×

  سوريا و الملف الکردي

  المجتمع الدولي بين تفهّم مخاوف تركيا وإهمال حقوق الكُرد



*بوزان كرعو

 

 

في ضوء التوترات المستمرة في المنطقة والتدخّلات المتكررة من قبل تركيا في الأراضي السوريّة، يبرز تساؤل مُلِحّ حول الكيل بمكيالين الذي يتبعه المجتمع الدولي في تعامله مع المخاوف الأمنية للأطراف المختلفة، فبينما يسارع المجتمع الدولي إلى تفهم مخاوف تركيا بشأن أمنها القومي، فإنه يتجاهل المخاوف الوجوديّة للشعب الكردي الذي يعاني من سياسات أنقرة العدائية، سواء بدعمها للمجموعات المرتزقة أو بمحاولاتها المستمرة لتغيير التركيبة السكانية في المناطق الكردية.

 

ازدواجية المعايير في التعامل مع المخاوف الأمنية

إذا كان المجتمع الدولي يُقدِّر مخاوف الرئيس التركي أردوغان بشأن وجود مئات المقاتلين الكرد المسلحين بأسلحة خفيفة على حدودها الجنوبية، فعليه بالمثل أن يولي اهتمامًا بمخاوف الشعب الكردي من السياسات التركية التي تهدد وجود ثلاثة ملايين كردي في الجزء الكردستاني الملحق بالأراضي السورية.

تركيا التي تدّعي أن أمنها مهدد، كانت ولا تزال توفر الدعم العلني والضمني لمرتزقة الجيش الوطني السوري حاليًا، وداعش سابقًا، ما يُشكل تهديدًا وجوديًا للشعب الكردي.

 

تركيا ودعم الإرهاب

لا يمكن إغفال دور تركيا في تعزيز الفوضى في سوريا عبر دعمها للجماعات المتطرفة والمرتزقة، مما أدى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المناطق الكردية.

داعش، الذي كان أحد أبرز الأدوات التي استخدمتها تركيا لتحقيق مصالحها الجيوسياسية، استهدف المناطق الكردية بشكلٍ مباشر وارتكب جرائم إبادة وتهجير بحق المدنيين الكُرد، واليوم تستمر أنقرة في دعم مرتزقة الجيش الوطني التي تمارس انتهاكات جسيمة في المناطق المحتلة، مثل عفرين وسرى كانيه من تهجير قسري ونهب وتغيير ديموغرافي ممنهج.

 

تهديد وجودي للشعب الكردي

سياسات تركيا التوسعية في سوريا لا تهدد فقط الأمن القومي السوري، بل تُشكّل خطرًا وجوديًا على الشعب الكردي. إن التغيير الديموغرافي الذي تنفذه أنقرة في المناطق الكردية يهدف إلى محو الهوية الكردية من تلك المناطق، مما يجعل الشعب الكردي أمام تحدٍ خطير يمس وجوده وتاريخه، ومع وجود ثلاثة ملايين كردي في هذه المنطقة، فإن السياسات التركية تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرارهم ومستقبلهم.

 

دعوة للمجتمع الدولي

على المجتمع الدولي أن يُدرِك أن أمن تركيا المزعوم لا يمكن أن يكون على حساب وجود شعب بأكمله، إذا كانت مخاوف تركيا من المقاتلين الكرد على حدودها تُعتبر قضية أمن قومي، فإن مخاوف الكرد من السياسات التركية العدائية تستحق الاهتمام ذاته، لذلك يتعيّن على المجتمع الدولي اتخاذ موقف متوازن يضمن حقوق الشعب الكردي في العيش بأمان على أرضه التاريخية، بعيدًا عن التهديدات والاعتداءات.

وأخيراً إن القضية الكردية ليست مجرد ملف أمني أو سياسي، بل هي قضية تتعلق بحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، إذا أراد المجتمع الدولي تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، فعليه أن يتعامل مع مخاوف جميع الأطراف بإنصاف وعدالة، فكما يُطلب من الكرد احترام المخاوف الأمنية لتركيا، يجب على المجتمع الدولي أن يطالب تركيا باحترام وجود وحقوق الشعب الكردي في العيش بأمان وسلام.

*صحيفة"روناهي"/الادارة الذاتية


29/12/2024