×

  اخر الاخبار

  حدود وتأثيرات التصعيد الإيراني الإسرائيلي المتبادل



 

*تريندز للبحوث والاستشارت

تسعى هذه الدراسة إلى استقراء حدود التصعيد الإيراني-الإسرائيلي المتبادل بُعيد هجوم إيران بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية على أهدافٍ إسرائيلية في 13 إبريل الحالي، واختبار تأثيراته الأمنية والاقتصادية، واستشراف انعكاساته على مآلات الحرب الدائرة في قطاع غزة.

وبناءً عليه، تعمد الدراسة، أولًا، إلى تحليل أبعاد ودوافع التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، وتقييم رد الفعل الإسرائيلي وإمكانيات الهجوم المحتمل على إيران. ثم تدلف الدراسة إلى تحليل تأثير هجوم 13 إبريل على الترويج للأبعاد الأيديولوجية للسياسة الإيرانية ووانعكاساته على الأمن الإقليمي.  وبعد استكشاف التأثيرات الاقتصادية للهجوم الإيراني والتصعيد المتبادل بين طهران وتل أبيب، تُختتم الدراسة باستشراف انعكاسات هجوم 13 إبريل على حرب غزة.

أولًا- أبعاد ودوافع التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران:

في الثالث عشر من إبريل، شنّت إيران ووكلاؤها ثلاث موجات من الهجمات ضد أهداف إسرائيلية باستخدام أسراب من الطائرات الانتحارية بدون طيار بما في ذلك طائرات شاهد-136 بدون طيار هجومية أحادية الاتجاه، وصواريخ كروز وصواريخ أرض-أرض. وفي هذا السياق يمكن الإشارة لما يلي:

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحرس الثوري الإيراني أطلق عمليته من مدينة كرمانشاه في محافظة كرمانشاه، ودوكوه في محافظة هرمزكان غربي إيران. وزعمت إيران أيضًا أنها أطلقت صواريخ باليستية في الهجوم.

قال الحرس الثوري الإيراني في بيان رسمي إن الهجوم جاء ردًّا على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، في الأول من إبريل، التي أسفرت عن مقتل كبار قادة ومسؤولي فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وشاركت في الهجوم الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله اللبناني و”المقاومة الإسلامية في العراق” والحوثيون في اليمن، حيث أطلقت طائرات بدون طيار وصواريخ باتجاه أهداف في إسرائيل.

وفقًا لتصريحات دانييل هاغاري، المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي، فقد أطلقت إيران 170 طائرة مسيرة، وأكثر من 30 صاروخ كروز، وأكثر من 120 صاروخًا باليستيًّا.

وأصدرت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بيانا أعلنت فيه أن الهجوم الإيراني على إسرائيل تم بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن الحق في الدفاع عن النفس. وأعلنت البعثة أيضًا أن “الأمر يمكن اعتباره منتهيًا”، في إشارة إلى أن إيران تريد تجنُّب تصعيد أوسع نطاقًا، رغم أنها حذَّرت من أن أي هجوم انتقامي إسرائيلي سيجبر إيران على الرد بشدة أكبر.

في المقابل، قام تحالف من القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والأردنية والإسرائيلية بالتصدي لهذا الهجوم، وإسقاط الغالبية العظمى من القذائف والطائرات المسيّرة قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية أصلًا. وبحسب ما قال دانييال هاغاري، فإن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية بعيدة المدى من طراز “آرو” اعترضت معظم الصواريخ الإيرانية خارج المجال الجوي الإسرائيلي، على الرغم من أن الاعتراضات تسببت في أضرار للبنية التحتية في إحدى القواعد العسكرية الإسرائيلية.

 

يشير هذا الاستعراض العسكري الإيراني ضد إسرائيل إلى عدة نقاط جديرة بالنظر والتأمل هي؛:

أن هذا الهجوم يعد أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل، وهو الأكبر الذي تشنه إيران في المنطقة منذ غارات الطائرات بدون طيار على مصافي النفط السعودية عام 2019 والضربات التي استهدفت القواعد الجوية العراقية التي تستضيف القوات الأمريكية عام 2020 ردًّا على مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني.

أن هذا الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل وقبله استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، هو استعراض لقدرة الطرفين على تجاوز قواعد الاشتباك التي ميزت حرب الظل بينهما طوال عقدين من الزمن. الأمر الذي يزيد من احتمال حدوث أزمات أخرى مستقبلًا تنطوي على تبادل البلدين الضربات العسكرية مرة أخرى.

أن إرسال إيران رسالة للولايات المتحدة تُعلمها فيها بالهجوم على إسرائيل مقدمًا بوقت طويل نسبيًّا، أعطى الإسرائيليين وحلفاءَهم متسعًا من الوقت لإعداد دفاعاتهم الجوية، وبالتالي النجاح في صدِّ معظم القذائف والطائرات المسيَّرة. وهي خطوة يمكن تفسيرها بوصفها جهدًا محسوبًا بعناية لتوجيه ردّ إيراني كان مطلوبًا داخليًّا، ولكن مع محاولة تقليل خطر حدوث مزيد من التصعيد مع إسرائيل.

