لم يتردد البارتي للحظة من جلب الجيش العراقي لإحتلال كردستان
*في كتابه الحواري الذي اعده (صلاح رشيد) وترجمه للعربية(شيرزاد شيخاني) باسم (لقاء العمر) ،تحدث الرئيس مام جلال عن أحداث خيانة 31 آب 1996 فيما ياتي ابرز ماجاء فيه:
* أحداث 31 آب كانت نتاج القتال الداخلي، ما أسباب وقوع تلك الكارثة و لجوء مسعود البارزاني الى صدام حسين لإرسال قوات حرسه الجمهوري لإحتلال أربيل؟
– هذا سؤال على مسعود البارزاني أن يجيب عليه بنفسه، ولكن حسب رأيي فإن جماعة البارتي لوحوا مرارا بهذا التهديد، حتى أن الأستاذ هاني الفكيكي سأل مسؤولا كبيرا من البارتي ما إذا كانت الأزمة تحتاج أن يتدخل المؤتمر الوطني العراقي للوساطة بين الإتحاد و البارتي؟ فأجابه ذلك المسؤول الكبير “ما يحل المشكلة إلا دبابات أبو عدي”! و كان للبارتي علاقات قديمة و مستمرة مع النظام العراقي، وللأسف من أجل تثبيت سلطته كان على إستعداد لأي شيء، فلم يتردد عن أية خطوة، مرة مع الإيرانيين، وأخرى مع تركيا، وأخيرا مع الجيش العراقي فلسان حالهم يردد دائما “البارتي ليس وسيلة، بل هو هدف”.
* وهل كانت لديكم أية دلائل و براهين على وجود علاقة بين مسعود البارزاني و النظام العراقي؟
– كما قلت لك آنفا لم يتردد البارتي للحظة من جلب الجيش العراقي لإحتلال كردستان، هناك بعض المسائل سأرويها لك هنا، كنا نعلم بأن الجيش العراقي سيهجم، فقبل اسبوع من قدومه كنا نعرف بأنهم سيأتون بمساعدة قوات البارزاني، وفي الأساس نحن لم نخف من قوات البارزاني لأنها حاولت مرارا أن تحتل أربيل ففشلت، حتى أن وفدا برئاسة الدكتور محمود و معه بعض الأجانب جاءوا الى أربيل و إلتقوا بمسعود البارزاني لبذل جهود السلام، ورأوا بأعينهم فشل قوات البارتي حين حاولت شن هجومها الكبير على المدينة بقصد إحتلالها، وكيف تكبدوا خسائر فادحة و إنهزموا ولم يحققوا هدفهم، وأصابتهم تلك الهزيمة باليأس والضعف ولذلك لجئوا الى الجيش العراقي. ويروي طارق عزيز في كتابه “أن مسعود طلب منهم المساعدة وأخبرهم بأن أربيل أصبحت تحت قبضة الإيرانيين، وأن جلال والإيرانيين يسعون للقضاء عليه، ولذلك طلب مساعدتهم و أخبرهم أيضا بأن المعارضة العراقية مجتمعة في أربيل وتعمل على التخطيط لإسقاط النظام العراقي والقضاء عليه”.
* مادمتم تعرفون كل ذلك، لماذا لم تتـخذوا إحتياطاتكم و تضعوا خطة للدفاع عن أربيل كي لاتقع بهذه السرعة بأيديهم؟
– قبل هجوم الجيش العراقي تحدثنا الى الامريكيين فوعدونا بأنهم سوف يتدخلون إذا تقدمت القوات العراقية وقالوا سنضربها، ولذلك إعتقدنا بأن المهاجمين سيتعرضون لضربة و بأننا سنستولي على أسلحتهم، وعلى أساس تلك الوعود وضعنا خطتنا.
