*د.محمد نور الدين
لم يتأخّر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في تهنئة الرئيس الامريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي وصفه، عبر منصة «إكس»، بـ«الصديق»، آملاً في أن يبذل جهوداً إضافية من أجل «عالم أكثر عدالة».
وكتب إردوغان: «إنّني أهنئ الصديق دونالد ترامب بانتخابه رئيساً للولايات المتحدة الامريكية، بعد معركة عظيمة. في هذه المرحلة الجديدة، أتمنّى تعزيز العلاقات التركية - الامريكية، وأن تنتهي الأزمات والحروب الإقليمية والدولية، وعلى رأسها المسألة الفلسطينية، والحرب الروسية - الأوكرانية.
وإنني واثق بأنّك ستبذل جهوداً أكبر من أجل عالم أكثر عدالة. أتمنى أن يكون انتخابكم وسيلة للخير من أجل الشعب الامريكي الصديق والحليف وكل الإنسانية».
بالنسبة إلى الرأي العام التركي، فلا يمكنه سوى عقد مقارنة بين ما كانت عليه العلاقات إبّان عهدة الرئيس المنتخب الأولى، وبين السنوات الأربع الأخيرة غي ظلّ إدارة جو بايدن. وحفلت ولاية ترامب الأولى بفرض عقوبات امريكية على تركيا على خلفية صفقة «إس-400» التي أبرمتها أنقرة مع موسكو في عهد باراك أوباما. وللسبب نفسه، استُبعدت تركيا من برنامج طائرات «إف-35». ولا شكّ في أن الأتراك يحفظون جيداً لإردوغان أنه تلقّى، في عام 2018، رسالة مهينة طالبه فيها ترامب بإطلاق سراح القس الامريكي المعتقل، أندرو برونسون، تحت طائلة «تدمير الاقتصاد التركي»؛ فكان له ما أراد. لكن العهد الأول لترامب شهد أيضاً اتفاقاً تركياً - امريكياً سمح لأنقرة بغزو منطقة شرق الفرات، في ما سمي بعملية «نبع السلام»، فضلاً عن أن الرئيس الجمهوري استقبل إردوغان مرتين في البيت الأبيض، عامَي 2017 و2019.
في المقابل، يحتفظ الأتراك لبايدن، ومن قبله أوباما، بدعمه بقوة «قوات سوريا الديموقراطية» في شرق الفرات، كما أن الرئيس الحالي لم يستقبل إردوغان في البيت الأبيض، خلال مدة ولايته. ولهذا، يَنظر الرئيس التركي إلى فوز ترامب بارتياح، على أمل أن تنعكس علاقته الشخصية «الإيجابية» معه، على مستقبل العلاقات بين البلدَين.
وفي محصّلة لرؤية بعض الخبراء الأتراك، فإن مستقبل العلاقات على المدى القريب سيشهد مكاسب لمصلحة تركيا، فيما تبقى العبرة في النتائج المحتملة على المدى الأبعد.
ويقول رئيس «مركز أبحاث السياسة الخارجية والاقتصاد»، سنان أولغين، إن «العلاقات التركية - الامريكية ستشهد إعادة تقييم جديدة في الأشهر الأولى من حقبة ترامب»، فيما «الدافع الأكبر سيكون العلاقات الجيدة على مستوى الرئيسَين إردوغان وترامب».
ومن جهته، يشير رئيس قسم العلوم الإدارية والاقتصادية في جامعة «يدي تبه»، دينيز تانسي، إلى أنه لا يمكن تجاهل أهمية «الحوار الخاص» الذي كان قائماً بين إردوغان وترامب، ولكن ذلك «لا ينفي أن العلاقات الدولية لا تخلو من الهفوات والثغرات».
ويرى تانسي أن سوريا ستكون نقطة البداية في العلاقات الثنائية، بعدما عرفت هذه الساحة تعاوناً قوياً مع بدء عملية «نبع السلام» في تشرين الأول 2019. أمّا أولغين، فيشير إلى أن السلبية الأكبر في العلاقات بين البلدين، هي «الدعم الامريكي لقوات سوريا الديموقراطية في شمال سوريا، منذ عام 2015»، متوقعاً أن يعيد ترامب النظر في هذه المسألة، فيما يُقدّر تانسي تراجع التأييد العسكري الامريكي لـ«قسد»، من دون الجزم بما سيكون عليه الموقف النهائي لواشنطن من الوضع في الشمال السوري.