إن تركيبة الهجوم الإيراني على إسرائيل تشبه تركيبة الضربات الروسية التي استهدفت أوكرانيا؛ فقد حاولت الضربات الروسية تحديد الحزمة المثالية لاختراق الدفاعات الجوية والصاروخية الغربية، وجربت روسيا مجموعات من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز إلى جانب الطائرات الإيرانية بدون طيار في أوكرانيا. ويُظهر استخدام إيران للطائرات بدون طيار إلى جانب الصواريخ، كيف تتعلم إيران من الروس لتطوير حزم ضربات فعالة بشكل متزايد ضد إسرائيل.

ويماثل هذا أيضًا استخدام إيران لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر من أجل تحسين تكتيكات الطائرات بدون طيار الإيرانية من خلال اختبار الدفاعات الجوية للبحرية الأمريكية. ولهذا يمكن القول بأن هجمات إيران المستمرة توفر لها فرصًا لتقييم فعالية حزم الضربات المختلفة لفهم كيف يمكنها تجاوز الدفاعات الجوية والبحرية الأمريكية والتغلب عليها بشكل أكثر فعالية. وهو ما يعني أن هجمات إيرانية أخرى في المستقبل، ضد إسرائيل أو أيّ من حلفائها وشركائها، يمكنها أن تتلافى إخفاقات الضربة الأخيرة، وتصيب أهدافها، أو بعضها على الأقل.

 

ثانيًا- خيارات الرد الإسرائيلي والاعتبارات المحددة لها

تشمل الخيارات العسكرية لإسرائيل توجيه ضربات إلى حلفاء إيران ووكلائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، إضافة إلى استهداف إيران نفسها. وفي هذا السياق يمكن الإشارة لما يلي:

يمكن لإسرائيل أن تشن غارات جوية مكثفة على وكلاء إيران في لبنان وسوريا والعراق، حيث شنّت العديد من الهجمات من قبل، مع زيادة التركيز على أصول الحرس الثوري الإيراني ومسؤوليه، قد تمتد إلى مزيد من الضربات على المنشآت الدبلوماسية الإيرانية مثل ضربة 1 إبريل في دمشق. وقد توسع أيضًا نطاق ضرباتها ضد الحوثيين في اليمن و/أو ضد الأفراد الإيرانيين المتمركزين هناك، على الرغم من أن مثل هذه الضربات ستحتاج على الأرجح إلى دعم من الولايات المتحدة.

وقد تفكر إسرائيل أيضًا في توجيه ضربات ضد إيران نفسها، لا سيما مواقع الإطلاق والبنية التحتية المرتبطة بهجوم 13 إبريل، لكن مثل هذه العملية ستشكل تحديًا لوجستيًّا للقوات الجوية الإسرائيلية، وستتطلب تعاون الولايات المتحدة وقد تحتاج إلى جولات متعددة من الضربات قبل أن تتأثر البنية التحتية بشكل كافٍ إلى الحد الذي تعتقد فيه الحكومة الإسرائيلية أن الردع قد تحقق.

لا تقتصر الخيارات العسكرية أمام إسرائيل على القوة الجوية والطائرات بدون طيار فحسب، بل ربما تشمل أيضًا صواريخ جيريكو 2 و3 الباليستية، التي تم تطويرها ردًّا على هجمات صواريخ سكود العراقية على إسرائيل خلال حرب الخليج عام 1991. وربما أيضًا تستخدم صواريخ كروز التي يمكن أن تنطلق من البر أو البحر أو الجو.

 

سيكون شكل وطبيعة وتوقيت الرد الإسرائيلي مدفوعًا ومقيدًا أيضًا بعدة اعتبارات:

 

أولها؛

تقدير المخاطر الناجمة عن الصراع العلني المباشر مع إيران. إذ أوضح المسؤولون الإيرانيون أنه إذا ساعدت الولايات المتحدة – أو أي دولة إقليمية أخرى – في الرد الإسرائيلي، فسوف تصبح أهدافًا مشروعة. ومن المرجح أن تدفع الولايات المتحدة إسرائيل بهدوء للحد من ردودها الانتقامية في محاولة لمنع تصاعد الأزمة. فإذا ما سهّلت الولايات المتحدة الرد بأي شكل من الأشكال، فمن المرجح أن تستأنف إيران والميليشيات العراقية المدعومة من إيران الضربات على الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا وربما في أماكن أخرى في المنطقة.