دور امريكا بأحداث 31 آب
* هذا يعني أنكم حسمتم الأمر و عرفتم بنوايا البارتي و الجيش العراقي و قدومهم لإحتلال أربيل؟
– نعم كنا نعرف موعد وساعة هجومهم، ولذلك إتخذنا إحتياطاتنا بجميع المحاور، ولكن على أساس أن الضربة الامريكية قادمة، ولذلك بنينا خطا للدفاع أمام قوات البارتي، وآخر أمام تقدم القوات العراقية، وقلنا إذا تدخلت امريكا وقصفتهم بالطائرات فبالتأكيد ستنهزم القوات العراقية. حتى أننا خططنا لتحرير قضاء (مخمور) أيضا من أيدي السلطة العراقية، وكان خطأنا القاتل هو تصديق موقف امريكا دون أن نحسب الحساب لإحتمالات عدم حصول الضربة، ولو تأكدنا بأن امريكا لن تضرب لكان يمكننا حينها أن نضع خطط بديلة أقوى مما وضعناها. لقد كان بإمكاننا أن نوزع قواتنا بشكل يضمن تجميع أفضلها بمحور (قوشتبة – بيستانة) لصد هجمات النظام، ثم إخراج جميع قواتنا من مركز مدينة أربيل و نقل مكاتبنا و مقراتنا، و وضع الأسلحة الثقيلة خارج حدود المدينة. وقبل يوم واحد من الهجوم تحدثت من مقري بـ (قلاجوالان) مع روبرت بليترو الذي كان ممثلا لامريكا فقال لي “أطمئن بأننا سنضربهم ونحن نراقبهم جيدا”، حتى أنه أضاف “يجب أن تفرح لأن العراق سيتدخل، فهذه ستكون فرصة جيدة لنا لنؤدبهم”.
* يعني كل هذه التطمينات و الضمانات الامريكية أوقعتكم بالخطأ؟
– خطأنا كان تصديق تلك الوعود فعلى الأقل كان علينا أن نحسب الحساب لكل الإحتمالات و هذا ما لم نفعله، وأقولها للتاريخ، بأن كوسرت إقترح علينا أن ننقل مقراتنا الى خارج أربيل، ولو إلتزمنا بمقترحه لما وقعت كل تلك الأشياء بأيديهم، وكنا سنسيطر على رقعة واسعة من الأرض إبتداءا من (كلك ياسين اغا) مرورا الى ناحية (قوشتبة) و وزعنا فيها أعداد كبيرة من البيشمركة، ولو أعدنا هؤلاء جميعا الى داخل المدينة لكانت الكفة سترجح لنا، لأن المعارك داخل المدن سهلة بالنسبة لنا و أكثر أمانا من حرب الجبهات التي تتحكم بها حركة الدبابات و المدافع و صواريخ الكاتيوشا، ولو فعلنا ذلك لما إحتجنا الى كل هذا العدد الكبير من البيشمركة ودفعهم للأسر، بل كنا نستطيع أن ننسحب بهدوء من المدينة، ولكن ما خرب علينا الوضع وأفشل خطتنا هي وعود امريكا الزائفة بالرد.
* ولماذا تراجعت امريكا عن و عودها برأيك و إختارت الحياد في تلك المواجهة؟
– لا أعرف الأسباب، ولكن دعني أضع أمامك تصوراتي بعدة نقاط:
الأولى: لم تكن من سمات الإدارة الامريكية بعهد الرئيس كلنتون التدخل في الصراعات و الحروب الجانبية، وكانت سياستهم تركز على (الإحتواء) فحسب، وخصوصا في تعاملها مع العراق، ولذلك بدلا من التحرك والإنتقام من النظام وجهوا صاروخين الى بنايتين مهجورتين، هذا الموقف لم يكن في صالحنا.
الثانية: قالوا بأن هذه الحرب هي بين قوتين كرديتين لادخل لنا فيها، فإحداها تدعو القوات العراقية لمساندتها، وخاصة ان العراق كشف بشكل رسمي أن مسعود البارزاني هو من طلب من (السيد الرئيس) إرسال قواته لتحرير أربيل، وتذرع الامريكان بهذه الحجة.
