*حسني محلي
الرسالة التي أعلن عنها البيت الأبيض رسمياً تهربت أنقرة من الرد أو التعليق عليها على الرغم من رد فعل الشارع الشعبي بعد اتهامات المعارضة لإردوغان "بعدم الدفاع عن شرف وكرامة الدولة والأمة التركية".
ولم تكن الرسالة هي الأولى في مسلسل تحرشات ترامب لتركيا والرئيس إردوغان، حيث كتب على حسابه في موقع تويتر في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2018 وتوعد أنقرة وقال إنه سيدمر اقتصاد تركيا إذا لم تخلِ سبيل الراهب الأميركي برونسون الذي كان معتقلاً منذ كانون الأول/ديسمبر 2016 بتهمة التجسس. فقد
أغضب ذلك الرئيس ترامب الذي قال "إذا كان الراهب برونسون جاسوساً فأنا جاسوس أكثر منه".
وكانت هذه التهديدات بما فيها الكشف عن ثروة الرئيس إردوغان الشخصية كافية لإخلاء سبيل برونسون في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 ليغادر تركيا فوراً واستقبله ترامب في البيت الأبيض.
وأما صفقة صواريخ أس - أربعمئة التي وقّعت أنقرة عليها مع موسكو فقد كانت هي أيضاً من بين الأسباب التي وترت العلاقات التركية - الأميركية حيث استبعدت واشنطن تركيا من مشروع إنتاج طائرات أف - 35 الأميركية ورفضت أن تبيع لها طائرات أف - 16.
ومن دون أن يمنع كل ذلك الرئيس إردوغان من اتهام الرئيس ترامب بإرسال الآلاف من الشاحنات المحملة بالأسلحة والمعدات العسكرية لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا على الرغم من حديثه عن سحب القوات الأميركية من المنطقة.
وهو ما لم يفعله ترامب بعد أن قال "إن ما يهمني هو البترول السوري وليس حقوق الشعب الكردي" وعلى حد قوله.
ويبدو أن الاهتمام بالملف الكردي سيكون من جديد ضمن أولويات الرئيس ترامب في الأيام الأولى من فترته الرئاسية الثانية والتي ستبدأ في 20 كانون الثاني/يناير المقبل.
وهو الاحتمال الذي يبدو أن الرئيس إردوغان قد وضعه بعين الاعتبار من خلال حديثه وحديث حليفه زعيم حزب الحركة القومية دولت باخشالي منذ الشهر الماضي، بعد أن أعلنا عن استعدادهما للمصالحة مع حزب العمال الكردستاني شريطة أن يعلن زعيمه عبد الله آوجلان الموجود في السجن منذ 25 عاماً بحل الحزب ووقف العمل المسلح ضد تركيا.
وهو الموضوع الذي بات واضحاً أنه سيكون العنصر الأهم الذي سيؤثر سلباً كان أم ايجاباً على سياسات واشنطن مع أنقرة التي تراقب هذه السياسات عن كثب بسبب انعكاساتها المحتملة على سياساتها الإقليمية والدولية، وفي مقدمة ذلك العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان وسوريا وتهديدات "تل أبيب" بشن هجوم شامل ضد إيران.
ويتوقع الكثيرون لإيران أن تكون الهدف الأول في مخططات الرئيس ترامب الذي سيكون على تنسيق وتعاون وطيد مع نتنياهو ليساعده ذلك على رسم خارطة جديدة للمنطقة، وستهدف إلى إقناع أو إجبار دولها للتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي حقق الكثير من المكاسب في عهد ترامب الأول بعد أن اعترف بالقدس عاصمة تاريخيّة ودينية ليهود العالم و"دولة إسرائيل".
وقد يكون هذا الموضوع العنصر الذي سيحدد مسار العلاقة بين الرئيسين ترامب وإردوغان، ولا يدري أحد هل وكيف سيتفقان في هذا الموضوع بعد تصريحات الرئيس إردوغان العنيفة ضد الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه نتنياهو الذي هدد وتوعد بدوره إردوغان وتركيا وقال عنها "إنها تقتل الكرد".