 يذكر أنه تم الإبلاغ أمس 14 إبريل، عن انفجارات غير مؤكدة بالقرب من القنصلية الأمريكية في أربيل في إقليم كردستان العراق، وهو ما يمكن أن يكون إشارة من إيران أو الميليشيات العراقية إلى الولايات المتحدة بأنهم على استعداد لاستئناف الهجمات على القوات الأمريكية المتوقفة منذ 4 فبراير بعد اندلاع الأزمة بين إيران والولايات المتحدة عقب غارة جوية بطائرة بدون طيار تابعة للميليشيات العراقية أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين.

 

ثانيها؛

رأي أعضاء التحالف الدفاعي الذي تشكل على عجل للدفاع عن إسرائيل ضد الهجوم الإيراني. فللمرة الأولى، تتحرك إسرائيل للدفاع عن هجوم من هذا النوع كجزء من تحالف يضم على الأقل أربع دول غيرها. وهو أمر فعال ومهم، لكنه يحد من حريتها في التصرف ردًّا على الهجوم. وحتى بالنظر إلى الاعتبارات العملية؛ فإن ردًّا إسرائيليًّا فوريًّا أو سريعًا يتم على الأراضي الإيرانية ويشمل طائرات مقاتلة إسرائيلية، قد يتطلب دعمًا أمريكيًّا للتزود بالوقود جوًّا.

وهو ما يعني ضرورة أن تتحرك هجوميًّا ضمن إطار التحالف العسكري مع الولايات المتحدة.

كما أن إسرائيل، بنجاحها في تشكيل هذا التحالف الدفاعي، تأمل في أن يكون بمثابة مقدمة أو خطوة على طريق تشكيل “تحالف دفاعي” دائم ضد إيران ووكلائها. وهو مكسب ستعمل على الحفاظ عليه.

 

ثالثها؛

أن التروي والصبر وعدم الوضوح بشأن طبيعة وتوقيت الرد الإسرائيلي على إيران، يقدِّم لإسرائيل عدة مزايا؛ منها؛ الحفاظ على ما كسبته بالفعل جرّاء الهجوم الإيراني من كسر لعزلتها الدولية بسبب رفضها إنهاء الحرب على غزة؛ والدفعة التي قدمتها الضربة الإيرانية لتسهيل تمرير مشروع قانون تمويل الأمن القومي في الكونغرس الأمريكي، الذي كان مصدر مناقشات سياسية ساخنة لعدة أشهر، ويتضمن مليارات الدولارات من المساعدات الدفاعية لإسرائيل.

 وبالفعل، أصدر زعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيف سكاليز بيانًا قال فيه: “في ضوء هجوم إيران غير المبرر على إسرائيل، سينتقل مجلس النواب من جدوله التشريعي المعلن مسبقًا الأسبوع المقبل لينظر بدلًا من ذلك في التشريع الذي يدعم حليفتنا إسرائيل ويحمل إيران ووكلائها الإرهابيين المسؤولية”.

ولهذا، من المرجح أن إسرائيل ستوائم ردها على إيران، بحسب هذه الاعتبارات، بحيث يأتي الرد بالشكل والتوقيت الأنسب لها، خصوصًا أن نجاحها الدفاعي في صد هذا الهجوم يسمح لها بالصبر والانتظار.

 

ثالثًا- فرص الترويج للإيديولوجية الإيرانية وانعكاساتها على أمن المنطقة

بداية لا بدَّ من الحديث عن المحور الإيراني في المنطقة، الذي يضم إضافة إلى إيران وسوريا والعراق، حلفاء ووكلاء من غير الدول. أما الوكلاء من التنظيمات الجهادية الشيعية، وهي حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وقوات الحشد الشعبي في العراق، فيرتبطون بعلاقة تحالف عضوية مع طهران. وبالنسبة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، فتربطهم علاقة تحالف استراتيجي بها.

وتجد جماعة الإخوان المسلمين وفروعها أو تجلياتها في عددٍ من الأقطار العربية، بعد انحسار نفوذها وزيادة انقساماتها وأزماتها الداخلية وتخلي داعميها الإقليميين عنها وفي مقدمتهم تركيا، تجد نفسها تميل إلى المعسكر أو المحور الإيراني بعد أن كانت تكوّن محورًا إقليميًّا منفصلًا. والواقع أن العلاقة بين مكونات هذا المحور، وعلى عكس المحاور أو المعسكرات الأخرى التي تتنازع المنطقة، تُعبر عن تحالف عسكري، بالمعنى الذي تقره نظرية الأحلاف.

ومنذ اندلاع ما يُسمى بـ “الربيع العربي”، وما أتبعه من فوضى إقليمية، ما زال عدد من الدول العربية يعاني من تداعياتها، وثمة تصاعد لنفوذ وأدوار المحور الإيراني لدرجة تبلور ما عرف بالهلال الشيعي، وزعْم القادة الإيرانيين سيطرتهم على عواصم عدة دول عربية في سوريا والعراق واليمن ولبنان وتمدد نفوذهم في أخرى، وعلى رأسها السودان.

ومع تمدد نفوذ المحور الإيراني، تتمدد الإيديولوجية الإيرانية “التوسعية” التي تسعى إلى تأسيس هيمنة إيرانية على المنطقة تحل محل ما تروِّج له طهران من وجود “هيمنة أمريكية-إسرائيلية” على المنطقة، والقائمة على الطائفية وتثوير الشعوب ضد نظم الحكم القائمة.

والواقع أنه إذا لم يكن للهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 إبريل من هدفٍ عسكري أو سياسي واضح، فإنّ هدفه الإيديولوجي أكثر من واضح، ويتمثل في تعزيز التفاف الحلفاء والتوابع الإيرانية حول طهران، وإقناعهم بقوة الردع الإيراني، أو على الأقل وجوده. وسوف تُروج طهران ووكلاؤها وتوابعها في المنطقة السردية الإيرانية بنجاح هجوم 13 إبريل، وتحقيقه أهدافه العسكرية (إصابات مباشرة لمواقع وقواعد عسكرية إسرائيلية انطلقت منها الطائرات المقاتلة الإسرائيلية التي هاجمت القسم القنصلي في السفارة الإيرانية بدمشق في الأول من إبريل) والسياسية (إثبات فشل نظرية الردع الإسرائيلي ورفد محور المقاومة ولاسيما في قطاع غزة وجنوب لبنان بدعم سياسي وتعرية دول المنطقة المتحالفة مع تل أبيب).

ولا مشاحة في كل ذلك، فهو متوقع برغم مفارقة معظمه للواقع. ولنتذكر أن السردية ذاتها روجتها إيران بُعيد ردها “الاستعراضي” على مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في يناير 2020. ولنتذكر تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب بأن طهران أبلغته قبل مهاجمة القواعد الأمريكية بموعد الهجوم، وأنها مضطرة إليه لحفظ ماء الوجه، وأنها لا تستهدف تحقيق إصابات مباشرة في القاعدتين العسكريتين اللتين هاجمتهما في الأنبار وكردستان بالعراق.

ولكنّ المشكلة أنّ الترويج للسرديّة الإيرانية التي هي جزء لا يتجزأ من مكونات الإيديولوجية الإيرانية الهادفة لتحقيق الهيمنة الإقليمية سوف تقود إلى مزيدٍ من الاضطراب، وربما إلى تفاقم الوضع الأمني في المنطقة.

 

رابعًا- التأثيرات الاقتصادية المحتملة للهجوم الإيراني على إسرائيل والتصعيد المتبادل

 

1. الأوضاع الاقتصادية إقليميًّا ودوليًّا عشية الهجوم:

بينما يعاني الاقتصاد العالمي، وتتداعى إقليميًّا، عدة تحديات مستمرة منذ عدة سنوات؛ فإن التأثيرات المحتملة للهجوم الإيراني على إسرائيل في الثالث عشر من إبريل 2024، والتصعيد المتبادل منذ السابع من أكتوبر 2023، لا يمكن النظر إليها وتقييمها بعيدًا عن تلك التحديات.

 

 فالاقتصاد العالمي والإقليمي يعاني من:

أزمة مديونية خانقة: حيث يعاني الاقتصاد العالمي من أزمة مديونية خانقة لا تفرّق بين الدول المتقدمة والدول النامية، وتتسارع المديونية الأمريكية بمعدلات غير مسبوقة، مع تجاوزها حاجز 34 ترليون دولار.

 كما تعاني الدول النامية من أوضاع شديدة الوطأة لمديونياتها الخارجية في ظل استمرار التشديد النقدي في الأسواق الرئيسية الدولية لما يتجاوز السنتين منذ أوائل عام 2022.

فقد أكد تقرير لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” أن نحو 36 دولة منخفضة الدخل غير قادرة على سداد ديونها، وأن 3.3 مليار شخص يعيشون في بلدان تتجاوز مدفوعات الديون فيها الإنفاق على الصحة أو التعليم.

زحف التضخم المستمر وعقبات التشديد النقدي: إذ إن التضخم الزاحف منذ مطلع عام 2022 تسبب في موجة من التشديد النقدي عالميًّا، لدرجة أعادت هيكلة تدفقات الاستثمارات الأجنبية وفاقمت من الأوضاع الاقتصادية في جنوب العالم ورفعت من تكاليف التمويل، خصوصًا في دول أفريقيا جنوب الصحراء والعديد من الدول الآسيوية واللاتينية. فقد وصلت تكاليف التمويل لمستويات قياسية في الولايات المتحدة حول 5.5%، وتجاوزت 30% في العديد من الدول النامية.

وقد وضعت هذه التكاليف حدًّا لقوى النمو الاقتصادي في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA، خصوصًا مع تأثر هذه المنطقة بتحديات جيوسياسية إضافية أبعدت رؤوس الأموال عنها وهددت الجاذبية للسياحة وتأثرت سلبًا حركة التجارة المارة بها.

وفي ظل جاذبية شمال العالم لرؤوس الأموال مع التشديد النقدي الذي مازال قائمًا هناك، تفاقمت مشكلات انسياب رؤوس الأموال وتحديات الصرف الأجنبي أمام الدول النامية.

وعانت عدة دول نامية في أفريقيا جنوب الصحراء وشمالها من مخاطر التخلف عن سداد ديونها السيادية، وتراجعت بحدة أسعار الصرف داخل هذه الدول، وهو ما فاقم مرة أخرى من مشكلات التضخم والسيولة ذات التداعيات الاجتماعية شديدة الوطأة على الاستقرار الهش أساسًا في تلك الدول.

وزاد من حدة أزمات العالم الاقتصادية عشية الهجمات الإيرانية، أن أسواق الطاقة تعاني من تقلبات في أسعار النفط، مع تباين وجهات النظر بين منتجي النفط الرئيسيين في تكتل “أوبك بلس” وكبار المشترين حتى بات سعر برميل النفط لخام برنت قريبًا من حاجز 90 دولارًا للبرميل. وبالتوازي مع أزمات سوق النفط، لم تكن التجارة الدولية في أحسن حالاتها، حيث عانت هي الأخرى من تهديدات خاصة بحركة الشحن والنقل البحري دوليًّا، ولاسيما الشحن في البحر الأحمر.

وفي ظل احتدام التنافس والاستقطاب الدولي بين أقطاب وتكتلات العالم، وبالتحديد الصين ومعسكرها شرقًا، والولايات المتحدة وحلفائها غربًا، ومع بروز الهند كبديل محتمل للصين باعتبارها بديلًا مرغوبًا فيه من جانب الدول الغربية، زادت التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي وأضعفت من آفاق النمو المتوقع خلال العامين الحالي والقادم.

وبالتوازي مع التحديات في الاقتصاد المادي، شهد الاقتصاد الرقمي تزايد الهجمات السيبرانية حيث وصلت لمستويات غير مسبوقة خلال عام 2023. كما أنه على مدى العامين 2024-2025، من المرجح أن يزداد تواتر وشدة وتنوع الخسائر السيبرانية بسبب استخدام المهاجمين لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية ونماذج اللغات الكبيرة. ولكل ذلك تأثيره الجلي على الإنتاج والإنتاجية والاستقرار الاقتصادي عالميًّا، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA.

وفي ظل هذه التحديات العالمية المتداخلة والمتشابكة، تأثرت آفاق النمو العالم، وظهر ذلك جليًا في تقديرات النمو للمنظمات الدولية. فقد توقعت وكالة فيتش أن آفاق النمو العالمي لعام 2024 ستصل بالكاد لنحو 2.4 في المائة مقابل 2.6% لتوقعات النمو لوكالة ستاندرد أند بورز. ووفقًا لهذه التقديرات، تعدُّ معدلات النمو العالمي لعام 2024 بطيئة مقارنة بالمعايير التاريخية للعقد الثاني من القرن الحالي. وإضافة لذلك، ما يزال الاقتصاد الصيني -الذي يعد المحرك الأساسي للنمو العالمي بعد الولايات المتحدة- في طريقه إلى التباطؤ برغم هدف صيني للنمو بمعدل 5% خلال عام 2024.

 

2. التأثيرات الفورية والمحتملة للهجوم الإيراني على إسرائيل:

برغم ما يعانيه العالم وإقليم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA  فعليًّا من تحديات اقتصادية، فإن الهجوم الذي قامت به إيران على إسرائيل قد ترك عدة آثار فورية عالمية وإقليمية ومحلية في الدولتين. ويوضح الشكل التالي أبرز الآثار الاقتصادية الفورية لهذا الهجوم:

 

التأثيرات الإقليمية:

كانت أبرز التأثيرات الاقتصادية لهجمات إيران على إسرائيل أن استمر التشاؤم حول اتجاهات أسعار الشحن البحري المار بالإقليم. وتشير البيانات إلى أن مؤشر الشحن بالحاويات قد ارتفع بمعدل يومي ناهز 11.6 نقاط بمعدل 0.67%، وهو ما يشكل ضغوطًا جديدة على حركة التجارة الدولية وعلى العوائد التي تحصلها دول الإقليم من هذه التجارة.

تأثر البورصات الإقليمية بهذا الهجوم، ولاسيما بورصة لندن للمعادن التي حققت ارتفاعًا معدله 58.8 نقطة أي ما يوازي 1.45% خلال اليوم التالي لوقوع الهجوم، وهو ما يعني ارتفاعًا محتملًا في الأسعار ناجمًا من ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج من هذه المعادن. وفي المقابل، ومع مخاوف عدم اليقين من السيناريوهات المتوقعة لهذا الهجوم، عمَّ التراجع المؤشرات الرئيسية لبورصات ألمانيا وإيطاليا وفرنسا بنسب تتراوح بين 0.13%-0.29%. كما تراجعت بورصات رئيسية في آسيا، بما في ذلك بورصة شنغهاي وبورصة الهند.

ومن المتوقع أن يعمِّق هذا الهجوم التأثير السلبي القائم بالفعل على حركة رؤوس الأموال من وإلى المنطقة، خصوصًا الاستثمارات عالية الحساسية للاستقرار الأمني والسياسي. مع تراجع محتمل في تنافسية المنطقة للأموال الساخنة مقارنة بمناطق إقليمية منافسة في آسيا وأمريكا اللاتينية.

وفي الاتجاه ذاته، يتعزز تراجع جاذبية السياحة في المنطقة، خصوصًا في دول الجوار مثل مصر والأردن ولبنان.

وفي ظل تهديد التجارة الخارجية وارتفاع أسعار الطاقة وبعض المعادن، من المتوقع أن تستمر الضغوط على موازنات الصرف الأجنبي في الدول المدينة بالإقليم، وهو ما يفاقم من مشكلات سعر الصرف والتحديات الاجتماعية، لتستمر حاجتها للدعم الخارجي والمساندة من المنظمات الاقتصادية الدولية.

 

وبالنسبة للتأثيرات المحتملة على اقتصاد إيران، يمكن النظر للعناصر التالية:

إن أول التأثيرات الاقتصادية المتوقعة بالنسبة لاقتصاد إيران تتمثل في فرض قيود إضافية على نفاذ الاقتصاد الإيراني على العالم، مع ما يعنيه ذلك من تدهور مستمر في سعر صرف العملة الإيرانية أمام العملات الرئيسية، وضغوط إضافية على الأسعار المحلية بفعل قناة سعر الصرف.

في ظل تباين الأداء الاقتصادي المحلي داخل إيران، ومع الانكشاف المستمر على التجارة الخارجية المقيدة، من المتوقع استمرار الفجوات المحلية في أنشطة الإنتاج وتعثر قدرات الاقتصاد الإيراني عن الخروج من دوامات الإنتاجية المنخفضة وضغوط البطالة في سوق العمل المحلي.

أخذًا في الاعتبار أحوال التجارة الخارجية الروسية من الطاقة مع شركائها في الهند والصين، من المتوقع أيضًا أن يُحدث هذا الهجوم تعثرًا محتملًا لجهود دعم الاقتصاد الإيراني من جانب الحلفاء الرئيسيين، نظرًا لتراجع محتمل في القدرات التفاوضية الإيرانية طلبًا لمزيد من الدعم.

وفي الأجل المنظور، وفي ظل تزايد تهديدات التجارة النفطية المارة بمضيق هرمز، من المحتمل أن يستمر ويتفاقم الانكشاف لموازنة الصرف الأجنبي في الاقتصاد الإيراني في حال تبنّي سيناريو أكثر تشددًا من جانب إسرائيل وحلفائها بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

أما بخصوص التأثيرات المحتملة على اقتصاد إسرائيل، فيمكن الإشارة إلى ما يلي:

من المتوقع أن يواصل النظام المصرفي في إسرائيل تشدده في الائتمان من جراء مخاطر الإنتاج والتشغيل، وهو ما يعني ارتفاعًا محتملًا في تكاليف التمويل المحلي وتعثر جهود إخراج الاقتصاد الإسرائيلي من دوامات الانكماش التي بدأت بعد السابع من أكتوبر 2023.

وبالتوازي مع التشدد في السياسة النقدية الإسرائيلية، من المتوقع حدوث مزيد من الضغوط على أنشطة الاستثمار المحلي والأجنبي والتشغيل والإنتاج ولاسيما في قطاع الطاقة والتنقيب على الغاز، مع تفاقم محتمل لمشكلات البطالة المحلية.

ويتوقع أيضًا أن تترك هذه الهجمات ضغوطًا إضافية على حركة التجارة الدولية من وإلى إسرائيل، في ظل ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين البحري، وفي ظل الصعوبات الإضافية التي ستواجه الإنتاج والإنتاجية في الاقتصاد الإسرائيلي حال تبنيها سيناريوهًا يوسع من رقعة المواجهة مع إيران.

كما يتوقع أيضًا تزايد في الهجمات السيبرانية التي تواجهها الأنشطة والمنصات الرقمية الإسرائيلية، وهو ما يشكل تهديدًا إضافيًّا لأنشطة الإنتاج والتشغيل والتجارة، لينعكس ذلك على مؤشرات النمو.

ونتيجة لكل ما سبق، من المتوقع أن يستمر تراجع آفاق النمو الإسرائيلي خلال الشهور القليلة القادمة وبما يقيد التوقعات الحالية لهذا النمو ويعزز من فرص حدوث انكماش إجمالي خلال عام 2024.