ثالثا: في ذلك الوقت كان نجم الدين أربكان هو رئيس وزراء تركيا، ويقال أنه لم يسمح بإستحدام قاعدة إنجرليك ضد العراق، لأن أربكان كانى يتمنى أن يطرد الإتحاد الوطني من أربيل، وكانت سياسة حكومته تقضي في تلك الفترة بدعم مسعود البارزاني للإستيلاء على أربيل، خاصة وأننا أتهمنا بالصداقة و التعاون مع حزب العمال الكردستاني، وقد يأتي يوم وتسلط الأضواء فيه على بعض الجوانب المظلمة والخفية لتلك المواقف وما حدث ولماذا تغير الموقف الامريكي بغتة وحصل ماحصل..
انسحاب قوات بيشمركة الإتحاد الوطني
* بعد إحتلال أربيل من قبل الجيش العراقي وقوات مسعود البارزاني إنهارت قوات الإتحاد الوطني ولجأت الى المناطق الحدودية، هل لنا أن نعرف أسباب هذا الإنهيار السريع لقواتكم؟
– لا..لم تكن الفترة قصيرة، فقد صمدت قواتنا داخل أربيل ومحيطها، ولكن الإنهيار كان بسبب أخطاء بعض القادة العسكريين، فقد فشلوا في تأمين إنسحاب منظم، وكان هناك إثنان من قادة قوات البيشمركة لن أذكر إسميهما، أرسلناهما الى (رانية ورواندوز) لتنظيم إنسحاب قواتنا هناك، لكنهما هربا الى الحدود ولم ينفذا الأمر. وهناك قادة آخرون لم يسحبوا قواتهم، وإلا كان بالإمكان جمعهم خطوة بخطوة في السليمانية، ولكن هؤلاء القادة تركوا البيشمركة يهيمون على وجوههم بعد أن هربوا الى الحدود.
* وهل كنت تتوقع هذا الإنهيار السريع لقوات الإتحاد ولجوئه الى الحدود، و بالمقابل هروب البارتي و عودته الى أربيل؟
– بالنسبة لإنهيار قواتنا واللجوء الى المناطق الحدودية لم أكن أتوقعه، فلو إلتزمت تلك القوات بخططنا وإنسحبت بشكل منظم لم يحصل ما حصل، بل على العكس كنا نقدر أن نحمي السليمانية أيضا وننطلق من هناك. مع ذلك فقد كنت أتوقع أن نعود بهذه السرعة وأشهد على ذلك روبرت بيلترو الذي كتب في مقال له “إتصلت بجلال طالباني (كنت في ناوزنك حينها) ورجوته أن لايعاود القتال ويحل خلافاته مع البارزاني بالحوار والتفاهم وأبديت له إستعدادنا للوساطة لحل المشكلات”. ولكني رديت عليه “إسمعني جيدا، لقد تحدثت إليك سابقا فخدعتني، وهذه المرة لن أسمع كلامك، نحن الآن جاهزون وسنهجم وسنستعيد مناطقنا عندها تعالوا أنتم للوساطة وحلوا المشكلات”، ويقول بلترو أيضا “وحدث ما توقعه بإتصالنا، إستعادوا مناطقهم وإستفادوا من تكتيكاتهم السابقة”.
كل الرفاق كانوا متفائلين حول عودتنا المبكرة، وقال الملا بختيار”أعتقد بأن هذه ستكون أقصر نكبة تحل بنا، وستكون نهضتنا أسرع نهضة بتاريخ الإتحاد الوطني”.
وجاء سالار وكوسرت والملازم عمر و قالوا “لنضع خطة محكمة لتحرير مناطقنا ليس باسلوب حرب العصابات، بل بحرب جبهوية كما خططنا لذلك”.
تقييم المعارك
*حسب معلوماتنا شكل الإتحاد الوطني لجنة لتقييم أحداث 31 آب، فهل تمت محاسبة المقصرين في تلك النكبة؟
– لا..لم يحاسب أحد.
*ولماذا لم يحاسب المتسببين بالهزيمة؟
– لسببين:
الأول: كانت المحاسبة ستطال بعض القيادات، ولم يكن الوقت ملائما حينذاك لمحاسبتهم أو طردهم.
ثانيا: كانت المسألة متعلقة بالتكتلات الحزبية، فلم نرد أن نغلب كتلة على أخرى.
معركة عاصفة الثأر وتدخل الاتراك
* في بداية تشرين الثاني من عام 1997 شنت قوات الإتحاد الوطني هجوما واسعا ضد قوات البارتي أسماه بـ(عاصفة الثأر) لماذا لم ينتصر الإتحاد في ذلك الهجوم، ولماذا ساعت تركيا قوات البارزاني؟
– أولا ليس صحيحا أن الإتحاد هزم في تلك المعركة، بل حقق نصرا كبيرا، فكل المناطق التي خططنا للإستيلاء عليها حررناها بظرف ساعة واحدة من بدء الهجوم، بما فيها (تلة حمد اغا) التي تشرف على مقر قيادة مسعود البارزاني من أعلى قمة جبل سفين.
أما لماذا لم نكمل العملية، فلأن الأتراك تدخلوا. ففي اليوم الأول إتصل بي ديفيد ويلش مساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الأدنى وقال “شيريك بيل معي على الخط ويقول لي أطلب من جلال أن يوقف تقدمه”. وكنا حينها على وشك إحتلال (سري رش) المقر الرئيسي للبارزاني، بعد أن إحتلنا جبل سفين المشرف على المنطقة، ورجانا أن لا نتقدم نحو (سري رش) لأن المشكلة ستتعقد أكثر، وقال ويلش “أتعهد لك بأن أحل المشكلة وفق الإتفاقات السابقة”.
من جانبها أرسلت الحكومة العراقية خبرا يقول”مسعود بالبارزاني إستجار بالرئيس، و (سري رش) هي ملكنا، و يرجوك الرئيس بأن لاتتقدم نحوها، لأننا سنضطر الى الدفاع عنها، و لانريد أن نشترك في القتال مرة أخرى لأنك تواجه حاليا الأتراك ولذلك نرجوك أن لاتحتل (سري رش)؟ وبسبب ضغوطات تركيا و رجاء الامريكان و طلبات الحكومة العراقية توقفنا عند ذلك الحد، رغم أن هذه الوقفة كانت من الناحية العسكرية خاطئة، ولكن من الناحية السياسية لم يكن هناك بد. وفي اليوم التالي وبعدها تدخلت الطائرات التركية في القتال و ألحقت بنا خسائر فادحة بمنطقة (خليفان)، فأحرقت العديد من سياراتنا كي يقطع الطريق على تقدمنا، وكان التحليق يجري بشكل يومي، ثم تقدمت الدبابات التركية وبعدها جاء الجنود الأتراك ليشاركوا في القتل، ولولا تلك القوات كنا نستطيع أن نحقق نصرا كبيرا، فقوات البارتي كانت منهارة تماما.
دعم إيران لعودة الاتحاد الوطني
* خلال تلك الفترة القصيرة نسبيا، إستطاع الإتحاد الوطني أن يستعيد عدة مدن ومناطق سابقة من يد قوات مسعود البارزاني، هل تلقيتم دعما إيرانيا لتحقيق ذلك؟
– في البداية لم نستطع تأمين إنسحاب منظم كما قلت، ولذلك حاولنا أن نجمع تلك القوات على الحدود وأن نعود الى مقرنا القديم في (ناوزنك) لإعادة تنظيمها مجددا، ونجحنا في تنظيم عدة آلاف من البيشمركة، وحينها وقعت بعض الهجمات علينا ولكننا تصدينا لها، وكانت إيران وعدتنا بالمساندة لكنها تراجعت، وقبلها ذهب كوسرت الى إيران وأبلغهم بأن البارتي إتفق مع النظام العراقي وأنهم عازمون على مهاجمتنا، فقال الإيرانيون “لا تخافوا، الأسلحة التي تستخدمها القوات العراقية سنجهزكم بمثلها، إذا جاءوا بالدبابات سنعطيكم دبابات، وإذا أرسلوا قوات الجيش سنساندكم بقوات البسييج”. وحسب ما سمعنا بعد إحتلال العراق لمدينة أربيل أصدر محسن رضائي أمرا فوريا بقصف مقر مسعود البارزاني بمنتجع (سري رش) بالصواريخ وفعلا وجه تلك الصواريخ نحوها، وظن الإيرانيون في البداية بأن هجوم القوات العراقية هو مخطط أمريكي لجر الجيش الإيراني الى أتون المعركة، ولكن القيادات الإيرانية الأخرى رفضت قصف مقر البارزاني، وإلا فقد كان هناك عدد من القادة الإيرانيين الذين هددوا و قالوا بأنهم سيزجون بقوات البسييج الى المعركة و بأنهم لن يسمحوا للقوات العراقية أن تنتصر على الإتحاد الوطني. وكان الإيرانيون منزعجين من عودة قواتنا الى منطقة (ناوزنك) داخل حدودهم، وخافوا أن تتقدم القوات العراقية نحوها و تقع مناطقها الحدودية بيد تلك القوات المعادية وقد تأتي معها جماعة مجاهدي خلق و الكرد المعارضين للنظام الإيراني، كل ذلك ساهم في أن تستعجل إيران بمساعدتنا وتصد تلك المخاوف عن حدودها.
* وماذا كانت تلك المساعدات؟
– المساعدات كانت عبارة عن أسلحة إشتريناها منهم، ولكنهم قالوا “من الآن فصاعدا سنقف معكم، فقد أخطأنا حين قصرنا في دعمكم” ورفع هذا الموقف الإيراني من معنويات البيشمركة، وعند التخطيط لعملية العودة كان هناك رأيان:
الأول: أن يخوض الإتحاد الوطني حرب العصابات مع البارتي.
الثاني: أن نهجم على المناطق التي خسرناها و نستعيدها.
لم تشاركنا قيادات قوات البسييج في وضع الخطة ولكنهم أرسلوا بعض الخبراء لمساعدتنا لوضع خطة (الخدع)، وأعطونا بعض صواريخ الكاتيوشا، لأن عددها كان قليلا عندنا. وهكذا بدأنا الهجوم إنطلاقا من منطقة (شاناخسي) و (باسني) وحررناها وقضينا على قوات البارتي من بكرة أبيها، و وصلت قواتنا الى حدود (جوارتا) و وقعت معركة ساخنة بين (قلاجوالان) و (جوارتا) فإنهزموا وهربوا من هناك. وفي محور (بينجوين) ساعدتنا إيران مرة أخرى بتأمين الأسلحة و الذخائر و تقدمت قواتنا تحت قيادة فريدون عبدالقادر و شوكت الحاج مشير و حررت (بينجوين) و (ناباريز). وكان فريدون، الملا بختيار، سالار عزيز، الملازم عمر، مصطفى جاورش و مصطفى سيد قادر في مقدمة صفوف القوات المقاتلة وقاموا بدور كبير في تحرير المناطق وإستعادتها.
هزيمة البارتي و هروب قواتها نحو كركوك
* كيف إنهزمت قوات البارتي بهذه السرعة و الى أين هربوا؟
– حين علموا بتحرك قواتنا حاولوا شن بعض الهجمات على القوات التي يقودها كوسرت في (جوارتا) ولكن كوسرت ألحق بهم هزيمة ولاحقهم بقواته، فهربوا نحو جبل (أزمر) ومن هناك الى مدينة السليمانية، حينها ظنوا بأن القوات الإيرانية تشاركنا لذلك لم يستطيعوا البقاء في السليمانية. كانت خطتنا تقضي بأن يتولى جبارفرمان قيادة قوات تحرير قضاء دربنديخان، ويتولى فريدون وشوكت تحرير (بينجوين)، وكوسرت والرفاق الذين ذكرتهم يحتلوا (جوارتا) ومنها يتقدمون نحو السليمانية، و وضعنا قوة إضافية في (دوكان) لنكمل حصار قوات البارتي داخل هذه الدائرة. وكانت هناك قوى أخرى مستقرة في (قردجاغ) لم تنسحب أصلا من هناك، وكان رأيي أن تتقدم تلك القوات نحو بازيان، ولونجحت هذه الخطة لكان بالإمكان أن نطوق قوات البارتي من أربع جهات، ولكن تلك القوات لم تلتزم بخطتي (ولا أريد أن أسمي المسؤول عن ذلك) ولذلك حدث فراغ مكن قوات البارتي من الإنفلات، فبعد أن سد طريق دوكان عليها هربت نحو (جمجمال) على طريق كركوك، ولكن الناس جميعا