تداعيات انتخابات إقليم كردستان على المشهد السياسي
*محمد حسن الساعدي
تحول كبير في المشهد السياسي
لغة الأرقام والنسب تشير إلى أن الاتحاد الوطني هو الرابح الأكبر دون شك.
نجح الاتحاد الوطني في إيجاد الفرق الكبير في النتائج هذه المرة
جرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إقليم كردستان في ظل أجواء غاية في التعقيد، خصوصا في ظل العلاقة المتوترة بين الإقليم والمركز، والتي كانت متباينة في التعامل السياسي والاقتصادي، وعلى الرغم من هذا التباين إلا أن الحكومة المركزية أكدت على ضرورة إجرائها فهي تمثل خطوة مهمة من خطوات ترسيخ الديمقراطية في البلاد عموما، وتعكس الصورة الحقيقية للعلاقة بين المركز والإقليم، لذلك جرت هذه الانتخابات وسط مشاركة مهمة من الشعب الكردي ودعم من قبل الحكومة المركزية وبمشاركة مهمة بلغت نسبتها 72.6 في المئة وشارك في الاقتراع أكثر من مليونين وستمئة ألف ناخب من أصل حوالي 2.9 مليون مسجلين بايومتريا.
الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 20 أكتوبر- تشرين الأول جاءت لتحدث تحولا كبيرا في المشهد السياسي في إقليم كردستان وفي توازنات القوى ومعادلات الحكم، وكما كان متوقعا، نجح الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل جلال طالباني في إيجاد الفرق الكبير في النتائج هذه المرة، وعلى الرغم من أنه حل ثانيا بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، إلا أن لغة الأرقام والنسب مقارنة بآخر انتخابات جرت في 2018 تشير إلى أن الاتحاد الوطني هو الرابح الأكبر دون شك.
تراجع عدد مقاعد الحزب الديمقراطي الكردستاني بصورة دراماتيكية من 45 مقعدا، يضاف إليها 11 مقعدا لكوتا المكونات، أي بواقع 56 مقعدا، إلى 39 مقعدا، ما يعني أن الخارطة السياسية في داخل الإقليم تغيرت تماما، وأن هناك خرائط جديدة للقوة والنفوذ والأحجام، وما يرتبط بها من تغيير في آليات الحكم في الإقليم بالإضافة إلى أن من أبرز مفاجآت هذه الانتخابات خسارة حركة التغيير التي أسسها الراحل نوشيروان مصطفى عام 2009، والتي كانت تعد أقوى معارضة عبر تاريخ برلمان كردستان الذي بدأ عام 1992، حيث انخفض عدد مقاعدها تدريجيا من 24 مقعدا في أول مشاركة لها إلى مقعد واحد في الانتخابات الأخيرة، وهذا يعود إلى الانقسامات الداخلية التي طالت الحركة بعد وفاة مؤسسها، وتوزّع أصوات أنصارها بين الأحزاب الجديدة، خاصة حركة “الجيل الجديد”.
أعتقد وكما يرى العديد من المراقبين أن نتائج انتخابات برلمان إقليم كردستان 2024، أفرزت ثلاث قوائم رئيسية حصلت على نسبة 82 في المئة من عدد مقاعد برلمان الإقليم (البارتي، اليكتي، الجيل الجديد)، ما يعني أنها فرضت توازنا داخليا وخارجيا في الساحة الكردية، ما يعني أن النتائج ستؤدي إلى أن (البارتي واليكتي) سيذهبان إلى حسم اتفاقهما حول تقاسم السلطة في بغداد وإقليم كردستان بسلة واحدة (رئاسة الإقليم ورئاسة الجمهورية)، وذلك لعدم تمكن أي طرف من الأطراف الفائزة من الحصول على الأغلبية المطلقة (نصف زائد واحد) بسبب تقارب النتائج، مع ترجيحات بمنح الجيل الجديد رئاسة برلمان إقليم كردستان، وحضور في حكومة إقليم كردستان الائتلافية إذا ما قرر المشاركة مع باقي الأحزاب الكردية الفائزة، في حين ستنتظر باقي القوى الصغيرة اتفاق الأطراف الفائزة دون الانحياز لأحدهما ضد الآخر.
*كاتب عراقي/صحيفة"العرب"اللندنية
16/11/2024
|