وصفت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، ما سيحدثه الذكاء الاصطناعي في سوق العمل حول العالم خلال العامين المقبلين بأنه مثل "تسونامي"، حيث سيؤثر على 60 بالمئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة و40 بالمئة من فرص العمل حول العالم.
ورأى خبراء تواصل معهم موقع "الحرة" أن ما وصفته جورجييفا بتسونامي، أمر متوقع، بل والوتيرة التي أثر ويؤثر بها على سوق العمل العالمي ربما تكون أسرع مما تطرقت إليه مديرة صندوق النقد الدولي.
وجاءت تصريحات جورجييفا خلال مؤتمر نظمه المعهد السويسري للدراسات الدولية المرتبط بجامعة زيوريخ، وقالت في تصريحاتها الاثنين: "لدينا القليل من الوقت لإعداد الناس والشركات لذلك".
وكانت مجموعة من خبراء صندوق النقد الدولي أعدت تحليلا مطلع العام الجاري، حول التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على أسواق العمل العالمية، أشارت إلى أنه سوف يحدث تحولا في الاقتصاد العالمي والوظائف تحديدا حيث "يحل محل بعضها ويكمل بعضها الآخر".
تهديد أم ثورة؟
قال أستاذ الإعلام الرقمي في الجامعة الأميركية في القاهرة، فادي رمزي، إنه يرى تأثير الذكاء الاصطناعي على فرص العمل يتسارع أكثر من المتوقع.
وأوضح في تصريحات لموقع "الحرة"، أنه منذ ظهور "تشات جي بي تي" عام 2022 "رأينا تأثيرا هائلا على الوظائف"، مشيرا إلى أن "هناك منظورين في ما يتعلق بهذا التأثير، الأول هو التعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه تهديد ومسألة خطيرة سوف تسلب الناس وظائفهم، والأمر الثاني هو أن الشخص الذي سيتمكن من استخدام تلك التقنيات الحديثة ويوظفها لصالحه ولمصلحة عمله سيحقق استفادة كبيرة، عكس الأشخاص الذين لن يهتموا بتطوير أنفسهم وسيواجهون تهديدا".
من جانبها تقول الخبيرة الحاصلة على درجة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي، سالي حمود، لموقع "الحرة" إن "الذكاء الاصطناعي يؤثر على كثير من المجالات لكن وتيرة هذا التأثير تختلف من مجال إلى آخر، هناك من يتأثر بشكل أسرع وذلك بحسب الصناعات نفسها".
المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا تتحدث خلال جلسة إحاطة حول أجندة السياسة العالمية في مقر صندوق النقد الدولي خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن العاصمة في 18 أبريل 2024.
وقالت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا إن الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل العالمية "مثل تسونامي".
وكشف تحليل صندوق النقد الدولي الصادر يناير الماضي، أن هناك نحو 40 بالمئة من الوظائف في العالم معرضة للتأثر بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي"، مضيفًا أن "من الأشياء التي تميز الذكاء الاصطناعي هي قدرته على التأثير على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية. ونتيجة لذلك، فإن الاقتصادات المتقدمة تواجه مخاطر أكبر من الذكاء الاصطناعي – وإن كان أمامها أيضا مزيد من الفرص للاستفادة من منافعه – مقارنة باقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية".
وأشار التحليل إلى أن الاقتصادات المتقدمة، تبلغ نسبة الوظائف التي قد تتأثر بالذكاء الاصطناعي نحو 60%، وحوالي نصف الوظائف المعرضة لهذه التكنولوجيا يمكن أن ينتفع من إدماج الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعزز إنتاجيتها. أما بالنسبة لنصف الوظائف الآخر، فربما تتولى تطبيقات الذكاء الاصطناعي تنفيذ مهام رئيسية يؤديها حاليا الإنسان، الأمر الذي يمكن أن يخفض الطلب على الأيدي العاملة، ويفضي إلى انخفاض الأجور والحد من فرص التوظيف. وقد يندثر بعض هذه الوظائف في الحالات القصوى.
أما في ما يتعلق بالأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل، من المتوقع أن تكون نسبة التعرض لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هي 40 بالمئة و26 بالمئة على الترتيب.