مع الحديث مبكراً في الإعلام التركي عن أهمية العلاقة الشخصية بين برات البابراك صهر الرئيس إردوغان، وهو وزير المالية السابق، مع اليهودي جاريد كوشنار، وهو صهر الرئيس ترامب الذي قد يكلفه بمهام جديدة في المنطقة حيث أدى دوراً في الاتفاقيات الإبراهيمية بفضل علاقاته الشخصية مع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان.
ومن دون أن يهمل الرئيس ترامب أهمية تركيا في حساباته الخاصة بسوريا، وحيث الوجود العسكري التركي بالتنسيق والتعاون مع عشرات الآلاف من مسلحي ما يسمى بالجيش الوطني السوري الذي تأسس في أنقرة في صيف 2019، يضاف إليهم الآلاف من مسلحي هيئة تحرير الشام الإرهابية النصرة سابقاً.
في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن علاقات الرئيس إردوغان مع الرئيس بوتين على الصعيدين الشخصي والرسمي ستكون ضمن اهتمامات الرئيس ترامب الذي وعد بإنهاء الحرب في أوكرانيا التي لإردوغان أيضاً علاقات وطيدة مع رئيسها زلينسكي.
ويبدو واضحاً أن ترامب سينتقم منه بسبب علاقاته الشخصية مع الرئيس بايدن. وفشل هو الآخر في إقامة علاقات وطيدة مع الرئيس إردوغان لأسباب عديدة، ومنها سياساته في الشرق الأوسط وعلاقاته مع إيران وانفتاحه على الصين، ومحاولاته للانضمام إلى بريكس، والأهم من كل ذلك استمراره في العلاقة الوطيدة مع الرئيس بوتين.
وتبقى علاقات تركيا الفاترة مع الاتحاد الأوروبي من بين الأمور التي قد تدفع الرئيس ترامب للاهتمام بالدور التركي إقليمياً ودولياً، شريطة أن تلبي أنقرة كل مطالبه وشروطه مقابل ضم تركيا إلى المشاريع الأميركية الجديدة الخاصة بالشرق الأوسط أولاً ثم في المناطق التي توليها واشنطن اهتماماً خاصاً، ومنها القوقاز وآسيا الوسطى حيث الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي ولها علاقات مميزة مع أنقرة ومعروف اهتماماتها بالأقليات المسلمة التي تعيش في جمهوريات الحكم الذاتي داخل روسيا الاتحادية بحجة أنها من أصول تركية.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على مدى نجاح الرئيس إردوغان في مساوماته مع الرئيس ترامب الذي لن يتردد في إنقاذ تركيا من أزماتها الاقتصادية والمالية الخطيرة، مقابل قبول أنقرة بكل الشروط والمطالب الأميركية التي ستساعد الرئيس ترامب في تحقيق أهدافه لبناء شرق أوسط جديد يكون هو سيده الأكبر، ومن دون أن يولي أي اهتمام لمن سيكون خادماً له في هذا الشرق طالما أنه من المحافظين الجدد الذين تلتقي عقيدتهم والعقيدة اليهودية الصهيونية وتصب معاً في خندق واحد ألا وهو معاداة الشرق بكل أعراقه وأديانه وطوائفه.
ويريد لها ترامب أن تأتمر بأوامره وإلا فعقابها سيكون شديداً ليس على يد الصهاينة فحسب كما هو الحال الآن في فلسطين ولبنان بل على يد المتصهينين القدماء منهم والجدد من العرب والمسلمين بمختلف أعراقهم وأديانهم وأطيافهم ولا هم لهم إلا التآمر على ما تبقّى من الشرفاء والمخلصين والأوفياء في العالمين العربي والإسلامي.
وأثبتت الحرب في غزة والضفة والآن في لبنان أن القضاء عليهم لم ولن يكن سهلاً أبداً إن لم يكن مستحيلاً، ومهما كانت التضحيات عالية بعلو أرواح شهدائها العظماء الذين أفشلوا حتى الآن كل المشاريع الإمبريالية والصهيونية وقريباً سيثبتون لترامب ومن معه أنهم ما زالوا كذلك.
*باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي