السيدة الأولى تروي قصة انتصارها على مرض السرطان
"أود مشاركتكم قصتي التي مضت عليها سنوات وتشكل أنموذجا للانتصار والأمل"، بهذه الكلمات ابتدأت سيدة العراق الأولى كلماتها، لتروي للذين مروا ويمرون بمعاناة مرض السرطان وبتلك الآلام مثلما مرت بها في تلك السنوات.
قالت شاناز إبراهيم أحمد: "في الحقيقة كنت أعيش حينها في بريطانيا.. ولديهم هناك نظام يحض بإستمرار عبر الرسائل على إجراء الفحوصات الدورية للكشف المبكر عن المرض ولكن مشاغل الحياة تلهينا عن تلك الفحوصات التي لا تستغرق أكثر من نصف ساعة".
واستدركت في حديثها ( المتلفز ): "وصلتني تلك الرسائل مرات عدة ولكني أهملتها للأسف الشديد وفي يوم من الأيام وبينما كنا نستعد للسفر والعودة إلى كردستان ولم يبق لذلك سوى يومين أحسست بوجود ورم أو عقدة بجسمي، وفي الحقيقة هذا الإحساس راودني قبل مدة قليلة من السفر وكنت قلقة وفي حيرة من أمري بين الذهاب لإجراء الفحوصات التي ربما تظهر إصابتي بالسرطان وتعكر علي متعة العودة، أو القلق من عدم الإجراء أصلا. لكني قررت إجراء الفحوصات وتوجهت للطبيب الذي حجز لي موعدا في المستشفى وأجريت هناك مجموعة مختلفة من التحاليل والفحوصات وبدأ على العاملين في المشفى أن الموضوع جدي حقا لأنهم طلبوا مني العودة غدا لإجراء المزيد من الفحوصات، راودني إحساس بأني مصابة حقا والإ لكانوا قد أخروا موعد التحاليات الأخرى".
لم أخبر أحدا
وتابعت السيدة الأولى: "أجريت الفحوصات المتبقية وأخبروني بضرورة العودة لأخذ النتائج بعد إكمال رحلة كردستان والعودة إلى بريطانيا. بينما نحن تجهزنا للسفر صادفنا بانتهاء صلاحية جواز السفر الخاص بابنة أختي وتدعى (خونجه) ما استدعى تأجيل السفر وأخبرت طبيبي بذلك الأمر، دفعهم لحجز موعد لي في المستشفى في وقت ممكن.. إدارة المستشفى اتصلت بي صبيحة اليوم المقرر وطلبوا مني عدم المجيئ لوحدي واصطحاب مرافق معي".
واستدركت "أن الطلب في حد ذاته رسالة.. ولأني متعودة على تمشية أموري الخاصة ومعتمدة بدرجة كبيرة على نفسي في ذلك، لم أخبر أحدا بالموضوع وتوجهت لوحدي للمستشفى وكان بإستقبالي الطبيب المختص وممرضتان اثنتان".
الطبيب سأل: هل إصطحبت معك أحدا؟ قلت له: لا أحد.. فرد قائلا: سبق أن أخبرناك بأهمية أن يكون معك مرافق حتى لو كنت تجرين فحوصات إعتيادية روتينية. قلت له: لا لا أحتاج أحدا لمرافقتي.
وتابعت: "تبادلنا النظرات حتى طلبت منه الكف عن الكلام وقلت له: أخبرني كم تبقى لي من الحياة؟ لأني في حالة الإصابة بمرض السرطان يتبادر للمرض في الوهلة الأولى الموت وعدد الأيام المتبقية من الحياة. في الحقيقة لم يرد الطبيب على سؤالي ولكنه أشار إلى مراحل العلاج والعمليات الجراحية وما شابه.
قررت بعد ذلك الإستمرار على نمط عيشي في الحياة ولن أخبر أحدا بالمرض. لكني كنت بحاجة إلى وقت أكثر للتفكير.
ما زلت أتذكر يومها كنا قد أقمنا عزيمة لمجموعة ضيوف على العشاء. قررت لحظتها بالتوجه إلى( السوبر ماركت ) لشراء مستلزمات الوليمة ولكن قبلها جلستُ في مقهى مجاورة وتناولت مع القهوة كمية كبيرة من الحلوى بالرغم من كوني لست من محبي السكريات وأشعلت معها ثلاث سجائر ، بعدها توجهت للتسوق والعودة للمنزل وإعداد الطعام وإستقبال الضيوف وترتيب المنزل وكأن شيئا لم يحصل".
ومضت السيدة الاولى بالقول: "وفي الليل وأنا في فراش النوم فكرت مليا.. وقلت في نفسي: إن مهامي كثيرة جدا وأطفالي لا يزالون صغارا ويمرون بمرحلة حساسة جدا في حياتهم ، كردستان من جهتها تمر بوضع غريب ومعقد والعراق معلوم وضعه أصلا ولا نعلم هل سيتم الهجوم العسكري على العراق أم لا؟ هل سيظل الدكتاتور في منصبه؟ وما هو مصيرنا نحن؟ هل سنعود يوما ما إلى السليمانية ونعيش هناك؟ أم أنني سأظل في هذا البلد حتى الممات؟".
وأضافت: "كل تلك الأسئلة كانت تدور في خلدي، الحزن كان يخيم علينا جميعا لأن والدي لم تمض على وفاته سنتان.. لم أكن أود أن أثقل كاهل وحزن عائلتي بهذا الخبر، لذا قررت مواجهة المرض لوحدي وعدم البوح به لأي شخص، وقررت بيني وبين نفسي أن لا مرض يستطيع أن يغلبني وأني منتصرة عليه لا محال".