وبحسب تحليل صندوق النقد الدولي "يمكن أن نجد العاملين القادرين على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي يحققون إنتاجية أكبر ودخلا أعلى – بينما يتخلف من ليس في وسعه ذلك عن الركب. وتبين البحوث أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد العاملين الأقل خبرة على تعزيز إنتاجيتهم بوتيرة أسرع. وقد يجد العاملون الأصغر سنا سهولة أكبر في الاستفادة من الفرص التي يتيحها، بينما العاملون الأكبر سنا قد يعانون سعيا للتكيف معه".
وتواصل حمود حديثها بالقول: "هناك مجتمعات متقدمة تشهد غزوا سريعا للذكاء الاصطناعي، أما المجتمعات الأقل تقدما فبسبب تراجع البنى التحتية سيكون التحول أقل تأثيرا".
وتابعت: "في النهاية من يمتلكون ثقافة الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي سيخلقون فرص عمل ويحصلون على وظائق ويخلقون مجالات ليصنعوا أرباحا.. وهنا يجب النظر إلى الأمر من كافة الزوايا وليس منظور واحد مرتبط بالخوف والهلع من هذه التقنيات".
الوظائف المهددة
قال رمزي، في حديثه لـ"الحرة" إن الوظائف المهددة من تقنيات الذكاء الاصطناعي أبرزها هي المتعلقة بكتابة التقارير والمحتوى والأبحاث، فالذكاء الاصطناعي قوي جدة في البحث والكتابة والترجمة.
لكنه أضاف أن "هناك أيضا وظائف جديدة خلقتها تلك التكنولوجيا مثل كيفية التواصل مع الذكاء الاصطناعي وهي وظيفة عليها طلب مهول حاليا"، مشيرا بذلك إلى ما تعرف بهندسة التلقين أو " Prompt engineering"، والتي تضمن اختيار المدخلات الصحيحة إلى نماذج الذكاء الاصطناعي للحصول على نتائج أفضل.
وأشار رمزي إلى أن هناك وظائف تطورت، فهناك حاليا متخصصون في استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الأكاديمي وصناعة المحتوى والتسويق وتحسين محركات البحث.
هل يستولي الذكاء الاصطناعي على وظائف البشر؟
أشارت "واشنطن بوست" إلى أن العديد من المتحمسين للذكاء الاصطناعي يعتقدون أنه معصوم من الخطأ، لدرجة أنه يمكن لأجهزة الكمبيوتر القيام بمعظم عملنا نيابةً عنا، سواء في الطب أو في التسويق أو في قيادة الطائرات والسيارات والقطارات دون مساعدة بشرية، وحتى إعداد العشاء. لكن الواقع الحالي هو أنه لا يزال يتعين على البشر القيام بمعظم الوظائف، لأنه رغم التقدم الهائل في عالم الذكاء الاصطناعي، فيمكن أن يتسبب في مشاكل في مكان العمل، مما يعرض لعمال وأصحاب العمل والعملاء للخطر.
وأوضحت الصحيفة في تقرير، ، أن الذكاء الاصطناعي يشق طريقه بشكل متزايد عبر الصناعات المختلفة، ويغير شكل ومضمون الوظائف بداية من الطب، مرورا بالبيع بالتجزئة، وحتى التسويق والكتابة.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن العديد من المتحمسين للذكاء الاصطناعي يعتقدون أنه معصوم من الخطأ، لدرجة أنه يمكن لأجهزة الكمبيوتر القيام بمعظم أعمالنا نيابة عنا، في مجالات عدة. لكن الواقع الحالي هو أنه لا يزال يتعين على البشر القيام بمعظم الوظائف، لأنه رغم التقدم الهائل في عالم الذكاء الاصطناعي، فهو يمكن أن يتسبب في مشاكل في مكان العمل، مما يعرض العمال وأصحاب العمل والعملاء للخطر.
ففي قطاع البنوك والتمويل، أوضحت "واشنطن بوست" أن ما يحدث حاليا هو أن البنوك الكبيرة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات الخلفية والأمن السيبراني وروبوتات الدردشة القوية من أجل استجابة أسرع للعملاء.
