×

  شؤون دولية

  أربع أولويات رئيسية تواجه القيادة الجديدة في سوريا



 

دمشق - تشير نهاية حكم عائلة الأسد بعد نصف قرن من القمع الوحشي إلى لحظة محورية لسوريا حيث توفر فرصة لإعادة بناء الأمة على أسس التعددية والاستقرار، لكن هذه المهمة لن تكون سهلة.

ويرى محللون أن تحقيق هذه الرؤية يعتمد على قدرة فصائل المعارضة على التعامل مع التحديات الهائلة التي يفرضها الانتقال.

ويشمل هذا تعزيز الوحدة بين المجموعات المتنوعة، ومعالجة المظالم الناجمة عن سنوات من الصراع، وإنشاء هياكل حكم تعكس التنوع العرقي والديني والسياسي في سوريا.

وتتمتع سوريا الآن بقوة جديدة في السلطة: هيئة تحرير الشام وقيادتها، بقيادة أحمد الشرع ( أبومحمد الجولاني).

ويقول محمد أوزالب، الأستاذ المشارك في الدراسات الإسلامية، في تقرير نشره موقع ذوكنفرسيشن إن القيادة الجديدة سوف تواجه تحديات فورية وأربع أولويات رئيسية:

 

1 - تعزيز السلطة:

 سوف تحاول القيادة الجديدة الآن ضمان عدم وجود جماعات مسلحة قادرة على الطعن في حكمها، وخاصة بقايا نظام الأسد والفصائل الأصغر التي لم تكن جزءا من قوات المعارضة.

والأمر الحاسم هو أنها سوف تحتاج أيضا إلى مناقشة كيفية تقاسم السلطة بين تحالف جماعات المعارضة. ومن المرجح أن يصبح الجولاني الرئيس المؤسس لسوريا الجديدة، ولكن كيفية توزيع بقية السلطة لا تزال غير مؤكدة.

ويبدو أن المعارضة لم تكن مستعدة للاستيلاء على البلاد بهذه السرعة، وقد لا يكون لديها اتفاق لتقاسم السلطة. وسوف يتعين التفاوض على هذا الأمر والعمل عليه بسرعة.

ومن المرجح أن تعترف الحكومة الجديدة بوحدات حماية الشعب الكردية السورية والأراضي التي تسيطر عليها كمنطقة مستقلة داخل سوريا. ولكن تركيا، الداعم الخارجي الرئيسي للمعارضة، ستعارض بشدة قيام دولة كردية مستقلة.

ومع ذلك، يبدو أن التاريخ يتحرك لصالح الكرد. فهناك الآن احتمال في نهاية المطاف لقيام دولة كردية مستقلة، ربما تجمع بين شمال العراق وشمال شرق سوريا في كيان واحد.

 

2 - الاعتراف الدولي:

 سوريا مكان معقد ومتنوع للغاية. وعلى هذا النحو، لا يمكن للحكومة الجديدة أن تستمر إلا إذا اكتسبت اعترافا دوليا.

واللاعبون الرئيسيون في هذه العملية هم تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإسرائيل (من خلال الولايات المتحدة). ومن المرجح أن تعترف كل هذه الكيانات بالحكومة الجديدة بشرط تشكيل إدارة معتدلة، والامتناع عن محاربة وحدات حماية الشعب الكردية، وعدم دعم حزب الله أو حماس.

ونظرا إلى نجاحهم غير المتوقع في الإطاحة بالأسد بهذه السرعة، فمن المرجح أن تقبل المعارضة هذه الشروط في مقابل المساعدة والاعتراف.

 

3 - تشكيل حكومة جديدة:

 السؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو نوع النظام السياسي الذي ستنشئه قوى المعارضة الآن. إن هيئة تحرير الشام والعديد من الجماعات في ائتلافها من المسلمين السنة، حيث ترتبط أصول هيئة تحرير الشام بتنظيم القاعدة. ومع ذلك، انفصلت هيئة تحرير الشام عن المنظمة الإرهابية في عام 2016 وحولت تركيزها حصريا إلى سوريا كحركة معارضة.

ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن نتوقع حكما علمانيا ديمقراطيا. ومن غير المرجح أيضا أن تشبه الحكومة الجديدة الحكم الديني المحافظ للغاية لطالبان.