 

تأثيرات اقتصادية فورية وقصيرة الأجل

ولا غرو أن هذا الهجوم، وما يتركه من سيناريوهات تتباين بين التشاؤم والتشاؤم الشديد، يترك عدة تأثيرات اقتصادية فورية وقصيرة الأجل على الاقتصاد العالمي على النحو الموضح في النقاط التالية:

تأثير فوري على أسعار الطاقة، حيث ارتفعت أسعار النفط بمعدل 1% تزامنًا مع الهجوم. لكن الأسواق أعادت تقييم الأوضاع السياسية، ليسجل النفط بعض التراجع في ظل سيناريو التهدئة المحتمل. وعلى أية حال، وفي ظل العلاقة الوطيدة بين توقعات أسعار الطاقة ومعدلات التضخم عالميًّا، فمن المتوقع أن يُحدث أي ارتفاع في أسعار النفط تأثيرًا غير مباشر على قدرة البنوك المركزية الرئيسية للتخلي عن التشديد النقدي وفق خططها المعلنة للصيف المقبل 2024؛ ويعني ذلك أنه إذا كانت المحصلة النهائية لهذه الهجمات هي حدوث ارتفاع في أسعار النفط، فقد يتسبب ذلك في استمرار عزوف تدفقات رأس المال الدولي عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويضعف جهود تعافيها الاقتصادي.

وتشير البيانات الخاصة بسوق المال إلى أنه قد ساد التراجع مؤشرات بورصات الأوراق المالية في الولايات المتحدة، في ظل تراجع يومي بنسبة 1.4-1.6% لمؤشراتها الرئيسية. ويعني ذلك تأثر هذه الأسواق سلبيًّا بالسيناريوهات المتشددة لتوسُّع رقعة الحرب.

برغم تحقيق الذهب مكاسب قياسية في أسعاره مع وصوله بالفعل لمستوى قياسي حول 2343 دولار للأونصة، فإن مكاسبه الأسبوعية وتراجعه اليوم التالي للهجوم بنسبة 1.3% يؤكد أن الأسواق مازالت تستكشف السيناريوهات المحتملة للهجوم، وما إذا كان التشدد سيلفُّها خلال الشهور القليلة القادمة. وباعتبار الذهب ملاذًا آمنًا في ظروف عدم الاستقرار السياسي والأمني دوليًّا، من المتوقع أن ترتفع أسعار الذهب فوق هذا المعدل حال تبني سيناريو توسُّع رقعة الصراع وطول أمده في المنطقة.

أما بخصوص آفاق النمو العالمي، وفي ظل تباين السيناريوهات والتوقعات السياسية للمنطقة، فقد يلغي هذا الهجوم التفاؤل العالمي الذي ساد مؤخرًا للتعافي الاقتصادي العالمي بفضل الأداء الجيد للاقتصاد الأمريكي في ظل التغلب على التضخم دون فقدان الوظائف وفي ظل محاولات الاقتصاد الصيني التغلب على أزمة قطاع العقارات بتحويل قوى النمو الاقتصادي لصالح تحفيز الاستهلاك المحلي والتصدير. ولذلك، يمكن أن تتم مراجعة توقعات النمو الاقتصادي العالمي لما دون 2.5% على مدار عام 2024.

 

خاتمة:

يثور التساؤل الآن عن تأثير هجوم 13 إبريل على حرب غزة.

ثمة تباين في تحليلات الخبراء والمراقبين في هذا الشأن. فمنهم من لا يجد أي ارتباط بين هجوم 13 إبريل وحرب غزة؛ على أساس أن الهجوم كان ردًّا من إيران على استهداف قنصليتها في دمشق، وأنه كان، وفقًا للرواية الإيرانية، ممارسةً لحق الدفاع عن النفس الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة ويُقره القانون الدولي. وقد تفهمت الولايات المتحدة الموقف الإيراني، كما تفهمته من قبل عقب ما سُمي بـ “عملية الشهيد قاسم سليماني” في يناير 2020، ونصحت إسرائيل بعدم الرد، بل وأكدت لها أنها لن تؤيد هجومًا إسرائيليًّا انتقاميًّا ضد أهدافٍ في الداخل الإيراني أو تُشارك فيه. يضاف إلى ذلك، وفقًا لهؤلاء الخبراء والمحللين، أنّ حرب غزة ذاتها اختبرت تغيرًا راديكاليًّا قبل التصعيد الإيراني؛ حيث التحول من العمليات العسكرية الإسرائيلية الشاملة إلى العمليات الموضعية النوعية ضد أهدافٍ محددة، وإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في شمال قطاع غزة وجنوبها.