هبوا ضدهم وأنت تعلم بأن المنكسر المهزوم ما يكون حاله عند خسارة المعركة، ولذلك إرتفعت معنويات الناس في تلك المناطق ولاحقوا قوات البارتي. فحدثت الفوضى بصفوف قواتهم حتى أنهم لم يلحقوا بجمع ملفات مكتب تنظيمهم في السليمانية وتركوها في بيتي وإستولينا عليها جميعا وهكذا إنهزموا وهربوا الى كركوك يتقدمهم مسعود البارزاني ومن هناك عادوا الى مناطقهم. وبدأوا يبثون دعايات كثيرة ضدنا وبأن هناك عشرة آلاف من قوات البسييج تساندنا وتشاركنا في المعارك، وأقولها للتاريخ بأن فردا واحدا من البسييج لم يشاركنا في أي معركة ماعدا بعض قادتهم شاركونا في وضع الخطط الهجومية وتأمين الأسلحة والمعدات والذخائر لنا.
وأريد أن أٌقول، بأنني أعتقد بأنه كان هناك نوعا من إتفاق بين العراق وإيران، لأن رفاقنا جمعوا قواتهم وسار بعضهم نحو مدينة حلبجة لتحريرها، وأخرى إتجهت نحو أربيل و (سري رش) بعد أن حررت (دوكان). وقوات أخرى بقيادة محمد الحاج محمود ومصطفى سيد قادر جاءت من (ناوزنك) وحررت رانية وجبل ( كيورش) وتقضي خطتهم بالتقدم نحو شقلاوة لإستعادتها، بعد كل تلك الإنتصارات وتقدم قواتنا بدأت التدخلات تتكثف. التدخل الأول جاء من العراق، فقد أرسلوا برسالة من كفري الى جبار فرمان يقولون فيه “الى جبار فرمان، نحذركم من التقدم نحو أربيل، ففي حال حدث ذلك سنضربكم مرة أخرى”. وفي ذات الوقت هاتفني الأمريكان ورجوني بأن أتخلى عن تحرير أربيل وقالوا “إذا ذهبتم الى هناك سيتدخل العراق في المعركة حينها لن نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي وسنضطر الى ضربهم، ونحن الآن في مرحلة الإنتخابات وصديقكم كلنتون يخوض معركة الرئاسة الثانية و سيكون ذلك محرجا له فنرجو منكم مراعاة هذا الوضع”. كما أن الإيرانيين بدورهم قالوا “لاتتجاوزا الحدود التي وصلتهم إليها حاليا”، لولم تكن تلك التدخلات والتهديدات لكان سهىلا علينا المضي والتقدم نحو أربيل وشقلاوة وتحريرهما، فقوات البارتي إنهارت تماما. على كل حال ما فعلوه بنا، أذقناهم ضعفين، عقدنا إجتماعا وناقشنا الأمر بيننا وتوصلنا الى قرار بأنه لا ينبغي أن نصم أذاننا عن النداءات التي تأتينا من أنحاء العالم”. ولذلك وقفنا في الحدود التي وصلنا إليها ومع ذلك عاودت قوات البارتي هجماتها و وصلت الى حدود (دوكان) ولكننا ألحقنا بهم هزيمة منكرة وعادوا الى قواعدهم وإستقرت القوت جميعا في الحدود الحالية.