وفي مقابلته الأخيرة مع شبكة سي إن إن، أشار الجولاني إلى نقطتين رئيسيتين. فقد أشار إلى أنه وغيره من القادة في المجموعة قد تطوروا في نظرتهم وفهمهم الإسلامي مع تقدمهم في السن، مما يشير إلى أن الآراء المتطرفة من شبابهم قد اعتدلت بمرور الوقت. كما أكد أن المعارضة ستكون متسامحة مع حريات وحقوق الأقليات الدينية والعرقية.

ولكن التفاصيل الدقيقة لكيفية حدوث ذلك تظل غير واضحة. ومن المتوقع أن تشكل هيئة تحرير الشام حكومة محافظة يلعب فيها الإسلام دورا مهيمنا في تشكيل السياسات الاجتماعية والتشريعية.

وعلى الصعيدين الاقتصادي والسياسي الخارجي، من المرجح أن يكون القادة الجدد للبلاد عمليين ومنفتحين على التحالفات مع القوى الإقليمية والعالمية التي دعمتهم.

 

4 - إعادة بناء البلاد والحفاظ على الوحدة:

 هذا ضروري لمنع اندلاع حرب أهلية أخرى هذه المرة بين الفائزين.

وذكر بيان صدر مؤخرا عن إدارة الشؤون السياسية في هيئة تحرير الشام أن سوريا الجديدة ستركز على البناء والتقدم والمصالحة. وتهدف الحكومة الجديدة إلى خلق ظروف إيجابية لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وإقامة علاقات بنّاءة مع الدول المجاورة وإعطاء الأولوية لإعادة بناء الاقتصاد.

ويرى صفا سيسين، أستاذ مساعد للدراسات الدولية والعالمية في جامعة الناصرة، أن قدرة قوات المعارضة على الحفاظ على الوحدة ستكون حاسمة في الانتقال إلى سوريا ما بعد الأسد.

ومنذ بدأت الحرب الأهلية في عام 2011، انقسمت العديد من فصائل المعارضة في سوريا بسبب الاختلافات الأيديولوجية ومصالح الداعمين الخارجيين، ويظل هذا صحيحا على الرغم من انتصارهم الحالي.

 

وفي غضون ذلك، يطرح التغير السريع في أحوال الحرب الأهلية في سوريا أسئلة خطيرة على البلدان التي ساندت أحد الجانبين في الصراع. فبالنسبة إلى إيران وروسيا، فإن سقوط حليفهم الأسد من شأنه أن يلحق الضرر بالتطلعات الإقليمية. وبالنسبة إلى داعمي عناصر المعارضة ــ ولا سيما تركيا ولكن أيضا الولايات المتحدة، اللتين تحتفظان بوجود عسكري في سوريا ــ فسوف تكون هناك تحديات أيضا.

وتشير حقيقة سيطرة جماعات معارضة مختلفة على مناطق مختلفة كانت خاضعة لسيطرة الحكومة إلى حقيقة بالغة الأهمية، وهي أن سوريا مقسمة بحكم الأمر الواقع. فالشمال الغربي تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. والشمال الشرقي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد، والتي تدعمها الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الهدف المشترك المتمثل في الإطاحة بالأسد والهجوم المشترك على حلب، فإن الصراعات بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري متكررة. وتهدف هيئة تحرير الشام، بقيادة أبومحمد الجولاني، إلى فرض سيطرتها على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بما في ذلك تلك التي يديرها حاليا الجيش الوطني السوري.

ويحافظ الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام على علاقات معقدة ومتضاربة في الكثير من الأحيان مع قوات سوريا الديمقراطية، والتي تشكلها الاختلافات الأيديولوجية والإقليمية والإستراتيجية.

وتخوض قوات الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا اشتباكات مباشرة بشكل متكرر مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية وفرعا لحزب العمال الكردستاني الذي تقاتله في جنوب تركيا منذ أكثر من أربعة عقود.

وقد يؤدي التشرذم الداخلي للمعارضة إلى إضعاف قدرتها على جلب الاستقرار إلى سوريا على المدى الطويل. ودخلت سوريا والشرق الأوسط الأوسع مرحلة جديدة في تاريخهما الحديث. ولكن هناك شيء واحد مؤكد أن الأمور لن تكون كما كانت أبدا.

*صحيفة"العرب"اللندنية


15/12/2024