وهناك طائفتان أخريتان من الخبراء والمحللين تدفع كل منهما نحو رؤيةٍ مضادة تتوزّع بين التأثير الإيجابي لهجوم 13 إبريل لمصلحة فصائل المقاومة الفلسطينية والتأثير الإيجابي للهجوم على الموقف الإسرائيلي في حرب غزة. وطبقًا للرؤية الأولى، فإنّ الهجوم الإيراني أمدَّ فصائل المقاومة الفلسطينية بدفعةٍ معنويةٍ قوية، وجعل إسرائيل تركز جلَّ اهتمامها على الصراع مع إيران؛ ما قد يفضي إلى قبول إسرائيل بالمطالب الفلسطينية في مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار. ولذلك نفهم مباركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي لهجوم 13 إبريل، وتبنيهما الرواية الإيرانية للهجوم بكاملها.

 كما أنّ حزب العمل الإسرائيلي، ومن منطلقاتٍ سياسية مغايرة، يتبنى وجهة نظر مفادها أن هذا الهجوم من شأنه أن يدفع، أو يجب أنْ يدفع، حكومة بنيامين نتنياهو إلى الإسراع بعقد هدنة مع حركة حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين لديها. كما أن ذلك قد يُفسر قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي المفاجئ تأجيل الهجوم على رفح. يضاف إلى ذلك أنّ الهجوم الإيراني زاد إلحاح مسألة وقف الحرب في غزة؛ لأنّ هذا الهجوم الذي وضع العالم كله وبشكل مباشر أمام خطر حرب إقليمية أوسع هو أحد تبعاتها.

أما الرؤية الثانية، فيذهب أصحابها إلى أن الهجوم الإيراني كانت له تأثيرات إيجابية على الموقف الإسرائيلي من الحرب وعلى موقف رئيس الوزراء نتنياهو. فقد أخرج حكومة نتنياهو من العزلة الدولية التي كانت تعانيها جراء إصرارها على مواصلة القتال، ورفدها بدعم دولي جديد، وصرَف الاهتمام الدولي عن المأساة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، حيث أصبح هذا الاهتمام مركزًا على الهجوم الإيراني وتداعياته. فمثلًا، سوف يجتمع مجلس الأمن الدولي قريبًا وبدلًا من مناقشة مأساة قطاع غزة وضرورة تنفيذ قراره السابق بوقف إطلاق النار في القطاع، سوف تتم مناقشة الهجوم الإيراني وإمكانية إدانته. كما أنّ الهجوم الإيراني أثبت مرة أخرى أن إسرائيل في موقع المدافع أمام تحالف يسعى إلى تدميرها وجرّ المنطقة بأسرها إلى حرب شاملة.

 ولذلك، فإن هجوم 13 إبريل سوف يسهم بشكل أساسي في التخفيف من عزلة إسرائيل الدولية، ومعها حكومة نتنياهو، ويعطيها جرعة جديدة من التضامن والمساعدات. وتفيد تقارير أمريكية بأنّ هجوم 13 إبريل دفع الحزب الجمهوري إلى تسريع إقرار مشروع قانون المساعدات لإسرائيل، الذي لولا ذلك الهجوم لكان قد توقف في مجلس النواب.

وقد أدركت حركة حماس هذا التأثير السلبي. ولذلك نفهم تأكيدها في بيانها بعد الهجوم المذكور على دعوة “أمتنا العربية والإسلامية… لمواصلة إسنادهم لـ(طوفان الأقصى)، ولحق شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال”. وعلى صعيد الداخل الإسرائيلي، سوف يحاول نتنياهو توظيف واستغلال هذا الهجوم لتحقيق بعض المكاسب السياسية “الشخصية”، ومحاولة توحيد الشارع الإسرائيلي المنقسم على أساس أن إسرائيل في صراع وجود، مؤملًا من ذلك البقاء على رأس السلطة لأطول فترة ممكنة إذ إن “الداخل الإسرائيلي مستاء من إخفاق السابع من أكتوبر ويبدو مصممًا، وفقًا لاستطلاعات الرأي، على التخلص من نتنياهو”.

 

وأخيرًا،

هناك من يتخوف من أن يفضي هجوم 13 إبريل إلى صراع مفتوح بين إيران وإسرائيل، وتوسيع رقعة حرب غزة، ولاسيما في ضوء تأكيد الجيش الإسرائيلي أنه سوف يرد على هجوم إيران، وتحذير الأخيرة من أن انتقامها ضد أي هجومٍ إسرائيلي سوف يكون أقوى واشد.

والأرجح، ولاسيما في ضوء الموقف الأمريكي الرافض لتوسيع رقعة الصراع في غزة والآثار جِد المحدودة التي خلفها الهجوم الإيراني، ألا يكون هناك أي ردٍّ إسرائيلي في الوقت الراهن على الأقل؛ بمعنى أن تواصل إسرائيل التركيز على ملف غزة وتحرير الأسرى، بهدف طي هذا الملف قبل الانتقال لمعالجة القضايا الأخرى ومنها رد الفعل على الهجوم الإيراني، وأن تثمر الضغوط الأمريكية عن عقد صفقة تبادل للأسرى والمحتجزين واتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.


17/04/2024