×

  المرصد الامریکي

  إيران وفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية



*د. محمد عباس ناجي

ترقب حَذِر

 

*انترريجيونال للدراسات الاستراتيجية

رغم أن ردود الفعل الأولية الإيرانية، على المستويين الرسمي والإعلامي، وفي فترة ما قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر 2024 وما بعدها، تعتمد على أنه لا فرق كبير بين الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب" ونائبة الرئيس الأمريكي "كامالا هاريس" فيما يتعلق بإيران، إلا أن ذلك لا ينفي أنه بمجرد إعلان فوز "ترامب" بالانتخابات، سادت حالة من القلق داخل الأوساط السياسية ودوائر صنع القرار في إيران، في ظل "إرث الخلافات والعداء" الذي كان قائماً بين إيران وإدارة "ترامب" في فترته الرئاسية الأولى (2017- 2021)، على نحو يُوحي بأن إيران سوف تترقب بحذر التغير المحتمل في السياسة الأمريكية تجاهها مع بداية تولي "ترامب" مقاليد منصبه في 20 يناير 2025 وتداعياتها على مصالحها وموقعها من التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على مدى أكثر من عام.

 

مخاوف عديدة

كانت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية "فاطمة مهاجراني" أول من علق على فوز الرئيس "دونالد ترامب" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث جاء تعليقها عاماً ولا يُوحي بتبني موقف واضح من جانب إيران للتعامل مع المعطيات الجديدة التي سوف تفرضها نتائج الانتخابات الأمريكية. إذ قالت "مهاجراني" إن "أرزاق الإيرانيين لن تتأثر بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية"، وأضافت أن "الانتخابات الأمريكية لا تعنينا حقاً، ولا يهم من سيكون رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة.. سياستنا ثابتة ولا تتغير بناءً على أفراد، قدمنا الخطط اللازمة من قبل ولن يكون هناك تغيير في سبل عيش الناس".

لكن ذلك لا ينفي أن إعلان فوز "ترامب" أثار ردود فعل متباينة داخل الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية، على نحو يطرح دلالات عديدة، يتمثل أبرزها في:

 

1- وجود تخوفات من عودة سياسة "الضغوط القصوى":

تتفق معظم الاتجاهات داخل إيران على أن عودة الرئيس "دونالد ترامب" إلى البيت الأبيض من جديد معناه عودة تفعيل سياسة "الضغوط القصوى" التي سبق أن تبناها في الفترة الرئاسية الأولى له، والتي بدت جلية في الجهود التي بذلتها إدارته في "تصفير" الصادرات النفطية الإيرانية، بعد أن أعادت فرض العقوبات الأمريكية عليها من جديد في 7 أغسطس 2018، عقب الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018.

ورغم أن إيران لم تَرَ تغييراً كبيراً في السياسة التي تبنتها الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة "جو بايدن"، خاصةً مع فشل المفاوضات غير المباشرة التي عُقدت بين الطرفين بمشاركة أطراف أخرى مثل الاتحاد الأوروبي؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن الإدارة الحالية اتخذت خطوات "تهدوية" نسبياً تجاه إيران، على غرار التغاضي عن تهريب إيران النفط، لدرجة أن الصادرات النفطية الإيرانية وصلت إلى مستوى 1.7 مليون برميل نفط يومياً، أي ما يوازي نحو 65% من الصادرات النفطية الإيرانية قبل فرض العقوبات الأمريكية على إيران مجدداً.

 

2- التحسب لتكرار تجربة اغتيال "قاسم سليماني" مجدداً:

 كان الرئيس "دونالد ترامب" هو من أصدر قرار اغتيال القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري "قاسم سليماني"، في 3 يناير 2020، بعد خروجه من مطار بغداد برفقة نائب الأمين العام لهيئة الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس"، وهو القرار الذي سبق أن تراجع عنه كل من الرئيسين الأمريكيين السابقين "جورج بوش" و"باراك أوباما"، بحسب تقارير عديدة وردت في تلك الفترة، نظراً لتحسبهما من رد فعل إيران المحتمل إزاء ذلك، وهو ما لم يضعه "ترامب" في اعتباره عندما اتخذ هذا القرار، الذي ما زالت إيران تعاني من تبعاته حتى الآن، رغم أنها سارعت في اليوم نفسه إلى ملء الفراغ الناتج عن اغتيال "سليماني" بتعيين "إسماعيل قاآني" في منصبه.

هنا، فإن إيران في ظل حالة الاحتقان التي تتصاعد حدتها على المستوى الإقليمي خلال الفترة الحالية، والتي دفعت المليشيات الموالية لها إلى مهاجمة القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة، ربما تدفع "ترامب" مجدداً إلى تبني التوجه نفسه، عبر العمل على تصفية قيادات عسكرية إيرانية يُرى أن لها دوراً في توجيه هذه الهجمات، على غرار قائد فيلق القدس "إسماعيل قاآني"، الذي قد يكون أيضاً أحد الأهداف المحتملة لإسرائيل خلال المرحلة القادمة، في حالة ما إذا تصاعدت حدة المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران، ولا سيما بعد أن بدأت الأخيرة في توجيه تهديدات مباشرة بأنها سوف ترد عسكرياً على الهجمات التي سبق أن شنتها إسرائيل ضد إيران في 26 أكتوبر 2024.

 

3- التخوف من تشجيع تل أبيب على مواصلة استراتيجيتها العسكرية:

 لا تستبعد إيران أن تكون إحدى النتائج الأولية والمبكرة لفوز "ترامب" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، هي اندفاع إسرائيل إلى مواصلة الاستراتيجية العسكرية التي تتبناها حالياً، والقائمة على ضرورة العمل على تفكيك البنية العسكرية للمليشيات الموالية لإيران في الدول والمناطق المحيطة بها، سواء في لبنان أو سوريا، أو غزة.

إذ كانت طهران من ضمن العواصم التي اعتبرت أن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، أو تسوية تنهي الحرب في لبنان، كان يعني أنه ينتظر فوز "ترامب" في الانتخابات الأمريكية، على نحو يمكن أن يوفر لها مزيداً من الدعم الأمريكي على المستويين السياسي والعسكري.

وهنا، فإن إيران تتخوف من أن ذلك قد يدفع "نتنياهو" إلى استكمال خططه العسكرية والتي قد يتحول بعدها إلى إدارة مواجهة عسكرية مباشرة وواسعة النطاق مع إيران، خاصةً في ظل حرصه اللافت للانتباه على شن حملة جديدة خلال الأيام الأخيرة ضد البرنامج النووي الإيراني، حيث بدأ يروج لـ"التهديدات الوجودية" التي يفرضها هذا البرنامج على أمن إسرائيل.

 

4- احتمال بدء مرحلة جديدة من الانفتاح بين إسرائيل ودول عربية:

لا تستبعد اتجاهات عديدة في طهران أن وصول "ترامب" مجدداً إلى البيت الأبيض قد يؤدي إلى بدء مرحلة جديدة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وهي الاتفاقيات التي ما زالت إيران ترى أنها أول المستهدفين منها، لأنها -بحسب رؤيتها- تهدف إلى تكوين حشد إقليمي مناوئ لطموحاتها الإقليمية والنووية.

وفي رؤية طهران، فإن "ترامب" من أجل إنجاز بعض تلك الاتفاقيات قد يعمد إلى ممارسة ضغوط قوية على إسرائيل والدول العربية المرشحة لإبرام تلك الاتفاقيات، خاصةً مع السعودية، بالتوازي مع تقديم حوافز عديدة للطرفين من أجل تعزيز احتمالات الوصول إلى تلك الصفقات. وفي رؤيتها، فإن هذه الاستحقاقات قد يتم الانخراط فيها مبكراً بمجرد الوصول إلى قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة أو تسوية تنهي الحرب في لبنان، على نحو ترى أنه لا يتوافق مع حساباتها ومصالحها في المرحلة الحالية.

 

سياسة الانتظار

في ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران في ظل قلقها الحالي من التوجهات التي يمكن أن يتبناها الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب"، ليس أمامها إلا تبني سياسة "انتظر وراقب"، إلى حين استقرار الرئيس "ترامب" على تشكيل إدارته الجديدة وتحديد أولويات السياسة الخارجية التي سوف يتبناها، وبعدها تبدأ إيران بدورها في تحديد أولوياتها، حيث يُتوقع أن تبدأ دوائر صنع القرار في طهران في وضع سيناريوهات محتملة لإدارة العلاقات مع "ترامب"، الهدف منها جميعاً هو منع تدهور التصعيد المحتمل بين الطرفين ووصوله إلى الخط الأحمر، الذي يتمثل في الانخراط في حرب مباشرة سواء مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.


09/11/2024