ووفقا للصحيفة، تختبر البنوك حاليا الذكاء الاصطناعي للمساعدة في بناء البرامج بشكل أسرع، عن طريق مساعدة المطورين في العثور على الأكواد المطلوبة. كما سيتمكن من مساعدتهم على جمع الأبحاث والبيانات بسهولة، وكذلك الكشف عن الاحتيال بسرعة أكبر لتنبيه العملاء على الفور وتذكير الأشخاص بفواتير أو مواعيد تسديد أي مبالغ.
وسيتمكن الذكاء الاصطناعي قريبًا، بحسب الصحيفة، من مراقبة المعاملات لتقديم نصائح مالية أكثر تخصيصًا، ورؤى حول الإنفاق والادخار أو تنبيهات سريعة حول الانحرافات عن عادات الإنفاق العادية مهما كانت بسيطة.
لكن المؤسسات المالية حذرة من خطورة الذكاء الاصطناعي في إحباط العملاء بسبب الأتمتة المفرطة، وخرق قوانين الخصوصية التي تهدف إلى حماية البيانات المالية الشخصية للعميل، وربما التمييز ضد الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، بحسب الصحيفة الأميركية.
في مجال الطب والأدوية، تستخدم حاليا العديد من المستشفيات الذكاء الاصطناعي في السجلات الطبية الإلكترونية للتنظيم والتحليل. لكن مستقبل الذكاء الاصطناعي، بحسب الصحيفة، يمكن أن يتضمن تطوير الأدوية وتحليل مئات الملايين من نقاط البيانات.
وظهر تقدم الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، بحسب "واشنطن بوست"، عندما نجح في تسريع تجارب لقاح فيروس كورونا لتحديد النقاط الساخنة التي تظهر فيها المتغيرات.
ويستخدم بعض المتخصصين في الرعاية الصحية الذكاء الاصطناعي حاليا في فحوصات السرطان والآشعة الطبية والتنبؤات لاكتشاف المشكلات بشكل أفضل.
ويسعى المطورون حاليا لجعل الذكاء الاصطناعي يقوم بتشخيص الحالات عندما يتحدث المريض، ومن ثم يعرض العلاجات المطلوبة والأشعة والتحاليل اللازمة، وبعد ذلك يجري العملية الجراحية بنفسه إذا تطلب الأمر ذلك. لكن الخبراء، بحسب الصحيفة، يحذرون من الاعتماد عليه بشكل كبير بسبب احتمالية ارتكابه أخطاء وخيمة تهدد حياة المرضى.
وحول كيفية استخدام كبار تجار التجزئة للذكاء الاصطناعي، ذكرت "واشنطن بوست" أنه يستطيع تتبع أسعار السوق التي تتغير بناءً على عدة عوامل بما في ذلك التوريد والخدمات اللوجستية، وذلك لضمان تسعير المنتجات بشكل تنافسي.
ومن المتوقع أن يتم دمج الذكاء الاصطناعي في كل شيء بالمتاجر مستقبلا، بداية من تنظيف الأرضيات، إلى إجراء عمليات مسح للرفوف بحثًا عن العناصر المفقودة، أو تحديد انخفاض المخزون أو المنتجات ذات التسمية الخاطئة. وبناء على الأولويات، سيغير الذكاء الاصطناعي قائمة أولويات العمال وينبههم بالأعمال التي عليهم القيام بها.
أما في مجال الكتابة، يستخدم بعض الكتاب أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT للمشاركة في كتابة وتدقيق الكتب قبل نشرها. كما يسعى المطورون لجعل الذكاء الاصطناعي قادرا على كتابة رسائل البريد الإلكتروني أو إنشاء عروض تقديمية بشكل أسرع بمفرده بمجد أن تشرح له المطلوب.
لكن الصحيفة الأميركية أوضحت أن الاعتماد بشكل كبير عليه قد يفقد المحتوى المكتوب العنصر الإبداعي للبشر.
