×

  رؤى حول العراق

  مشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية يفجر غضباً واسعاً في العراق



**المرصد/فريق الرصد

اضطر البرلمان العراقي إلى تأجيل تعديل قانون الأحوال الشخصية إلى إشعار آخر بعد عاصفة انتقادات من ناشطين وقوى سياسية.

وقال البرلمان، الأربعاء، إنه قرر تأجيل مقترح قانون تعديل الفقرة 57 من القانون الصادر عام 1957، لمزيد من النقاش، بعدما قدّم رئيس اللجنة القانونية ريبوار عبد الرحمن طلباً بهذا الخصوص «لإشراك منظمات المجتمع المدني ولجنة المرأة وحقوق الإنسان في المناقشات حول التعديل».

وقال مراقبون إن ضغوطاً مدنية وموجة انتقادات لم تهدأ منذ الثلاثاء أجبرت البرلمان على عدم مناقشة التعديل في جلسة الأربعاء.

هذا ولم تهدأ ساحة الرفض الحقوقي والإنساني في العراق منذ أيام، إثر قرار البرلمان العراقي إدراج التصويت على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق المعمول به منذ عام 1959، وهو قانون مدني متكامل، والذي احتوى على فقرات وبنود اعتبرت تفسيرات دينية لا تناسب البلاد المتنوعة ثقافيا ودينيا ومذهبيا، كما ضمّ فقرات اعتبرت أنها حد أو حرامان لحقوق الأم والزوجة، وتحيز للرجال.

وأدرج البرلمان العراقي في الجلسة المقررة، يوم الأربعاء، القانون للتصويت عليه، وهو ما دفع الناشطين والحقوقيين إلى رفع أصواتهم محذرين من أن القانون يمثل وجها آخر للدولة الدينية التي تسعى إليها الأحزاب والكتل السياسية التقليدية بالبلاد.

 

حضانة الأطفال

وينص قانون الأحوال الشخصية المعمول به حاليا في العراق على أن للأم الحق بحضانة الولد وتربيته حال الزواج وبعد الفرقة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، غير أن التعديل الجديد المقرر التصويت عليه يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت، وللولد المحضون حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر، في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل الجديد على القانون هو تخييره بعمر سبع سنوات فقط.

كما ينص القانون المعمول به حاليا، على أن يكون التفريق وفقا للقانون المدني، لكن التعديل المقترح أن يتم وفقا للفقه السني أو الشيعي حسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي، للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما، بما يتعلق بالحقوق.

ويتضمن التعديل الجديد للقانون إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون للقانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وأيضا ابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية.

ويتجاهل التعديل الجديد القانون حالات رفض الزوجين عقد الزواج وفقا للمدارس الفقهية السنية أو الشيعية، وهي ظاهرة متزايدة بالمجتمع العراقي الذي يشهد زيجات مختلطة من ديانات أو مذاهب متعددة، بينما القانون المعمول به حاليا في العراق يمنح منذ عام 1959 الدولة العراقية ممثلة بالقضاء المدني عقد القران والتفريق وفقا للقانون لا بحسب الطوائف أو الأديان.

وحذرت النائب السابق في البرلمان آلا الطالباني من تمرير القانون الذي اعتبرته ملغوما. وقالت في تدوينة لها تصف مشروع تعديل القانون: "ورقتان ملغومتان شرعيا وقانونيا وإنسانيا واجتماعيا ووطنيا"، مضيفة: "تلك هي تعديلات قانون الأحوال الشخصية المعروضة أمام مجلس النواب، هذا التعديل سيقسم العراق أكثر، وسيولد انفلاتا كبيرا في القانون وستتحول قضايا الأحوال الشخصية إلى خارج المحاكم الرسمية"، في إشارة إلى إدخال رجال الدين من كلتا الطائفتين الرئيسيتين في العراق.