وتابعت شاناز إبراهيم أحمد: "وقتها فقدت الكثير من وزني وأصبح ذلك محل سؤال الكثيرين وكنت أرجعه إلى الإرهاق لأني كنت ولا أزال أحب أن أنجز مهامي بنفسي بدءا من الاعتناء بالحديقة وغسل الملابس وكيها والطهي وكل شيء".
ومضت بالقول: "لقد كنت فترة مرضي منشغلة جدا بالاعتناء بالحدائق والبستنة وحملت سبب فقدي للوزن إلى ذلك.. ولكن هيرو خان قالت لي في السليمانية: ما سبب هذا النحول؟ وقالت: إني قلقة عليك جدا، لون بشرتك لا يطمئن. ولأني لم أخف شيئا عن هيرو خان وأشاركها كل تفاصيلي منذ صغري، أخبرتها بحقيقة الأمر.. حزنت على إثر ذلك كثيرا وقالت: سأعود معك إلى بريطانيا. قلت لها: لا لا يمكن ذلك لأن الجميع سيحسون بوقوع مكروه. ونظمت لنا هيرو خان رحلة ممتعة في كردستان وكانت تسعى للتوجه بي نحو أماكني المفضلة ومنها سوق القيصيرية".
وأضافت: "في الحقيقة لم أكن أحبذ ما تفعله من أجلي. قلت لها: لا تأخذيني معك إلى سوق القيصيرية الآن. لقد قررت أن أعود مجددا للسليمانية وسنزور السوق مرات ومرات، لذلك لا حاجة بأن تأخذينني إلى أماكني المفضلة. ضحكنا كثيرا وقلت: لا تصحبيني لأي مكان آخر وعدم شراء أي شي أحبه أنا".
أردفت السيدة الأولى: "مررت بعد العملية بمراحل العلاج وتداوي الجراحة والعلاج الكيميائي، لقد استغرق الأمر وقتا طويلا. واحدة من الأمور التي لن أنساها يوم تساقط شعري من بين يدي لحظة الاستحمام. لقد أثر فيّ الأمر كثيرا وكثيرا. وبينما كان الشعر المتساقط في إحدى يداي كنت منهمكة في جمع الأخريات داخل حوض المغسلة. تساقط الشعر أثر فيّ أكثر من أي شيء آخر في رحلة العلاج. أثر فيّ أكثر من تأثير الوحدة وإخفاء المرض من العائلة وأكثر من مرارة الأيام التي اسيطر فيها على نفسي كي لا أقول (آهٍ) جراء المرض. كي لا يشعر الأطفال بما يحدث لي".
وأوضحت: "عمليات العلاج والتداوي كنت أجريها في الفترة التي يقضيها الأطفال بالمدرسة. إني متأكدة بأن ذلك الشعور لا يزال يتملك الكثيرين. تلك التجربة المرة بدأت بالتشخيص ومرورا بالعلاج وانتهاء بالشفاء وعودة الشعر أود مشاركتها مع النسوة اللاتي ربما يمررن بتجربتي أو ربما ما هو أقسى.
السيدة الاولى : مام جلال احتضنني وقال لي: هل تحتاجين شيئا ما؟ قلت له: لا أحتاج إلا سلامتك. ضحك ضحكته الجميلة المعهودة".
وأوضحت: "أخبرت هيرو خان ومام جلال بأمر مرضي. وجاء في زيارة مفاجئة ومستعجلة إلى لندن وسبقته في ذلك هيرو خان وتحديدا في موعد أول جلسة للعلاج الكيمياوي وأخبرتني بأنها لا تريد أن تتركني لوحدي. وقالت: رغم أنك لم تخبري أحدا بمرضك بيد أنك إنسانة عنيدة جدا، فقلت لها: صحيح أنه من الجيد أن يقف معك أحد عند المرض غير أن الإنسان بوسعه مواجهة أقسى مواقف الحياة والموت. وبالنسبة لي ومواجتهي للمرض لوحدي فهو قرار اتخذته وأطمئنكم بأني سأنجو وانتصر على المرض.
مام جلال احتضنني وقال لي: هل تحتاجين شيئا ما؟ قلت له: لا أحتاج إلا سلامتك. قال: هل تخشين شيئا؟ قلت” كلا لا أخاف شيئا، ليس هناك ما يدعو للخوف. ضحك مام جلال ضحكته الجميلة المعهودة. وأعرب لي عن الأمل في الشفاء العاجل ثم عاد إلى كردستان".
أكملت سيدة العراق الاولى: "مرت كل تلك السنين أود أن أطمئن جميع الذين يصابون بهذا المرض بأن الإصابة به لا يعني نهاية العالم، فالمرض يمكن العلاج منه. وإني لو أجريت الفحوصات في حينها والوقت المناسب لربما مررتُ بفترة علاج أقصر من خمس سنوات قضيتها للعلاج. ولكن كلما أخرته إزدادت مشاكلك في الآلام والعلاج والأدوية. لذا فإنني أدعو جميع النساء إلى عدم إهمال أنفسهن والتوجه نحو المشافي لإجراء الفحوصات المبكرة وأقول لهن جميعا: ليس النحول ولا تساقط الشعر ولا الآلام التي تشعرين بها بداخلك نهاية للعالم بل ما يهم هو معنوياتك أنتِ. أنت التي يجب أن تكوني أقوى حصن لنفسك وأكبر داعم لنفسك. وأنت من تقررين الانتصار على المرض أنت فقط وليس غيرك. شكرا لكم".