وبدوره، يرى الباحث المعروف، صولي أوزيل، أن إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة سيدفع الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى تغيير نظرته إلى تركيا، والتي ستكون أكثر إيجابية.
ويقول: «في حال انسحاب امريكا من سوريا، فإن دمشق وأنقرة ستعملان معاً للتضييق على الكرد في سوريا، وصولاً إلى تصفية وجود قسد وحزب العمال الكردستاني». وبالنسبة إلى إسرائيل وإيران، يرى تانسي أنه «يوجد نمط علاقات سياسية خاص بين ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. لذا، إن الهوة بين تركيا وإسرائيل ستكون مشكلة أمام تطوّر العلاقات الامريكية - التركية.
وتوجد تساؤلات حول المخارج التي تبحث عنها تركيا»، فيما يقول أولغين إن الدعم التركي للفلسطينيين يشكّل نقطة «تعارض كاملة» مع ترامب المؤيّد بالكامل لنتنياهو. ووفقاً له، فإن «سياسة امريكا تجاه إيران تمثّل عامل عدم استقرار كبير في المنطقة، إذ إن إشارات ترامب، خلال الحملة الانتخابية، إلى دعم إسرائيل لقصف المفاعلات النووية الإيرانية، تحمل أخطاراً كبيرة على تركيا، لأنها ستعني انفجار حرب إقليمية».
أيضاً، يرى تانسي أن ضرب النووي الإيراني يعني كارثة كبرى في المنطقة، وأن ترامب قد يكون أكثر اعتدالاً بعد انتخابه، لكن لا أحد يجزم بما سيكون عليه الأمر.
وفي ما يخصّ الاقتصاد، فإن سياسات ترامب الحمائية في التجارة ستمثّل، بحسب أولغين، «عاملاً ضاغطاً على الاقتصاد التركي. التغييرات الجذرية في بنية الاقتصاد الامريكي، والتي يعد بها ترامب، لن تكون مؤاتية للاقتصاد التركي».
ويرى تانسي، من جهته، أن انتخاب ترامب سيجعل تركيا تتباطأ في خطوات الانضمام إلى «بريكس»، إذ لا يَعتقد أن يكون ترامب «متفهّماً ومعتدلاً في هذا الموضوع. كما لن يكون مرتاحاً للاستثمارات الصينية في تركيا، ولا سيما في مجال الإلكترونيات».
وبالنسبة إلى الحرب في أوكرانيا، يقول تانسي إنه ينتظر أن يكون هناك اتجاه نحو إنهائها، وإنه يمكن لأنقرة، والحال هذه، أن تضطلع بدور «إقناع» كييف بإنهاء الحرب.
وحول العلاقة الأطلسية بين تركيا والولايات المتحدة، يرى رئيس «وقف أبحاث السياسات الاقتصادية لتركيا»، سليم قورو، أن «انزعاج ترامب سابقاً كان من عدم إيفاء الأوروبيين بالتزاماتهم تجاه الحلف، فيما هو مرتاح لإسهامات تركيا. والعلاقات بينهما في نطاق الأطلسي ستكون جيدة».
ويقول الخبير المخضرم في السياسة الخارجية، إيلتير طوران، في حوار تلفزيوني، إن «الرئيس الامريكي وحده لا يستطيع إيقاف حروب امريكا، ولا سيما في الشرق الأوسط. فاللوبي اليهودي له نفوذ كبير في هذا المجال.
وقد يكون تأثير فوز ترامب على وقف الحرب في الشرق الأوسط أقلّ، فيما يمكنه، بالتعاون مع روسيا، وقف الحرب في أوكرانيا». ويرى أن «الحديث عن وقف إطلاق النار في غزة لا يزال مبكراً، خصوصاً أن نتنياهو يتصرّف على أساس أنه لا أحد يمكنه أن يوقفه هناك. لكن في حال قال له ترامب: أوقف الحرب، فلن يكون أمام نتنياهو سوى التجاوب».