ولسنوات طويلة تشهد البلاد ارتفاعا كبيرا في معدلات الطلاق، بلغت شهريا أكثر من 7 آلاف حالة طلاق، ويعزو مراقبون ومختصون ذلك لأسباب عدة أبرزها الزواج المبكر والوضع الاقتصادي وسوء استعمال مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي وتدخلات ذوي الزوج أو الزوجة بحياة الزوجين.

الناشط عمر حبيب قال إن "التعديل على قانون الأحوال الشخصية والذي سيصوت عليه مجلس النواب يوم الأربعاء يحرم الكثير من النساء من حقوقهن، منها اختيار مذهبهن بعقد الزواج ووضعه بيد الزوج وكذلك الحضانة والميراث والنفقة".

وتعتبر قوى "الإطار التنسيقي"، أبرز الداعمين للقرار، وسرب ناشطون نسخة من مشروع التعديل المطلوب عليها ملاحظة باللون الأحمر وهي (موصى به من المرجعية) في إشارة إلى مرجعية النجف الدينية الممثلة بالمرجع الديني علي السيستاني.

ودعت منظمة حمورابي العراقية الحقوقية إلى سحب القانون، وقالت في بيان سابق لها نشر على موقعها الإلكتروني، إنه "لغرض التصدي للمحاولات الرامية لإخضاع العلاقات الأسرية إلى قوانين وتشريعات ذات أسس طائفية، نرفض شرعنة الطائفية في قانون الأحوال الشخصية"، مضيفا أن "التعديل المقترح يضرب في الصميم مبدأ المساواة بين المواطنين الذي نصت عليه المادة 14 من الدستور، ويشرعن الطائفية الممزقة للنسيج الاجتماعي القائم على علاقات المصاهرة الأسرية المختلطة، ويهدد وحدة واستقلال القضاء الذي نصت عليه المواد 19 و87 و88 من الدستور من خلال ربط محكمة الأحوال الشخصية بالمجلسين العلمي الإفتائي السني والشيعي. إضافة إلى ذلك، فإن مشروع القانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية التي نصت عليها المادة 2 البند (ب)، ويتناقض مع التزامات العراق الدولية بالمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان".

وقال الصحافي والكاتب بهاء خليل في معرض تعليقه: "مكتوب على الورقة، (موصى به من قبل المرجعية) أي مرجعية؟، وهل جميع العراقيين يتبعون المرجعية؟ هل من دليل على أن المرجعية أوصت بهذا القانون؟ مضيفا: "تذكرني هذه العبارة بقائمة الشمعة 555 الانتخابية الذي قالوا إن من لا ينتخبها تحرم عليه زوجته بفتوى من المرجعية".

وبسبب الرفض لمشروع تعديل القانون تم تأجيل القراءة والتصويت عليه منذ عام 2019، وشهدت بغداد تظاهرات متكررة لنساء ورجال رافضين له. في المقابل، اتهم الشهر الماضي، عضو اللجنة القانونية في البرلمان محمد الخفاجي، ما قال إنها "أجندات خارجية ومنظمات دولية تقف بوجه تعديل قانون الأحوال الشخصية، وتسعى إلى منع إقراره داخل مجلس النواب من خلال نشر أفكار مضللة حول قانون التعديل".

مضيفا للصحافيين أن "هذه المعارضات تستند إلى آراء غير عراقية ومواقف متحيزة، تهدف إلى إعاقة التقدم التشريعي بما يتماشى مع احتياجات المجتمع العراقي"، مشددا "نحن نرفض هذه الضغوطات ونتمسك بحقنا في إجراء التعديلات اللازمة التي تضمن حقوق جميع أفراد الأسرة." معتبرا أن التعديل على القانون "يهدف إلى تحقيق العدالة لجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الرجل والمرأة والطفل".