الدور التركي في الاقتتال الداخلي
*وهل كانت هناك أسباب أخرى غير القصف التركي لإنسحابكم؟
– لم يكن إنسحابا بالمعنى الصحيح، بل حاولوا دفعنا الى الوراء خطوة خطوة، ولكننا صمدنا ولم ننسحب من أي موقع، رجاني ديفيد ويلش كثيرا وقال “أرجوك إخلي ولو جبلا أو تلة حتى أتذرع به لطلب التفاوض مع الأتراك” أجبته “لا لن ننسحب، بل سنواصل قتالنا شبرا بشبر فنحن قاتلنا وسنبقى في مكاننا ولن نتخلى عنه”. ولكن دبابات الأتراك دخلت بكثافة في القتال الى جانب البارتي، فعلى سبيل المثال نجحت تلك الدبابات في الصعود الى (تلة حمد اغا) وأخذتها منا، ثم إستولت على منطقة (هيران)، ومن ناحية أربيل تقدمت الدبابات صوب وادي (سماقولي) وإحتلت رواندوز، كانت الدبابات تأتي من كل مكان، والطائرات كانت تحوم فوقنا، وقوات الكوماندوس التركية ومدافعها على الأرض. لقد إستجمعوا أفضل طائراتهم المتقدمة من ضمن قواتهم في حلف الناتو من نوع (اف 15 و16) وكان القصف مستمرا من الصباح الى المساء.
اتفاقية واشنطن بين الإتحاد والبارتي
* بعد فشل جهود كثيرة لتحقيق المصالحة إثر معركة (عاصفة الثأر) تدخلت أمريكا ونجحت في عقد إتفاقية واشنطن لتحقيق السلام والمصالحة بينكم و بين البارتي، هل لنا أن نعرف كيف حصل ذلك الإتفاق و ماهو تقييمك له؟
– جاءت الإتفاقية بمبادرة من أمريكا، لقد بذل الأمريكان سابقا جهودا مضنية مع الحزبين لتحقيق المصالحة، وأرسلوا وفودا عديدة الى كردستان و بالأخص روبرت دويتش الذي تجشم عناء كبيرا بهذا المجال، ومنذ البداية وافقنا على جميع المقترحات التي قدمها الأمريكان، ولكن البارتي كان يرفضها دوما. وبعد توقيع إتفاقية أنقرة في 31/10/1996 تراجع البارتي مرة أخرى عن إلتزاماته. وكانت الإتفاقية تضم 16-17 مادة وافقنا نحن عليها جميعا، ووافق عليها أيضا سامي عبدالرحمن الذي ترأس وفد البارتي، ولكن المكتب السياسي لحزبه لم يوافق، وهكذا بدأ الأمريكان بالمبادرة لأخذ زمام الأمور بأيديهم وحاولوا أن يفعلوا شيئا حتى لا تتعرض تجربة كردستان الى الأنهيار ويستفيد منه النظام العراقي، وخاصة أن البارتي بعد إحتلاله أربيل جر النظام الى أتون المواجهة وأراد أن يعطيه دورا في ذلك، ولكن الأمريكان حاولوا إفشال تلك المخططات ومنع النظام من أي تدخل، ولذلك إستدعونا الى واشنطن وأتذكر أنه في أول لقاء جمعني مع مسعود، كان هو جالسا في غرفة و حين دخلت عليه تصافحنا بحرارة و جلسنا معا، فإستغرب الأمريكان هذا اللقاء الحميم لأنهم لم يكونوا يتوقعون ذلك.وبعد مناقشات مستفيضة بيننا وبين البارتي توصلنا الى قبول المشروع الأمريكي الذي أعد بهذا الشأن، وكان الأمريكان قدموا لنا مشروعا آخر فيما سبق وهو مشروع يلبي معظم مطالبنا الأساسية من حيث إستعادة الأموال و توزيع المساعدات والعودة الى أربيل. وظن بعض أعضاء البارتي أن هذا المشروع صاغه و كتبه الدكتور برهم صالح و لذلك رفضوه، فأعد الأمريكان مشروعا بديلا ووافقنا عليه و وقعناه معا، وأخذوا نص الإتفاق الى السيدة مادلين أولبرايت و طلبتنا السيدة أولبرايت فذهبنا إليها أنا و مسعود بارزانی و برهم و هوشيار زيباري. قدمت السيدة أولبرايت تهانيها إلينا وقالت”هذا إتفاق جيد، وأوعدكم إذا إلتزمتم به فسندعمكم وندافع عنكم وسنساعدكم أيضا في إعادة إعمار بلدكم، وأنا على إستعداد لكي أعلن الإتفاق أمام و كالات الأنباء لأؤكد لكم دعم أمريكا، ولكن لدي بعض الشروط عليكم أن تعدوني بالموافقة عليها وهي:
أولا: تعدونني بأن تطبعوا الأوضاع، وأن تتحول مدن أربيل ودهوك والسليمانية الى مدن آمنة للكل.
ثانيا: تصبحون شركاء في الموارد المالية و توزعونها بينكم بالعدل.
ثالثا: تقبلان معا بتنظيم إنتخابات جديدة.
رابعا: توحدوا الحكومة والإدارتين.
فإذا قبلتم بهذه الشروط الأربعة، سآتي معكم و أعلن الإتفاق.
سبقني مسعود بارزاني بالرد عليها وقال “نوافق على جميع الشروط وبزيادة أيضا” و قلت أنا “أضم صوتي الى صوت كاك مسعود وأقبل جميع شروطكم”، خرجنا من عندها، ثم أعلن الإتفاق بحضورها ورعايتها.
مرونتي تصب في خدمة قضيتنا القومية وتحقيق السلام
* كثيرا ما يتردد القول بأن الإتحاد الوطني يتعامل دائما بمرونة مع البارتي و بأن مام جلال يقدم تنازلات كثيرة للعائلة البارزانية، هل تعتقد بأن هذه التصرفات تفيد فعلا لإقرار السلام، ألا تعتقد بأن ذلك ضعف منكم؟
– أقر بأن هذه المرونة موجودة عندي وأني معتاد عليها، ولكني أعتبرها تصب في خدمة قضيتنا القومية وتحقيق السلام وهو الهدف الأسمى للشعب، فهذه العائلة تحتاج الى مواقف تعيد الثقة بيننا وتطمئن قلوبهم تجاهنا ولذلك أتعامل معهم بهذا الأسلوب. بالنسبة لي لدي علاقة قديمة جدا مع العائلة البارزانية منذ عهد الملا مصطفى، وكانت لي علاقة طيبة مع الشيخ أحمد البارزاني وكذلك مع العديد من أبناء وأحفاد البارزانيين، فعلى سبيل المثال كانت علاقتي جيدة جدا مع الشيخ صادق ومع عبيدالله نجل البارزاني. كذلك مع عدد كبير من البيشمركة الذين أحاطوا بالملا مصطفى، وأعتقد بأن هذه العلاقات ضرورية ومطلوبة، وخاصة أنت تعرف بأن هذه العائلة تقود وتترأس الحزب الديمقراطي الكردستاني وهم قادته الحقيقيون، ولذلك فإن تحسين العلاقة مع هذه العائلة سينعكس على تحسين العلاقات بين البارتي والإتحاد الوطني.
وأعتقد بأن مام جلال حين يتصرف هكذا فهو لايريد شيئا لنفسه، بل من أجل تحقيق مكسب لكردستان وتحقيق أماني شعبه، وأظن بأن الشعب بأكمله يدرك هذه الحقيقة ويستوعبها ولا أرى ذلك ضعفا مني، أما كيف يفسر أعضاء البارتي هذه العلاقة فهم أحرار، ولكن الآن أصبح الجميع يدرك بأن الإتحاد ينطلق من موقع القوة لتحسين علاقاته معهم.فليس وضع بيشمركتنا أسوأ من وضعهم، و حكومتنا ليست أسوأ حالا من حكومتهم، فعلاقتنا مع شعبنا أفضل، ومع تركيا وأمريكا ويران والدول العربية تتطور. وكذلك علاقاتنا مع الإشتراكيين الديمقراطيين وخاصة بعد أن أصبحنا مرشحين لعضوية منظمة الإشتراكية الدولية، ولذلك فهم مسعود البارزاني ورفاقه بأننا لسنا ضعفاء، بل نحن حريصون عبلى مصلحة الكرد وحل مشاكله وخلافاته.