*وليد إبراهيم
زيارة رئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري لدمشق ولقائه أحمد الشرع هي أمنية أكثر منها سياسية، هكذا تحاول بغداد وصف الزيارة، رغم أن بُعدها السياسي واضح ولا يمكن تجاهله أو تجاوزه.
قلق حكومة بغداد تجاه الأحداث في سوريا، ومن خلفها قوى الإطار التنسيقي (الشيعي) وما يمتلكه من أجنحة وفصائل مسلحة لعبت دوراً مهماً في سوريا في السنوات الاثنتي عشرة الماضية، لا يمكن تجاهله، لا سورياً ولا عراقياً.
هذه القوى بمجملها أعطت موافقتها المسبقة لزيارة حميد الشطري، ويبدو أيضاً أنها أعطت موافقتها على مخرجاتها.
فما حصل في سوريا، والتغيير الذي جاء بقوى سياسية ذات خلفية أيديولوجية مختلفة تماماً عن الأيديولوجية التي تتبناها كل هذه القوى السياسية الفاعلة في المشهد العراقي، شكّل صدمة لها.
ويقيني أنها لا تزال في مرحلة امتصاص الصدمة وتقبّل ما أفرزته من واقع جديد، وبالتالي محاولة التعامل بواقعية مع الحدث، وهو أمر ليس بالهيّن على هذه القوى جميعها.
الشطري، المعيَّن حديثاً رئيساً لجهاز المخابرات العراقي، حمل في زيارته لدمشق هواجس حكومته الأمنية، أهمها ضبط الحدود المشتركة وعدم السماح لجماعات تنظيم الدولة بالعبور إلى داخل العراق. وأيضاً كيف ستتعامل دمشق مع موضوع ضبط السجون والسيطرة عليها، التي تضم المئات وربما الآلاف من عناصر التنظيم، وهي سجون تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات، والتي تقع شمال شرق سوريا قرب الحدود المشتركة بين البلدين. وهي منطقة تشهد وجوداً عسكرياً امريكياً، وتنسيقاً أمنياً بالمواقف بين هذه القوات وقوات قسد. (قوات قسد تُصنّفها أنقرة كقوات إرهابية وتحاول إنهاء تواجدها هناك بأي وسيلة، وهذا قلق آخر لبغداد من تداعياته في حال حدوثه).
الحديث في بغداد، من قبل طبقة سياسية معينة، أن هذه الزيارة لا تمثل اعترافاً عراقياً رسمياً بالواقع السياسي الجديد في سوريا، هو حديث في غير محله. فبغداد استبقت الزيارة برفع علم الثورة السورية على مبنى السفارة السورية. وهذا التصرف يعني، بالسياق والأعراف الدبلوماسية، اعترافاً ضمنياً تجاه ما حصل في سوريا.
سياسياً؛ تتحدث بغداد عن قلقها تجاه ما تسميه رؤية الإدارة السورية الجديدة لأي عملية سياسية مقبلة ومآلاتها تجاه الأقليات (وتحديداً الشيعة والعلويين).
تقول حكومة بغداد إن سوريا بحاجة إلى عملية سياسية تضم كل مكوناتها وتحترم هذه المكونات. وهذا الكلام تؤيده بشكل واضح القوى السياسية الشيعية والكردية أيضاً.
بالنتيجة، فإن بغداد لم تُخفِ قلقها من أي حراك سياسي سوري قد يؤدي، في النهاية، إلى زعزعة الأمن والاستقرار فيها، لأنها تعتقد أن هذا سيؤدي إلى ارتدادات عكسية على الأوضاع في العراق، أمنياً وسياسياً إلى حد ما.
في هذا الإطار، فإن حديث النخب السياسية في العراق لم يتوقف منذ اليوم الثاني للتغيير في سوريا.
كثيرون عبّروا عن قلقهم وخشيتهم أن تزحف تداعيات الشأن السوري إلى الداخل العراقي. بل إن بعضهم ذهب أبعد من ذلك بالحديث عن أن الوضع العراقي يجب أن يشهد تغييراً بمساره السياسي يفضي إلى تصحيح المسارات فيه. لم يكتفِ هؤلاء بهذا الكلام، بل دعوا إلى استباق الأحداث والمضي بأحداث التغيير (المنشود) قبل أن يتم فرضه بالقوة من قبل فواعل خارجية، بحسب رأيهم.
وسط كل هذا، فإن ما يستحق التوقف عنده هو تصريح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي قال في مقابلة تلفزيونية إن واحدة من رسائل بغداد لدمشق هي تجنب المشاكل التي اعترت العملية السياسية العراقية في مرحلة ما بعد العام 2003.
وهو كلام يقترب كثيراً من الخطاب الذي يدعو إلى ضرورة إصلاح العملية السياسية في العراق.
وفي تطور مهم آخر، فإن حكومة بغداد لم تُخفِ قلقها من أي تداعيات قد تنشأ داخل سوريا واحتمال التعرض للمراقد الدينية الشيعية، وهذا ما عبّر عنه رئيس الوزراء صراحةً خلال لقائه مع عدد من سفراء الدول العربية في بغداد بعد أيام من سقوط نظام بشار.
إزاء الموقف العراقي هذا، وما تطلبه بغداد من الإدارة السورية الجديدة، فإن حكومة بغداد تعهدت بأنها لن تسمح لأي من الفصائل المسلحة العراقية بالتدخل في الشأن الداخلي السوري، وأنها لن تكون جزءاً من أي محور يسعى للتدخل في الشأن الداخلي “خلافاً لإرادة الشعب السوري”، وأنها “ستحترم إرادة الشعب السوري وستكون داعمة له إنسانياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً متى ما وجدت بغداد أن سوريا تسير في الاتجاه الصحيح”.
ومع ما تحمله هذه الرسائل من خطاب ومن أهمية للإدارة السورية، فإنها بالتأكيد ستكون رهناً بتطور الأحداث داخل سوريا وما قد يشهده الداخل السوري من تطورات، سلباً أو إيجاباً.
*موسوعة"اقلامهم"