×

  قضايا كردستانية

  حراك مكثف نحو الكرد: طريق «التسوية» ليست معبدة



تتسارع المساعي المتعلّقة بحلّ المسألة الكردية في تركيا وسوريا معاً، وسط تباينات حادّة في المواقف، في وقت كرّر فيه وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، القول إن «حزب العمال الكردستاني» يمثّل «خطراً على تركيا كما على كل دول المنطقة»، داعياً «الإرهابيين الكرد في سوريا» إلى أن يغادروها.

 وفي تحريض علني ضدّ السوريين من غير السنّة وأيضاً الكرد، قال فيدان إن بلاده «كما لم تتردّد في احتضان اللاجئين السوريين والوقوف ضدّ نظام الأسد الظالم الذي أجبر السنّة والعرب على ترك أراضيهم، فهي لن تتردّد اليوم أيضاً في أن تمحو الإرهابيين (الكرد) من سوريا»، لكنها «تنتظر المجتمع الدولي ليساعد في هذا الأمر»، بحسب الوزير.

ووفقاً للباحث آيدين أونال، في صحيفة «يني شفق»، فإن رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، أبلغ وفداً ممثِّلاً لـ»قسد» التقاه في دمشق، بأنه «ليس هناك من خيار أمام الكرد سوى تسليم سلاحهم»، وهو ما يتّفق مع وجهة النظر التركية.

ورأى الكاتب أنه «أمام الكرد فرصة لكي يكونوا جزءاً من النظام الجديد ومن القوات المسلحة، في إطار سوريا الموحّدة»، مضيفاً: «يمكن القول إن نهاية حزب العمال الكردستاني قد اقتربت».

 وفي موقف حاد ممّا يجري، اعتبر الكاتب الموالي للسلطة أنه «لا حاجة إلى أن يخرج (عبد الله) اوجلان من السجن، ولا إلى أن يوجّه نداءً، ولا حاجة أصلاً إلى كلّ ما يحكى عن عملية سلام جديدة مع الكرد. فيَدُ تركيا قوية، وتستطيع حلّ المشكلة الكردية بألف طريقة».

أما بالنسبة إلى الحراك الكردي في الداخل التركي، فإنه بعد اللقاء الذي جمع وفداً من «حزب الديموقراطية والمساواة» الكردي، مع زعيم «الكردستاني» المعتقل، عبد الله اوجلان، وإبداء هذا الأخير استعداده لتوجيه «رسالة إيجابية» بالنسبة إلى حلّ المشكلة، زار الوفد المؤلف من النواب: سري ثريا أوندير وبروين بولدان (اللذين التقيا اوجلان في السجن)، وأحمد تورك، زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت بهشلي، على أن تتبع هذا اللقاء زيارات إلى سائر أحزاب البرلمان، وفي مقدمها «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، والذي قال اوجلان إن أفكاره يمكن أن تسهم بشكل قوي في الحلّ.

 

لقاء ايجابي

وفي خطوة مهمّة أيضاً، ذكر الكاتب المعارض المعروف، فكرت بيلا، في موقع «خلق تي في»، أنه «بعد إتمام الحزب لقاءاته مع الأحزاب التركية، سيقوم بزيارة ثانية إلى اوجلان في سجنه، ومن ثم سيذهب إلى روجافا في سوريا، ليتباحث مع قادتها حول مستقبل الوضع في تلك المنطقة».

ووفقاً للكاتب، فإن نائب ديار بكر عن «العدالة والتنمية»، غالب أنصار أوغلو، قال إن «الدعوة إلى تسليم السلاح ستُوجَّه إلى حزب العمال بعد احتفالات النوروز، في 21 آذار المقبل».

وعن لقاء بهشلي مع النواب الكرد، قال الكاتب إسماعيل صايماز إنه كان «إيجابيّاً»، وإن أحمد تورك أهدى بهشلي مسبحة من حجر الكهربار.

ونقل الكاتب عن أعضاء الوفد الكردي، قولهم إن «بهشلي كان يستمع باهتمام إلى ما قاله اوجلان، وقد رسم إطاراً إيجابيّاً بقوله: لقد حان الوقت لحلّ هذه المسألة. واعتبر وفد الكرد أن كون مبادرة الحلّ جاءت من جانب بهشلي، فذلك يمثّل عاملاً مساعداً، وربّما الآن ثمة فرصة أخيرة للحلّ، لأن التطوّرات والمخاطر في الشرق الأوسط تتكاثر.

وبحسب الوفد، فإن هذا التقييم ليس خاصاً فقط بالحزب، بل باوجلان الذي يقول إن الفرصة قد لا تتكرّر في وقت آخر». ووفق صايماز، «قال الوفد إن موقف كل قادة الحركة الكردية يحمل القلق من مواقف السلطة. ولكنهم يثقون باوجلان».

 

استمرار سياسة إنكار

من جهته، قال القيادي البارز في «العمال الكردستاني»، جميل بايك، لصحيفة «يني أوزغور بوليتيكا»، إن «السلطة التركية، ولا سيما دولت بهشلي، تحاول أن تعطي انطباعاً بأن أشياء إيجابية تحدث، لكن الواقع غير ذلك تماماً. فلا اعتراف بالقضية الكردية، وحزب العمال الكردستاني هو عدو. وهذا يظهر استمرار سياسة إنكار وإبادة عمرها مئة عام. لذلك، نحن نخوض حرباً قاسية. ومع ذلك، فإن الدولة التركية يتحتّم عليها أن تتوجّه إلى القائد آبو، وتتحاور معه».

 وأضاف أن «حزبَي العدالة والتنمية والحركة القومية لم يتخلّيا عن ذهنية الإبادة. هما كما في الأمس، يريدان اليوم تصفية القضية الكردية. ومنذ التغيير في سوريا، والجيش التركي يشنّ عمليات عدوانية على منطقة روجافا. هدف تركيا واضح وهو احتلال روجافا وتصفية الإدارة الذاتية. لكن الشعب الكردي سيقاوم حتى النهاية».

وأشارت الصحيفة إلى أن «عيون تركيا هي على الموارد النفطية والغاز الطبيعي في حقول رميلان وعمر وكونيكو في دير الزور في منطقة روجافا. كذلك، فإن روجافا فيها ثلاثة سدود كبيرة، هي الفرات والبعث وتشرين.

كما أن 70% من القمح السوري، و40% من القطن والذرة والبقول تنتج في المنطقة».

 ولروجافا، وفق الصحيفة، أهمية كبرى، «أولاً لمحاربة داعش بين سوريا والعراق، وثانياً لتركيا لأنها تشكّل تهديداً لها، وثالثاً لأن فيها مخيمَي الهول وروج اللذين يضمّان أكثر من 40 ألف داعشي، كما أن هناك 8 آلاف معتقل في السجون من خمسين دولة».

 ولفتت إلى أن «رؤية الإدارة الذاتية مختلفة جداً عن رؤية دمشق في ما خصّ طبيعة الإدارة السياسية والتعليم وغير ذلك. ووقوف تركيا إلى جانب دمشق لمواجهة الإدارة الذاتية يجعل الأمور أكثر تعقيداً».

 

اوجلان منفتح على الحلّ

وفي الـ23 من تشرين الأول الماضي، سُمح للنائب عمر اوجلان، ابن شقيق عبد الله اوجلان، بزيارة عمّه في معتقله، فيما كانت الخطوة العملية الأولى، السبت الماضي، عندما زاره في إيمرلي نائبان عن الحزب الكردي، هما: سري ثريا أوندير، وبرفين بولدان، واستمر اللقاء بينهم ثلاث ساعات، علماً أنه اللقاء الأول على صعيد حزبي رسمي منذ الخامس من نيسان 2015.

وبعد ذلك بساعات، نشر النائبان بياناً مفصّلاً بمحتوى ما تطرّق إليه المجتمعون، جاء فيه أن «صحة اوجلان جيدة، ومعنوياته عالية، وتقييماته لحلّ المشكلة الكردية مهمّة جداً». وشدد اوجلان على أنه «يجب تعزيز أواصر الأخوة التركية - الكردية»، واضعاً الكرة في ملعب السلطات التركية، بالإشارة إلى أنه «على تركيا أخذ زمام المبادرة، والتصرّف بشكل بنّاء، من دون الوقوع في حسابات ضيّقة ومرحلية»، محدّداً البرلمان التركي كمنطلق لهذه الجهود.

 ورأى أن «أحداث سوريا وغزة (لم يذكر لبنان)، وتدخّلات القوى الخارجية، تَفرض عدم تأجيل الحلّ»، داعياً السلطة إلى «الأخذ بجدّية باقتراحات المعارضة على أساس أن لها قيمة كبيرة لنجاح الحلّ». كما قال اوجلان خلال اللقاء: «لديّ القوّة والتصميم لتقديم المساهمة الإيجابية اللازمة في النموذج الجديد الذي يعزّزه السيد بهشلي والسيد إردوغان». ثم أردف في رد مباشر على دعوة زعيم «الحركة القومية» له إلى إلقاء بيان أمام النواب الكرد: «أنا على استعداد لاتّخاذ الخطوة الإيجابية اللازمة وإجراء النداء اللازم»، مضيفاً أنه «عصر السلام والديموقراطية والأخوة لتركيا والمنطقة».

وينصرف الآن مسؤولو الدولة والحزب الكردي وكذلك حزب المعارضة الرئيس، «الشعب الجمهوري»، على مناقشة الخطوة التالية، ومن أيّ طرف يمكن أن تأتي، خصوصاً أن موقف اوجلان اعتُبر متوازناً للغاية، وإن حذر بهشلي وإردوغان من الدخول في الحسابات «الضيقة».

 ولكن على الرغم من كل تلك الإيجابيات، إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل، التي هي في الحقيقة لبّ المشكلة، علماً أن أحداً لم يتطرّق إليها، لا الكرد، ولا السلطة، وعلى رأسها ما يلي:

1- عندما يدعو بهشلي، اوجلان، إلى توجيه نداء في البرلمان لترك «حزب العمال» السلاح، والتخلّي عن الإرهاب، فهو لا يوضح ما هو الثمن المقابل الذي يمكن أن تقدّمه النخبة التركية للكرد.

2- إن المطالب الكردية واضحة ومعروفة منذ وقت طويل، وهي: منح المجموعة الكردية - وعددها لا يقلّ عن 12 مليون نسمة - حقوقاً دستورية كاملة في الهوية، من حقّ التعلّم باللغة الكردية في المناطق ذات الغالبية الكردية، وحرية التعبير عن الهوية في جميع المجالات، ومراعاة التعيينات في المناصب الخاصة بالمناطق الكردية لتكون مثلاً من حصة السكان المحليين.

3- في المقابل، لا يشير الأتراك من قريب أو بعيد إلى أيّ مطلب كردي، ليس الآن فقط، بل منذ تأسيس الجمهورية عام 1923، حيث واجهت هذه الفئة حملات إبادة في عهد العلمانيين/ القوميين. والأمر نفسه ينطبق على التيار الإسلامي الذي مثّله أولاً نجم الدين إربكان، ومن ثم رجب طيب إردوغان، علماً أن هذا التيار كان يكتفي بالحديث عن «الأخوة الإسلامية»، مقرّاً بوجود «قضية» كردية، لكن من دون أيّ ترجمة عملية لهذا الشعار.

4- بناءً على ما تقدم، يتعذّر توقُّع أن يكون نداء اوجلان، في حال تحقَّق، دعوةً صريحة إلى التخلّي عن السلاح. وإذا كانت أنقرة تراهن على شقّ إسفين بين اوجلان وقيادة «الكردستاني» في جبال قنديل في العراق، فإن التفاؤل بحلّ للمشكلة لن يكون في محلّه عندها. والكلام هنا يتّصل بما يتمّ نشره في الصحف الموالية عن «شراكة» بين إردوغان وبهشلي واوجلان لحلّ المشكلة بعيداً من أيّ دور لقادة «قنديل».

5- ما يلفت النظر في موقف اوجلان، ربطه حلّ المشكلة الكردية بما يجري في سوريا وغزة، وتدخّل القوى الخارجية، وهو ما يفتح أمام إمكانية حل المسألة الكردية في تركيا وسوريا معاً.


05/01/2025