزاي شندير، في صحيفة "ميللييات"، إن "الموساد الإسرائيلي منظّمة استخبارات ناجحة، وسجّلت الكثير من النجاحات على مستوى العالم.

ولكن، يُسجَّل لها في المقابل أنها فشلت في أكثر من عملية، وآخرها وأخطرها عملية طوفان الأقصى".

في الوقت نفسه، تحوّلت الاستخبارات التركية، وفق الكاتب، إلى واحدٍ من أنجح أجهزة الاستخبارات، ولا سيما في ملاحقة "الإرهابيين" في سوريا والعراق، وعناصر جماعة فتح الله غولين من آسيا إلى البلقان.

 ويضيف أن "الموساد، إذا نظر إلى أهلية وقدرات الاستخبارات التركية، فإن لديه أكثر من سبب ليضع عقله في رأسه ويمتنع عن محاولة تنفيذ أيّ عمليات في تركيا".

ويتساءل سرجان دينتش، في "ميللييات" أيضاً، عمّا إذا كانت إسرائيل بصدد القيام بعمليات اغتيال قادة "حماس" في تركيا، قائلاً إن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أكّد بدوره أنه أعطى التعليمات لملاحقة قادة الحركة أينما وُجدوا.

وينقل الكاتب عن الخبير في شؤون الإرهاب والأمن، عبدالله آغار، قوله إن "تهديد إسرائيل بقتل قادة حماس في تركيا وضع يتطلّب أن تواجهه أنقرة بحزم"، مضيفاً أن "أجهزة الاستخبارات تقوم بعمليات لا تعلن عنها. أمّا أن الموساد يفصح الآن علناً عن أنه سيلاحق حماس في بعض الدول ويسميها مثل لبنان وقطر وتركيا، فهذا أمر غير مألوف ولا يمكن القبول به، وهو مؤشّر إلى أن أجراس معركة قاسية ستبدأ بين تركيا وإسرائيل، كما يحمل تهديدات عميقة لتركيا. تهديدات إسرائيل خطيرة إلى درجة يمكن أن تذهب معها الأمور إلى مكان آخر".

وفي صحيفة "قرار"، يتوقّف عاكف باقي عند قول إردوغان إن "الدفاع عن غزة هو دفاع عن القدس ومكة وإسطنبول"، متسائلاً: "هل الدفاع في هذه الحالة يكون باستمرار التجارة مع إسرائيل؟ كلام إردوغان كبير، ويتطلّب اتّخاذ الإجراءات التي تتناسب معه. لكن ذلك لم يحصل".

بدوره، انتقد زعيم "حزب المستقبل"، أحمد داود أوغلو، الحكومة، قائلاً إنها تؤمّن ثلث حاجة إسرائيل من الحديد والفولاذ، مضيفاً أن عدد السفن التي تحمل كلّ المواد الغذائية وغير الغذائية بلغ منذ عملية "طوفان الأقصى" أكثر من 350 سفينة، معظمها لرجال أعمال تابعين لـ"حزب العدالة والتنمية"، متحدّياً الحكومة بأن تكذّب ذلك.

أيضاً، انتقد داود أوغلو مشاركة إردوغان في "قمّة المناخ" إلى جانب الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، ذلك أن "المناخ أمر مهمّ بالتأكيد، ولكن حيث يُقتل الأطفال لا يمكن الحديث عن المناخ"، إذ يقول ناظم حكمت: "الأطفال القتلى لا يستطيعون أن يكبروا.

 ولا يستطيعون أن يروا المناخات الجميلة". وأنهى داود أوغلو كلامه بالقول: "(إنّني) أقسم بأن الورد النقي يبكي على الحديد والفولاذ اللذيْن يذهبان من تركيا إلى إسرائيل، ويبكي على المواد الغذائية ويبكي حتى على الثياب الداخلية التي يلبسها الجنود الإسرائيليون لأنها تذهب من تركيا إلى إسرائيل".

*صحيفة(الاخبار)اللبنانية


09/12/2023