وظائف في خطر أمام الذكاء الاصطناعي
وخلص تقرير سابق لموقع "بيزنس إنسايدر"، إلى أن هناك كثيرا من الوظائف التقنية مثل المبرمجين ومحللي البيانات ومحللي السوق ومصممي التطبيقات والغرافكس، ووظائف التسويق الإلكتروني، وصناعة المحتوى والإعلان والكتابة الفنية والصحافة، والمحامين والعاملين في المجال القانوني في خطر أمام الذكاء الاصطناعي، وذلك بالإضافة إلى وظائف مثل المعلمين والمستشارين الاقتصاديين ومتاجري الأسهم والمحاسبين وخدمات العملاء وكثير من الوظائف الأخرى.
في حين أوضحت حمود أن "أكثر المجالات المتأثرة هي التي تحتاج إلى عمل يمكن استبداله بالأتمتة، أما قطاعات كالطب فسيكون هناك دمج بين الذكاء الاصطناعي، لكن لا يمكن الاستغناء عن الفحص السريري وغيره"، وتابعت: "في مجال التعليم لا يمكن إلغاء عمل الأساتذة، لكن هناك دمج ويدخل الذكاء الاصطناعي لتعزيز خبرة التعليم عند الطلاب ويساعد الأساتذة".
يجمع خبراء اقتصاديون على أن برامج الذكاء الاصطناعي التي تنتشر بكثرة هذه الأيام، تشكل خطرا على وظائف العاملين بقطاعات متنوعة، على غرار ما فعلته الثورة الصناعية والآلات والروبوتات بملايين الوظائف خلال العقود الماضية.
المنطقة و "تسونامي" الذكاء الاصطناعي
كشف تحليل صندوق النقد الدولي، الصادر في يناير، أن العمل جار حاليا على إدماج الذكاء الاصطناعي ضمن أنشطة الأعمال في مختلف أنحاء العالم بسرعة ملموسة، وهو ما يؤكد ضرورة تحرك صناع السياسات.
ولمساعدة البلدان على صياغة السياسات السليمة، أنشأ صندوق النقد الدولي ما يسمى "مؤشر الجاهزية للذكاء الاصطناعي" الذي يقيس مدى الاستعدادات في مجالات مثل البنية التحتية الرقمية، وسياسات رأس المال البشري وسوق العمل، والابتكار والتكامل الاقتصادي، والتنظيم والقواعد الأخلاقية.
وباستخدام هذا المؤشر، أجرى خبراء الصندوق تقييما لمدى جاهزية 125 بلدا.
واتضح من نتائج التقييم أن الاقتصادات الأغنى، بما فيها الاقتصادات المتقدمة وبعض اقتصادات الأسواق الصاعدة، مجهزة على الأغلب بشكل أفضل لاعتماد الذكاء الاصطناعي مقارنة بالبلدان منخفضة الدخل، وإن كان هناك تباين كبير على مستوى البلدان. وحصلت سنغافورة والولايات المتحدة والدانمارك على أعلى الدرجات في المؤشر. فيما لم تظهر أي دولة عربية في أول 33 دولة ضمن المؤشر.
وحول وضع المنطقة العربية في ما يتعلق بما وصف "بتسوماني" الوظائف المتأثرة بالذكاء الاصطناعي، قالت حمود: "التأثير على البلدان العربية سيكون أبطأ، نظرا للتأخر في التحول الرقمي، وذلك رغم تقدم بعض الدول مثل الإمارات وقطر وحتى السعودية. لكن الثقافة في حد ذاتها تحتاج إلى وقت".
وشرحت الخبيرة في الذكاء الاصطناعي أن " تلك الثقافة تتعلق بالحكومات وأصحاب المؤسسات وكذلك الأفراد، لأننا نحكي عن مجتمع ليست كل شرائحه تدرك ماهية التحول الرقمي، الذي يعد الجسر نحو الذكاء الاصطناعي".
من جانبه قال رمزي، إنه على مستوى الأفراد في المنطقة "هناك مواكبة لتلك الوتيرة، لكن الاستخدام الاحترافي وتوظيفه في العمل المؤسسي والشركات، نعتبر متأخرين كثيرا"، موضحا أن ذلك يعود إلى "عدم وجود الوعي الكافي بكل الإمكانات والمخاطر المحيطة بالذكاء الاصطناعي".
وقالت حمود: "حتى نخلق هذا التأثر، يجب أن يكون هناك تحول رقمي أولا".
*الحرة -واشنطن بوست