×

  فاجعة حلبجة

  زهير كاظم عبود:التوصيف القانوني لجريمة حلبجة



كل فعل محالف للقانون بحاجة لتوصيف قانوني يضعه ضمن اطار المسؤولية القانونية التي تنص على تجريمة وقت ارتكاب الفعل. والجريمة التي هزت الضمير العالمي التي وقعت في مدينة حلبجة التي سميت بالشهيدة من جرائم الجينوسايد كما سنورد لاحقا، وحلبجة مدينة جميلة من مدن كردستان، تصنف وفق المعايير الأدارية بأنها قضاء يقع على مسافة 81 كم جنوب شرقي السليمانية، التي تقع على مسافة 364 كم شمال شرقي العاصمة العراقية بغداد. وتعرضت حلبجة في 16 مارس/آذار 1988 اثناء الحرب العراقية- الإيرانية الى القصف بالسلاح الكيمياوي من قبل الطائرات التابعة لجيش النظام العراقي السابق، وتفيد تقديرات غير رسمية أن 5 آلاف مواطن مدني اختنقوا بتلك الغازات وأصيب أكثر من 10 آلاف شخص.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة اتفاقيات اعتبرت فيها الابادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي،تتعارض مع روح الامم المتحدة واهدافها ويدينها العالم المتمدن، وعلى ضوء تلك الأتفاقيات صدرت اتفاقية منع الابادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي اعتمدتها الجمعية العامة بقرارها رقم 260الف (د-3) في 9/12/1948 حيث ورد ضمن نصوصها مايلي :

المادة 1 : تصادق الأطراف المتعاقدة علي أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها.

المادة 2 : في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:

(أ) قتل أعضاء من الجماعة.

(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.

(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

(د) فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة

 (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلي جماعة أخرى.

المادة 3 : يعاقب علي الأفعال التالية:

(أ) الإبادة الجماعية.

(ب) التآمر علي ارتكاب الإبادة الجماعية.

(ج) التحريض المباشر والعلني علي ارتكاب الإبادة الجماعية.

(د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.

(هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.

المادة 4 : يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي فعل من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا.

المادة 5: يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا، كل طبقاً لدستوره، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.

المادة 6 : يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.

المادة 7 : لا تعتبر الإبادة الجماعية والأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة جرائم سياسية علي صعيد تسليم المجرمين. وتتعهد الأطراف المتعاقدة في مثل هذه الحالات بتلبية طلب التسليم وفقا لقوانينها ومعاهداتها النافذة المفعول.

المادة 8 :لأي من الأطراف المتعاقدة أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ، طبقا لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسباً من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.

ثانياً : اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامةللأمم المتحدة 2391 (د-23) المؤرخ في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1968. حيث جاء في الديباجة :

إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، وإذ تلحظ خلو جميع الإعلانات الرسمية والوثائق والاتفاقيات، المتصلة بملاحقة ومعاقبة جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، من أي نص علي مدة للتقادم، وإذ ترى أن جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هي من أخطر الجرائم في القانون الدولي، واقتناعا منها بأن المعاقبة الفعالة لجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية عنصر هام في تفادي وقوع تلك الجرائم وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتشجع الثقة وتوطيد التعاون بين الشعوب وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وإذ تلاحظ أن إخضاع جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لقواعد القانون الداخلي المتصلة بتقادم الجرائم العادية، يثير قلقا شديدا لدى الرأي العام العالمي لحيلولته دون ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن تلك الجرائم،وإذ تدرك ضرورة ومناسبة القيام، في نطاق القانون الدولي وبواسطة هذه الاتفاقية، بتأكيد مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وبتأمين تطبيقه تطبيقا عالميا شاملا،قد اتفقت على ما ياتي:

 

المادة 1: لا يسري أي تقادم علي الجرائم التالية بصرف عن وقت ارتكابها:

(أ) جرائم الحرب الوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 3 (د-1) المؤرخ في 13 شباط 1946 و 95 (د-1) المؤرخ في 11 كانون الأول 1946، ولا سيما "الجرائم الخطيرة" المعددة في اتفاقية جنيف المعقودة في 12 آب 1949 لحماية ضحايا الحرب.

(ب) الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو في زمن السلم، والوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة 3 (د-1) المؤرخ في 13 شباط 1946 و 95 (د-1) المؤرخ في 11 كانون الأول 1946، والطرد بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، والأفعال المنافية للإنسانية والناجمة عن سياسة الفصل العنصري، وجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها في اتفاقية عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، حتى لو كانت الأفعال المذكورة لا تشكل إخلالا بالقانون الداخلي للبلد الذي ارتكبت فيه.

المادة 2: إذا ارتكبت أية جريمة من الجرائم المذكورة في المادة الأولى، تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون، بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضا مباشرا على ارتكابها، أو الذين يتآمرون لارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في ارتكابها).

ووفقا لهذه النصوص القانونية التي ينظمها القانون الدولي فأن الجينوسايد كمفهوم تعني القتل الجماعي او الابادة الجماعية لشعب او اقلية او طائفة ما وقلعها من جذورها من مختلف النواحي كما انها تعني القتل والتطهير العرقي والفناء الجماعي. وقد ظهر مصطلح (جينوسايد) في قاموس القتل الجماعي بعد عمليات(هولوكوست )، وظاهرة الجينوسايد التي ارتكبت من قبل النظام البائد لم تكن بمعزل عمليات الأنفال التي تم التخطيط لها والمباشرة بتنفيذها لأبادة شعب كردستان العراق بشكل جماعي وفعلي بكافة طرق الأبادة التي نص على تجريمها القانون الدولي ن ووفقا للأساليب التي تم تجريمها من قبل القضاء العراقي والدولي، وأشارت الى تحريمها الأتفاقيات الدولية، وحرمتها قبل ذاك الشرائع جميعها.

 

تم استهداف الأنسانية فيها بشكل خاص

ووفق الأطار الأجرامي في جريمة حلبجة التي تم استهداف الأنسانية فيها بشكل خاص دون تحديد، حيث شملت الجريمة الضحايا من كل الأجناس والأعمار، كما انها شملت الحيوانات والطبيعة، لذا فان التوصيف القانوني لمعنى (الجينوسايد ) يكون منطبقا بشكل دقيق أكثر من أنطباق الجرائم المرتكبة ضد الأنسانية أو جريمة القتل الجماعي، ومع ان هذه الجريمة لم تأخذ الحيز الحقيقي الذي يظهر نوازعها واسبابها الحقيقية ويكشف للتاريخ وللأجيال القادمة هولها وبشاعتها، بل لم يجر حتى اظهارها بما يليق بضحاياها، فأن القانون الدولي الذي يجرمها لم يكن موفقا حتى من خلال المحاكمات التي ضيقت دائرتها ضمن اعداد من المتهمين الذين تمت محاكمة بعض منهم وتم ادانتهم بارتكاب جزء من تلك الجريمة.

ولم تشمل الادانة الشركات الأجنبية التي باعت الحكم البائد مواد التصنيع الخاصة بالأسلحة الكيمياوية المحرمة، كما لم تشمل الشخصيات التي ساهمت وشاركت في تلك الجريمة وهو امر يجرمة القانون الوطني والدولي، لقصور في مرحلة التحقيق وعدم استيعاب الجريمة من كافة جوانبها.

غير أن القرار القاضي بأعتبارها جريمة من جرائم ( الجينوسايد ) يعطيها توصيفها القانوني الدقيق، وهي جريمة أنسانية قبل ان تكون كردستانية وعراقية، مما يوجب على العراقيين ان يستذكروا ابعادها وأسبابها وحجمها، وحتى تتمكن الأجيال القادمة من معرفة حقيقتها، وتذكرها كتب التاريخ الحديث وفقا لمجرياتها وتوصيفها القانوني.


17/03/2022