 

أبرز الاعتراضات

إلى جانب عاصفة الانتقادات للتعديل الجديد، التي عدّته «تراجعاً مؤسفاً ترتكبه قوى الإسلام السياسي الشيعية عن المكتسبات المدنية والاجتماعية التي حققها القانون النافذ»، فضلاً عن أن التعديل يعيد البلاد إلى لحظة الانقسام الطائفي. ورأى المحامي علاء عزيز المانع أن التعديل الجديد يلقي بظلاله القاتمة على مجمل فقرات القانون النافذ، لكنه يلامس وبشكل جوهري قضيتين أساسيتين سيكون لهما تأثير كارثي على مسار أحوال المواطنين الشخصية ويزيد من حجم المشاكل المرتبطة بقضيتي الزواج والطلاق.

وقال المانع، لـ«الشرق الأوسط»، إن القضية الأولى تتمثل في أن التعديل الذي طال المادة العاشرة من القانون النافذ، المختصة بمسألة السماح بزواج الأشخاص خارج المحاكم المدنية من دون أن تطول المتزوج أي عقوبة قانونية كان القانون النافذ يفرضها وغالباً ما تكون مالية، وهذا التعديل سيفضي إلى مشاكل لا حصر لها، خصوصاً بالنسبة إلى الذين يرغبون في الزواج مرة ثانية وثالثة من دون أن يضطروا إلى تقديم أي سند يثبت أهليتهم لذلك، في حين يفرض القانون النافذ موافقة الزوجة الأولى ويشترط أن يكون الزوج قادراً على تحمل نفقات زواجه الثاني وهكذا.

ويضيف المانع: «هذا الأمر يرتبط بالتعديل المتعلق بأعمار مَن يحق لهم الزواج، حيث يعلق التعديل هذا الحق على ما تقره المذاهب الدينية، وليس القانون الذي يحدّد عمر البلوغ والزواج بـ18، وفي حال الزواج في عمر 14 – 17، فإنه يفترض موافقة أولياء الأمور ويمنح سماحات في هذا الجانب».

 

زواج القاصرات

وحذر المانع من «ترك الأمر للتحديد المذهبي، لأن العراق سيسجل عدداً هائلاً من زيجات القاصرين والقاصرات بعمر 9 سنوات وصعوداً كما تقره بعض المذاهب الإسلامية».

وأشار المانع إلى «مدونة الأحوال الشخصية» التي يقترح التعديل إسنادها إلى الوقفين الشيعي والسني ويحملهما مسؤولية كتابتها كي يتمكن قضاء المحاكم المدنية من الحكم بضوئها في قضية الزواج والطلاق.

ويعتقد المانع أن التعديل يقترح أن تستند المدونة إلى فتاوى أشهر العلماء وأبرزهم وأكثرهم تقليداً من قبل الجمهور، وهذا سيضيف تعقيداً آخر على قضايا الأحوال الشخصية الموجود أصلاً حتى في القانون النافذ، ذلك أن مسألة اتفاق الناس على مرجع أو عالم دين محدد شبه مستحيلة.

وكان النائب رائد المالكي، وهو صاحب مقترح التعديل، قد أشار إلى أن «أحكام المدونة الشرعية ستتضمن بابين؛ الأول للفقه الجعفري والآخر للفقه السني». وأوضح أن «مقترح القانون يحافظ على وحدة السلطة القضائية ولا يخلق ازدواجاً في المحاكم، وستكون هناك فقط أحكام القانون 188 وأحكام المدونة، وستطبق المحاكم الحالية كليهما حسب اختيار الشخص عند إبرام عقد زواجه».

وأقر المحامي علاء المانع ببعض المشاكل المرتبطة بقانون الأحوال الشخصية النافذ، خصوصاً المتعلقة بقضية حضانة الأولاد قبل سن البلوغ، لكنه في المقابل، رأى أن المطلوب هو تعديل بعض المواد بطريقة مناسبة و«ليس تمزيق القانون بهذه الطريقة الكارثية».


25/07/2024