قدمت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها وجهة نظر بشأن هيئة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع، ومستقبل سوريا في ظل توازنات القوى العالمية والحاجة لإعادة النهوض بالبلاد.
وقالت افتتاحية الصحيفة إن الدبلوماسية هي "فن تحويل المستحيل إلى ممكن"، وإن أحمد الشرع، قائد سوريا الحالي – بحكم الواقع - أثبت إتقانه للمساومة والإقناع، فبالرغم من أن هيئة تحرير الشام وُضعت على قوائم الإرهاب لدى كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إلا أن الشرع استقبل ممثلي هذه الجهات في دمشق.
وتضيف الصحيفة أن حديث الشرع "البنّاء" مع الأمريكيين أدّى إلى إلغاء المكافأة التي وضعتها واشنطن سابقاً بقيمة 10 ملايين دولار "لقاء رأسه". وفي إشارة إلى التغيير الذي حدث، تخلّى الشرع عن اسمه العسكري المعروف "أبو محمد الجولاني"، وتخلى كذلك عن بدلته العسكرية.
وترى الصحيفة أن الزيارات الدولية إلى سوريا تدلل على وجود رغبة لدى المجتمع الدولي بإعادة ضبط استجابته لتوازنات القوى المتغيرة في سوريا، لكن "السؤال هنا هو ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى إجراءات ملموسة؟".
وتستعرض الصحيفة في هذا السياق الأوضاع في سوريا، وهي أوضاع تخلق "حاجة ملحّة لفعل شيء"، إذ إن "90% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، وهناك 6 ملايين سوري لجأوا إلى خارج البلاد، إضافة إلى 7 ملايين نازح داخلها.
ومن هذا المنطلق، يسعى الشرع، برأي الصحيفة، إلى رفع هيئة تحرير الشام عن قوائم الإرهاب، والحصول على الاعتراف الدولي بحكومة تصريف الأعمال الجديدة، ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام الأسد، حتى يصبح "إعادة بناء سوريا" ممكناً.
في المقابل، "تريد القوة الخارجية المتعددة، أشياء أخرى". تقول الصحيفة إن العديد من البلدان تشدد على الحاجة لاحترام الأقليات وتطبيق سلطة القانون وإنشاء حكومة تشمل الجميع. فيما تسعى بلدان أخرى إلى تحقيق مصالحها الذاتية، فروسيا "تريد الإبقاء على قواعدها العسكرية في سوريا"، والولايات المتحدة تريد "دحر النفوذ الإيراني، ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بالتعاون مع حلفائها الكرد"، فيما تسعى تركيا إلى صد المجموعات الكردية ومطالبتهم بالحكم الذاتي.
وترى الغارديان أن "سوريا المستقرة" لديها جاذبية تتعدى حدود مصالحها المحلية. وهدف دمشق في نهاية المطاف يجب أن يتمثل في بناء سلم مستدام داخل بلد موحد، وهذا يعني أن "القوى الأجنبية يجب أن تتراجع، ومن بينها إسرائيل التي احتلت بصورة غير مشروعة أراض سورية".
وتشير الصحيفة إلى أن على هيئة تحرير الشام أن تظهر أنها فعلاً قد تركت ماضيها وراءها، كما يجب عليها أن تجد طريقة للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك "الانتهاكات التي قامت بها بنفسها".
وتعبّر الصحيفة عن خشية "بعض السوريين" من أن "تنجر الإدارة الجديدة نحو الحكم الديني المتشدد والطائفي، وأن يؤدي ذلك إلى تهميش النساء وإبعادهن عن الحياة العامة".
وهي مخاوف يعمل الشرع جاهداً، برأي الصحيفة، على تبديدها، إذ يعقد لقاءات بممثلي الأقليات، ويعبر عن التزامه بإعادة بناء "بلد ممزق".
وترى الصحيفة أن على الشرع أن يعهد بكتابة الدستور إلى مجلس منتخب أو مجلس "يمثل التنوع السوري"، وليس إلى "لجنة منتقاة بعناية من الحلفاء ذوي التوجهات المماثلة له"، كي لا يخاطر بإصدار دستور "لا يحظى باحترام من السوريين أكثر من ذلك الذي حظي به نظام الأسد البائد".