*فلاح المشعل
يشكل فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الامريكية نقطة تحول نوعية ومهمة في علاقات امريكا مع غالبية أنظمة وسياسات دول الشرق الأوسط، ومنها النظام السياسي العراقي الذي سيشعر بحرج شديد، لأنَّ ما يُعرف عن ترامب عدم قبوله ازدواجية الموقف للحكومة العراقية، سواء في العلاقة مع إيران، أو في الموقف من الفصائل المسلحة وتهديدها المستمر للمصالح أو القواعد الامريكية، إضافة لموقفها المساند لإيران في الحرب ضد إسرائيل.
ما زالت أحداث مطار بغداد واغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، ذلك الحدث ما زالت تداعياته في الذاكرة السياسية للعديد من الفصائل والأحزاب السياسية الشيعية الحاكمة في العراق، بل يُحمِّل تلك الأحزاب والحكومات مشاعر التأنيب والتقريع من قبل إيران التي فقدت أهم قائد عسكري لديها، سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني.
العلاقة بين امريكا والعراق خلال السنوات الأربع الماضية كانت تتصف بالمد والجزر، كذلك في ازدواجية الموقف، فهي، أي امريكا، علاقتها جيدة وارتباط مصالح باتفاقات مع الحكومة العراقية، لكنها علاقة عدائية واستهدافات متبادلة مع الفصائل المسلحة وقادتها ومقار أسلحتها وعتادها، ما جعل من الثابت لدى غالبية هذه الفصائل أن امريكا عدوها اللدود، وما يشدد من ذلك الشعور أيضاً مواقف امريكا وعقوباتها ضد إيران، التي تمثل المرجع العقائدي والسياسي والممول الأول لأنشطتها في داخل العراق أو خارجه.
مجيء ترامب لرئاسة امريكا، وفي ظل أوضاع حربية تسود الشرق الأوسط، يضع سؤالاً مهماً أمام النظام السياسي العراقي في اختيار أحد الطريقين الواضحين في سياستها الخارجية والداخلية، إما كبح نشاط الفصائل والميليشيات بعناوينها المتعددة، والعمل على تركيز الجهود في بناء علاقة مصالح وثيقة مع امريكا وإحياء العمل بالاتفاقات السابقة بين البلدين، والتعامل بالأمر الواقع مع مصارحة جدية للجارة إيران بأن العراق لا يقوى على الحرب واحترام الموقف الحكومي الذي تكرر إعلانه عدة مرات.
انتهاج ازدواجية الموقف من قبل العراق وعدم قدرة حكومته وأحزابه على مواجهة إيران سوف يضع العراق في مواجهة صريحة مع امريكا، ولم تزل الذاكرة العراقية تحتفظ بمعدلات العنف الرهيب والدمار الذي سببه الجمهوريون في زمن بوش الابن عندما احتلوا العراق، ودمروا بناه التحتية ومراكزه الاقتصادية والصناعية ومنشآت الطاقة والجسور وكل شيء.
اليوم لا تحتاج امريكا لشن الحرب العسكرية على العراق في حال دخوله في مواجهة معها أو مع إسرائيل، بل تكفي العراق بعض قرارات عقابية اقتصادية، وتشديد الرقابة والمتابعة على شحنات الدولار التي تأتي إلى العراق وخفضها.
هذه العقوبات وحدها سوف تتسبب بانهيار اقتصاديات العراق، والتي تعتمد على مبيعات النفط التي تذهب وارداتها إلى البنك الاتحادي الامريكي، صندوق تنمية العراق، للحفاظ عليها بموجب قرار الرئيس الامريكي بعد احتلال العراق عام 2003.
*موسوعة ايلاف