*موقع "ستراتيجيست" /معهد السياسة الاستراتيجي الأسترالي
قال بول ديب، أستاذ فخري للدراسات الاستراتيجية في الجامعة الوطنية الأسترالية، إن الولايات المتحدة تدخل مرحلة جديدة وخطيرة في الديناميكيات النووية العالمية، حيث ستواجه قريباً القدرات النووية المشتركة لخصمين من أقرانها: روسيا والصين.
بجب أن تعمل أمريكا وحلفاؤها على التخطيط الدقيق والتحديث الاستراتيجي
وبحلول عام 2034، من المتوقع أن تمتلك الصين وحدها عدداً من الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية يضاهي ما تملكه الولايات المتحدة اليوم، مما يضع الولايات المتحدة في مواجهة تحالف يضم ترسانة مشتركة مع أكثر من 3000 رأس حربي مقارنة بـ 1500 رأس حربي لدى أمريكا.
وهذا يمثل، حسب ديب، تحولاً كبيراً عن عصر الحرب الباردة عندما ركزت الولايات المتحدة في المقام الأول على قوة عظمى نووية واحدة، الاتحاد السوفييتي.
انهيار مراقبة الأسلحة
ساعدت اتفاقيات مراقبة الأسلحة بين الولايات المتحدة وروسيا على مدى عقود من الزمن في الحد من سباق التسلح النووي وتقليص عدد الرؤوس الحربية المنشورة.
وتسمح "معاهدة نيو ستارت" لعام 2018 بأن تنشر كل دولة 1550 رأساً حربياً استراتيجياً، وهي آخر معاهدة ثنائية متبقية من نوعها، ومن المقرر أن تنتهي صلاحيتها في عام 2026، وعلقت روسيا بالفعل امتثالها، مما يثير شبح عالم بدون قيود للترسانات النووية. ويشير تفكك اتفاقيات مراقبة الأسلحة هذا إلى نهاية عصر لعبت فيه مثل هذه التدابير دوراً حاسماً في إدارة الاستقرار النووي العالمي.
إحجام الصين عن المشاركة
وقال الكاتب في مقاله بموقع "ستراتيجيست" التابع لمعهد السياسة الاستراتيجي الأسترالي، تمثل السياسة النووية للصين تحدياً كبيراً آخر.
ورفضت بكين بشدة المشاركة في محادثات الحد من الأسلحة، بحجة أن ترسانتها صغيرة للغاية بحيث لا تبرر المفاوضات مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، أصبح هذا الموقف غير قابل للدفاع عنه بشكل متزايد مع قيام الصين بتوسيع مخزونها النووي بسرعة، والذي تقدر وزارة الدفاع الأمريكية أنه سيصل إلى 1000 رأس حربي بحلول عام 2030، ويجبر نمو الترسانة النووية الصينية الولايات المتحدة على إعادة النظر في موقفها الاستراتيجي، وخاصة أنها تكافح لردع عدوين مسلحين نووياً في وقت واحد.
الاستجابة الاستراتيجية
ورداً على هذه التهديدات المتطورة، تعمل الولايات المتحدة على تحديث استراتيجيتها النووية وتحديث ترسانتها. وأحد المكونات الرئيسة لهذا التحديث هو تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز LGM-35 Sentinel والذي سيحل محل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات Minuteman القديمة بحلول عام 2029.
ومع ذلك، فإن هذا البرنامج متأخر عن الجدول الزمني، حيث ارتفعت التكاليف من 95.3 مليار دولار إلى أكثر من 141 مليار دولار.
ورغم هذه التحديات، تواصل الولايات المتحدة تحديث ثلاثيتها النووية، التي تشمل الصواريخ الأرضية، وصواريخ الغواصات، والقاذفات الاستراتيجية.
التحديث النووي الروسي والصيني
على الجانب الآخر، تعمل روسيا على تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز Sarmat، والذي سيحل محل صاروخ SS-18 Satan من حقبة الحرب الباردة والقادر على حمل رؤوس حربية متعددة.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل روسيا على فئة جديدة من غواصات الصواريخ الباليستية وطوربيد كبير مسلح نووياً. وتستثمر الصين بشكل كبير في أنظمة الصواريخ المتنقلة التي يصعب اكتشافها واستهدافها، حيث تدرك ضعف غواصاتها الباليستية في الحرب المضادة للغواصات الأمريكية.
الرؤوس الحربية الاحتياطية
وأوضح الكاتب أن الموقف النووي الأمريكي يرتكز على الرؤوس الحربية الاحتياطية، والذي يبلغ إجماليه حوالي 4200، مما يساعد الولايات المتحدة على سرعة نشر ترسانتها إذا لزم الأمر. توفر هذه القدرة الاحتياطية للولايات المتحدة المرونة وخيار الاستجابة السريعة في مواجهة التغيرات المفاجئة في المشهد النووي العالمي، مثل التحول في القيادة في روسيا أو الصين والتي يمكن أن تزيد من التهديد لأمن الولايات المتحدة.
الردع الممتد
وقال إن ضمان مصداقية الردع المستمر للولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية، وخاصة بالنسبة لحلفاء مثل اليابان، التي تواجه تهديدات من الصين وروسيا وكوريا الشمالية. كانت مظلة الردع المستمر واضحة نسبياً خلال الحرب الباردة، مع التركيز فقط على الاتحاد السوفييتي.
ومع ذلك، ازداد الأمر تعقيداً اليوم، نظراً للتهديدات المتزامنة من القوى النووية المتعددة. ويجب على الولايات المتحدة الحفاظ على رادع ذي مصداقية لطمأنة حلفائها ومنع الانتشار النووي.
وأضاف الكاتب أن الردع في العصر الحديث محفوف بالتعقيدات. ويتطلب الردع الفعال فهماً عميقاً للتفكير الاستراتيجي للخصوم والتواصل الواضح أثناء الأزمات.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى مجموعة من القوات النووية والتقليدية القادرة والمرنة بما يكفي لردع مجموعة من التهديدات المحتملة. ومع ذلك، فإن التحديات كبيرة، خاصةً عند التعامل مع خصم مثل الصين، التي قد لا تدرك تماماً العواقب المدمرة للحرب النووية، مما يزيد من خطر سوء التقدير.
الوضع بالنسبة لأستراليا
وأكد الكاتب ضرورة أن تولي أستراليا اهتماماً وثيقاً لهذه التطورات، حيث تواجه الولايات المتحدة مهمة شاقة في ردع قوتين نوويتين في وقت واحد. قدمت العلاقات الاستراتيجية لأستراليا مع الولايات المتحدة، وخاصة من خلال المرافق المشتركة مثل Pine Gap، رؤى قيمة في الاستراتيجية النووية الأمريكية.
ومع ذلك، تضاءل تركيز أستراليا على التهديدات النووية منذ نهاية الحرب الباردة. وإعادة تنشيط هذا التركيز، وخاصةً من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية والحوار الاستراتيجي مع الحلفاء الرئيسيين مثل اليابان، أمر ضروري لمعالجة التحديات النووية الناشئة.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: "تتزايد المخاطر حول العالم في إطار سباق التسلح النووي الجديد. ومع انخراط الولايات المتحدة وروسيا والصين في منافسة ثلاثية مع قيود أقل وديناميكيات أكثر تعقيداً من أي وقت مضى يواجه العالم خطراً متزايداً للصراع النووي. ولذا يتطلب هذا العصر الجديد أن تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على التخطيط الدقيق والتحديث الاستراتيجي والتعاون الوثيق لمنع التصعيد الكارثي والحفاظ على الاستقرار العالمي".